صور التخيل الابتدائية .. التخيُّّل
صور التخيل الابتدائية
۱ - الفكر الوهمي
قلنا في أول هذا البحث إن علماء النفس يسمون القوة التي تولد الأوهام والأحلام مخيلة . وهي فكر وهمي ، لا تنطبق صوره على الواقع . وقد أطلق ( باياجه ) عليها اسم الفكر الآلي . إلا أن هذا الاصطلاح لا يعجبنا ، لأن الفكر الوهمي ليس نتيجه خلل دماغي فقط ، وإنما هو نتيجه شروط نفسية خاصة .
١ - الشرائط الفيزيولوجية :
قال الفيزيولوجيون ان هذا الفكر ناشىء عن خلل في الدماغ .
رأي ديكارت وتلاميذه - ان التخيل عند ( ديكارت ( هو القوة التي تعيد الصور ) وتحفظ الأشكال ، لا التي تدرك المعاني وتؤلف الأحكام ، وهي تتعلق بحركات الجسد وحده ، فالإحساسات أو الأفكار الطارئة ( Idées ( advenices ) تتولد من حركات الأجــــام الخارجية ، التي تؤثر في الجسد ، وتدفع الأرواح الحيوانية إلى الغدة الصنوبرية . ولكن هذه الأرواح قد تتولد من تقطير الدم . فإذا كان القلب كثير الحرارة ازداد غليان الأرواح الحيوانية ، وهجمت على الدماغ ، وحركت الغدة الصنوبرية بعنف ، وولدت الأفكار المصطنعة ، ( Idées factices ، من غير أن يكون هناك مؤثر خارجي ، وتسمى هذه الأفكار المصطنعة بالأفكار الوهمية .
رأي بعض الطبيعيين المتأخرين - لقد أخذ بهذه النظرية بعض المحدثين ففرقوا بين . المؤثرات المحيطية والمؤثرات المركزية ، قالوا : إذا ازدادت حرارة الجسد ، دفعت الدم إلى الدماغ ، وتولد منها تيار عصبي مستقل عن المؤثرات الخارجية ، وهذا يبعث على تولید تصورات ليس بينها وبين العالم الخارجي أقل صلة . ولما كان هذا التيار العصبي يمر بالمسالك القديمة ، كان لابد للذكريات وتداعي الأفكار من الرجوع إلى الشعور ، وهكذا يختلط تأثير التيار العصبي بتأثير الذكريات .
ان هذا التعليل الفيزيولوجي يقلب التخيل الى تفكير آلي ، ويجعل الأحلام ناشئة عن فاعلية الدماغ
٢ - الشرائط النفسية :
ان لهذه الأفكار الوهمية سببين نفسيين أيضاً هما - ١ - توقف عمل الانتباه وبطلان رقابته ، - ٢ - فاعلية الشعور الدائمة .
ويمكن بيان ذلك بتحليل أحلام النوم وأحلام اليقظة .
سمي الأحلام الهيبناغوجية أو التخليط النومي . ان بعض الأحلام يسبق النوم أو يتلوه أو يسوق اليه ، لذلك . هيبنا غوجيا ( ١ ) .
الراغب في النوم يتجرد قليلا ، ويضطجع ، ويغمض عينيه ، وتكون حالته عند ذلك غير صالحة للعمل . لأنه يفقد انتباهه للحياة شيئاً فشيئاً . فلا يفكر في أعماله ، ولا في علائقه بغيره ، بل ينشيء لنفسه حلماً اصطناعياً ، من غير أن يكون له في الغالب علاقة بالحالة الحاضرة . ويشتد هذا الحلم تدريجياً حتى يطرد من النفس كل التصورات التي تصلها بالحاضر ، ويقطع الإنسان على هذه الصورة كل علائقه بالعالم الخارجي ، مستبدلاً الخيال بالحقيقة . وإذا تخدرت جميع حواسه ؛ وزال انتباهه ، نام وهو في حلمه هذا ، ثم تابعه في نومه . قال ( الفرد موري ) : ( ان الحواس لا تتخدر تماماً في هذه الحالة ، فالاذن تسمع ، والأعضاء تحس ما تلمسه ، وحاسة الشم تدرك الروائح ، الا أن قدرتها على نقل الإحساس ليست شديدة ، ولا واضحة ، كوضوح الإدراك في اليقظة . أما النفس فإنها تفقد شعورها بذاتها ، وتصبح منفعلة ، مستغرقة في الأشياء التي تؤثر فيها ، فهي تدرك وترى وتسمع ، من غير أن تدرك أنها تدرك أو ترى وتسمع ) .
