وكل ما في الأنثى أخّاذ... حتى شجونها
مها عبد الله
آراء
شارك هذا المقال
حجم الخط
في نصوص مهموسة أشبه بمقطوعة موسيقية، جادت قريحة شهرزاد بما يخاطب قلب قارئتها الأشبه في مكنونه بقلبها، في لحن تتوارد فيه المشاعر والعواطف والخواطر والأشجان والذكريات بتناغم ساحر بينها... فتارة تعيدها إلى زمن مضى، وتارة تجنح بخيالها إلى أرض لم تطأها، وتارة تباغتها بأحلامها الموؤدة، وتارة تهوي بها إلى قعر أحزانها الدفينة، وتارة تفاجئها بقراءتها هي بذاتها وهتك سرها... وتارة توقظها على واقعها، فتراها تتلفّت حولها وتلك النصوص بين يديها! لا يمنع هذا من القول بأن كتاب "أنثى الكتب"، من تأليف "شهرزاد الخليج" يعنى بالقارئ أيضًا، فلكل حقه ونصيبه المفروض، غير أن النصوص جاءت بإحساس أنثوي خالص، وبقلم يكتب بحبر وردي فوق أغلب السطور.
وعلى رغم (الكلام المباح) الذي لا تسكت عنه شهرزاد، وتعني بنشره على الملأ في إصداراتها المتعددة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، على تنوّعها، فهي أحاطت بسرّ هويتها، وحفظته طي الكتمان، فلا يُعرف عنها سوى أنها كاتبة تقطن دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث انطلقت موهبتها من هناك ابتداءً منذ عام 2015، وحصلت على جائزة (بصمة قلم) التابعة لإحدى مؤسساتها، بل ولا يُعرف كذلك ما إذا كان اسمها حقيقيًا، أو مقتبسًا من الشخصية العربية صاحبة الألف ليلة وليلة. وعن مراجعة كتابها العذب، فتعتمد على الطبعة العاشرة الصادرة منه عام 2017 من دار كلمات للنشر والتوزيع، وهي تحتوي على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
في (المقدمة)، وبنغمة شهرزادية، تقول الكاتبة: "هنا الحب وأشياء أخرى... فإن كنت قد قررت اقتناء هذا الكتاب فابحث عن نفسك بين صفحاته، فقد تجد نفسك في الحب، أو في الأشياء الأخرى"... فإن لم يكن للقارئ في (الحب) تجربة شخصية، فقد رآه شاخصًا في مواقف وكلمات وخواطر ولحظات صمت... أما في (الأشياء الأخرى) فحتمًا وجد نفسه وأقرانه معه كأبطال حقيقيين، يلعبون على الورق الأدوار نفسها، أو بالكاد! تتحدث شهرزاد بعد ذلك في مقطوعة (الروائح الوفية) بلغة لا تخلو من سيكولوجيا! فما هي إلا لحظة عابرة تعبق برائحة ما تعود بمن صادفها إلى زمن بعيد كل البعد عمّا هو حاضر، وذكرى كانت مغمورة فهاجت، مثل "رائحة آيس كريم الفيمتو"، الذي يرجع بذاكرة الكاتبة إلى طفولتها، بين رفيقات المدرسة والمشوار اليومي في نهاية كل يوم دراسي نحو "بيت الجارة المسنّة" التي كانت تصنعه. قد يتفق كثيرون مع الكاتبة بأن أكثر الروائح عبقًا هي رائحة الأرض بعد ابتلالها بالمطر، إذ تقول: "أما أكثر رائحة وفية تستيقظ بنا باستمرار فهي رائحة الرمل المبلل بالمطر! تلك الرائحة الشهية التي تعيدنا إلى حيث تعيد! فأغلبنا يعود تحت المطر إلى طفولته حتى لو لم يُظهر هذا الشيء أمام الملأ... لكنه بينه وبين نفسه يستسلم لهذه الرائحة الوفية... فيضع نفسه فوق بساطها السحري... لتسافر به حيث تشاء، فتحت المطر، إذ تنبعث تلك الرائحة الوفية من التراب... نغمض نحن أعيننا ونسافر بعيدًا... إلى أمسنا... إلى قديمنا... إلى براءتنا الجميلة".
