قانون ( ريبو ) ، عوامل الاختراع .. التخيُّّل
ولنوضح الآن قانون ( ريبو ) :
١ - ان جميع صور الاختراع مصحوبة بعناصر انفعالية :
أول هذه العناصر الانفعالية الشعور بالحاجة ، وعدم الرضا بالواقع ، والتألم من الامتلاء . إن المخترع يعاني ما تعانيه الحامل من آلام الولادة . وقد قيل : ان الحاجة إلى الابداع في نظام الحياة العقلية كالحاجة إلى الولادة في نظام الحياة العضوية . تظهر هذه . الحاجة أولاً في ألعاب الأطفال ، ثم في الأساطير ، ثم تظهر أخير في صور الفن ، وهي كلها تدل على ميل الانسان إلى إبدال عالم الحقيقة بعالم الخيال ، لأنه يلهو به ويصوغ رؤاه ويتمتع فيه بأحلامه . فكأن هذا الميل إلى تبديل الحقيقه غريزة أولية . نعم ان عبقرية الاختراع مستندة إلى الثقافة ( ۱ ) ، ولكن ظهورها التلقائي ، وانبثاقها الطبيعي يدلان على أن هناك غريزة حقيقية .
قلنا أن المخترع يعاني ما تعانيه الحامل من آلام الولادة . إلا أنه عندما يبلغ غايته ويوفق لتحقيق ما يفكر فيه يشعر بلذة عظيمة لا تعادلها لذة ، فالأحوال الانفعالية إذن مادة الاختراع الفني والأدبي ، حتى إن معظم الشعراء يمزجون العواطف بالأهواء والأحلام ، كما يجمع المصورون الأشكال إلى الالوان ، وسواء أكان الاختراع أدبياً أم علمياً أم فلسفيا فإنك تجده مصحوباً في جميع حالاته ومراحله بالشوق أو الحماسة ، والسرور أو الغم ، والضرم أو القلق . مثال ذلك : أن ( برنارد باليسي ) كان ينتقل من الأمل إلى اليأس عند بحثه في صناعة الخزف والميناء ، و ( أرخميدس ( خرج من الحمام عارياً لشدة فرحه ، كما أن ( دافي ) رقص في مخبره عندما كشف البوتاسيوم .
قال ( روجه - دوليل ) يصف حالته النفسية عندما نظم نشيد ( المرسيلياز ) : « كانت الكلمات تأتيني مع النغمات ، والنغمات مع الكلمات ، وكان تهيجي بالغاً منتهاه وشعري مز بئراً ، وكانت الحمى الشديدة ترجفني ، والعرق الشديد يتساقط على جـدي كله ، فير طب نفسي ، كما أن الدموع كانت تقطع صوتي ( ٢ ) .
وقال ( الفرد - دو - موسه ) يصف حاله خلال الإبداع :
( ان الاختراع ليقلقني ويرجفني ، ومع أن إنجازه يكون بطيئاً جداً بالنسبة إلى رغبتي ، فإنه يورثني دقات قلب مختلفة . فلا أنتج الفكرة الجديدة المسكرة إلا و أنا أبكي ، مانعاً نفسي من الصراخ ، فإذا كان صباح اليوم التالي خجلت منها واستقبحتها . وإذا بدلتها كان الأمر أسوأ ، لأنها تفارقني . فأنساها وأنتظر غيرها . ولكن الفكرة الثانية تأتيني مختلطة وعظيمة إلى درجة لا يستطيع وجودي الضعيف أن يتحملها . فهي تضيق علي الخناق ، وتعذبني حتى تصبح ذات نسبة قابلة للتحقيق وحق يعود إلى الالم الثاني ألم التوليد ، الذي هو ألم جسماني حقيقي لا أستطيع تعريفه ) ( ٣ ) .
ب - ان جميع الاستعدادات الانفعالية تؤثر في الاختراع :
لقد بين ( ريبو ) أن الانفعال لا ينضم إلى الاختراع ليزينه ، بل يلازمه ليحركه ويبعث على توليد . . فالأحوال الانفعالية المنافية توقظ الخيال كالاحوال الانفعالية الملائمة ، لقد ولد الخوف كثيراً من الخرافات ، وولد الغضب آثار الحد وطرق الانتقام ، وأبدعت السويداء الأدب الرومانتيكي ، كما أن ليالي ( موسه ( قد تولدت من اليأس . ولا نبالغ إذا مع ( ريبو ) : ( أن العامل الانفعالي هو الخميرة التي لا يمكن أن يتم الابداع إلا بها ) .
٢ - العوامل العقلية - إن الاختراع قوة تنظيم وتركيب تقتضي كثيراً من العوامل الذهنية ، كالادراك ، والذاكرة ، وتداعي الافكار ، والتحليل ، والتجريد ، والانتباه ، والحكم والاستدلال ، والإرادة . إننا لا نستطيع الآن أن نبحث في هذه العوامل كلها ، فلنقتصر إذن على بيان علاقة الاختراع بالذاكرة ، وتداعي الأفكار ، والجهد الإرادي والتأمل .