أحلام النوم الخفيف
- ان النوم ليس تاماً في أوله ولا في آخره . والحواس لا تنام كلها معاً . ان حاسة البصر تنام قبل حاسة السمع . وقد يبقى أيضاً مع النوم غبار من الإحساس المتقطع ، كالشعاع الذي يخترق الأجفان ، او صوت القيثارة المبهم الإدراك الا أن هذا الغبار المظلم قد يكون شديد الوقع في النفس لانفراده بالتأثير ولعدم انشغال الفكر بصور العالم الخارج . مثال ذلك ان لدغة الحشرة الصغيرة تولد فيك وأنت الما شديداً ، مع انه لا تأثير لها في اليقظة لانشغال النظر بمرأى الحشرة ، وانشغال السمع بصوتها . فتجرد النفس إذ ذاك من داخلها صوراً تلقيها على هذا الألم ، رغبة في تأويله ، ثم تحلم أنك في معركة وأنك قد اصبت بطعنة خنجر ، أو تحلم أنك تعلقت بالأسلاك الشائكة ، أو أن كلباً قد عضك ، إلى غير ذلك من التأويلات الموافقة للإحساس . ان وضع الدبوس أو تحريكه على عنق النائم يجعله يحلم بحبل المشنقة . والنائم لا يقتصر على تضخيم الإحساس بالشيء ، بل يبدله بالصور التي يلقيها عليه ، ويكون مرور الصور على مسرح النفس مريماً جداً بحيث تحلم في دقيقة واحدة ، بأمور تحتاج في تحقيقها إلى أسابيع طويلة .
أحلام النوم العميقة
- إذا رقدت جميع الحواس حصل النوم العميق . غير ان هذا النوم لا يخلو من الأحلام ، لأن هنالك أسباباً كثيرة تبعث على حدوثها . منها أن الاحساس الداخلي ( الحس المشترك ) لا يرقد بل يعظم تأثيره عند رقود الاحساسات الظاهرة . ويتولد من تأويل النفس هذه الاحساسات الداخلية أحلام كثيرة ، فالاضطراب الداخلي ، وسوء الهضم ، والألم الخفي ، والحاجات العضوية ، كلها تولد الأحلام . ويكون بعض هذه الأحلام نذيراً ( Reves Prémonitoires ) . فقد یری الانسان في نومه أنه مات ، وتكون رؤياه هذه ناشئة عن شعوره في النوم بمرض قلبه الخفي المنذر ، وقد يموت بعد بضعة أيام من مرض قلبه ، ويظن أنه قد : تنبأ من قبل بساعة أجله . ومن الأسباب التي تبعث على حدوث الأحلام في النوم العميق ، فاعلية اللاشعور . فقد يكبت الانسان في اليقظة بعض الهيجانات أو - كما قال ( فرويد ) - بعض المشاعر المخالفة للمنطق والأخلاق ، فتتجلى له في نومه ، ويرى أضغاثاً من الأحلام ، تظهر بها عقلية الانسان الابتدائي ، أو غريزة الحيوان الفظة . وقد سمى فرويد ذلك ( ليبيدو - La libido ) أي الشهوة أو طاقة الحياة - ومهما يكن من أمر فإن آلية الأحلام تابعة لتأثير اللاشعور وفقدان الانتباه للحياة .
وقد يشتد تأثير الصور فتستولي على حرك وكاتنا ، ويتولد من ذلك أحلام محركة كأحلام الماشي في نومه .
