قصة وقصيدة من الماضي
قصة وقصيدة
الله لحد ياما غزينا وجينا
بداح العنقري أو كما ينطقها البعض العنجري، تاجر من أهل الحضر، لديه دكان في سوق إحدى قرى نجد، وكان البدو ينزلون القرى ويكتالون بالدَّيْن إلى أن يبيعوا “السمن والسمين” على حد قولهم، فيوفوا صاحب الدكان حقه وهكذا، ونظرًا لطبيعة تعامل بداع العنقري مع أهل البادية فقد كون علاقات جيدة مع البدو نظرًا لما يتمتع به بداح من سمعة طيبة وتعامل نظيف، وفي إحدى السنوات نزلت قبيلة من قبائل البادية بالصيف بالقرب من قرية بداح، ونظرًا لما يربط بداح بهذه القبيلة من علاقات فقد خرج لهم وسلم عليهم وأعطاهم ما يحتاجونه من مؤن. وصادف أن رأى فتاة جميلة في هذه القبيلة أعجبه جمالها، وكان والدها رجلًا كريمًا ويعرفه بداح من تعامله معه، فقرر بينه وبين نفسه خطبتها. ولما رحل البدو وعادوا إلى منازلهم في بداية الموسم ركب بداح وتبعهم ونزل ضيفًا على والدها الذي أحسن استقباله وقام بواجبه فالرجل شهم كريم وبداح يستحق حسن الاستقبال لما له من أفضال على تلك القبيلة.
وبعد أن قام والد الفتاة بواجب الضيافة فاتحه بداح برغبته بالاقتران بابنته طمعًا بنسبه، فلم يكن للوالد بد من الموافقة على طلب بداح ولكنه اشترط موافقة الفتاة أولًا لأن بداح سوف يأخذها للقرية إذا تزوج بها، ومن هنا كان لا بد من أخذ رأيها، وكانت الفتاة بالجزء الثاني من بيت الشعر بحيث أن بداح يسمعها فلم يكن بينهما سوى قاطع بيت الشعر الذي يفصل المجلس عن المخدع وهو لا يعزل الصوت، وكان بداح يسمع حوارها مع والدها.
قال لها الوالد: بداح يريد الزواج بك وسيأخذك لقريته فما رأيك؟
أجابت الفتاة: الحضري لي خيال نظره، زين تصفيح لا يصلح لي ولا أصلح له، وهي تعني أن أهل الحضر ذوو هيئة وملابس نظيفة فقط؛ لذا فهم لا يصلحون لها.
سمع بداح ما دار بين الوالد والفتاة، وسكت. ولما عاد الوالد حاول أن يعتذر لبداح بأية طريقة، وقبل بداح عذره وشكره وطلب المبيت عندهم حتى الصباح ليعود ثانية من حيث أتى! وفعلًا بات عندهم تلك الليلة.
وفي الصباح الباكر وقبل رحيل بداح حصل أن أغار قوم على أهل الفتاة وأخذوا حلالهم كله وابتعدوا به، فصاح الصياح بالمضارب وهرع القوم للحاق بإبلهم وتخليصها من أيدي الغزاة، هذه كله وبداح جالس يشرب القهوة ولا يحرك ساكنًا، والفتاة تنظر إليه بازدراء، وهي تردد على مسامعه: الحضري خيال نظره! وهو لا يكترث لها، ولما جاء الضحى عادت فلول القوم منهزمة لم تستطع تخليص حلالها من أيدي الغزاة، في هذه اللحظة تناول بداح سيفه ورمحه وركب فرسه وأغار بطلب الغزاة وحيدًا، والفتاة تنظر إليه.