من منا لن يرسم علامة استفهام حالمة عن أولئك الغرباء الذين لم تبح بسرهم شهرزاد؟! ذلك السر الذي يخلق عوالم خارج المكان والزمان يجعل الفضول يعتمل في الروح حدّ الذروة، في حالة أشبه بدوران صوفي حول قلبه وقد سكنه (الغريب) من النظرة الأولى... كل هذه المعاني تحملها مقطوعة (الغرباء الأصدقاء) الذين عرّفتهم الكاتبة بأولئك الذين يمرون إلى جانبنا عبورًا على الطريق "فنعرفهم ولا نعرفهم"، فتتساءل عن سرّهم حين تهفو القلوب نحوهم وهم في الزحام وكأنها تناديهم بأسمائهم، أو تتقصّى تلك الأزمنة التي تقاسموها معًا فوق هذه الأرض، "وكل تلك الذكريات المثيرة للحنين"... والألفة، متى اكتسبتها تجاههم؟ والراحة التي تعتمل بها عندما شاهدتهم للمرة الأولى! تتساءل في إحدى نصوصها وهي تشارك القرّاء تلك الخواطر الغامضة التي تطرق عوالم تتناسخ فيها الأرواح: "فكم مرة استشعرت هذا الشعور تجاه أحدهم؟ كم مرة اعترضك في الطريق وجه إنسان عابر مر من جانبك نظر إليك بتلقائية ومضى تاركًا بك كثيرًا من علامات التعجب والاستغراب وأمنيات مجنونة؟ فبعض غرباء الطريق، نتمنى أن نستوقفهم... نتمنى أن نمطرهم بالأسئلة... نتمنى أن نعيش معهم حكاية ما... نتمنى أن نسرد عليهم كثيرًا منا".
أما مقطوعة (البنت المهذبة)، فلا تزال مجتمعاتنا الشرقية تحرص على أن تتغابى وتتعامى أمام واقع تحياه بناتها ليس بالضرورة طوباوي، في سبيل إثبات صدق أسطورتهن الملائكية... في تغافل صارخ عن طبيعتهن الإنسية التي تميل وتستقيم كسائر البشر! فليست شهرزاد وحدها التي راودتها نفسها، وهي في عنفوان تلميع شفتيها بالأحمر، أو تصفّح مجلة نسائية خاصة، فضلًا عن استعارة قصص الحب من مكتبة أخيها، أو ارتداء ما يشف وما يصف من الملابس المعطّرة بعطر فوّاح، أو اقتناء قطع ملابس جريئة بدل بيجامات النوم الفضفاضة ذات الأكمام الطويلة، أو الامتناع عن سحب الهاتف إلى غرفة النوم بعد الساعة التاسعة مساءً، أو الاضطرار إلى حفظ قصائد راقية في الحب عن ظهر قلب... حرصًا وحرزًا، أو الإبحار في قصص ألف ليلة وليلة سرًا، أو تجرّع مرارة الاتهام ظلمًا كسجية مرغوبة... وأكثر وأكثر، لا لشيء سوى أن تحافظ على مكانتها في أعين الجميع كـ (بنت مهذبة)! تقول مخاطبة أحدهم في غصّة: "وأنت كنت ككل الأشياء التي أحببتها، ووقفت عاجزة عن الاحتفاظ بها... فقط كي أبقى في نظرهم تلك البنت المهذبة". لا يعكس بالضرورة ما داعب قلب شهرزاد العربية الصغيرة من رغائب سوء خلق، أو تبجح بالعيب، إنما هي فطرة أنثوية مفعمة بالحياة في بكورها، يقابلها نكران مجتمعي مكبوت، عُرفًا لا تديّنًا.
