مجلة فن التصوير
الفنان التشكيلي:
مصطفى رعدون..
أعظم عاشق ضوئي وحارس لتراث قلعة المضيق..
بين الإيقاع المادي و التراث اللامادي ..
بقلم المصور:
الفنان فريد ظفور
دنت من نافذتي فراشة ضوئية ..كدنو القمر من الأرض..تحمل في طياتها بعد السنون.. والعمر يمضي بنا دون بلوغ اللقاء..الذي نصبو إليه..فَجّرت أعماله مسافة من السعادة ..أزاحت عن كاهلي غبار الأيام الخاليات عن المدن المنسية الحزينة ..نثرت صوره ضحكاتها بتدرجات رمادية ووروداً وزنبق وياسميناً شامياً..تعربش على شرفات المنازل العتيقة بأبجديته الأسطورية ..التي غيبت في ثنايا نغماته وطوناته الللونية كل الأبجديات الفنية ..فإبتسامته صارت سيدة البسمات التشكيلية ..ضفائرها وتكويناتها البصرية غدت تراقص كل النسمات الخريفية ..أنت أيها الفنان المبدع الذي سكنت فيك عصافير الطفولة في قلعة المضيق والنغمات الحضارية من أفاميا..
رحبوا معنا بضيفنا الكبير الأستاذ التشكيلي والمصور..
مصطفى رعدون..
حجر الزاوية هنا الصورة التراثية ..وهي مفهوم يتطلب أناة ودقة في متابعته مع الفنان مصطفى رعدون..
إذ أنه قد أضير بما لحق التراث من تشتت وسوء إستخدام وخاصة في الظروف الأخيرة التي عانت منها سورية..ومن التمزق بين الماضي والحاضر..وبين الإعتداد بالخصوصية القطرية والعربية والإسلامية والإنفتاح الإنساني على منجزات وتقنيات العالم العصرية..ناهيك عما يتردد حولنا عن إحياء التراث وتحقيقه ونشره..علاوة عن الفنون والآداب المستلهمة من التراث ..ولكنها بالرغم من إنجازاتها المخلصة ..
تحتاج لإعادة توجيه
بوصلتنا الثقافية العربية لمعالجة الفصام الظاهر في الثقافة الضوئية المعاصرة الحائرة بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب..
وبذلك بقيت الجهود قاصرة عن طرح حل موضوعي قويم للمعادلة الصعبة بين التراث والتحدي ومعادلة الأصالة والمعاصرة..والتي ترزخ تحت وطأة المواجهة الحادة مع حضارة الغرب المتوغل في كل بلدان العالم..وكذلك هذه المعادلة هي الصخرة التي تتعثر عندها مسيرة الثقافة الضوئية البصرية ومسيرة الفنون بدرجة أحدّ وأعنف..لأن التراث هو المخزون النفسي المتراكم من الموروثات المختلفة والمتفاعلة مع الواقع الحاضر ..والتراث هو الحصيلة الثقافية المتبلورة فيها ثقافة وخبرات جميع الشعوب..والتراث مرتبط بالواقع..ويوجه سلوك الإنسان اليومي..وكذلك التراث هو الذخر الثقافي الضوئي المتوارث المتخذ صوراً وتعبيرات متعددة تنقسم إلى تراث ثقافي مادي وتراث ثقافي معنوي ( لامادي )..فالمادي..