۱ - الذاكرة وتداعي الأفكار .
- ان للذاكرة تأثيراً في الاختراع ، إلا أنها ليست قوة مستقلة عن التصور والحكم والاستدلال : نعم ان المخترع يستمد من ذاكرته كثيراً من المواد التي يريد تنظيمها ، ولكن قوة التنظيم لا تقتصر على استرجاع المعاني والصور المحفوظة في ، بل تقوم على سبكها وتنضيدها ، ان قوة الاختراع لا تتعلق بتغيرات الذاكرة في الزيادة والنقصان ، لانها تابعة في الحقيقة لعمق الحياة النفسية ، لا لسعتها ويكفي في الاختراع . أن تكون الذاكرة معتدلة ، غير محدودة الاختصاص ، حسنة القبول ، غير مقيدة بالعادات الراسخة ، ومع أن الذاكرة ضرورية للاختراع فإن الاختراع لا يزداد بازديادها ولا النفس يتناقص بتناقصها .
أما رابطة التداعي فقد ذهب بعض علماء النفس ، كما رأيت ، إلى أنها ظاهرة عامة تشمل جميع أفعال النفس . حتى لقد بين ( ريبو ( أن قوة التفكير بالمماثلة هي الاساسي في الاختراع ، وأن هذه القوة تنحل إلى التداعي بالمشابهة . فالطفل كالإنسان الاول يربط الاشياء بعواطفه ، ويؤلف منها الالعاب والاساطير . ثم يعلق الاشياء بعضها ببعض ، ويستخرج . من ذلك كثيراً من المجازات والرموز . وهذا كله من ثمرة التداعي : حتى لقد قال ( رابيه ) : ان التخيل هو تداعي الأفكار ، وان قانوني الاقتران والمشابهة يمثلان دوراً عظيماً في التخيل المبدع إلا أن عمل المشابهة أقوى من عمل الاقتران . قال ( رابيه ) : ان القدرة على إدراك المشابهات هي العنصر الاساسي في العبقرية العلمية .
وقد أوضح ذلك بأمثلة مقتبسة من كتاب ( بين - Bain : الحواس والعقل . منها أن اختراع ( واط ) لم يكن إلا ثمرة التشابه بين قوة البخار وقوة المحركات الطبيعية ، كقوة الحيوان ، وقوة الريح ، وقوة التيار المائي . وإن كشف ( هارفي ) للدورة الدموية إنما تولد من تشبيه الأوردة الدموية بالمضخات المجهزة بالسدادات . وإن كشوف ( لافوازيه ) إنما تولدت من تشبيه التنفس بالاحتراق ، وإن اختراع ( فرانكلان ) بني على المشابهة بين الرعد والبرق والكهرباء .
المناقشة
- لا شك أن المماثلة والقدرة على إدراك المشابهات تلعبان دوراً عظيماً في الاختراع . إن . علماء النفس متفقون في ذلك . إلا أن هناك مسألة خلافية ، وهي إرجاع الاستدلال بالمماثلة إلى آلية تداعي الأفكار . إن تداعي الأفكار ظاهرة الية تختلف عن عملية التخيل المبدع ، لأن التخيل لا يقتصر على ربط الأفكار بعضها ببعض بل يحلل المركبات القديمة ويجمع عناصرها على هيئة جديدة ، وقد أدرك فلاسفة التداعي ذلك ، إلا أنهم زعموا أن التداعي بالمشابهة يقتضي هذا التحليل ، فقال ( ريبو ) : ان التداعي بالمشابهه يقتضي عملاً مؤلفاً من الجمع والتفريق ، وقال ( رابيه ) : من شرط التداعي بالمشابهة فصل عناصر التجربة بعضها عن بعض ، مع تحليلها وتجريدها . وهذا كله يدل على أن التخيل المبدع لا يكتفي يجمع الأفكار بعضها إلى بعض ، بل يقتضي أيضاً فصلها وتحليلها يجهد وفاعلية عقلية ، فإذا تذكرنا ما قلناه في تعريف تداعي الأفكار علمنا أنه ظاهرة آلية عفوية بسيطة ، وأدركنا أنه عامل من عوامل الاختراع لا غير . وأنه لا يكفي وحده لإيضاح التخيل المبدع إيضاحاً علمياً تاماً .