التألم من الأمور التافهة... التحرّج من النصائح الجادة... الرغبة في اختلاق المشاكل وافتعال الشجار... رسم خطوط عشوائية ومتاهات بقلم الرصاص، وقارب يبحر في البحر بلا مرسى... البكاء بلا سبب والضحك على الحماقات والسخرية من كل الأشياء... العزلة والانكفاء على الذات وقطع العلاقات... عداء كل أهل الأرض والتفنن في اختراع الشتائم... الإمعان في التدقيق من إشارات المرور إلى أحذية العابرين... التخلص من ممتلكات عزيزة وصمم الأذن عن سماع كل جميل وإغماض العينين عنها... التجرؤ على الأعراف ووصم العادات بالكفر والخرف... الأكل والتسوق بشراهة... تصديق كل حلم وإشارة وبشارة.... كل تلك الانفعالات تترجمها مقطوعة (حالة حنين) التي أبدعت فيها الكاتبة! تقول عرضًا وهي تشرح حالات الحنين الغريبة التي تعتريها بين حين وحين: "حين يتلبّسني الحزن فجأة، وأدخل في حالة من الصمت، ويصبح البكاء الصديق الأقرب إلي... فأنا في حالة حنين! حين ألجأ إلى العزلة وأغلق دوني ودون الأرض وأهلها وتفاصيلهم كل الطرق والأبواب... فأنا في حالة حنين".
إذًا، تبوح شهرزاد في كتابها للقارئة عن أسرارها التي لم تكن أبدًا كلامًا مباحًا في ليلة، أو ضحى من نهار! ليس ذلك ضربًا من الصدف، أو فراسة مؤمن، أو اختلاجات قارئة فنجان، فتقول أنثى الكتب في مقطوعة (أنثى الكتب): "بعض الكتب لم نكتبها، لكننا وجدنا فيها منا ومن أحلامنا ومن مشاعرنا... كثيرًا"... بل إن ذلك يعود لصدق وشفافية وإحساس الكاتبة شهرزاد عندما روت حكايات أيامها ولياليها، ورقّة التعبير التي لامست القلوب وانسابت لها الدموع، فأحيت ذكرى القارئة التي تشابهت وأيامها ولياليها... بحلوها وبمرها.
وعسى أن تمتد ليالي شهرزاد الساحرة، وتأخذنا من جديد إلى عوالم أخرى أكثر سحرًا، لعلها في هذه المرة تحاكي الواقع، أو شيئًا ما.
مها عبد الله
آراء
شارك هذا المقال
حجم الخط
في نصوص مهموسة أشبه بمقطوعة موسيقية، جادت قريحة شهرزاد بما يخاطب قلب قارئتها الأشبه في مكنونه بقلبها، في لحن تتوارد فيه المشاعر والعواطف والخواطر والأشجان والذكريات بتناغم ساحر بينها... فتارة تعيدها إلى زمن مضى، وتارة تجنح بخيالها إلى أرض لم تطأها، وتارة تباغتها بأحلامها الموؤدة، وتارة تهوي بها إلى قعر أحزانها الدفينة، وتارة تفاجئها بقراءتها هي بذاتها وهتك سرها... وتارة توقظها على واقعها، فتراها تتلفّت حولها وتلك النصوص بين يديها! لا يمنع هذا من القول بأن كتاب "أنثى الكتب"، من تأليف "شهرزاد الخليج" يعنى بالقارئ أيضًا، فلكل حقه ونصيبه المفروض، غير أن النصوص جاءت بإحساس أنثوي خالص، وبقلم يكتب بحبر وردي فوق أغلب السطور.
