الشعر البيئي: هل يرفع الوعي حول التغير المناخي؟
مناهل السهوي 22 يناير 2024
آراء
قصيدة ضوئية من الطاقة الشمسية من تصميم روبرت مونتغمري(31/10/2024/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
قد يبدو مصطلح الشعر البيئي صادمًا للحظة، فمن الشائع الحديث عن شعر الطبيعة الذي استخدمه الرومانسيون، لكن هل يمكن فعلًا كتابة شعر عن البيئة والتغيّر المناخي والكوارث الطبيعية؟
قد يصدمك أن الشعر قادر، وفي كل مرة، على الانصهار مع أي موضوع في الحياة، حتى لو كان عن ارتفاع درجة الحرارة، وذوبان جليد القطبين، وانقراض الكائنات.
علماء يكتبون الشعر
لم تكن أفضل دعوة للكاتبة والشاعرة البريطانية سالي فلينت أن تكون المشرفة على جلسات "الأساليب الإبداعية للكتابة العلمية"، في مكتب الأرصاد الجوية، لقيادة مشروع تجريبي بعنوان "قصص المناخ"، إذ أن هنالك فكرة عامة عن أن الفنون والعلم لا يجتمعان، وهنالك فكرة شائعة بصعوبة دمجهما، فماذا يمكن أن يقول علماء عن تغيير المناخ في الشعر؟
كان الهدف هو معرفة ما إذا كان كتابة الشعر عن البيئة سيساعد في كشف الألغاز المحيطة بكلا التخصصين، وإيجاد طرق مبتكرة لإيصال الحقائق والتنبؤات المناخية إلى جمهور أوسع، وكان ذلك بالنسبة لسالي بمنزلة تحدٍ حقيقي، أي اكتشاف إن كان مفيدًا تحفيز مجموعة من العلماء لكتابة القصائد كوسيلة لتوصيل الرسائل الرئيسية المتعلقة بتغير المناخ.
في النهاية، كانت التجربة إيجابية، وتمكن العلماء من نقل تجاربهم العلمية بطريقة مبتكرة من خلال الشعر، تقول سالي: "يبدو أن الشعراء والعلماء يشتركون في هدف مشترك، تحسين وتقديم النتائج التي توصلوا إليها بطريقة متماسكة ومعقولة ومؤثرة".
كتابة الشعر أثبتت أنها مفيدة في جعل العلماء يتخيلون قصص المناخ، ويتحدثون بقوة، ويجدون الحقائق، ويبعثون على الأمل، أو حتى بطرق فكاهية، لتلخيص أخطار وواقع أزمة المناخ بأمانة، بحسب سالي فلينت.
أثبتت عالمة الأحياء البحرية راشيل كارسون أن ممارسة الجمع بين العلم وسرد القصص معًا أدت إلى زيادة الوعي العام بالأضرار البيئية، وأن الشعر يمكن أن يُظهر تأثيرات الملوثات الكيميائية بشكل أفضل، على رغم أن الهجمات الشخصية ضدها كانت شرسة لربط اكتشافاتها العلمية بالكتابة الإبداعية.
ما هو الشعر البيئي؟
يشير مصطلح الشعر البيئي عمومًا إلى الشعر المكتوب حول البيئة والنظم البيئية والحيوانات والزراعة، وتغير المناخ والمياه والطعام. ظهر هذا النوع في التسعينيات عندما شكك الشعراء في طبيعة "شعر الطبيعة"، بخاصة بعد كل التغيرات التي طرأت على البيئة من احتباسٍ حراري ودمارٍ بيئي.
والطبيعة هنا مختلفة عن تلك التي وردت في شعر الشعراء الرومانسيين، الذين غالبًا ما يكتبون عن المناظر الطبيعية الريفية الجميلة، حيث تحولت الطبيعة إلى موضوع شعري شائع. لكنْ، في الشعر البيئي يركز الشعراء المعاصرون على الآثار السلبية للنشاط البشري على الكوكب.
في القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت فكرة "شاعر الطبيعة"، فكتب شعراء مثل جون كيتس، وويليام ووردزوورث، وإميلي ديكنسون، عن جمال الطبيعة وقوتها، وحاولوا فهم قوتها وأهميتها. لاحقًا، وبعد أن أثرت الحركة البيئية في القرن العشرين على الشعر المعاصر، راح الشعراء يكتبون عن قضايا بيئية، مثل التلوث، وتغير المناخ، وانقراض الأنواع، من بينهم غاري سنايدر، وماري أوليفر، ومارغريت أتوود، الذين هدفت كتاباتهم إلى رفع مستوى الوعي حول هذه القضايا، والدعوة إلى حماية العالم الطبيعي.
الشعر البيئي ليس حديثًا تمامًا، فمنذ بدأت الثورة الصناعية انتبه الشعراء إلى التغيرات الهائلة التي حدثت. كتب ويليام بليك قصيدته المشهورة "كنس المدخنة" عام 1789، التي تصف تنظيف الأطفال للمداخن والسخام.
إذًا، كان الشعراء يكتبون بالفعل قديمًا عن البيئة، لكن الكتابة البيئية تحولت إلى حركة بمجرد ظهور الثورة الصناعية.
قلّة الشعر العربي حول البيئة
على عكس العالم العربي، يمكن إيجاد كثير من القصائد الغربية المكتوبة عن البيئة والتغير المناخي. ومن القصائد المدهشة عن التغير المناخي قصيدة: "لا أعرف ما الذي سيقتلنا أولًا: الحرب العرقية، أم ما فعلناه في الأرض"، للأميركية فاطمة أصغر. كذلك تعد الكندية مارغريت أتوود من أهم من كتبوا عن البيئة شعرًا ورواية، وبطريقة أكثر وعيًا سياسيًا واجتماعيًا، هادفة إلى رفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية، والدعوة إلى حماية العالم الطبيعي. تقول:
"يا أطفال، هل ستكبرون في عالم بلا ثلج؟/ بدون فئران، بدون أشنات؟ يا أطفال هل ستكبرون؟".
في قصيدة "أغنية السلاحف في الخليج"، تروي الأميركية ليندا هوغين مشهد انتشال سلحفاة ميتة من مياه المحيط بسبب المواد البلاستيكية والتلوث النفطي؛ تقول واصفة السلحفاة:
"وأتألم، كل ما أستطيع أن أفكر فيه هو أنني أحببت حياتك/ إنك أمٌّ عجوز وعظيمة/ سباحة جميلة/ تبدو فسيفساء قشرة ظهرك مفصلة للغاية/ لا يوجد جزء منك/ بسيطة لا معنى لها/ أو قابلة للتشكيل من قبل أي إنسان".
شعر البيئة ليس "ترند"، أو موضة جديدة، بل هو حاجة ملحة. في مقدمة كتاب "قصائد لكوكب صغير: شعر الطبيعة الأميركي المعاصر"، يقول الناقد جاي باريني إن الطبيعة لم تعد الملاذ الريفي للشاعر ووردزوورث (الذي كان شاعرًا رومانسيًا)، الطبيعة الآن مسألة سياسية ملحة، مسألة بقاء.
لا تساهم كتابة الشعر البيئي في رفع الوعي وحسب، بل يمكن أن تكون وسيلة لجمع المال ودعم المنظمات البيئية، مثلًا كتاب "تغير المناخ" هو نتاج مسابقة شعر عالمية تديرها جامعة مانشستر متروبوليتان، وجامعة إدنبرة، حيث طُلب من الأشخاص تقديم قصائد مكونة من 40 سطرًا، أو أقل، حول موضوع تغير المناخ، كتب المشاركون قصائد حزينة وغاضبة، وحتى كوميدية، والتي تم إدراج أفضلها في نسخة مطبوعة، ونسخة إلكترونية، لتذهب عائدات بيع الكتاب إلى الجمعيات الخيرية البيئية.
يستكشف شعر البيئة الروابط المعقدة بين الناس والطبيعة، ويعمل الشعراء اليوم كشهود على تغير المناخ، مع لفت الانتباه إلى القضايا البيئية المهمة، والدعوة إلى الحفاظ عليها.