ب - الجهد الفكري
- ان الجهد الفكري أهم عوامل الاختراع . نعم ان هناك عوامل تلقائية ، كاللاشعور والحدس والإلهام ، إلا أن هذه العوامل كما سترى لا تكفي وحدها لإيضاح الاختراع . ولكن ما هي حقيقة هذا الجهد الفكري ؟
۱ - من الخيال إلى الصورة . - ان هذا الجهد الفكري ينقل العقل من الخيال المجمل إلى الصورة الحسية . وقد بين ( هنري برغسون ذلك بقوله : ان المخترع يتصور قبل كل شيء معنى مجرداً بسيطاً ، أو خيالاً عاماً بجملا ، يقلبه شيئاً فشيئاً إلى شكل حسي وصورة متشخصة . فهو يدرك النهاية قبل البداية . ثم يعود إلى المبدأ فيفكر في الواسطة التي يمكنه الانتقال بها شيئاً فشيئاً إلى الغاية ، وعند ذلك تصبح الغاية المجردة صورة متشخصة .
فالاختراع يكون أولاً بتصور الخيال الجمل ، ثم يكون ثانياً بقلب هذا الخيال إلى صورة . قال ( هنري برغسون ) : ان المخترع الذين يبغي إنشاء آلة جديدة يتصور العمل الذي يريد تحقيقه . وصورة هذا العمل المجردة تحضر إلى فكره بالتدريج - وبقوة التكرار والتجربة صورة مشخصة للحركات الجزئية التي تحقق الحركة الكلية ، ثم تحضر إلى ذهنه أيضا صورة القطع التي تولد بانضمامها بعضها إلى بعض تلك الحركات الجزئية . ففي تلك اللحظة الدقيقة ، يتجسد الاختراع ، ويصبح التصور الخيالي صورة مشخصة . فالكاتب الذي يصنف قصة ، ومؤلف الروايات الذي يبدع و مواقف ، أشخاصاً والموسيقار الذي يؤلف لحنا ، والشاعر الذي ينظم قصيدة ، كلهم يتصورون في أول الأمر مثالاً عاماً بسيطاً ومجرداً ، فالموسيقار والشاعر يتصوران تأثيراً يقلبانه إلى واقع ، أو شعوراً عاماً . اجتماعية أو أمراً من الأمور المجردة يعبران عنه بتصور أشخاص و موجودات ، يبدأ كل منها عمله بتصور الخيال الكلي المجمل ، ثم يقلب هذا الخيال ، في النهاية إلى صورة محيطة بالأجزاء وبيئة ومختلفة عنها .
المناقشة
- ان هذه النظرية على صدقها لا تخلو من بعض الشبه التي يجب إزالتها .
۱ - ان جهد الاختراع لا ينتقل دائماً من المجرد إلى المشخص ، ولا من تصور الكل إلى تصور الأجزاء . وهذا ظاهر في الاختراع العلمي ، لأن العالم يجمع . ملاحظاته المشخصة ويستنبط منها قانوناً عاماً مجرداً . نعم إن تصور القانون العلمي مسبوق بالفرضية ، وهي بالنسبة إلى القانون خيال مجرد ، إلا أن ( هنري برغسون ، لم يبين لنا كيف يتولد هذا الخيال المجرد من ملاحظة الظواهر المشخصة . ان العلماء لم يهتدوا إلى نظرية الذرة إلا بعد أن تخيلوا تأثير الأجزاء الفردة بعضها في بعض تخيلا بصرياً محسوساً . وما يصدق على الاختراع العلمي يصدق كذلك على الاختراع الفني ، حق لقد اعترف ( هنري برغسون ) نفسه بأن الاختراع الفني كثيراً ما يتم بالانتقال من الأجزاء إلى الكل لا من الكل إلى الأجزاء ، فينتقل الفنان من بعض التأثيرات أو المشاعر المحزنة إلى تصور خيال كلي عام . مثال ذلك أن قصيدة « المقبرة البحرية ( تولدت في مخيلة ) بول ـ فاليري ) من تأثير وزن من الأوزان . '
۲ - فمن الضروري إذن أن نبين كيف يتولد الخيال المجرد في الذهن ، لا أن نقتصر - كما . فعل هنری برغسون - على بيان الانتقال من الخيال المتحرك إلى الصورة الثابتة . قال بورلو Burloud » .
( اصدق ما قيل في وصف الاختراع أنه ينشيء الخيال إنشاء )
فالجهد الفكري في الإبداع لا يكمن في الانتقال من الخيال إلى الصورة فحسب ، بل يكمن كذلك في تصور هذا الخيال وإنشائه .
٣ - إنشاء الخيال . التحليل والتركيب . كيف يتم إنشاء الخيال ؟ ليست الصور والأفكار منفصلة بعضها عن بعض ، وإنما هي مندمجة في مجموعات نفسية كثيرة . إذا أراد المخترع أن يؤلف تركيباً جديداً وجب عليه أولاً أن يحلل هذه المجموعات النفسية إلى عناصرها . لذلك قال ( ريبو ) : إن التخيل المبدع يقتضي عمليتين أساسيتين ، إحداهما سلبية احضارية وهي التحليل ، والأخرى إيجابية إنشائية ، وهي التركيب .
