تجربة المخرج لارس فون ترير في كتاب «سينيفيليا الهوس بالسينما»
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
صدر حديثًا عن دار فضاءات للنشر، فى الأردن، كتاب بعنوان "سينيفيليا الهوس بالسينما لارس فون ترير"، للكاتب المصرى محمود الغيطانى، بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023، فى دورته الـ54.
يركز فيه الكاتب على السينما الاسكندنافية من خلال السيناريست، والمُخرج، والمُنتج الدانماركي لارس فون ترير، الذي أثار ثورة في عالم الصناعة السينمائية من حول العالم، حينما أطلق بيانه الثوري ضد السينما دوجما 95، وهو البيان الذي اتبعه فيه الكثيرون من المُخرجين من حول العالم مُلتزمين بما أعلنه لارس فون ترير من أجل تقديم سينما جديدة ومُختلفة عما هو سائد في صناعة السينما.
يتناول الغيطاني في كتابه النقدي حياة المُخرج مُنذ طفولته، لا سيما أن ترير قد بدأ في صناعة الأفلام السينمائية مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة من عمره، حينما قام بتقديم فيلمه (The Trip to Squash Land ـ رحلة إلى أرض اليقطين) عام 1967، وهو ما يُدلل على هوس المُخرج بالصناعة مُنذ صغره، ما قد يُفسر لنا ثورته الأسلوبية، والفنية، والتقنية على ما هو سائد ومُستقر وتقليدي في صناعة السينما الأمر الذي جعله يُطلق بيانه الثوري الذي تم وصفه بأنه بيان سينمائي ضد السينما، وأن ترير يرغب في تقديم سينما مُضادة للسينما؛ مما جعله رائدًا سينمائيًا، وصاحب اتجاه يتبعه فيه الكثيرون من مُخرجي العالم- رغم أن ترير نفسه لم يلتزم بما أعلنه في بيانه الثوري، لا سيما النقاط العشر التي أعلنها لتكون بمثابة مانفيستو لصناعة السينما، والتي أطلق عليها اسم "نُذر العفة" Vow of Chastity حيث لا يكون المُخرج من مُخرجي الدوجما إلا إذا ما التزم بهذه الشروط.
يُقسم الغيطاني كتابه إلى 5 أبواب حرص فيه على التعمق في عالم المُخرج مُنذ طفولته حتى اليوم، حيث خصص الباب الأول للقسم البحثي عن السينما التي قدمها ترير، وحياته الشخصية، والظروف والعوامل التي شكلت ثقافته، ونظرته الخاصة والمُختلفة للسينما، فضلا عن مُعاناة المُخرج مع الاكتئاب المُزمن، بالإضافة إلى إدمانه الكحولي، وهو ما انعكس على ما يقدمه من أفلام سينمائية ذات فرادة لا تتشابه سوى مع صانعها.
نُلاحظ أن الناقد قد أفرد مساحة كبيرة في الجزء البحثي من أجل التعمق في عالم المُخرج السينمائي والشخصي، بينما خصص الباب الثاني من الكتاب للنقد التطبيقي على أفلامه الروائية الطويلة التي بلغت ثلاثة عشر فيلمًا، واختص الباب الثالث بفيلمه الروائي الطويل الوحيد الذي صنعه للتليفزيون الدانماركي ميديا 1988 بينما جاء الباب الرابع للاهتمام بما قدمه المُخرج في مجال السينما التسجيلية والذي كان عبارة عن فيلم The Five Obstructions المعوقات الخمسة 2003، وهو الفيلم التسجيلي الوحيد الذي اهتم ترير بصناعته، وقد كان عن صديقه المُقرب المُخرج السينمائي، والشاعر jørgen leth يورجن ليث، ليخصص الغيطاني الباب الخامس والأخير للأفلام الروائية القصيرة التي قام المُخرج بصناعتها مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة حتى آخر فيلم له Dimension البُعد 2010، بما فيهم فيلم تخرجه في المدرسة الوطنية للسينما في الدانمارك National Film School of Denmark عام 1982- Images of Liberation صور التحرير 1982م، وهي الأفلام التي بلغ عددها أربعة عشر فيلما، كان الغيطاني حريصا على التطبيق بالنقد والتحليل والدراسة لها، كجزء نقدي مُقابل للجزء البحثي الذي بدأ به كتابه.