وعلى رغم (الكلام المباح) الذي لا تسكت عنه شهرزاد، وتعني بنشره على الملأ في إصداراتها المتعددة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، على تنوّعها، فهي أحاطت بسرّ هويتها، وحفظته طي الكتمان، فلا يُعرف عنها سوى أنها كاتبة تقطن دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث انطلقت موهبتها من هناك ابتداءً منذ عام 2015، وحصلت على جائزة (بصمة قلم) التابعة لإحدى مؤسساتها، بل ولا يُعرف كذلك ما إذا كان اسمها حقيقيًا، أو مقتبسًا من الشخصية العربية صاحبة الألف ليلة وليلة. وعن مراجعة كتابها العذب، فتعتمد على الطبعة العاشرة الصادرة منه عام 2017 من دار كلمات للنشر والتوزيع، وهي تحتوي على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
في (المقدمة)، وبنغمة شهرزادية، تقول الكاتبة: "هنا الحب وأشياء أخرى... فإن كنت قد قررت اقتناء هذا الكتاب فابحث عن نفسك بين صفحاته، فقد تجد نفسك في الحب، أو في الأشياء الأخرى"... فإن لم يكن للقارئ في (الحب) تجربة شخصية، فقد رآه شاخصًا في مواقف وكلمات وخواطر ولحظات صمت... أما في (الأشياء الأخرى) فحتمًا وجد نفسه وأقرانه معه كأبطال حقيقيين، يلعبون على الورق الأدوار نفسها، أو بالكاد! تتحدث شهرزاد بعد ذلك في مقطوعة (الروائح الوفية) بلغة لا تخلو من سيكولوجيا! فما هي إلا لحظة عابرة تعبق برائحة ما تعود بمن صادفها إلى زمن بعيد كل البعد عمّا هو حاضر، وذكرى كانت مغمورة فهاجت، مثل "رائحة آيس كريم الفيمتو"، الذي يرجع بذاكرة الكاتبة إلى طفولتها، بين رفيقات المدرسة والمشوار اليومي في نهاية كل يوم دراسي نحو "بيت الجارة المسنّة" التي كانت تصنعه. قد يتفق كثيرون مع الكاتبة بأن أكثر الروائح عبقًا هي رائحة الأرض بعد ابتلالها بالمطر، إذ تقول: "أما أكثر رائحة وفية تستيقظ بنا باستمرار فهي رائحة الرمل المبلل بالمطر! تلك الرائحة الشهية التي تعيدنا إلى حيث تعيد! فأغلبنا يعود تحت المطر إلى طفولته حتى لو لم يُظهر هذا الشيء أمام الملأ... لكنه بينه وبين نفسه يستسلم لهذه الرائحة الوفية... فيضع نفسه فوق بساطها السحري... لتسافر به حيث تشاء، فتحت المطر، إذ تنبعث تلك الرائحة الوفية من التراب... نغمض نحن أعيننا ونسافر بعيدًا... إلى أمسنا... إلى قديمنا... إلى براءتنا الجميلة".
"من منا لن يرسم علامة استفهام حالمة عن أولئك الغرباء الذين لم تبح بسرهم شهرزاد؟ ذلك السر الذي يخلق عوالم خارج المكان والزمان" |
من منا لن يرسم علامة استفهام حالمة عن أولئك الغرباء الذين لم تبح بسرهم شهرزاد؟! ذلك السر الذي يخلق عوالم خارج المكان والزمان يجعل الفضول يعتمل في الروح حدّ الذروة، في حالة أشبه بدوران صوفي حول قلبه وقد سكنه (الغريب) من النظرة الأولى... كل هذه المعاني تحملها مقطوعة (الغرباء الأصدقاء) الذين عرّفتهم الكاتبة بأولئك الذين يمرون إلى جانبنا عبورًا على الطريق "فنعرفهم ولا نعرفهم"، فتتساءل عن سرّهم حين تهفو القلوب نحوهم وهم في الزحام وكأنها تناديهم بأسمائهم، أو تتقصّى تلك الأزمنة التي تقاسموها معًا فوق هذه الأرض، "وكل تلك الذكريات المثيرة للحنين"... والألفة، متى اكتسبتها تجاههم؟ والراحة التي تعتمل بها عندما شاهدتهم للمرة الأولى! تتساءل في إحدى نصوصها وهي تشارك القرّاء تلك الخواطر الغامضة التي تطرق عوالم تتناسخ فيها الأرواح: "فكم مرة استشعرت هذا الشعور تجاه أحدهم؟ كم مرة اعترضك في الطريق وجه إنسان عابر مر من جانبك نظر إليك بتلقائية ومضى تاركًا بك كثيرًا من علامات التعجب والاستغراب وأمنيات مجنونة؟ فبعض غرباء الطريق، نتمنى أن نستوقفهم... نتمنى أن نمطرهم بالأسئلة... نتمنى أن نعيش معهم حكاية ما... نتمنى أن نسرد عليهم كثيرًا منا".
