"أشجار السلام".. رسالة حب لصمود النساء في رواندا
القبو يكشف مرونة الروح الإنسانية وإمكانية المصالحة والأخوة وسط المعاناة المشتركة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
قصة مكثفة يتم سردها بعناية
كشفت الكثير من الأعمال السينمائية فظاعات الحروب والصراعات وما خفي مما تناساه التاريخ من معاناة الناس والأبرياء ومن الجرائم البشعة التي لا يذكرها المؤرخون أو المتابعات الصحفية. ويأتي فيلم “أشجار السلام” واحدا من هذه الأعمال التي تؤرخ لمجزرة مؤلمة دون تحيّز أو افتعال.
في أبريل من عام 1994 قتل رئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا بعد أن أسقطت طائرته، هذه الحادثة أشعلت توترات عرقية في المنطقة وساعدت على إشعال الحرب الأهلية وبداية الإبادة الجماعية في رواندا، شن القادة المتطرفون من الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي، وبدأ الهوتو بقتل رجال ونساء وأطفال التوتسي قتلا جماعيا. وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم قتل ما يقارب مليون شخص وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. فيلم “أشجار السلام” مستوحى من أحداث حقيقية وتؤرخ تلك الفترة من الإبادة الجماعية.
الكاتبة والمخرجة ألانا براون كتبت قصة عن نساء يرتبطن بروابط غير متوقعة خلال هذا الوقت العصيب، بعد هروب أربع نساء من عمليات القتل والاختباء في قبو صغير في مطبخ منزل رجل من الهوتو المعتدلين (فرانسوا) وزوجته الحامل.
الاختباء في القصص
الفيلم يكرم النساء الروانديات اللواتي قدن الجهود للشفاء والتسامح والسلام ويعطينا سياقا للفظائع التي تحملنها بمشقة
يبدأ الفيلم من صاحبة المنزل أنيك والقراءة في دفتر ملاحظاتها وهي تصف الأيام التي قضتها في القبو، يظهر رجل يدعى فرانسوا (الممثل تونجاي كريسا) وهو يتوسل زوجته أنيك (الممثلة ألياني أوموهير) الحامل في أشهرها الأخيرة من أجل القبول بالنزول إلى قبو في مطبخ بيتهم حفاظا على حياتها، يعدها بالعودة ويوصيها بالاهتمام بنفسها وبمولودهما المنتظر، وبعد مرور مدة من الزمن يوصل الزوج ثلاث نساء أخريات إلى المخزن.
من بين النساء شابة من قبلية “التوتسي” تدعى موتيسي (الممثلة بولا كوليوشو) وهي امرأة مصابة بصدمة نفسية بعد أن رأت عائلتها تذبح أمام عينيها وقميصها ملطخ بالدماء، وهي متذمرة وشرسة الطباع ولكنها تتمتع بذكاء وفطنة في الوقت نفسه. لا تعترف بفضل أصحاب البيت عليها، بل تحسدهم لأنهم من قبيلة “الهوتو”، وأن فرص نجاتهم كبيرة بينما حياتها على المحك وتتوقع أن تكون نهايتها مثل نهاية سكان قريتها التي أبادها المسلحون عن بكرة أبيهم، ولهذا السبب اضطرت إلى الهروب في جنح الظلام.
الثالثة هي الراهبة والمعلمة جانيت من التوتسي التي لجأت إلى الرهبنة هربا من سلوك والدها الفظ وتعامله القاسي مع أمها، جانيت لم تتصالح بعد مع وفاة والدتها وسوء معاملتها على يد والدها الكاهن. أما الرابعة فهي بيتون (إيلا كانون) متطوعة أميركية جاءت إلى رواندا لمساعدة الناس في برنامج المنظمات غير الحكومية. في البداية كانت المرأة الرواندية تشعر بالاستياء منها بسبب امتيازها الأبيض، ولكن مع مرور الأيام تكشف عن تضحيتها وتفانيها عندما يعود فرانسوا بالطعام ويحمل معه الخبر السار لها برغبة الأمم المتحدة في إجلاء الأجانب من البيض، لكنها ترفض هذا الامتياز والتميز على حساب الأخريات وترفض الخروج والنجاة بتلك الطريقة المخجلة.