يقول الغيطاني مُتحدثا عن سينما المُخرج الدانماركي: إن الدخول في عالم المُخرج، والسيناريست، والمُنتج، والمُنظر السينمائي الدانماركي لارس فون ترير لا يعني في حقيقته سوى الدخول في متاهة من الأفكار والثقافات، والأيديولوجيات الموسوعية التي تدور في ذهنه. الغوص في عالم من الهواجس، والقلق، والخوف، والكآبة، وغيرها من المُفردات التي تُشكل عالمه النفسي والسينمائي. الانسياق خلف تأمل المُجتمع من حولنا بتناقضاته، وكذبه، وتدليسه، وساديته، وشكلانيته، وادعاءاته حتى لكأننا نقف أمام المرآة الكاشفة لحقيقتنا، والتي نحاول التغاضي عنها، أو تناسيها، وإخفائها. الضياع داخل النفس البشرية بتشابكاتها، وغرائبيتها، وتناقضاتها، وإيمانها، وإلحادها، وعهرها، وطهرانيتها، ومثاليتها. إنه يعني في نهاية الأمر الرغبة في الولوج إلى عالم قاسٍ، وصارم، شديد الإنهاك للمُتلقي سواء على المستوى الفكري، أو على المستوى الفني والأسلوبي- لاحظ أسلوبيته في مسرحة السينما مثلا في فيلميه دوجفيل 2003، وماندرلاي 2005، وهما الفيلمان اللذان يمثلان الجزئين الأول والثاني من ثلاثيته غير المُكتملة (ثلاثية أمريكا: أرض الفرص) حتى إن المُشاهد لا بد له أن يخرج من أفلامه وقد شعر بالكثير من الإنهاك على المستويين النفسي، والفكري، غير قادر على استيعاب ما شاهده إلا بعد مرور فترة من الوقت يكون فيها قد استطاع إعادة ترتيب أفكاره، واستعادة صحته، واتزانه النفسي اللتين سيعمل المُخرج- عن عمد- على تخريبهما تماما، وإحالتهما إلى عالم من الفوضى الكاملة.
إذن، فنحن أمام مُخرج يحيل الحياة بأكملها إلى تجربة ذهنية قاسية وحادة، يستطيع من خلالها طرح أفكاره، وتساؤلاته، وتأملاته حول المُجتمع مُدينا إياه، مُهاجما له بقسوة، من خلال إشاعة الفوضى فيه، وتحطيم كل المُفردات المُتفق عليها اجتماعيا! إنه المُخرج الأكثر مهارة في هدم كل شيء من حوله كي يعيد بناءه مرة أخرى بتؤدة وتمهل من خلال أفكاره الفلسفية، والوجودية التي يفكر فيها، أي أن صناعة الأفلام بالنسبة إليه ليست سوى فائض أفكاره العاصفة التي تعتمل داخل ذهنه محاولا التخلص منها؛ كي يفرغ المزيد من المساحة لغيرها من الأفكار، في حين أنه يترك مُتلقي هذه الأفلام في حالة من حالات الفوضى الفكرية المُقابلة والتي لا يتخلص منها بسهولة؛ حيث تُسبب له الكثير من الصدمة غير المُنتظرة.
http://cinematographwebsite.com/
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
صدر حديثًا عن دار فضاءات للنشر، فى الأردن، كتاب بعنوان "سينيفيليا الهوس بالسينما لارس فون ترير"، للكاتب المصرى محمود الغيطانى، بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023، فى دورته الـ54.
يركز فيه الكاتب على السينما الاسكندنافية من خلال السيناريست، والمُخرج، والمُنتج الدانماركي لارس فون ترير، الذي أثار ثورة في عالم الصناعة السينمائية من حول العالم، حينما أطلق بيانه الثوري ضد السينما دوجما 95، وهو البيان الذي اتبعه فيه الكثيرون من المُخرجين من حول العالم مُلتزمين بما أعلنه لارس فون ترير من أجل تقديم سينما جديدة ومُختلفة عما هو سائد في صناعة السينما.
يتناول الغيطاني في كتابه النقدي حياة المُخرج مُنذ طفولته، لا سيما أن ترير قد بدأ في صناعة الأفلام السينمائية مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة من عمره، حينما قام بتقديم فيلمه (The Trip to Squash Land ـ رحلة إلى أرض اليقطين) عام 1967، وهو ما يُدلل على هوس المُخرج بالصناعة مُنذ صغره، ما قد يُفسر لنا ثورته الأسلوبية، والفنية، والتقنية على ما هو سائد ومُستقر وتقليدي في صناعة السينما الأمر الذي جعله يُطلق بيانه الثوري الذي تم وصفه بأنه بيان سينمائي ضد السينما، وأن ترير يرغب في تقديم سينما مُضادة للسينما؛ مما جعله رائدًا سينمائيًا، وصاحب اتجاه يتبعه فيه الكثيرون من مُخرجي العالم- رغم أن ترير نفسه لم يلتزم بما أعلنه في بيانه الثوري، لا سيما النقاط العشر التي أعلنها لتكون بمثابة مانفيستو لصناعة السينما، والتي أطلق عليها اسم "نُذر العفة" Vow of Chastity حيث لا يكون المُخرج من مُخرجي الدوجما إلا إذا ما التزم بهذه الشروط.
يُقسم الغيطاني كتابه إلى 5 أبواب حرص فيه على التعمق في عالم المُخرج مُنذ طفولته حتى اليوم، حيث خصص الباب الأول للقسم البحثي عن السينما التي قدمها ترير، وحياته الشخصية، والظروف والعوامل التي شكلت ثقافته، ونظرته الخاصة والمُختلفة للسينما، فضلا عن مُعاناة المُخرج مع الاكتئاب المُزمن، بالإضافة إلى إدمانه الكحولي، وهو ما انعكس على ما يقدمه من أفلام سينمائية ذات فرادة لا تتشابه سوى مع صانعها.
