القواسم
القواسم أسرة عربية تنتسب إلى جد مؤسس اسمه «قاسم بن شعوه المزني»، الذي ذهب بعض المؤرخين إلى أنه أحد القادة الذين أرسلهم الحجاج إلى منطقة الخليج في أثناء ولايته على العراق لمحاربة الخوارج، في حين ذكر آخرون أن أصل هذه الأسرة من قبيلة بني ناصر بنجد؛ التي وصلت إلى الخليج أوائل القرن الثامن عشر، ونزلت فيما كان يعرف «بساحل عمان الصير» ما بين رأس مسندم وديرة التي تقوم على أنقاضها اليوم إمارة دبي الحالية. وقال فريق آخر: إن القواسم ينتسبون إلى إحدى قبائل العراق التي كانت تقطن نواحي سامراء وسط العراق منذ بداية الفتح الإسلامي، ثم نزحت منه إلى الساحل العربي، وأصبح لها دور مهم ومؤثر في تاريخ المنطقة بحكم الأحداث التي تعرضت لها منطقة الخليج مع بداية العصر الحديث.
كان أول ظهور لهذه الأسرة على مسرح الأحداث في عهد الشيخ رحمة بن مطر بن قاسم الذي عاصر زوال دولة اليعاربة وقيام دولة البوسعيد في عمان. فعلى خلفية أحداث تلك المرحلة جرت بين الشيخ رحمة وأحمد بن سعيد حروب ووقائع انتهت بسيطرة رحمة على منطقة جلفار معقل أسرته من قبل، وتشير بعض المصادر إلى أن رحمة هذا هو أول من قام بنصب خيمته على الرأس الممتد في مياه الخليج (رأس مسندم)، وكان من عادته أن يشعل النار على رأس عمود يرتفع فوق خيمته؛ لتهتدي بها السفن الداخلة إلى الخليج فعرفت جلفار منذ ذلك الوقت باسم «رأس الخيمة».
خلف الشيخ راشد أخاه رحمة بعد وفاته، وأعلن استقلاله عن عمان، وأسس دولته العربية في المنطقة الممتدة ما بين قطر والجزء الشمالي من ساحل عمان بكامله، إلى جانب أجزاء مهمة على الساحل الإيراني اشتملت على لنجة وبندر عباس وقشم (نسبة إلى قاسم)، وأصبحت مدينة رأس الخيمة عاصمة له، ومدينة الشارقة أهم قواعدها البحرية عند مدخل الخليج.
وجه القواسم نشاطهم إلى الملاحة البحرية، وظهر منهم أفضل الربابنة العرب، ولخبرتهم وخدمتهم في هذا المجال؛ تمكنوا من بناء أسطول بحري ضخم زادت قطعه البحرية على سبعين سفينة من الحجم الكبير، كان يعمل على متنها ما يقرب من 2000بحار إلى جانب ثمانمئة مركب من الحجم الصغير (داو) مجهزة بأحدث المدافع والأسلحة.
ومع تزايد الحملات الغربية وقيام قراصنة البحر البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين بهجماتهم الشرسة على المدن والقواعد العربية؛ تصدى القواسم لهؤلاء الغزاة، وأظهروا من فنون البسالة والإقدام ما جعلهم بحق حماة العروبة والإسلام في ذلك الثغر النائي.
مع ظهور الدعوة السلفية في نجد عند نهاية القرن الثامن عشر، أعلن القواسم وقوفهم إلى جانب دعاتها، وتمكنوا مع القوات السعودية من الاستيلاء على أجزاء مهمة من الساحل العماني، وألحقوا بسلطان عمان عدة هزائم حتى القضاء على الدولة السعودية الأولى على يد والي مصر محمد علي باشا سنة 1818.
كانت بريطانيا تنظر بقلق إلى تنامي قوة القواسم، خاصة وأنهم تبنوا أهدافاً قائمة على عقيدة إيمانية راسخة تدعوإلى طرد الأجانب من مياه الخليج، وهوما يهدد مصالح بريطانيا التي كان من أهدافها منع أي تقارب بين مختلف الزعامات المحلية للحيلولة دون توحيد المواقف بين الأشقاء وأبناء العمومة، وقد استغلت مقتل السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي سلطان عمان، فأعلنت وقوفها إلى جانب أتباعه بحجة حماية الشرعية، وجرت بينها وبين القواسم مواجهات عدة أسفرت عن استيلاء القواسم على بعض السفن البريطانية وإصابة بعض السفن بأضرار مادية كبيرة، الأمر الذي أجبر البريطانيين على اللجوء إلى سياسة التهدئة والتفاهم، وقدموا لشيوخهم عروضاً مغرية غير أن هؤلاء رفضوا تلك العروض لما تنطوي عليه من شروط فيها كثير من الإملاءات، فعدت حكومة الهند الاستعمارية هذا الرفض خدشاً للكرامة البريطانية، فهي التي تفرض سيادتها على معظم بحار العالم آنذاك.