ثابت ومدون وهو التراث المحفوظ في الآثار
والكتب والمخطوطات والتراث اللامادي الشفاهي المتغير والمتجدد ويتمثل بالكلمة والنغمة والحركة وتشكيل وتكوين المادة..أي الفنون الأدبية والتشكيلية والتعبيرية والرمزية..ويتناقل شفاهة وبالتقليد ويرتبط بالعادات والتقاليد والمناسبات الإجتماعية ..بيد أن المادي ثابت وباق لايتغير واللامادي أشد عرضة للتغيير والإضافة والحذف ..وهذا الموروث يحمل في طياته قيم وفلسفة الشعب ومزاجه الفني..وفنون الرقص والدبكة والعتابا والغناء والزجل وما إليها..ومن هنا تتخذ عدسة الفنان مصطفى رعدون…. أهمية وأولوية بالحفاظ والتوثيق في سلم القيم الثقافية التي يخطط للحفاظ عليها من منظور معاصر يعرف قيمة هذا التراث ويعرف كيف يقدمه للأجيال لتأكيد الذات والحماية من الإغتراب وفقدان الهوية عند الأجيال الحالية والقادمة..وتراث بلدته قلعة المضيق هي حصيلة الممارسة والتقافة البصرية والفنية التي يؤديها أبناء بلدته وأبناء منطقة الغاب وترتبط صورة الأزياء والعادات والتقاليد فهي تواكب دورة الحياة من الميلاد وحتى الموت..والقدر الثابت والمسلم به بأن التراث الشعبي لقلعة المضيق ولحضارة أفاميا واسع الإنتشار حي على صفحات الكتب والمجلات وفي مواقع التواصل الإجتماعي بفضل الكثير من المصورين والفنانين وفي مقدمتهم الفنان التشكيلي والضوئي
مصطفى رعدون..
الذي يرسم بالضوء وبالصورة تاريخ المنطقة منذ ماينيف على النصف قرن منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي ..حيث كانت لوحاته الضوئية على أغلفة مجلة جيش الشعب ومجلة الجندي العربي وفي آخر صفحة من الصحف المحلية السورية..وجدير بالذكر بأن للبيئة التي عاش فيها الفنان مصطفى رعدون..
التي تمثل قيم جمالية أصيلة ..وكما أن الثنائية الفنية عند الفنان مصطفى رعدون..في الفكر البصري ملمح رئيسي فإن الفن التشكيلي يتعامل مع الخيال والفن الضوئي مع الواقع..ولعل إزدواجية التشكيل والضوء أعطت الفنان حصيلة من التكوين بالغة الثراء من المقومات الفنية البصرية التشكيلية والضوئية..التي تولد طاقات جديدة في الإبداع الضوئي المستلهم من التراث والعادات والتقاليد للمنطقة..فكانت عدسته شاهد على العصر لتوثيق حياة الفلاحين والعمال الزراعيين والغلابة والفقراء والكثير من المرافق الحيوية التراثية الأصيلة..كل ذلك حفاظاً على تراث قلعة المضيق وجوهرها في إطار التجديد..ومهمة الفنان هي ترشيد هذا التجديد وإحتضان القيم الفنية الجمالية منه..على أن يكون إهتمام الأجيال الحالية والقادمة منصباً على مقومات التراث الذي رصدته عدسة الفنان مصطفى رعدون.
إستلهاماً رشيداً يوائم بينها وبين التأثيرات في عصر العولمة والأنترنت..ويصنع من تضافرهما نسيجاً سداه من التراث البيئي ولحمته من مخيلة المبدع مصطفى وخبرته بالقديم والحديث وبالتشكيل والتصوير..وبغيرهما.وناتجه إبداع فني صادق يرقى للعالمية..سيما وأن المجتمعات العربية عندما تفرز فنانين مبدعين أصلاء مجددين للتراث المادي واللامادي تجديداً صحيحاً ..فلا بد لها من أن تتوالى الحكومات العربية في تشجيعهم وإحتضان مواهبهم وإبداعاتهم الفنية البصرية ..حتى لاتذبل نبتات إبداعاتهم تاركة الساحة والمجال أمام التيارات البصرية السوقية والمسيئة لروح الثقافة الوطنية والعر بية والتراث الإنساني..الكتابة عن المصور مصطفى ..متعبة جداً..سيما ونحن أمام قامة فنية ضوئية قارب عطاؤها النصف قرن من الإبداع الفني التشكيلي والبصري..