التركيب . - المثال مبدأ الوحدة .
ان تصور المثال يتولد من ادراك المشابهات ، وهذا الإدراك يستند إلى التحليل . إلا أن الفكر لا يحلل المركبات القديمة تحليلاً حقيقياً ، إلا في ضوء المثال الذي يتصوره . مرکز قال ( ريبو ) : « كل إبداع تنظيم يحتاج إلى مبدأ موحد ( موحد ، . ان هذا المبدأ هو مر الجاذبية ونقطة الاستناد في كل تخيل مبدع . وقد سماه ( ريبو ) مثالاً ( Ideal ) لأنه الغاية التي يريد المخترع تحقيقها ، والهدف الذي يريد بلوغه . والمخترعون انما يمتازون بقدرتهم على ادراك النسب والعلاقات . وما إدراك النسب والعلاقات إلا ظاهرة من ظواهر هذه القوة الموحدة التي تبلغ في عقول المخترعين أعلى الدرجات . اذن الاختراع قوة تركيب وتوحيد ، وهو مبني على ادراك النسب والعلاقات ولولا هذا الإدراك لما حصل التركيب .
التحليل . - العناصر مادة الاختراع
لا نستطيع تركيب المخترعات الجديدة إلا إذا حللنا المركبات القديمة . لأن العناصر ليست منفصله بعضها عن بعض في الطبيعة . قال ( لوروا ) : كل تركيب جديد يتولد من تحلیل نقدي سابق . إن دور الهدم يتقدم عليه ويهيئه ، ( ۱ ) . والناس لا يرتاحون لهــــذا الهدم ، لأنهم أ ألفوا الصور القديمة . قال ( لوروا ) : ( يتراءى للمعاصرين ان المخترع مصاب بالماس ، وذلك على قدر ما يخترع ، وعلى نسبة ما يحتاج الى تصورات لا وجود لها في الأفكار المنتشرة في زمانه . ومما يلفت النظر أن مخترعي نظريات ما بعد الطبيعة يحشرون مع المجانين ، وان المخترعين الاجتماعيين والأخلاقيين بعدون ثورويين ، وفوضويين ، وأن مخترعي الفن يحسبون غير متزنين حق ان العلماء أنفسهم لا يتفهم كلامهم احد عند إتيانهم بالافكار الجديدة .
فيتهمون بمخالفة نظرياتهم للحس السليم وعدم معقوليتها ( ۱ ) . ان المخترع لا يخالف الرأي العام بهدم المركبات القديمة فحسب ، بل يخالفه أيضاً بالصورة الجديدة التي يركبها . وفي تاريخ العلوم أمثلة كثيرة تدل على المقاومة التي لقيها المخترعون في زمانهم . مثال ذلك ان قول الفيثاغوريين بالعدد الأصم عد شناعة منطقية ، وقول ( نيوتن ) بالجاذبية العامة " عد غير معقول لاقتضائه التأثير من بعد وقول ( غاليله ) بدوران الأرض عد مخالفاً لمبادئ الكنيسة ، حتى ان ( نابليون بونابارت ) قال عن ( لامارك ) حينما اطلع على نظرياته أنه مشعوذ . وقد بينا أيضاً كيف اعترض العلماء على نظرية اللاشعور ، وما أكثر العلماء الذين صعب عليهم قبول نظرية النسبية التي جاء بها ( أينشتاين ) !
ان هذه الأمثلة تبين لنا أيضاً أن نظرية التداعي عاجزة عن إيضاح الاختراع . فالاختراع ليس ناشئاً عن التحام روابط التداعي ، وإنما هو قائم على قطع هذه الروابط والتحرر منها . لأنه يبدل الأوضاع القديمة ، ويزعزع أركانها ، ويفقد النفوس ما اعتادته من الراحة الآلية .
ان جمل الأفكار القديمة تميل الى البقاء في النفس كما هي وفقاً لقانون الجمع . وهذا القانون يضع في طريق الاختراع عقبات كثيرة تمنع التحليل من بلوغ نهايته . لذلك كثيراً ما تجد في المركبات الجديدة صوراً من آثار المركبات القديمة . ان محور عربات القطار ظل مساوي المحور عربات ( الديليجانس ) مدة طويلة من الزمان ، ومقدم السيارة ظل مشابهاً لمقدم العربة . ان ( ديكارت ) أراد أن يهدم مبادىء المدرسيين ( السكولاستيك ) ، ولكنه لم يستطع أن يتجرد منها تماماً . وكثيراً ما تجد في الفن الحديث آثاراً من التقنيات الفنية القديمة ، فالفنان يوفق بين القديم والحديث ، وينتهي به ذلك في بعض الأحيان إلى إيجاد صور فنية جميلة .