استغل البريطانيون بعض الخلافات التي ذر قرنها بين أفراد البيت القاسمي، فاتصلوا ببعض رؤساء القبائل في فارس، ودعوهم إلى طرد القواسم من الموانئ الإيرانية في الوقت الذي نشبت فيه الحرب من جديد بين القواسم وسلطان عمان، فقامت بريطانيا بتسيير حملة عسكرية استهدفت رأس الخيمة، ومع أن القواسم أبلوا بلاءً حسناً بقيادة الشيخ سلطان بن صقر، ودافعوا عن دولتهم بكل شجاعة؛ فإن النتيجة انتهت بتوقيع معاهدة 1820 التي أعطت بريطانيا منذ ذلك الوقت سنداً قانونياً مكنها من العمل بكل حرية لتجزئة الساحل العماني وتحويله إلى مشيخات مستقلة، كمشيخة عجمان وأم القيوين والفجيرة، وأبرمت مع كل منها معاهدة منفردة تتواءم ومصالحها الخاصة، وانتهى الأمر بتفتيت دولة القواسم بعدما يقرب من 100 عام من سيادتها على بحار المنطقة.
استمر القواسم حكاماً على منطقتي رأس الخيمة والشارقة حتى وفاة سلطان بن صقر القاسمي سنة 1866.
غير أن الخلافات التي شجرت بينهم فيما بعد نتج منها استقلال خالد بن أحمد القاسمي في الشارقة وابن عمه سلطان بن سالم في رأس الخيمة، ولا يزال أحفاد كل منهما يتداولون الحكم في هاتين الإمارتين حتى اليوم في ظل دولة الإمارات العربية المتحدة.
مصطفى الخطيب
القواسم أسرة عربية تنتسب إلى جد مؤسس اسمه «قاسم بن شعوه المزني»، الذي ذهب بعض المؤرخين إلى أنه أحد القادة الذين أرسلهم الحجاج إلى منطقة الخليج في أثناء ولايته على العراق لمحاربة الخوارج، في حين ذكر آخرون أن أصل هذه الأسرة من قبيلة بني ناصر بنجد؛ التي وصلت إلى الخليج أوائل القرن الثامن عشر، ونزلت فيما كان يعرف «بساحل عمان الصير» ما بين رأس مسندم وديرة التي تقوم على أنقاضها اليوم إمارة دبي الحالية. وقال فريق آخر: إن القواسم ينتسبون إلى إحدى قبائل العراق التي كانت تقطن نواحي سامراء وسط العراق منذ بداية الفتح الإسلامي، ثم نزحت منه إلى الساحل العربي، وأصبح لها دور مهم ومؤثر في تاريخ المنطقة بحكم الأحداث التي تعرضت لها منطقة الخليج مع بداية العصر الحديث.
كان أول ظهور لهذه الأسرة على مسرح الأحداث في عهد الشيخ رحمة بن مطر بن قاسم الذي عاصر زوال دولة اليعاربة وقيام دولة البوسعيد في عمان. فعلى خلفية أحداث تلك المرحلة جرت بين الشيخ رحمة وأحمد بن سعيد حروب ووقائع انتهت بسيطرة رحمة على منطقة جلفار معقل أسرته من قبل، وتشير بعض المصادر إلى أن رحمة هذا هو أول من قام بنصب خيمته على الرأس الممتد في مياه الخليج (رأس مسندم)، وكان من عادته أن يشعل النار على رأس عمود يرتفع فوق خيمته؛ لتهتدي بها السفن الداخلة إلى الخليج فعرفت جلفار منذ ذلك الوقت باسم «رأس الخيمة».
خلف الشيخ راشد أخاه رحمة بعد وفاته، وأعلن استقلاله عن عمان، وأسس دولته العربية في المنطقة الممتدة ما بين قطر والجزء الشمالي من ساحل عمان بكامله، إلى جانب أجزاء مهمة على الساحل الإيراني اشتملت على لنجة وبندر عباس وقشم (نسبة إلى قاسم)، وأصبحت مدينة رأس الخيمة عاصمة له، ومدينة الشارقة أهم قواعدها البحرية عند مدخل الخليج.
