نجيب محفوظ - جاك دريدا
علي حسن الفواز
الرواية… سردنة التاريخ وفاعلية المُتغيّر
21 - يناير - 2024م
قد يبدو سهلا وطبيعيا الحديث عن تعالق كتابة الرواية بالحكاية، وأن السرد هو نوع من اللعب بالحكي، أو هو «الحكي الممنهج» كما سمّاه تودوروف، حيث لا يملك الروائي إلا حيازة الأدوات التي تجعله صانعا مختلفا لذلك الحكي، لكن إجراءات هذا الأمر ستكون صعبة جدا، وأن تقعيده منهجيا ستكون أصعب، إذ لا يوجد «حكي قياسي» ولا توجد مطابقة جاهرة ما بين الحكي، والتمثّل السردي، على مستوى حضور الحدث والتخيّل، أو على مستوى حضور الفكرة والرؤية، ورغم أن في «الحكي» شذرات سردية، إلا أنها تبقى محكومة بعوامل مشافهته للزمن وللمكان، وهو ما قد يتقاطع ورهانات «التأليف السردي» بوصفه عملا فنيا يتطلب وجود أدوات وخبرة وقدرة على تحويل الحكي إلى «نص» له شروطه البنائية وعوالمه وشخصياته، فضلا عن أن السرد كفعلٍ فني يُعيد ترتيب تشكّلات المكان والزمن والحدث، ضمن السياق الذي يتطلّبه فعل التأليف الروائي.
تاريخ الرواية حافل بالموضوعات والأفكار، وسحر سردنة الحدث فيها هو الذي يجعل تلك الأفكار قابلة للإثارة وللمتابعة وللخروج من المطابقة، وهو ما يعني إشباعا لفضولِ كثيرٍ من القراء، بمن فيهم القراء الشغوفون بالحكايات، الذين يتلذذون بتوازن الحكي مع أفق توقعهم، لكن الرواية بوصفها التأليفي بدت أكثر خرقا لهذا المألوف، فتمردت على حساسية القارئ البسيط، لتنزع به إلى المغامرة والتجاوز، وإلى إعادة صياغة وعيه إزاء التاريخ والأحداث، وحتى صياغة وعيه لرمزية مفهوم الحكي والحكواتي، وهذا ما يجعل المهارات الكتابية للسرد محكومة برهانات كبيرة، على مستوى علاقتها بـ»لغة الكتابة» أو على مستوى معالجتها لقضايا متعددة، تخص التاريخ والأنثروبولوجيا والجسد والسيرة وغيرها..
توصيف الرواية الجديدة بأنها تأليفٌ مختلف يرتبط بما تُثيره هوية هذا التأليف من مغايرة وجدل، ومن أسئلة فارقة، وبمدى القدرة على أن تكون الرواية «عملا فنيا» ذا حساسية جديدة، تستفز القارئ، وتجعل متعته مرهونة بالفكرة التي يُثيرها، وبطبيعة المعالجة السردية التي تعتمدها في التعاطي مع حدثٍ ما، أو خبرٍ ما، فأيّ رواية لا تخلو من الحدث ولا من الخبر، لكن ربط الخبر والحدث بفاعلية التمثّل السردي، هو الأفق المختلف الذي يتقشّر فيه الحكي، أو الحدث أو الخبر من مباشرته وعموميته، ليبدو في لعبة السرد مفتوحا ومكشوفا على مجاورات مغايرة، تستفز المكبوت والمقموع لتدفعها إلى ما يشبه كتابة الاعتراف، ليس للاتساق في سياق الزمن، بل في إطار الاشتغال الذي يتجاوز الحكي إلى لعبة السرد بوصفه تجاوزا قائما اصطناع سلسلةٍ من المباني التي تستدعي الأناسي والنفسي والاجتماعي، وحتى اللغوي بوصفه مجالا تتحرك فيه كثير من العلاقات والعلامات.
تعليق