ولنوضح الآن قانون ( ريبو ) :
١ - ان جميع صور الاختراع مصحوبة بعناصر انفعالية :
أول هذه العناصر الانفعالية الشعور بالحاجة ، وعدم الرضا بالواقع ، والتألم من الامتلاء . إن المخترع يعاني ما تعانيه الحامل من آلام الولادة . وقد قيل : ان الحاجة إلى الابداع في نظام الحياة العقلية كالحاجة إلى الولادة في نظام الحياة العضوية . تظهر هذه . الحاجة أولاً في ألعاب الأطفال ، ثم في الأساطير ، ثم تظهر أخير في صور الفن ، وهي كلها تدل على ميل الانسان إلى إبدال عالم الحقيقة بعالم الخيال ، لأنه يلهو به ويصوغ رؤاه ويتمتع فيه بأحلامه . فكأن هذا الميل إلى تبديل الحقيقه غريزة أولية . نعم ان عبقرية الاختراع مستندة إلى الثقافة ( ۱ ) ، ولكن ظهورها التلقائي ، وانبثاقها الطبيعي يدلان على أن هناك غريزة حقيقية .
قلنا أن المخترع يعاني ما تعانيه الحامل من آلام الولادة . إلا أنه عندما يبلغ غايته ويوفق لتحقيق ما يفكر فيه يشعر بلذة عظيمة لا تعادلها لذة ، فالأحوال الانفعالية إذن مادة الاختراع الفني والأدبي ، حتى إن معظم الشعراء يمزجون العواطف بالأهواء والأحلام ، كما يجمع المصورون الأشكال إلى الالوان ، وسواء أكان الاختراع أدبياً أم علمياً أم فلسفيا فإنك تجده مصحوباً في جميع حالاته ومراحله بالشوق أو الحماسة ، والسرور أو الغم ، والضرم أو القلق . مثال ذلك : أن ( برنارد باليسي ) كان ينتقل من الأمل إلى اليأس عند بحثه في صناعة الخزف والميناء ، و ( أرخميدس ( خرج من الحمام عارياً لشدة فرحه ، كما أن ( دافي ) رقص في مخبره عندما كشف البوتاسيوم .
قال ( روجه - دوليل ) يصف حالته النفسية عندما نظم نشيد ( المرسيلياز ) : « كانت الكلمات تأتيني مع النغمات ، والنغمات مع الكلمات ، وكان تهيجي بالغاً منتهاه وشعري مز بئراً ، وكانت الحمى الشديدة ترجفني ، والعرق الشديد يتساقط على جـدي كله ، فير طب نفسي ، كما أن الدموع كانت تقطع صوتي ( ٢ ) .
وقال ( الفرد - دو - موسه ) يصف حاله خلال الإبداع :
( ان الاختراع ليقلقني ويرجفني ، ومع أن إنجازه يكون بطيئاً جداً بالنسبة إلى رغبتي ، فإنه يورثني دقات قلب مختلفة . فلا أنتج الفكرة الجديدة المسكرة إلا و أنا أبكي ، مانعاً نفسي من الصراخ ، فإذا كان صباح اليوم التالي خجلت منها واستقبحتها . وإذا بدلتها كان الأمر أسوأ ، لأنها تفارقني . فأنساها وأنتظر غيرها . ولكن الفكرة الثانية تأتيني مختلطة وعظيمة إلى درجة لا يستطيع وجودي الضعيف أن يتحملها . فهي تضيق علي الخناق ، وتعذبني حتى تصبح ذات نسبة قابلة للتحقيق وحق يعود إلى الالم الثاني ألم التوليد ، الذي هو ألم جسماني حقيقي لا أستطيع تعريفه ) ( ٣ ) .
ب - ان جميع الاستعدادات الانفعالية تؤثر في الاختراع :
لقد بين ( ريبو ) أن الانفعال لا ينضم إلى الاختراع ليزينه ، بل يلازمه ليحركه ويبعث على توليد . . فالأحوال الانفعالية المنافية توقظ الخيال كالاحوال الانفعالية الملائمة ، لقد ولد الخوف كثيراً من الخرافات ، وولد الغضب آثار الحد وطرق الانتقام ، وأبدعت السويداء الأدب الرومانتيكي ، كما أن ليالي ( موسه ( قد تولدت من اليأس . ولا نبالغ إذا مع ( ريبو ) : ( أن العامل الانفعالي هو الخميرة التي لا يمكن أن يتم الابداع إلا بها ) .
٢ - العوامل العقلية - إن الاختراع قوة تنظيم وتركيب تقتضي كثيراً من العوامل الذهنية ، كالادراك ، والذاكرة ، وتداعي الافكار ، والتحليل ، والتجريد ، والانتباه ، والحكم والاستدلال ، والإرادة . إننا لا نستطيع الآن أن نبحث في هذه العوامل كلها ، فلنقتصر إذن على بيان علاقة الاختراع بالذاكرة ، وتداعي الأفكار ، والجهد الإرادي والتأمل .