وجه القواسم نشاطهم إلى الملاحة البحرية، وظهر منهم أفضل الربابنة العرب، ولخبرتهم وخدمتهم في هذا المجال؛ تمكنوا من بناء أسطول بحري ضخم زادت قطعه البحرية على سبعين سفينة من الحجم الكبير، كان يعمل على متنها ما يقرب من 2000بحار إلى جانب ثمانمئة مركب من الحجم الصغير (داو) مجهزة بأحدث المدافع والأسلحة.
ومع تزايد الحملات الغربية وقيام قراصنة البحر البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين بهجماتهم الشرسة على المدن والقواعد العربية؛ تصدى القواسم لهؤلاء الغزاة، وأظهروا من فنون البسالة والإقدام ما جعلهم بحق حماة العروبة والإسلام في ذلك الثغر النائي.
مع ظهور الدعوة السلفية في نجد عند نهاية القرن الثامن عشر، أعلن القواسم وقوفهم إلى جانب دعاتها، وتمكنوا مع القوات السعودية من الاستيلاء على أجزاء مهمة من الساحل العماني، وألحقوا بسلطان عمان عدة هزائم حتى القضاء على الدولة السعودية الأولى على يد والي مصر محمد علي باشا سنة 1818.
كانت بريطانيا تنظر بقلق إلى تنامي قوة القواسم، خاصة وأنهم تبنوا أهدافاً قائمة على عقيدة إيمانية راسخة تدعوإلى طرد الأجانب من مياه الخليج، وهوما يهدد مصالح بريطانيا التي كان من أهدافها منع أي تقارب بين مختلف الزعامات المحلية للحيلولة دون توحيد المواقف بين الأشقاء وأبناء العمومة، وقد استغلت مقتل السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي سلطان عمان، فأعلنت وقوفها إلى جانب أتباعه بحجة حماية الشرعية، وجرت بينها وبين القواسم مواجهات عدة أسفرت عن استيلاء القواسم على بعض السفن البريطانية وإصابة بعض السفن بأضرار مادية كبيرة، الأمر الذي أجبر البريطانيين على اللجوء إلى سياسة التهدئة والتفاهم، وقدموا لشيوخهم عروضاً مغرية غير أن هؤلاء رفضوا تلك العروض لما تنطوي عليه من شروط فيها كثير من الإملاءات، فعدت حكومة الهند الاستعمارية هذا الرفض خدشاً للكرامة البريطانية، فهي التي تفرض سيادتها على معظم بحار العالم آنذاك.
استغل البريطانيون بعض الخلافات التي ذر قرنها بين أفراد البيت القاسمي، فاتصلوا ببعض رؤساء القبائل في فارس، ودعوهم إلى طرد القواسم من الموانئ الإيرانية في الوقت الذي نشبت فيه الحرب من جديد بين القواسم وسلطان عمان، فقامت بريطانيا بتسيير حملة عسكرية استهدفت رأس الخيمة، ومع أن القواسم أبلوا بلاءً حسناً بقيادة الشيخ سلطان بن صقر، ودافعوا عن دولتهم بكل شجاعة؛ فإن النتيجة انتهت بتوقيع معاهدة 1820 التي أعطت بريطانيا منذ ذلك الوقت سنداً قانونياً مكنها من العمل بكل حرية لتجزئة الساحل العماني وتحويله إلى مشيخات مستقلة، كمشيخة عجمان وأم القيوين والفجيرة، وأبرمت مع كل منها معاهدة منفردة تتواءم ومصالحها الخاصة، وانتهى الأمر بتفتيت دولة القواسم بعدما يقرب من 100 عام من سيادتها على بحار المنطقة.
استمر القواسم حكاماً على منطقتي رأس الخيمة والشارقة حتى وفاة سلطان بن صقر القاسمي سنة 1866.
غير أن الخلافات التي شجرت بينهم فيما بعد نتج منها استقلال خالد بن أحمد القاسمي في الشارقة وابن عمه سلطان بن سالم في رأس الخيمة، ولا يزال أحفاد كل منهما يتداولون الحكم في هاتين الإمارتين حتى اليوم في ظل دولة الإمارات العربية المتحدة.
مصطفى الخطيب