أما مقطوعة (البنت المهذبة)، فلا تزال مجتمعاتنا الشرقية تحرص على أن تتغابى وتتعامى أمام واقع تحياه بناتها ليس بالضرورة طوباوي، في سبيل إثبات صدق أسطورتهن الملائكية... في تغافل صارخ عن طبيعتهن الإنسية التي تميل وتستقيم كسائر البشر! فليست شهرزاد وحدها التي راودتها نفسها، وهي في عنفوان تلميع شفتيها بالأحمر، أو تصفّح مجلة نسائية خاصة، فضلًا عن استعارة قصص الحب من مكتبة أخيها، أو ارتداء ما يشف وما يصف من الملابس المعطّرة بعطر فوّاح، أو اقتناء قطع ملابس جريئة بدل بيجامات النوم الفضفاضة ذات الأكمام الطويلة، أو الامتناع عن سحب الهاتف إلى غرفة النوم بعد الساعة التاسعة مساءً، أو الاضطرار إلى حفظ قصائد راقية في الحب عن ظهر قلب... حرصًا وحرزًا، أو الإبحار في قصص ألف ليلة وليلة سرًا، أو تجرّع مرارة الاتهام ظلمًا كسجية مرغوبة... وأكثر وأكثر، لا لشيء سوى أن تحافظ على مكانتها في أعين الجميع كـ (بنت مهذبة)! تقول مخاطبة أحدهم في غصّة: "وأنت كنت ككل الأشياء التي أحببتها، ووقفت عاجزة عن الاحتفاظ بها... فقط كي أبقى في نظرهم تلك البنت المهذبة". لا يعكس بالضرورة ما داعب قلب شهرزاد العربية الصغيرة من رغائب سوء خلق، أو تبجح بالعيب، إنما هي فطرة أنثوية مفعمة بالحياة في بكورها، يقابلها نكران مجتمعي مكبوت، عُرفًا لا تديّنًا.
التألم من الأمور التافهة... التحرّج من النصائح الجادة... الرغبة في اختلاق المشاكل وافتعال الشجار... رسم خطوط عشوائية ومتاهات بقلم الرصاص، وقارب يبحر في البحر بلا مرسى... البكاء بلا سبب والضحك على الحماقات والسخرية من كل الأشياء... العزلة والانكفاء على الذات وقطع العلاقات... عداء كل أهل الأرض والتفنن في اختراع الشتائم... الإمعان في التدقيق من إشارات المرور إلى أحذية العابرين... التخلص من ممتلكات عزيزة وصمم الأذن عن سماع كل جميل وإغماض العينين عنها... التجرؤ على الأعراف ووصم العادات بالكفر والخرف... الأكل والتسوق بشراهة... تصديق كل حلم وإشارة وبشارة.... كل تلك الانفعالات تترجمها مقطوعة (حالة حنين) التي أبدعت فيها الكاتبة! تقول عرضًا وهي تشرح حالات الحنين الغريبة التي تعتريها بين حين وحين: "حين يتلبّسني الحزن فجأة، وأدخل في حالة من الصمت، ويصبح البكاء الصديق الأقرب إلي... فأنا في حالة حنين! حين ألجأ إلى العزلة وأغلق دوني ودون الأرض وأهلها وتفاصيلهم كل الطرق والأبواب... فأنا في حالة حنين".
إذًا، تبوح شهرزاد في كتابها للقارئة عن أسرارها التي لم تكن أبدًا كلامًا مباحًا في ليلة، أو ضحى من نهار! ليس ذلك ضربًا من الصدف، أو فراسة مؤمن، أو اختلاجات قارئة فنجان، فتقول أنثى الكتب في مقطوعة (أنثى الكتب): "بعض الكتب لم نكتبها، لكننا وجدنا فيها منا ومن أحلامنا ومن مشاعرنا... كثيرًا"... بل إن ذلك يعود لصدق وشفافية وإحساس الكاتبة شهرزاد عندما روت حكايات أيامها ولياليها، ورقّة التعبير التي لامست القلوب وانسابت لها الدموع، فأحيت ذكرى القارئة التي تشابهت وأيامها ولياليها... بحلوها وبمرها.
وعسى أن تمتد ليالي شهرزاد الساحرة، وتأخذنا من جديد إلى عوالم أخرى أكثر سحرًا، لعلها في هذه المرة تحاكي الواقع، أو شيئًا ما.