۱ - الذاكرة وتداعي الأفكار .
- ان للذاكرة تأثيراً في الاختراع ، إلا أنها ليست قوة مستقلة عن التصور والحكم والاستدلال : نعم ان المخترع يستمد من ذاكرته كثيراً من المواد التي يريد تنظيمها ، ولكن قوة التنظيم لا تقتصر على استرجاع المعاني والصور المحفوظة في ، بل تقوم على سبكها وتنضيدها ، ان قوة الاختراع لا تتعلق بتغيرات الذاكرة في الزيادة والنقصان ، لانها تابعة في الحقيقة لعمق الحياة النفسية ، لا لسعتها ويكفي في الاختراع . أن تكون الذاكرة معتدلة ، غير محدودة الاختصاص ، حسنة القبول ، غير مقيدة بالعادات الراسخة ، ومع أن الذاكرة ضرورية للاختراع فإن الاختراع لا يزداد بازديادها ولا النفس يتناقص بتناقصها .
أما رابطة التداعي فقد ذهب بعض علماء النفس ، كما رأيت ، إلى أنها ظاهرة عامة تشمل جميع أفعال النفس . حتى لقد بين ( ريبو ( أن قوة التفكير بالمماثلة هي الاساسي في الاختراع ، وأن هذه القوة تنحل إلى التداعي بالمشابهة . فالطفل كالإنسان الاول يربط الاشياء بعواطفه ، ويؤلف منها الالعاب والاساطير . ثم يعلق الاشياء بعضها ببعض ، ويستخرج . من ذلك كثيراً من المجازات والرموز . وهذا كله من ثمرة التداعي : حتى لقد قال ( رابيه ) : ان التخيل هو تداعي الأفكار ، وان قانوني الاقتران والمشابهة يمثلان دوراً عظيماً في التخيل المبدع إلا أن عمل المشابهة أقوى من عمل الاقتران . قال ( رابيه ) : ان القدرة على إدراك المشابهات هي العنصر الاساسي في العبقرية العلمية .
وقد أوضح ذلك بأمثلة مقتبسة من كتاب ( بين - Bain : الحواس والعقل . منها أن اختراع ( واط ) لم يكن إلا ثمرة التشابه بين قوة البخار وقوة المحركات الطبيعية ، كقوة الحيوان ، وقوة الريح ، وقوة التيار المائي . وإن كشف ( هارفي ) للدورة الدموية إنما تولد من تشبيه الأوردة الدموية بالمضخات المجهزة بالسدادات . وإن كشوف ( لافوازيه ) إنما تولدت من تشبيه التنفس بالاحتراق ، وإن اختراع ( فرانكلان ) بني على المشابهة بين الرعد والبرق والكهرباء .
المناقشة
- لا شك أن المماثلة والقدرة على إدراك المشابهات تلعبان دوراً عظيماً في الاختراع . إن . علماء النفس متفقون في ذلك . إلا أن هناك مسألة خلافية ، وهي إرجاع الاستدلال بالمماثلة إلى آلية تداعي الأفكار . إن تداعي الأفكار ظاهرة الية تختلف عن عملية التخيل المبدع ، لأن التخيل لا يقتصر على ربط الأفكار بعضها ببعض بل يحلل المركبات القديمة ويجمع عناصرها على هيئة جديدة ، وقد أدرك فلاسفة التداعي ذلك ، إلا أنهم زعموا أن التداعي بالمشابهة يقتضي هذا التحليل ، فقال ( ريبو ) : ان التداعي بالمشابهه يقتضي عملاً مؤلفاً من الجمع والتفريق ، وقال ( رابيه ) : من شرط التداعي بالمشابهة فصل عناصر التجربة بعضها عن بعض ، مع تحليلها وتجريدها . وهذا كله يدل على أن التخيل المبدع لا يكتفي يجمع الأفكار بعضها إلى بعض ، بل يقتضي أيضاً فصلها وتحليلها يجهد وفاعلية عقلية ، فإذا تذكرنا ما قلناه في تعريف تداعي الأفكار علمنا أنه ظاهرة آلية عفوية بسيطة ، وأدركنا أنه عامل من عوامل الاختراع لا غير . وأنه لا يكفي وحده لإيضاح التخيل المبدع إيضاحاً علمياً تاماً .