ولما جاء العصر عاد بداح وقد هزم الغزاة وحيدًا وأعاد الحلال كاملًا ومعه خيل الأعداء، وبعضهم مأسورين، فتعجبت القبيلة كلها من فروسيته وهو الضيف الذي لا يلزمه شرع البدو بمناصرة مضيفيه إلا من باب النخوة، شعرت الفتاة بالخجل لما قالته له فوقفت تزغرد له وكأنها تعتذر وتقول قبلت الزواج بك ولما وقف بالقرب منها أنشد هذه الأبيات:
الله لحد يا ما غزينا وجينا
ويا ما ركبنا حاميات المشاويح
وياما على أكوارهن اعتلينا
وياما ركبناهن عصيرن مراويح
وياما تعاطت بالهنادي يدينا
وياما تقاسمنا حلال المصاليح
وراك تزهد يا أريش العين فينا
تقول خيال الحضر زين تصفيح
الطيب ما هو بس للظاعنينا
مقسمن بين الوجيه المفاليح
البدو واللي بالقرى نازلينا
كلن عطاه الله من هبّة الريح
يوم الفضول بحلتك شارعينا
بالشلف ينحونك سوات الزنانيح
يوم انجمر رمحي خذيت السنينا
وادعيت عنك الخيل صم مدابيح
هيا عطينا الحق هيا عطينا
وإن ما عطيتيناه والله لا أصيح
أصيح صيحة من غداله جنينا
وإلا خلوج ضيعوها السراريح
يا عود ريحان بعرض البطينا
ومنين ما هب الهوا فاح له ريح
لا خوخ لا رمان لا هو بتينا
مشمس البصرة ولا بالتفافيح
وخدن كما قرطاستن في يمينا
وعيون نجل للمشقا ذوابيح
صخف بلطف بانهزاع بلينا
يا غصن موزن هزعه ناسم الريح
لما أكمل العنقري قصيدته وسمعت الفتاة كلامه كما سمعه أبناء قومها أهدت نفسها إليه زوجة، فرفضها كما رفضته هي من قبل وعاد من حيث جاء وتركها تعض أصابع الندم حيث لا يجدي، ويقول بعض الرواة أن بداح بعد أن أنهي قصيدته ركز رمحه ورمى نفسه عليه وانتحر؛ ولكن هذه الرواية لا أميل لتصديقها لأنه ليس هناك مبرر لانتحاره فقد تكون الفتاة هي المنتحرة حيث أن هناك سببًا ومبررًا أما فارس مثله فلا أتصور أن يستسلم لليأس بهذه السهولة
قصة وقصيدة
الله لحد ياما غزينا وجينا
بداح العنقري أو كما ينطقها البعض العنجري، تاجر من أهل الحضر، لديه دكان في سوق إحدى قرى نجد، وكان البدو ينزلون القرى ويكتالون بالدَّيْن إلى أن يبيعوا “السمن والسمين” على حد قولهم، فيوفوا صاحب الدكان حقه وهكذا، ونظرًا لطبيعة تعامل بداع العنقري مع أهل البادية فقد كون علاقات جيدة مع البدو نظرًا لما يتمتع به بداح من سمعة طيبة وتعامل نظيف، وفي إحدى السنوات نزلت قبيلة من قبائل البادية بالصيف بالقرب من قرية بداح، ونظرًا لما يربط بداح بهذه القبيلة من علاقات فقد خرج لهم وسلم عليهم وأعطاهم ما يحتاجونه من مؤن. وصادف أن رأى فتاة جميلة في هذه القبيلة أعجبه جمالها، وكان والدها رجلًا كريمًا ويعرفه بداح من تعامله معه، فقرر بينه وبين نفسه خطبتها. ولما رحل البدو وعادوا إلى منازلهم في بداية الموسم ركب بداح وتبعهم ونزل ضيفًا على والدها الذي أحسن استقباله وقام بواجبه فالرجل شهم كريم وبداح يستحق حسن الاستقبال لما له من أفضال على تلك القبيلة.
وبعد أن قام والد الفتاة بواجب الضيافة فاتحه بداح برغبته بالاقتران بابنته طمعًا بنسبه، فلم يكن للوالد بد من الموافقة على طلب بداح ولكنه اشترط موافقة الفتاة أولًا لأن بداح سوف يأخذها للقرية إذا تزوج بها، ومن هنا كان لا بد من أخذ رأيها، وكانت الفتاة بالجزء الثاني من بيت الشعر بحيث أن بداح يسمعها فلم يكن بينهما سوى قاطع بيت الشعر الذي يفصل المجلس عن المخدع وهو لا يعزل الصوت، وكان بداح يسمع حوارها مع والدها.