نُلاحظ أن الناقد قد أفرد مساحة كبيرة في الجزء البحثي من أجل التعمق في عالم المُخرج السينمائي والشخصي، بينما خصص الباب الثاني من الكتاب للنقد التطبيقي على أفلامه الروائية الطويلة التي بلغت ثلاثة عشر فيلمًا، واختص الباب الثالث بفيلمه الروائي الطويل الوحيد الذي صنعه للتليفزيون الدانماركي ميديا 1988 بينما جاء الباب الرابع للاهتمام بما قدمه المُخرج في مجال السينما التسجيلية والذي كان عبارة عن فيلم The Five Obstructions المعوقات الخمسة 2003، وهو الفيلم التسجيلي الوحيد الذي اهتم ترير بصناعته، وقد كان عن صديقه المُقرب المُخرج السينمائي، والشاعر jørgen leth يورجن ليث، ليخصص الغيطاني الباب الخامس والأخير للأفلام الروائية القصيرة التي قام المُخرج بصناعتها مُنذ أن كان طفلا في الحادية عشرة حتى آخر فيلم له Dimension البُعد 2010، بما فيهم فيلم تخرجه في المدرسة الوطنية للسينما في الدانمارك National Film School of Denmark عام 1982- Images of Liberation صور التحرير 1982م، وهي الأفلام التي بلغ عددها أربعة عشر فيلما، كان الغيطاني حريصا على التطبيق بالنقد والتحليل والدراسة لها، كجزء نقدي مُقابل للجزء البحثي الذي بدأ به كتابه.
يقول الغيطاني مُتحدثا عن سينما المُخرج الدانماركي: إن الدخول في عالم المُخرج، والسيناريست، والمُنتج، والمُنظر السينمائي الدانماركي لارس فون ترير لا يعني في حقيقته سوى الدخول في متاهة من الأفكار والثقافات، والأيديولوجيات الموسوعية التي تدور في ذهنه. الغوص في عالم من الهواجس، والقلق، والخوف، والكآبة، وغيرها من المُفردات التي تُشكل عالمه النفسي والسينمائي. الانسياق خلف تأمل المُجتمع من حولنا بتناقضاته، وكذبه، وتدليسه، وساديته، وشكلانيته، وادعاءاته حتى لكأننا نقف أمام المرآة الكاشفة لحقيقتنا، والتي نحاول التغاضي عنها، أو تناسيها، وإخفائها. الضياع داخل النفس البشرية بتشابكاتها، وغرائبيتها، وتناقضاتها، وإيمانها، وإلحادها، وعهرها، وطهرانيتها، ومثاليتها. إنه يعني في نهاية الأمر الرغبة في الولوج إلى عالم قاسٍ، وصارم، شديد الإنهاك للمُتلقي سواء على المستوى الفكري، أو على المستوى الفني والأسلوبي- لاحظ أسلوبيته في مسرحة السينما مثلا في فيلميه دوجفيل 2003، وماندرلاي 2005، وهما الفيلمان اللذان يمثلان الجزئين الأول والثاني من ثلاثيته غير المُكتملة (ثلاثية أمريكا: أرض الفرص) حتى إن المُشاهد لا بد له أن يخرج من أفلامه وقد شعر بالكثير من الإنهاك على المستويين النفسي، والفكري، غير قادر على استيعاب ما شاهده إلا بعد مرور فترة من الوقت يكون فيها قد استطاع إعادة ترتيب أفكاره، واستعادة صحته، واتزانه النفسي اللتين سيعمل المُخرج- عن عمد- على تخريبهما تماما، وإحالتهما إلى عالم من الفوضى الكاملة.
إذن، فنحن أمام مُخرج يحيل الحياة بأكملها إلى تجربة ذهنية قاسية وحادة، يستطيع من خلالها طرح أفكاره، وتساؤلاته، وتأملاته حول المُجتمع مُدينا إياه، مُهاجما له بقسوة، من خلال إشاعة الفوضى فيه، وتحطيم كل المُفردات المُتفق عليها اجتماعيا! إنه المُخرج الأكثر مهارة في هدم كل شيء من حوله كي يعيد بناءه مرة أخرى بتؤدة وتمهل من خلال أفكاره الفلسفية، والوجودية التي يفكر فيها، أي أن صناعة الأفلام بالنسبة إليه ليست سوى فائض أفكاره العاصفة التي تعتمل داخل ذهنه محاولا التخلص منها؛ كي يفرغ المزيد من المساحة لغيرها من الأفكار، في حين أنه يترك مُتلقي هذه الأفلام في حالة من حالات الفوضى الفكرية المُقابلة والتي لا يتخلص منها بسهولة؛ حيث تُسبب له الكثير من الصدمة غير المُنتظرة.
http://cinematographwebsite.com/