وإن كان هذا التعب يهبنا السعادة والفرح..الفرح الذي نكاد نفقده في هذا الزمن الصعب الذي قَلَّ فيه الإبداع والممميزين..لذلك سنحاول تناول بعض الجوانب من حياته الفنية البصرية..وأصعب مايمر به إنسان مبدع وهو في بداية الطريق بأن يُرمى بسهام الغدر وبأحجار الإستهانة بفنه وتقليل الشأن وإطلاق سهام العثرات والأخطاء في مسيرته..بدلاً من كلمة طيبة وجميلة تشجع عمله أو موقف توجيهي ..وللأسف هناك فئة متخصصة في وضع العصي في العجلات ..وفئة متخصصة في قلع النبتة الصغيرة وسحقها قبل أن تنمو ويشتد ساعدها ..وتغض النظر عن نواحي القبح والفساد المنتشرة في كل مكان والتي يجب أن توجه إليها قذائفها وسمومها..وكأنهم يلفظون عقدهم وأمراضهم الشخصية بضيق أفق لامتناهي..وكم نحن بأمس الحاجة لرعاية كل موهبة وكل نبتة نتوسم فيها الخير والنجابة والتميز والتفوق والإبداع والعطاء..بقدر ما يجب أن نشير إلى مواطن الخلل ونقتلعها من جذورها ..ونقوم الإعوجاج بإيجابية بناءة..والأنكى من ذلك أن بعض النقاد يتجاوز الهدم والتشهير والإساءة والقذف ..حدود العمل الفني إلى الذات الشخصية والعائلية..ويصبح تبادل الإتهامات والتجريح السمة الغالبة ..حتى نصل إلى طريق مسدودة بلا ثمار مرجوة وبلا هدف واضح..سيما ونحن في طريق ترميم بنائنا الثقافي الفني وتضميد جراحنا الأدبية ..والأنكى بأن ننشغل بالجدل على حساب العمل..فكم هو جميل الإختلاف ..فإختلاف الرأي لايفسد للود قضية..ومطلوب لصالح التغيير..والتعدي والإساءة على أي جهد إبداعي هو القبح بعينه..
ومايهمنا من كل ماتقدم هو بأن الفنان مصطفى رعدون .
معطاء بلا حدود يشد على أيادي الهواة ويثني على أعمالهم ويقدم كل مافي جعبته فداء للفوتوغرافيا ..وهو علم على رأسه إشعاعُ..هو إبن قلعة المضيق التاريخية التي يعشقها وتعشقه..ترعرع في كنف بيت غص بالكتب والثقافة.. ومن أسرة فلاحية وبيئة ريفية متفردة بالثقافة والريادة المجتمعية..والفنية والأدبية..مصطفى رعدون الفنان الأسطورة التي حافظ على التراث في الزمن الصعب.. فهو متحف ضوئي متنقل ويمتلك أرشيفاً غنياً من الصورة ذات اللون الأحادي بتدرجاته الرمادية والأخرى التي عزفها على سلم ألوان الطيف السبعة..بتقنية عالية ووثائقية مرتفعة الصدق والإحساس بالمسؤولية..فنتوقف أمام أعماله الملونة المزركشة بألوان الأعياد ونستعرض بنظرة سريعة متحف التاريخ الذي يقدم لنا في كل يوم تحفة بصرية ضوئية رائعة التكوين ويسكرنا بتدرجاتها الرمادية..ولعل الكلمات تعجز عن تقدير أعماله وإعطائها حقه لأنها تستحق أن تكون أيقونات تزدان بها أروقة المتاحف وجدران المراكز الثقافية والوزارات لتبقى منارة عزّ وهداية للأجيال القادمة ..من هنا ندلف للقول بأننا أمام تجربة فنية فائقة التألق بتكويناتها البصرية والتشكيلية..ولذلك وجب علينا بأن نقدم الشكر والتقدير والإحترام له ولأعماله الفنية بالرسم وبالتصوير..وحريٌ بالقائمين على الثقافة الفنية ضرورة تسليط الضوء على هذه التجربة الفنية الغنية التي قدمت نفسها قرباناً على مذبح الفن والتصوير الضوئي..أفلا يستحق فناننا الكبير التكريم وإعطائه جزء من حقه وتقديم يَدّ العون والمساعدة لتستمر مسيرة عطائها ونبع إبداعه الفني ليكون منارة للأجيال القادمة..
بقلم المصور العالمي
الأستاذ :
فريد ظفور
مجلة فن التصوير
عدد سبتمبر 2018/11م/
الفنان التشكيلي:
مصطفى رعدون..