قال لها الوالد: بداح يريد الزواج بك وسيأخذك لقريته فما رأيك؟
أجابت الفتاة: الحضري لي خيال نظره، زين تصفيح لا يصلح لي ولا أصلح له، وهي تعني أن أهل الحضر ذوو هيئة وملابس نظيفة فقط؛ لذا فهم لا يصلحون لها.
سمع بداح ما دار بين الوالد والفتاة، وسكت. ولما عاد الوالد حاول أن يعتذر لبداح بأية طريقة، وقبل بداح عذره وشكره وطلب المبيت عندهم حتى الصباح ليعود ثانية من حيث أتى! وفعلًا بات عندهم تلك الليلة.
وفي الصباح الباكر وقبل رحيل بداح حصل أن أغار قوم على أهل الفتاة وأخذوا حلالهم كله وابتعدوا به، فصاح الصياح بالمضارب وهرع القوم للحاق بإبلهم وتخليصها من أيدي الغزاة، هذه كله وبداح جالس يشرب القهوة ولا يحرك ساكنًا، والفتاة تنظر إليه بازدراء، وهي تردد على مسامعه: الحضري خيال نظره! وهو لا يكترث لها، ولما جاء الضحى عادت فلول القوم منهزمة لم تستطع تخليص حلالها من أيدي الغزاة، في هذه اللحظة تناول بداح سيفه ورمحه وركب فرسه وأغار بطلب الغزاة وحيدًا، والفتاة تنظر إليه.
ولما جاء العصر عاد بداح وقد هزم الغزاة وحيدًا وأعاد الحلال كاملًا ومعه خيل الأعداء، وبعضهم مأسورين، فتعجبت القبيلة كلها من فروسيته وهو الضيف الذي لا يلزمه شرع البدو بمناصرة مضيفيه إلا من باب النخوة، شعرت الفتاة بالخجل لما قالته له فوقفت تزغرد له وكأنها تعتذر وتقول قبلت الزواج بك ولما وقف بالقرب منها أنشد هذه الأبيات:
الله لحد يا ما غزينا وجينا
ويا ما ركبنا حاميات المشاويح
وياما على أكوارهن اعتلينا
وياما ركبناهن عصيرن مراويح
وياما تعاطت بالهنادي يدينا
وياما تقاسمنا حلال المصاليح
وراك تزهد يا أريش العين فينا
تقول خيال الحضر زين تصفيح
الطيب ما هو بس للظاعنينا
مقسمن بين الوجيه المفاليح
البدو واللي بالقرى نازلينا
كلن عطاه الله من هبّة الريح
يوم الفضول بحلتك شارعينا
بالشلف ينحونك سوات الزنانيح
يوم انجمر رمحي خذيت السنينا
وادعيت عنك الخيل صم مدابيح
هيا عطينا الحق هيا عطينا
وإن ما عطيتيناه والله لا أصيح
أصيح صيحة من غداله جنينا
وإلا خلوج ضيعوها السراريح
يا عود ريحان بعرض البطينا
ومنين ما هب الهوا فاح له ريح
لا خوخ لا رمان لا هو بتينا
مشمس البصرة ولا بالتفافيح
وخدن كما قرطاستن في يمينا
وعيون نجل للمشقا ذوابيح
صخف بلطف بانهزاع بلينا
يا غصن موزن هزعه ناسم الريح
لما أكمل العنقري قصيدته وسمعت الفتاة كلامه كما سمعه أبناء قومها أهدت نفسها إليه زوجة، فرفضها كما رفضته هي من قبل وعاد من حيث جاء وتركها تعض أصابع الندم حيث لا يجدي، ويقول بعض الرواة أن بداح بعد أن أنهي قصيدته ركز رمحه ورمى نفسه عليه وانتحر؛ ولكن هذه الرواية لا أميل لتصديقها لأنه ليس هناك مبرر لانتحاره فقد تكون الفتاة هي المنتحرة حيث أن هناك سببًا ومبررًا أما فارس مثله فلا أتصور أن يستسلم لليأس بهذه السهولة