قصة وقصيدة من الماضي
قصة وقصيدة
البارحة ماهي من البارحاتي
عبد الكريم الجربا من شيوخ شمر. اشتهر هذا الشيخ بالكرم والجود حتى أطلق عليه “أبو خوذة” لأنه كلما طلب إليه أحد شيئًا قال له “خوذة” أي خُذْه فسمى أبو خوذه، وحكايات هذا الشهم الكريم كثيرة وفيه قال أكثر الشعراء الذين عاصروه أجمل قصائدهم بمدح خصاله وخصوصًا بالجود والكرم، وقليل من الشعراء الذين عاصروه من لم يقصده مادحًا وينال من كرمه.
فقد قال فيه فجحان الفراوي من عرض قصيدة:
آخر كلامي لبوخوذة موجه
شط الفرات إلى حدتك المضامي
شط الفرات إلى حدتك المضامي
مقابل الجربان عيد وحجه
حق علينا مثل فرض الصيامي
حق علينا مثل فرض الصيامي
أما الكرم ما فيه صبحه ولجه
ولا أحدن يماريهم جنوب وشامي
ولا أحدن يماريهم جنوب وشامي
ملفاي هو منصاي يوم أتوجه
عبد الكريم الليث غاية مرامي
عبد الكريم الليث غاية مرامي
يا الله يا والي المقادير نجه
حيثه كريم ومن موارث كرامي
حيثه كريم ومن موارث كرامي
وهذا أيضًا الشاعر خضير الصعيليك يمتدح عبد الكريم الجربا في قصيدة نقتطف منها هذه الأبيات:
عيبك اليا من قالوا الناس بك عيب
للسمن فوق مفطح الحيل صباب
للسمن فوق مفطح الحيل صباب
وذبح الغنم والكوم حرش العراقيب
وعطا المها وبذل مال بلا حساب
وعطا المها وبذل مال بلا حساب
وبك شارتن كب الفراد المحانيب
وبذل الطعام وللتنافيل كساب
وبذل الطعام وللتنافيل كساب
ونمرا تجره للعدا والأجانب
تفجا بها غرات ضدك بالأسباب
تفجا بها غرات ضدك بالأسباب
ومن عقب ذا بالعون ما بك عذاريب
أحلى من السكر على كبد شراب
أحلى من السكر على كبد شراب
هذا بعض ما قال به الشعراء وغيرهم كثيرون، دليل كرمه وجوده. وحكايتنا عن عبد الكريم الجربا فيها نوع من الغرابة لذا أوردت هذه الشواهد التاريخية هذه القصة :
إن هناك حايف والحايف هو اللص الذي يحوف العرب وهم نائمون أو على حين غرة وينهب ما ينهبه من الإبل ويهرب بليله هذا الحايف حاف بيت عبد الكريم الجربا وقد كان الجو باردًا لدرجة أن الإبل كانت باركة أمام البيت متراص بعضها ببعض فاندس الحايف بينها وأخذ يحاول تقويمها لكي يفك عقلها أي رباطها من الساق ويهرب بها إلا أنها ولشدة البرد لم تقم وهذا هو يتجول بينها كلما دك واحدة رفضت النهوض حتى أدركه الهلاك هو بنفسه فتجمدت يداه وأعياه البرد الشديد. فكر ولم يجد أمامه سوى بيت عبد الكريم فدخل وهم نائمون وجلس في مكان النار وأخذ يحفر الرماد بيديه لعله يجد الدفء ليديه على الأقل. وكان عبد الكريم نائمًا بالجزء الثاني من البيت بينه وبين الرفه أي المجلس الرواق فسمح حركته ونهض وذهب له ولما نظر حالته لم يكلمه بل أخذ فروته وهي من جلد الغنم من ظهره ورماها على الحايف دون أن يكلمه وعاد لفراشه.
الحايف لما شعر بالدفء من الفروة نام من مكانه لشدة تعبه وإعيائه من البرد.
وفي الصباح بعد أن اجتمع المجلس جلس الحايف وعلى ظهره فروة الأمير. فسأله الأمير عن سبب مجيئه بهذا البرد القارص فطلب الأمان أولًا، فأعطاه الأمير، فسرد الحكاية كاملة وأردف بهذه الأبيات:
البارحة ما هي من البارحاتي
من واهج ينفخ على البيت ويزير
من واهج ينفخ على البيت ويزير
لولا أبو خوذة كان هذا مماتي
في سهلتن ما ينلقا به حوافير
في سهلتن ما ينلقا به حوافير
عطيته ما هي من البيناتي
فروة وكن عازلن لي مغاتير
فروة وكن عازلن لي مغاتير
وما إن أتم حديثه وقصيدته حتى قال له عبد الكريم: ذود المغاتير أي قطيع الإبل البيض والتي حفتها بالأمس عطية لك. وكانت أم عبد الكريم تسترق السمع فقالت له: لا يا عبد الكريم يكفيه إبقاؤك على حياته، فأجابها لماذا إذن سميتني بعبدالكريم!