أعظم عاشق ضوئي وحارس لتراث قلعة المضيق..
بين الإيقاع المادي و التراث اللامادي ..
بقلم المصور:
الفنان فريد ظفور
دنت من نافذتي فراشة ضوئية ..كدنو القمر من الأرض..تحمل في طياتها بعد السنون.. والعمر يمضي بنا دون بلوغ اللقاء..الذي نصبو إليه..فَجّرت أعماله مسافة من السعادة ..أزاحت عن كاهلي غبار الأيام الخاليات عن المدن المنسية الحزينة ..نثرت صوره ضحكاتها بتدرجات رمادية ووروداً وزنبق وياسميناً شامياً..تعربش على شرفات المنازل العتيقة بأبجديته الأسطورية ..التي غيبت في ثنايا نغماته وطوناته الللونية كل الأبجديات الفنية ..فإبتسامته صارت سيدة البسمات التشكيلية ..ضفائرها وتكويناتها البصرية غدت تراقص كل النسمات الخريفية ..أنت أيها الفنان المبدع الذي سكنت فيك عصافير الطفولة في قلعة المضيق والنغمات الحضارية من أفاميا..
رحبوا معنا بضيفنا الكبير الأستاذ التشكيلي والمصور..
مصطفى رعدون..
حجر الزاوية هنا الصورة التراثية ..وهي مفهوم يتطلب أناة ودقة في متابعته مع الفنان مصطفى رعدون..
إذ أنه قد أضير بما لحق التراث من تشتت وسوء إستخدام وخاصة في الظروف الأخيرة التي عانت منها سورية..ومن التمزق بين الماضي والحاضر..وبين الإعتداد بالخصوصية القطرية والعربية والإسلامية والإنفتاح الإنساني على منجزات وتقنيات العالم العصرية..ناهيك عما يتردد حولنا عن إحياء التراث وتحقيقه ونشره..علاوة عن الفنون والآداب المستلهمة من التراث ..ولكنها بالرغم من إنجازاتها المخلصة ..
تحتاج لإعادة توجيه
بوصلتنا الثقافية العربية لمعالجة الفصام الظاهر في الثقافة الضوئية المعاصرة الحائرة بين الماضي والحاضر وبين الشرق والغرب..
وبذلك بقيت الجهود قاصرة عن طرح حل موضوعي قويم للمعادلة الصعبة بين التراث والتحدي ومعادلة الأصالة والمعاصرة..والتي ترزخ تحت وطأة المواجهة الحادة مع حضارة الغرب المتوغل في كل بلدان العالم..وكذلك هذه المعادلة هي الصخرة التي تتعثر عندها مسيرة الثقافة الضوئية البصرية ومسيرة الفنون بدرجة أحدّ وأعنف..لأن التراث هو المخزون النفسي المتراكم من الموروثات المختلفة والمتفاعلة مع الواقع الحاضر ..والتراث هو الحصيلة الثقافية المتبلورة فيها ثقافة وخبرات جميع الشعوب..والتراث مرتبط بالواقع..ويوجه سلوك الإنسان اليومي..وكذلك التراث هو الذخر الثقافي الضوئي المتوارث المتخذ صوراً وتعبيرات متعددة تنقسم إلى تراث ثقافي مادي وتراث ثقافي معنوي ( لامادي )..فالمادي..