تتجادل النساء، يتحدثن، ويدعمن بعضهن البعض، ويحاولن البقاء على قيد الحياة، وهن قادرات على التنفس بسبب فتحة صغيرة في الجدار، ولتمضية الوقت يبادرن بسرد قصصهن ومشاكلهن، يلعبن الألعاب معا، ويتعلمن كيفية القراءة والكتابة بفضل مساعدة بيتون. تشارك النساء قصصا من حياتهن المضطربة، تعرضت اثنتان منهما للاعتداء الجنسي، وحاولت أحداهما الانتحار والأخرى تعرضت لعدة حالات إجهاض.
على الرغم من مأساوية هذه القصص فإن النساء كن قادرات على تكوين رابطة مشتركة بينهن بسبب معاناتهن. فرانسوا زوج المرأة الحامل من الهوتو (أنيك) يظهر بين الحين والآخر مع إمدادات الطعام والشراب لكننا لا نرى وجهه حقا (حتى النهاية)، كل ما نراه هو لقطة شبه توراتية ليد تمتد من تيار من الضوء في الأعلى كلما فتح الباب وهي رمزية الملائكة.
في الخارج يسمع صوت إطلاق نار وصراخ حيث تقوم الميليشيات بقتل الأبرياء. ومن خلال الفتحة الصغيرة في جدار القبو نشهد فظائع الجرائم التي تحدث في جميع أنحاء رواندا، وتصبح تلك الفتحة نافذتنا على العالم الخارجي ورصد أحداثه.
إنه لأمر مدمر في سرد قصة أربع نساء تم إلقاؤهن في قبو بمساحته الضيقة ويكفاحن من أجل البقاء على قيد الحياة وسط مدينة تسيطر عليها الميليشيات وسلاحها المنفلت، والبقاء على قيد الحياة ليس بالأمر السهل لأن الإمدادات الغذائية شحيحة بعد أن أصبح فرانسوا معلم المدرسة مطاردا من قبل عصابات الهوتو وهناك مساحة صغيرة جدا للتحرك.
تجاوز المحنة
وإن تعددت القصص.. فمأساة النساء واحدة
يبدو أن هؤلاء النساء أصبحن بمثابة الأخوات لأن المعاناة جزء من تجربة كل امرأة وتساهم في التآلف والانسجام فيما بينهن. تقدم كاتبة السيناريو ألانا براون في أول ظهور لها ككاتبة ومخرجة قصة مؤثرة وجذابة بهدوء. لذا تفعل النساء ما في وسعهن لتمضية الوقت. إنهن يلعبن الألعاب، ويقرأن كتابا للأطفال بعنوان “أشجار السلام”، ويقدمن كلمات تشجيعية لغرس قدر من الأمل. ولأن مستقبلهن يبدو قاتما، هناك أوقات عصيبة حين تبدأ النساء في المشاحنات والقتال مع بعضهن البعض، وفي بعض الأحيان تهاجمهن الهلوسة والكوابيس.
يظهر الفيلم كل ما يحدث على الجانب الآخر من الحرب. هناك أوقات تشك فيها النساء في فرصتهن في النجاة، بسبب تدهور صحتهن وبسبب التهديد في الخارج، إلا أنهن يصلن إلى نهاية الفيلم. تدرك أنيك أن عليها البقاء على قيد الحياة من أجل طفلها الذي لم يولد بعد وأن النساء الأخريات يبذلن قصارى جهدهن حتى لا يفقدن الأمل.