ان النائم يكتفي بمشاهدة أحلامه ، أما الماشي في نومه فيمثلها تمثيلاً . ان حواسه لا تنام تماماً لأنه يتجنب الحواجز ، ويخضع للتلقين والايحاء ، ويقوم بأعمال تدل على مؤالفته للظروف الخارجية .
والتنويم المغناطيسي مشابه لهذه الحالة . فإذا نوم المنوم المغناطيسي شخصاً مستيقظاً ، ولد في نفسه حلماً ثم طلب منه تمثيله ، وإذا نوم شخصاً نائما اقتصر على توجيه أحلامه ، وهكذا تصبح أحلام النائم . خاضعة لإرادة المنوم .
أحلام اليقظة
- لا تختلف أسباب هذه الأحلام عن أسباب الأحلام السابقة ، ولنبين ذلك بإشارة بجملة إلى الهذيانات ، والهواجس ، وأحلام اليقظة :
الهذيان - ليس غرضنا هنا أن نسهب في دراسة الهذيان المتولد من بعض الأمراض العضوية أو النفسية ، أو من استعمال بعض المهيجات أو السموم ، فلنقتصر إذن على القول ، إن الإرادة تكافح الهذيان وهو في أوله ، وتحاول طرده من النفس بانتقاده ، أو بالقيام بعمل من الأعمال ، ولا يمكن تغلب الهذيان على النفس ، إلا إذا فقدت قوة الانتقاد ، وركدت الحواس ، فلا يبقى في نفس المريض إلا تأثير ألمه ، وفي نفس الهاذي ) هذيان العظمة ، أو هذيان الاضطهاد ، أو غير ذلك ) إلا تأثير فكرته الثابتة . ثم تدعو هذه الفكرة إلى ساحة الشعور جميع التصورات والأفكار الموالية لها . وهذا يدل على أن العوامل التي تولد الهذيان لا تختلف عن العوامل التي تولد الأحلام .
الهواجس أو أحلام اليقظة - إن هذه العوامل نفسها تولد الهواجس ، وأحلام تحدث عندما ينسى الإنسان حاضره ، ويزول انتباهه للحياة ، واهتمامه بالأشياء الخارجية . وكثيراً ما يكون للظروف تأثير في ضعف الانتباه . إن الشعور بلذة الطعام بعد الغداء يسهل مجيء . هذه التخيلات ، وإذا مل التلميذ سماع الدرس استغرق في الأحلام وهو لا يحتاج في ذلك إلى كبير عناء ، لأن إحساساً بسيطاً ، أو جملة من الإحساسات كصوت المحرك ، أو صوت الاستاذ ، أو طنين الذبابة ، أو طيران عصفور في الصف ، أو غير ذلك ( تكفي لهجوم الصور والذكريات والأفكار على ساحة الشعور ، ان هذه الأحلام ترفعنا إلى السماء ، وتهبط بنا إلى الحضيض ، فلا يوقفنا في عروجنا هذا شيء ولا نهتم بالامكان ، ولا بالمنطق ، حق لقد ننسى الحاضر ونصدق أحلامنا وأوهامنا ( مثال الراعي والجرة ولا ترجع إلى الواقع ، إلا إذا اصطدمنا بمؤثر شديد .
يتبين ذلك من ذلك أن أحلام اليقظة شبيهة بأحلام النوم ، وهي تنشأ كما قلنا عن تناقص الانتباه للحياة ، ورجوع الصور النفسية إلى ساحة الشعور ، وقوامها شرود الذهن و انسلاخه عن العالم الخارجي واستغراقه في الهواجس والخواطر .
النتيجة : ليس الفكر الوهمي ناشئاً عن أسباب فيزيولوجية فقط ، وإنما هو تابع لكثير من العوامل النفسية ، إذا ابتعد العقل عن غاياته الطبيعية ، أي عن العمل ، و أضاع انتباهه للحياة ، سيطرت عليه الهذيانات والهواجس والأحلام .
