إبراهيم الكراوي
تمثيل الذاكرة في الرواية العربية
3 - أكتوبر - 2023م
نسعى في هذه المقالة الكشف عن مختلف تمثلات الذاكرة في الخطاب الروائي، انطلاقا من الروايتين الأخيرتين لربيعة ريحان وهما: «الخالة أم هاني» و«بيتنا الكبير».
تمثيل الذاكرة الأنثوية: من اللسان إلى الكلام:
تشكل العلامة «الخالة» في العنوان، بنية رمزية من حيث مرجعتيها الثقافية والاجتماعية. ففضاء الغلاف يعكس هوية تحيل على الأمومة التي تتجاوز مفهومها البيولوجي، إلى مفهوم رمزي يتمثل القرابة، والانتقال من الانتساب العائلي إلى الانتساب إلى الأمة، ومنه إلى الانتساب التاريخي، إذا استعرنا المصطلح الذي نحته حسن المودن، ولذا، تتشاكل الأمومة مع الأمة، من حيث دوال الأمومة وأبعادها الأنثروبولوجية. هكذا تكسر شخصية «الخالة» بالراوي شيماء وفريدة، نسق الصمت الذكوري. وهذا ما نستشفه من خلال علاقة «الخالة» بأزواجها الأربعة الذين انفصلت عنهم، في حين يصور فضاء مكون العنوان: «بيتنا الكبير» تلك العلاقة بين حدود المغلق والمفتوح، من خلال رصد تناقضات الأنساق الثقافية والاجتماعية، وسلطة شخصية الجد كبور، ومحاولته تكسير سلطة الصمت في مواجهة غطرسة المستعمر.
يمثل الصمت/الذاكرة البنية العميقة التي تقع على الحدود الخطيرة مع الموت الرمزي. فتتمثل شيماء الراوي في «الخالة» صورة شهرزاد، لتؤجل وتقاوم فعل الموت الرمزي من خلال فعل الاستنطاق واستبطان النفس، والحفر في الذاكرة، كما تفعل شخصية فريدة في «بيتنا الكبير». فيضطر الجد إلى الهرب من الحدود المقيدة بفضاء المدينة إلى اللامحدود بحثا عن الحرية، في حين تحاول الذات الأنثوية، الراوي الذي يروي بضمير الغائب في كلا الروايتين، الهروب من سلطة الماضي والتقاليد والطقوس الذكورية. فكلا الشخصيتين «فريدة» في بيتنا الكبير، أو الخالة في «الخالة أم هاني»، ظلتا تعانيان من عطالة عاطفية نتيجة جمود مشاعر الرجل ونزوعه الذكوري. تفشل فريدة في تحقيق طموحها في أن تدرس الإخراج المسرحي بعد وفاة العامل المساعد الجد الذي يتموقع بين قطبي الموجب والسالب، المغلق والمنفتح؛ بوصفه يجسد الهيمنة الذكورية في علاقته بزوجاته. وكلا الشخصيتين «الخالة» في الرواية الأولى، و»الجد الحاج كبور» في الرواية الثانية، يرتبطان مع الراوي بعلاقة حميمية، ما يجعلهما حافزا على ولادة سردية الذاكرة، والانتقال من سردية الأفراد إلى سردية التاريخ الجمعي..
تعليق