ثابت ومدون وهو التراث المحفوظ في الآثار
والكتب والمخطوطات والتراث اللامادي الشفاهي المتغير والمتجدد ويتمثل بالكلمة والنغمة والحركة وتشكيل وتكوين المادة..أي الفنون الأدبية والتشكيلية والتعبيرية والرمزية..ويتناقل شفاهة وبالتقليد ويرتبط بالعادات والتقاليد والمناسبات الإجتماعية ..بيد أن المادي ثابت وباق لايتغير واللامادي أشد عرضة للتغيير والإضافة والحذف ..وهذا الموروث يحمل في طياته قيم وفلسفة الشعب ومزاجه الفني..وفنون الرقص والدبكة والعتابا والغناء والزجل وما إليها..ومن هنا تتخذ عدسة الفنان مصطفى رعدون…. أهمية وأولوية بالحفاظ والتوثيق في سلم القيم الثقافية التي يخطط للحفاظ عليها من منظور معاصر يعرف قيمة هذا التراث ويعرف كيف يقدمه للأجيال لتأكيد الذات والحماية من الإغتراب وفقدان الهوية عند الأجيال الحالية والقادمة..وتراث بلدته قلعة المضيق هي حصيلة الممارسة والتقافة البصرية والفنية التي يؤديها أبناء بلدته وأبناء منطقة الغاب وترتبط صورة الأزياء والعادات والتقاليد فهي تواكب دورة الحياة من الميلاد وحتى الموت..والقدر الثابت والمسلم به بأن التراث الشعبي لقلعة المضيق ولحضارة أفاميا واسع الإنتشار حي على صفحات الكتب والمجلات وفي مواقع التواصل الإجتماعي بفضل الكثير من المصورين والفنانين وفي مقدمتهم الفنان التشكيلي والضوئي
مصطفى رعدون..
الذي يرسم بالضوء وبالصورة تاريخ المنطقة منذ ماينيف على النصف قرن منذ بدايات سبعينيات القرن الماضي ..حيث كانت لوحاته الضوئية على أغلفة مجلة جيش الشعب ومجلة الجندي العربي وفي آخر صفحة من الصحف المحلية السورية..وجدير بالذكر بأن للبيئة التي عاش فيها الفنان مصطفى رعدون..
التي تمثل قيم جمالية أصيلة ..وكما أن الثنائية الفنية عند الفنان مصطفى رعدون..في الفكر البصري ملمح رئيسي فإن الفن التشكيلي يتعامل مع الخيال والفن الضوئي مع الواقع..ولعل إزدواجية التشكيل والضوء أعطت الفنان حصيلة من التكوين بالغة الثراء من المقومات الفنية البصرية التشكيلية والضوئية..التي تولد طاقات جديدة في الإبداع الضوئي المستلهم من التراث والعادات والتقاليد للمنطقة..فكانت عدسته شاهد على العصر لتوثيق حياة الفلاحين والعمال الزراعيين والغلابة والفقراء والكثير من المرافق الحيوية التراثية الأصيلة..كل ذلك حفاظاً على تراث قلعة المضيق وجوهرها في إطار التجديد..ومهمة الفنان هي ترشيد هذا التجديد وإحتضان القيم الفنية الجمالية منه..على أن يكون إهتمام الأجيال الحالية والقادمة منصباً على مقومات التراث الذي رصدته عدسة الفنان مصطفى رعدون.
إستلهاماً رشيداً يوائم بينها وبين التأثيرات في عصر العولمة والأنترنت..ويصنع من تضافرهما نسيجاً سداه من التراث البيئي ولحمته من مخيلة المبدع مصطفى وخبرته بالقديم والحديث وبالتشكيل والتصوير..وبغيرهما.وناتجه إبداع فني صادق يرقى للعالمية..سيما وأن المجتمعات العربية عندما تفرز فنانين مبدعين أصلاء مجددين للتراث المادي واللامادي تجديداً صحيحاً ..فلا بد لها من أن تتوالى الحكومات العربية في تشجيعهم وإحتضان مواهبهم وإبداعاتهم الفنية البصرية ..حتى لاتذبل نبتات إبداعاتهم تاركة الساحة والمجال أمام التيارات البصرية السوقية والمسيئة لروح الثقافة الوطنية والعر بية والتراث الإنساني..الكتابة عن المصور مصطفى ..متعبة جداً..سيما ونحن أمام قامة فنية ضوئية قارب عطاؤها النصف قرن من الإبداع الفني التشكيلي والبصري..