صور التخيل الابتدائية
۱ - الفكر الوهمي
قلنا في أول هذا البحث إن علماء النفس يسمون القوة التي تولد الأوهام والأحلام مخيلة . وهي فكر وهمي ، لا تنطبق صوره على الواقع . وقد أطلق ( باياجه ) عليها اسم الفكر الآلي . إلا أن هذا الاصطلاح لا يعجبنا ، لأن الفكر الوهمي ليس نتيجه خلل دماغي فقط ، وإنما هو نتيجه شروط نفسية خاصة .
١ - الشرائط الفيزيولوجية :
قال الفيزيولوجيون ان هذا الفكر ناشىء عن خلل في الدماغ .
رأي ديكارت وتلاميذه - ان التخيل عند ( ديكارت ( هو القوة التي تعيد الصور ) وتحفظ الأشكال ، لا التي تدرك المعاني وتؤلف الأحكام ، وهي تتعلق بحركات الجسد وحده ، فالإحساسات أو الأفكار الطارئة ( Idées ( advenices ) تتولد من حركات الأجــــام الخارجية ، التي تؤثر في الجسد ، وتدفع الأرواح الحيوانية إلى الغدة الصنوبرية . ولكن هذه الأرواح قد تتولد من تقطير الدم . فإذا كان القلب كثير الحرارة ازداد غليان الأرواح الحيوانية ، وهجمت على الدماغ ، وحركت الغدة الصنوبرية بعنف ، وولدت الأفكار المصطنعة ، ( Idées factices ، من غير أن يكون هناك مؤثر خارجي ، وتسمى هذه الأفكار المصطنعة بالأفكار الوهمية .
رأي بعض الطبيعيين المتأخرين - لقد أخذ بهذه النظرية بعض المحدثين ففرقوا بين . المؤثرات المحيطية والمؤثرات المركزية ، قالوا : إذا ازدادت حرارة الجسد ، دفعت الدم إلى الدماغ ، وتولد منها تيار عصبي مستقل عن المؤثرات الخارجية ، وهذا يبعث على تولید تصورات ليس بينها وبين العالم الخارجي أقل صلة . ولما كان هذا التيار العصبي يمر بالمسالك القديمة ، كان لابد للذكريات وتداعي الأفكار من الرجوع إلى الشعور ، وهكذا يختلط تأثير التيار العصبي بتأثير الذكريات .
ان هذا التعليل الفيزيولوجي يقلب التخيل الى تفكير آلي ، ويجعل الأحلام ناشئة عن فاعلية الدماغ
٢ - الشرائط النفسية :
ان لهذه الأفكار الوهمية سببين نفسيين أيضاً هما - ١ - توقف عمل الانتباه وبطلان رقابته ، - ٢ - فاعلية الشعور الدائمة .
ويمكن بيان ذلك بتحليل أحلام النوم وأحلام اليقظة .
سمي الأحلام الهيبناغوجية أو التخليط النومي . ان بعض الأحلام يسبق النوم أو يتلوه أو يسوق اليه ، لذلك . هيبنا غوجيا ( ١ ) .
الراغب في النوم يتجرد قليلا ، ويضطجع ، ويغمض عينيه ، وتكون حالته عند ذلك غير صالحة للعمل . لأنه يفقد انتباهه للحياة شيئاً فشيئاً . فلا يفكر في أعماله ، ولا في علائقه بغيره ، بل ينشيء لنفسه حلماً اصطناعياً ، من غير أن يكون له في الغالب علاقة بالحالة الحاضرة . ويشتد هذا الحلم تدريجياً حتى يطرد من النفس كل التصورات التي تصلها بالحاضر ، ويقطع الإنسان على هذه الصورة كل علائقه بالعالم الخارجي ، مستبدلاً الخيال بالحقيقة . وإذا تخدرت جميع حواسه ؛ وزال انتباهه ، نام وهو في حلمه هذا ، ثم تابعه في نومه . قال ( الفرد موري ) : ( ان الحواس لا تتخدر تماماً في هذه الحالة ، فالاذن تسمع ، والأعضاء تحس ما تلمسه ، وحاسة الشم تدرك الروائح ، الا أن قدرتها على نقل الإحساس ليست شديدة ، ولا واضحة ، كوضوح الإدراك في اليقظة . أما النفس فإنها تفقد شعورها بذاتها ، وتصبح منفعلة ، مستغرقة في الأشياء التي تؤثر فيها ، فهي تدرك وترى وتسمع ، من غير أن تدرك أنها تدرك أو ترى وتسمع ) .