ب - الجهد الفكري
- ان الجهد الفكري أهم عوامل الاختراع . نعم ان هناك عوامل تلقائية ، كاللاشعور والحدس والإلهام ، إلا أن هذه العوامل كما سترى لا تكفي وحدها لإيضاح الاختراع . ولكن ما هي حقيقة هذا الجهد الفكري ؟
۱ - من الخيال إلى الصورة . - ان هذا الجهد الفكري ينقل العقل من الخيال المجمل إلى الصورة الحسية . وقد بين ( هنري برغسون ذلك بقوله : ان المخترع يتصور قبل كل شيء معنى مجرداً بسيطاً ، أو خيالاً عاماً بجملا ، يقلبه شيئاً فشيئاً إلى شكل حسي وصورة متشخصة . فهو يدرك النهاية قبل البداية . ثم يعود إلى المبدأ فيفكر في الواسطة التي يمكنه الانتقال بها شيئاً فشيئاً إلى الغاية ، وعند ذلك تصبح الغاية المجردة صورة متشخصة .
فالاختراع يكون أولاً بتصور الخيال الجمل ، ثم يكون ثانياً بقلب هذا الخيال إلى صورة . قال ( هنري برغسون ) : ان المخترع الذين يبغي إنشاء آلة جديدة يتصور العمل الذي يريد تحقيقه . وصورة هذا العمل المجردة تحضر إلى فكره بالتدريج - وبقوة التكرار والتجربة صورة مشخصة للحركات الجزئية التي تحقق الحركة الكلية ، ثم تحضر إلى ذهنه أيضا صورة القطع التي تولد بانضمامها بعضها إلى بعض تلك الحركات الجزئية . ففي تلك اللحظة الدقيقة ، يتجسد الاختراع ، ويصبح التصور الخيالي صورة مشخصة . فالكاتب الذي يصنف قصة ، ومؤلف الروايات الذي يبدع و مواقف ، أشخاصاً والموسيقار الذي يؤلف لحنا ، والشاعر الذي ينظم قصيدة ، كلهم يتصورون في أول الأمر مثالاً عاماً بسيطاً ومجرداً ، فالموسيقار والشاعر يتصوران تأثيراً يقلبانه إلى واقع ، أو شعوراً عاماً . اجتماعية أو أمراً من الأمور المجردة يعبران عنه بتصور أشخاص و موجودات ، يبدأ كل منها عمله بتصور الخيال الكلي المجمل ، ثم يقلب هذا الخيال ، في النهاية إلى صورة محيطة بالأجزاء وبيئة ومختلفة عنها .
المناقشة
- ان هذه النظرية على صدقها لا تخلو من بعض الشبه التي يجب إزالتها .
۱ - ان جهد الاختراع لا ينتقل دائماً من المجرد إلى المشخص ، ولا من تصور الكل إلى تصور الأجزاء . وهذا ظاهر في الاختراع العلمي ، لأن العالم يجمع . ملاحظاته المشخصة ويستنبط منها قانوناً عاماً مجرداً . نعم إن تصور القانون العلمي مسبوق بالفرضية ، وهي بالنسبة إلى القانون خيال مجرد ، إلا أن ( هنري برغسون ، لم يبين لنا كيف يتولد هذا الخيال المجرد من ملاحظة الظواهر المشخصة . ان العلماء لم يهتدوا إلى نظرية الذرة إلا بعد أن تخيلوا تأثير الأجزاء الفردة بعضها في بعض تخيلا بصرياً محسوساً . وما يصدق على الاختراع العلمي يصدق كذلك على الاختراع الفني ، حق لقد اعترف ( هنري برغسون ) نفسه بأن الاختراع الفني كثيراً ما يتم بالانتقال من الأجزاء إلى الكل لا من الكل إلى الأجزاء ، فينتقل الفنان من بعض التأثيرات أو المشاعر المحزنة إلى تصور خيال كلي عام . مثال ذلك أن قصيدة « المقبرة البحرية ( تولدت في مخيلة ) بول ـ فاليري ) من تأثير وزن من الأوزان . '
۲ - فمن الضروري إذن أن نبين كيف يتولد الخيال المجرد في الذهن ، لا أن نقتصر - كما . فعل هنری برغسون - على بيان الانتقال من الخيال المتحرك إلى الصورة الثابتة . قال بورلو Burloud » .
( اصدق ما قيل في وصف الاختراع أنه ينشيء الخيال إنشاء )
فالجهد الفكري في الإبداع لا يكمن في الانتقال من الخيال إلى الصورة فحسب ، بل يكمن كذلك في تصور هذا الخيال وإنشائه .
٣ - إنشاء الخيال . التحليل والتركيب . كيف يتم إنشاء الخيال ؟ ليست الصور والأفكار منفصلة بعضها عن بعض ، وإنما هي مندمجة في مجموعات نفسية كثيرة . إذا أراد المخترع أن يؤلف تركيباً جديداً وجب عليه أولاً أن يحلل هذه المجموعات النفسية إلى عناصرها . لذلك قال ( ريبو ) : إن التخيل المبدع يقتضي عمليتين أساسيتين ، إحداهما سلبية احضارية وهي التحليل ، والأخرى إيجابية إنشائية ، وهي التركيب .