مصادر:
Climate change poetry anthology inspires environmental action - Manchester Metropolitan University –
When Climate Science Met Poetry - Sally Flint - the literary platform
مناهل السهوي 22 يناير 2024
آراء
قصيدة ضوئية من الطاقة الشمسية من تصميم روبرت مونتغمري(31/10/2024/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
قد يبدو مصطلح الشعر البيئي صادمًا للحظة، فمن الشائع الحديث عن شعر الطبيعة الذي استخدمه الرومانسيون، لكن هل يمكن فعلًا كتابة شعر عن البيئة والتغيّر المناخي والكوارث الطبيعية؟
قد يصدمك أن الشعر قادر، وفي كل مرة، على الانصهار مع أي موضوع في الحياة، حتى لو كان عن ارتفاع درجة الحرارة، وذوبان جليد القطبين، وانقراض الكائنات.
علماء يكتبون الشعر
لم تكن أفضل دعوة للكاتبة والشاعرة البريطانية سالي فلينت أن تكون المشرفة على جلسات "الأساليب الإبداعية للكتابة العلمية"، في مكتب الأرصاد الجوية، لقيادة مشروع تجريبي بعنوان "قصص المناخ"، إذ أن هنالك فكرة عامة عن أن الفنون والعلم لا يجتمعان، وهنالك فكرة شائعة بصعوبة دمجهما، فماذا يمكن أن يقول علماء عن تغيير المناخ في الشعر؟
كان الهدف هو معرفة ما إذا كان كتابة الشعر عن البيئة سيساعد في كشف الألغاز المحيطة بكلا التخصصين، وإيجاد طرق مبتكرة لإيصال الحقائق والتنبؤات المناخية إلى جمهور أوسع، وكان ذلك بالنسبة لسالي بمنزلة تحدٍ حقيقي، أي اكتشاف إن كان مفيدًا تحفيز مجموعة من العلماء لكتابة القصائد كوسيلة لتوصيل الرسائل الرئيسية المتعلقة بتغير المناخ.
في النهاية، كانت التجربة إيجابية، وتمكن العلماء من نقل تجاربهم العلمية بطريقة مبتكرة من خلال الشعر، تقول سالي: "يبدو أن الشعراء والعلماء يشتركون في هدف مشترك، تحسين وتقديم النتائج التي توصلوا إليها بطريقة متماسكة ومعقولة ومؤثرة".
كتابة الشعر أثبتت أنها مفيدة في جعل العلماء يتخيلون قصص المناخ، ويتحدثون بقوة، ويجدون الحقائق، ويبعثون على الأمل، أو حتى بطرق فكاهية، لتلخيص أخطار وواقع أزمة المناخ بأمانة، بحسب سالي فلينت.
أثبتت عالمة الأحياء البحرية راشيل كارسون أن ممارسة الجمع بين العلم وسرد القصص معًا أدت إلى زيادة الوعي العام بالأضرار البيئية، وأن الشعر يمكن أن يُظهر تأثيرات الملوثات الكيميائية بشكل أفضل، على رغم أن الهجمات الشخصية ضدها كانت شرسة لربط اكتشافاتها العلمية بالكتابة الإبداعية.
ما هو الشعر البيئي؟
يشير مصطلح الشعر البيئي عمومًا إلى الشعر المكتوب حول البيئة والنظم البيئية والحيوانات والزراعة، وتغير المناخ والمياه والطعام. ظهر هذا النوع في التسعينيات عندما شكك الشعراء في طبيعة "شعر الطبيعة"، بخاصة بعد كل التغيرات التي طرأت على البيئة من احتباسٍ حراري ودمارٍ بيئي.
"تعد الكندية مارغريت أتوود من أهم من كتبوا عن البيئة شعرًا ورواية، وبطريقة أكثر وعيًا سياسيًا واجتماعيًا، هادفة إلى رفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية، والدعوة إلى حماية العالم الطبيعي" |
والطبيعة هنا مختلفة عن تلك التي وردت في شعر الشعراء الرومانسيين، الذين غالبًا ما يكتبون عن المناظر الطبيعية الريفية الجميلة، حيث تحولت الطبيعة إلى موضوع شعري شائع. لكنْ، في الشعر البيئي يركز الشعراء المعاصرون على الآثار السلبية للنشاط البشري على الكوكب.
في القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت فكرة "شاعر الطبيعة"، فكتب شعراء مثل جون كيتس، وويليام ووردزوورث، وإميلي ديكنسون، عن جمال الطبيعة وقوتها، وحاولوا فهم قوتها وأهميتها. لاحقًا، وبعد أن أثرت الحركة البيئية في القرن العشرين على الشعر المعاصر، راح الشعراء يكتبون عن قضايا بيئية، مثل التلوث، وتغير المناخ، وانقراض الأنواع، من بينهم غاري سنايدر، وماري أوليفر، ومارغريت أتوود، الذين هدفت كتاباتهم إلى رفع مستوى الوعي حول هذه القضايا، والدعوة إلى حماية العالم الطبيعي.
الشعر البيئي ليس حديثًا تمامًا، فمنذ بدأت الثورة الصناعية انتبه الشعراء إلى التغيرات الهائلة التي حدثت. كتب ويليام بليك قصيدته المشهورة "كنس المدخنة" عام 1789، التي تصف تنظيف الأطفال للمداخن والسخام.
إذًا، كان الشعراء يكتبون بالفعل قديمًا عن البيئة، لكن الكتابة البيئية تحولت إلى حركة بمجرد ظهور الثورة الصناعية.
قلّة الشعر العربي حول البيئة
على عكس العالم العربي، يمكن إيجاد كثير من القصائد الغربية المكتوبة عن البيئة والتغير المناخي. ومن القصائد المدهشة عن التغير المناخي قصيدة: "لا أعرف ما الذي سيقتلنا أولًا: الحرب العرقية، أم ما فعلناه في الأرض"، للأميركية فاطمة أصغر. كذلك تعد الكندية مارغريت أتوود من أهم من كتبوا عن البيئة شعرًا ورواية، وبطريقة أكثر وعيًا سياسيًا واجتماعيًا، هادفة إلى رفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية، والدعوة إلى حماية العالم الطبيعي. تقول:
"يا أطفال، هل ستكبرون في عالم بلا ثلج؟/ بدون فئران، بدون أشنات؟ يا أطفال هل ستكبرون؟".
في قصيدة "أغنية السلاحف في الخليج"، تروي الأميركية ليندا هوغين مشهد انتشال سلحفاة ميتة من مياه المحيط بسبب المواد البلاستيكية والتلوث النفطي؛ تقول واصفة السلحفاة:
"وأتألم، كل ما أستطيع أن أفكر فيه هو أنني أحببت حياتك/ إنك أمٌّ عجوز وعظيمة/ سباحة جميلة/ تبدو فسيفساء قشرة ظهرك مفصلة للغاية/ لا يوجد جزء منك/ بسيطة لا معنى لها/ أو قابلة للتشكيل من قبل أي إنسان".
شعر البيئة ليس "ترند"، أو موضة جديدة، بل هو حاجة ملحة. في مقدمة كتاب "قصائد لكوكب صغير: شعر الطبيعة الأميركي المعاصر"، يقول الناقد جاي باريني إن الطبيعة لم تعد الملاذ الريفي للشاعر ووردزوورث (الذي كان شاعرًا رومانسيًا)، الطبيعة الآن مسألة سياسية ملحة، مسألة بقاء.
لا تساهم كتابة الشعر البيئي في رفع الوعي وحسب، بل يمكن أن تكون وسيلة لجمع المال ودعم المنظمات البيئية، مثلًا كتاب "تغير المناخ" هو نتاج مسابقة شعر عالمية تديرها جامعة مانشستر متروبوليتان، وجامعة إدنبرة، حيث طُلب من الأشخاص تقديم قصائد مكونة من 40 سطرًا، أو أقل، حول موضوع تغير المناخ، كتب المشاركون قصائد حزينة وغاضبة، وحتى كوميدية، والتي تم إدراج أفضلها في نسخة مطبوعة، ونسخة إلكترونية، لتذهب عائدات بيع الكتاب إلى الجمعيات الخيرية البيئية.
يستكشف شعر البيئة الروابط المعقدة بين الناس والطبيعة، ويعمل الشعراء اليوم كشهود على تغير المناخ، مع لفت الانتباه إلى القضايا البيئية المهمة، والدعوة إلى الحفاظ عليها.
مصادر:
Climate change poetry anthology inspires environmental action - Manchester Metropolitan University –
When Climate Science Met Poetry - Sally Flint - the literary platform