أحلام النوم الخفيف
- ان النوم ليس تاماً في أوله ولا في آخره . والحواس لا تنام كلها معاً . ان حاسة البصر تنام قبل حاسة السمع . وقد يبقى أيضاً مع النوم غبار من الإحساس المتقطع ، كالشعاع الذي يخترق الأجفان ، او صوت القيثارة المبهم الإدراك الا أن هذا الغبار المظلم قد يكون شديد الوقع في النفس لانفراده بالتأثير ولعدم انشغال الفكر بصور العالم الخارج . مثال ذلك ان لدغة الحشرة الصغيرة تولد فيك وأنت الما شديداً ، مع انه لا تأثير لها في اليقظة لانشغال النظر بمرأى الحشرة ، وانشغال السمع بصوتها . فتجرد النفس إذ ذاك من داخلها صوراً تلقيها على هذا الألم ، رغبة في تأويله ، ثم تحلم أنك في معركة وأنك قد اصبت بطعنة خنجر ، أو تحلم أنك تعلقت بالأسلاك الشائكة ، أو أن كلباً قد عضك ، إلى غير ذلك من التأويلات الموافقة للإحساس . ان وضع الدبوس أو تحريكه على عنق النائم يجعله يحلم بحبل المشنقة . والنائم لا يقتصر على تضخيم الإحساس بالشيء ، بل يبدله بالصور التي يلقيها عليه ، ويكون مرور الصور على مسرح النفس مريماً جداً بحيث تحلم في دقيقة واحدة ، بأمور تحتاج في تحقيقها إلى أسابيع طويلة .
أحلام النوم العميقة
- إذا رقدت جميع الحواس حصل النوم العميق . غير ان هذا النوم لا يخلو من الأحلام ، لأن هنالك أسباباً كثيرة تبعث على حدوثها . منها أن الاحساس الداخلي ( الحس المشترك ) لا يرقد بل يعظم تأثيره عند رقود الاحساسات الظاهرة . ويتولد من تأويل النفس هذه الاحساسات الداخلية أحلام كثيرة ، فالاضطراب الداخلي ، وسوء الهضم ، والألم الخفي ، والحاجات العضوية ، كلها تولد الأحلام . ويكون بعض هذه الأحلام نذيراً ( Reves Prémonitoires ) . فقد یری الانسان في نومه أنه مات ، وتكون رؤياه هذه ناشئة عن شعوره في النوم بمرض قلبه الخفي المنذر ، وقد يموت بعد بضعة أيام من مرض قلبه ، ويظن أنه قد : تنبأ من قبل بساعة أجله . ومن الأسباب التي تبعث على حدوث الأحلام في النوم العميق ، فاعلية اللاشعور . فقد يكبت الانسان في اليقظة بعض الهيجانات أو - كما قال ( فرويد ) - بعض المشاعر المخالفة للمنطق والأخلاق ، فتتجلى له في نومه ، ويرى أضغاثاً من الأحلام ، تظهر بها عقلية الانسان الابتدائي ، أو غريزة الحيوان الفظة . وقد سمى فرويد ذلك ( ليبيدو - La libido ) أي الشهوة أو طاقة الحياة - ومهما يكن من أمر فإن آلية الأحلام تابعة لتأثير اللاشعور وفقدان الانتباه للحياة .
وقد يشتد تأثير الصور فتستولي على حرك وكاتنا ، ويتولد من ذلك أحلام محركة كأحلام الماشي في نومه .