التركيب . - المثال مبدأ الوحدة .
ان تصور المثال يتولد من ادراك المشابهات ، وهذا الإدراك يستند إلى التحليل . إلا أن الفكر لا يحلل المركبات القديمة تحليلاً حقيقياً ، إلا في ضوء المثال الذي يتصوره . مرکز قال ( ريبو ) : « كل إبداع تنظيم يحتاج إلى مبدأ موحد ( موحد ، . ان هذا المبدأ هو مر الجاذبية ونقطة الاستناد في كل تخيل مبدع . وقد سماه ( ريبو ) مثالاً ( Ideal ) لأنه الغاية التي يريد المخترع تحقيقها ، والهدف الذي يريد بلوغه . والمخترعون انما يمتازون بقدرتهم على ادراك النسب والعلاقات . وما إدراك النسب والعلاقات إلا ظاهرة من ظواهر هذه القوة الموحدة التي تبلغ في عقول المخترعين أعلى الدرجات . اذن الاختراع قوة تركيب وتوحيد ، وهو مبني على ادراك النسب والعلاقات ولولا هذا الإدراك لما حصل التركيب .
التحليل . - العناصر مادة الاختراع
لا نستطيع تركيب المخترعات الجديدة إلا إذا حللنا المركبات القديمة . لأن العناصر ليست منفصله بعضها عن بعض في الطبيعة . قال ( لوروا ) : كل تركيب جديد يتولد من تحلیل نقدي سابق . إن دور الهدم يتقدم عليه ويهيئه ، ( ۱ ) . والناس لا يرتاحون لهــــذا الهدم ، لأنهم أ ألفوا الصور القديمة . قال ( لوروا ) : ( يتراءى للمعاصرين ان المخترع مصاب بالماس ، وذلك على قدر ما يخترع ، وعلى نسبة ما يحتاج الى تصورات لا وجود لها في الأفكار المنتشرة في زمانه . ومما يلفت النظر أن مخترعي نظريات ما بعد الطبيعة يحشرون مع المجانين ، وان المخترعين الاجتماعيين والأخلاقيين بعدون ثورويين ، وفوضويين ، وأن مخترعي الفن يحسبون غير متزنين حق ان العلماء أنفسهم لا يتفهم كلامهم احد عند إتيانهم بالافكار الجديدة .
فيتهمون بمخالفة نظرياتهم للحس السليم وعدم معقوليتها ( ۱ ) . ان المخترع لا يخالف الرأي العام بهدم المركبات القديمة فحسب ، بل يخالفه أيضاً بالصورة الجديدة التي يركبها . وفي تاريخ العلوم أمثلة كثيرة تدل على المقاومة التي لقيها المخترعون في زمانهم . مثال ذلك ان قول الفيثاغوريين بالعدد الأصم عد شناعة منطقية ، وقول ( نيوتن ) بالجاذبية العامة " عد غير معقول لاقتضائه التأثير من بعد وقول ( غاليله ) بدوران الأرض عد مخالفاً لمبادئ الكنيسة ، حتى ان ( نابليون بونابارت ) قال عن ( لامارك ) حينما اطلع على نظرياته أنه مشعوذ . وقد بينا أيضاً كيف اعترض العلماء على نظرية اللاشعور ، وما أكثر العلماء الذين صعب عليهم قبول نظرية النسبية التي جاء بها ( أينشتاين ) !
ان هذه الأمثلة تبين لنا أيضاً أن نظرية التداعي عاجزة عن إيضاح الاختراع . فالاختراع ليس ناشئاً عن التحام روابط التداعي ، وإنما هو قائم على قطع هذه الروابط والتحرر منها . لأنه يبدل الأوضاع القديمة ، ويزعزع أركانها ، ويفقد النفوس ما اعتادته من الراحة الآلية .
ان جمل الأفكار القديمة تميل الى البقاء في النفس كما هي وفقاً لقانون الجمع . وهذا القانون يضع في طريق الاختراع عقبات كثيرة تمنع التحليل من بلوغ نهايته . لذلك كثيراً ما تجد في المركبات الجديدة صوراً من آثار المركبات القديمة . ان محور عربات القطار ظل مساوي المحور عربات ( الديليجانس ) مدة طويلة من الزمان ، ومقدم السيارة ظل مشابهاً لمقدم العربة . ان ( ديكارت ) أراد أن يهدم مبادىء المدرسيين ( السكولاستيك ) ، ولكنه لم يستطع أن يتجرد منها تماماً . وكثيراً ما تجد في الفن الحديث آثاراً من التقنيات الفنية القديمة ، فالفنان يوفق بين القديم والحديث ، وينتهي به ذلك في بعض الأحيان إلى إيجاد صور فنية جميلة .
تعليق