وإن كان هذا التعب يهبنا السعادة والفرح..الفرح الذي نكاد نفقده في هذا الزمن الصعب الذي قَلَّ فيه الإبداع والممميزين..لذلك سنحاول تناول بعض الجوانب من حياته الفنية البصرية..وأصعب مايمر به إنسان مبدع وهو في بداية الطريق بأن يُرمى بسهام الغدر وبأحجار الإستهانة بفنه وتقليل الشأن وإطلاق سهام العثرات والأخطاء في مسيرته..بدلاً من كلمة طيبة وجميلة تشجع عمله أو موقف توجيهي ..وللأسف هناك فئة متخصصة في وضع العصي في العجلات ..وفئة متخصصة في قلع النبتة الصغيرة وسحقها قبل أن تنمو ويشتد ساعدها ..وتغض النظر عن نواحي القبح والفساد المنتشرة في كل مكان والتي يجب أن توجه إليها قذائفها وسمومها..وكأنهم يلفظون عقدهم وأمراضهم الشخصية بضيق أفق لامتناهي..وكم نحن بأمس الحاجة لرعاية كل موهبة وكل نبتة نتوسم فيها الخير والنجابة والتميز والتفوق والإبداع والعطاء..بقدر ما يجب أن نشير إلى مواطن الخلل ونقتلعها من جذورها ..ونقوم الإعوجاج بإيجابية بناءة..والأنكى من ذلك أن بعض النقاد يتجاوز الهدم والتشهير والإساءة والقذف ..حدود العمل الفني إلى الذات الشخصية والعائلية..ويصبح تبادل الإتهامات والتجريح السمة الغالبة ..حتى نصل إلى طريق مسدودة بلا ثمار مرجوة وبلا هدف واضح..سيما ونحن في طريق ترميم بنائنا الثقافي الفني وتضميد جراحنا الأدبية ..والأنكى بأن ننشغل بالجدل على حساب العمل..فكم هو جميل الإختلاف ..فإختلاف الرأي لايفسد للود قضية..ومطلوب لصالح التغيير..والتعدي والإساءة على أي جهد إبداعي هو القبح بعينه..
ومايهمنا من كل ماتقدم هو بأن الفنان مصطفى رعدون .
معطاء بلا حدود يشد على أيادي الهواة ويثني على أعمالهم ويقدم كل مافي جعبته فداء للفوتوغرافيا ..وهو علم على رأسه إشعاعُ..هو إبن قلعة المضيق التاريخية التي يعشقها وتعشقه..ترعرع في كنف بيت غص بالكتب والثقافة.. ومن أسرة فلاحية وبيئة ريفية متفردة بالثقافة والريادة المجتمعية..والفنية والأدبية..مصطفى رعدون الفنان الأسطورة التي حافظ على التراث في الزمن الصعب.. فهو متحف ضوئي متنقل ويمتلك أرشيفاً غنياً من الصورة ذات اللون الأحادي بتدرجاته الرمادية والأخرى التي عزفها على سلم ألوان الطيف السبعة..بتقنية عالية ووثائقية مرتفعة الصدق والإحساس بالمسؤولية..فنتوقف أمام أعماله الملونة المزركشة بألوان الأعياد ونستعرض بنظرة سريعة متحف التاريخ الذي يقدم لنا في كل يوم تحفة بصرية ضوئية رائعة التكوين ويسكرنا بتدرجاتها الرمادية..ولعل الكلمات تعجز عن تقدير أعماله وإعطائها حقه لأنها تستحق أن تكون أيقونات تزدان بها أروقة المتاحف وجدران المراكز الثقافية والوزارات لتبقى منارة عزّ وهداية للأجيال القادمة ..من هنا ندلف للقول بأننا أمام تجربة فنية فائقة التألق بتكويناتها البصرية والتشكيلية..ولذلك وجب علينا بأن نقدم الشكر والتقدير والإحترام له ولأعماله الفنية بالرسم وبالتصوير..وحريٌ بالقائمين على الثقافة الفنية ضرورة تسليط الضوء على هذه التجربة الفنية الغنية التي قدمت نفسها قرباناً على مذبح الفن والتصوير الضوئي..أفلا يستحق فناننا الكبير التكريم وإعطائه جزء من حقه وتقديم يَدّ العون والمساعدة لتستمر مسيرة عطائها ونبع إبداعه الفني ليكون منارة للأجيال القادمة..
بقلم المصور العالمي
الأستاذ :
فريد ظفور
مجلة فن التصوير
عدد سبتمبر 2018/11م/