ان النائم يكتفي بمشاهدة أحلامه ، أما الماشي في نومه فيمثلها تمثيلاً . ان حواسه لا تنام تماماً لأنه يتجنب الحواجز ، ويخضع للتلقين والايحاء ، ويقوم بأعمال تدل على مؤالفته للظروف الخارجية .
والتنويم المغناطيسي مشابه لهذه الحالة . فإذا نوم المنوم المغناطيسي شخصاً مستيقظاً ، ولد في نفسه حلماً ثم طلب منه تمثيله ، وإذا نوم شخصاً نائما اقتصر على توجيه أحلامه ، وهكذا تصبح أحلام النائم . خاضعة لإرادة المنوم .
أحلام اليقظة
- لا تختلف أسباب هذه الأحلام عن أسباب الأحلام السابقة ، ولنبين ذلك بإشارة بجملة إلى الهذيانات ، والهواجس ، وأحلام اليقظة :
الهذيان - ليس غرضنا هنا أن نسهب في دراسة الهذيان المتولد من بعض الأمراض العضوية أو النفسية ، أو من استعمال بعض المهيجات أو السموم ، فلنقتصر إذن على القول ، إن الإرادة تكافح الهذيان وهو في أوله ، وتحاول طرده من النفس بانتقاده ، أو بالقيام بعمل من الأعمال ، ولا يمكن تغلب الهذيان على النفس ، إلا إذا فقدت قوة الانتقاد ، وركدت الحواس ، فلا يبقى في نفس المريض إلا تأثير ألمه ، وفي نفس الهاذي ) هذيان العظمة ، أو هذيان الاضطهاد ، أو غير ذلك ) إلا تأثير فكرته الثابتة . ثم تدعو هذه الفكرة إلى ساحة الشعور جميع التصورات والأفكار الموالية لها . وهذا يدل على أن العوامل التي تولد الهذيان لا تختلف عن العوامل التي تولد الأحلام .
الهواجس أو أحلام اليقظة - إن هذه العوامل نفسها تولد الهواجس ، وأحلام تحدث عندما ينسى الإنسان حاضره ، ويزول انتباهه للحياة ، واهتمامه بالأشياء الخارجية . وكثيراً ما يكون للظروف تأثير في ضعف الانتباه . إن الشعور بلذة الطعام بعد الغداء يسهل مجيء . هذه التخيلات ، وإذا مل التلميذ سماع الدرس استغرق في الأحلام وهو لا يحتاج في ذلك إلى كبير عناء ، لأن إحساساً بسيطاً ، أو جملة من الإحساسات كصوت المحرك ، أو صوت الاستاذ ، أو طنين الذبابة ، أو طيران عصفور في الصف ، أو غير ذلك ( تكفي لهجوم الصور والذكريات والأفكار على ساحة الشعور ، ان هذه الأحلام ترفعنا إلى السماء ، وتهبط بنا إلى الحضيض ، فلا يوقفنا في عروجنا هذا شيء ولا نهتم بالامكان ، ولا بالمنطق ، حق لقد ننسى الحاضر ونصدق أحلامنا وأوهامنا ( مثال الراعي والجرة ولا ترجع إلى الواقع ، إلا إذا اصطدمنا بمؤثر شديد .
يتبين ذلك من ذلك أن أحلام اليقظة شبيهة بأحلام النوم ، وهي تنشأ كما قلنا عن تناقص الانتباه للحياة ، ورجوع الصور النفسية إلى ساحة الشعور ، وقوامها شرود الذهن و انسلاخه عن العالم الخارجي واستغراقه في الهواجس والخواطر .
النتيجة : ليس الفكر الوهمي ناشئاً عن أسباب فيزيولوجية فقط ، وإنما هو تابع لكثير من العوامل النفسية ، إذا ابتعد العقل عن غاياته الطبيعية ، أي عن العمل ، و أضاع انتباهه للحياة ، سيطرت عليه الهذيانات والهواجس والأحلام .
تعليق