وفي اليوم الـ81 من الاختفاء، حاولت موتيسي (بولا كوليوشو) بكل قوتها فتح باب المخزن المقفل من الخارج، حتى نجحت بمساعدة البقية، لكنهن اصطدمن بسماع أصوات قادمة من الخارج، مما دفعهن إلى الانتظار ريثما يتضح الأمر، وهو يوم الخلاص حين دخلت مجموعة من مسلحي الجبهة الوطنية الرواندية التي طردت مقاتلي “الهوتو”، وسمعت الزوجة صوت زوجها ولم تصدق. خارج المخزن حكى لها كيف تخلص من الموت بأعجوبة، بينما بقية مدرسي المدرسة – وجلّهم من المعتدلين – لقوا حتفهم على أيدي المسلحين.
انتهت الإبادة الجماعية في الخامس عشر من يوليو 1994، عندما نجحت الجبهة الوطنية الرواندية، وهي قوة من المتمردين ذات قيادة توتسية، في طرد المتطرفين وحكومتهم المؤقتة المؤيدة للإبادة الجماعية إلى خارج البلاد. ومع ذلك فلا تزال آثار الإبادة الجماعية باقية إلى اليوم، وقد خلفت مئات الآلاف من الناجين الذين يعانون من الصدمات النفسية، وحولت البنية التحتية للبلد إلى أنقاض، وتسببت في إيداع ما يربو على 100 ألف من الممارسين لها في السجون.
مع انتهاء الفيلم، قيل لنا إن أكثر من مليون شخص ماتوا خلال الإبادة الجماعية. ومن الواضح أن هذا أمر مفجع ولكنه منح أيضا الأمل لشعب رواندا في تجاوز تلك المحنة العصيبة. في السنوات التي تلت أحداث هذه المأساة الرهيبة، قادت الناجيات حركة سياسية للشفاء والمغفرة. وبفضل الجهود التي تبذلها رواندا، يوجد الآن أعلى نسبة مئوية من النساء المعينات في الحكومة. وهذا التغير الذي ألهم المخرجة ألانا براون أيضا في كتابة وأخراج فيلم “أشجار السلام” بعد انتهاء الإبادة الجماعية وإعادة بناء البلاد، أصبح لدى رواندا أعلى نسبة من النساء في الحكومة من أي بلد في العالم، حيث انتقلت من 18 في المئة من المشاركة قبل الإبادة الجماعية إلى 56 في المئة في عام 2008.
النساء شريان الحياة
الأمل والتسامح أقوى بكثير من الكراهية والانتقام
حافظت المخرجة ألانا براون على تركيز كاميرتها بإحكام على شخصياتها النسائية الأربع بينما يتعلمن المزيد عن بعضهن البعض، وكيف يؤثر الصراع الخارجي عليهن جميعا. فيلم “أشجار السلام” عاطفي وملهم سرد مفجع ومثير للدهشة للأحداث الفظيعة في رواندا عندما ذبح الهوتو التوتسي، لا يعرف الكثير عنها بفضل التعتيم الإعلامي بينما كانت الأحداث المروعة تتكشف، ولكن بفضل الناجين الشجعان الذين تمكنوا من مشاركة كوابيسهم، أصبحنا أكثر تعاطفا مع ذلك.
هناك العديد من الأفلام الملهمة عن تلك المجازر، ولكن يتم التقليل من شأنها ولا يتم تسليط الضوء عليها، وينبغي أن نشجع الأفلام التي تتناول التطهير العرقي والإبادة الجماعية، مثل التطهير العرقي في ميانمار والبوسنة أو الاقتتال الطائفي الذي حدث في العراق وأماكن أخرى كثيرة.
في مشهد فظيع تصور عملية اغتصاب امرأة من “التوتسي” لم تنفع توسلاتها للمسلحين الذين كان من بينهم رجل تعرفه الراهبة جانيت (شارمين بينجوا) لكونه من بين أعضاء الجوقة (كورال) التابعة للكنيسة، تحاول مناداته، لكنها تكتشف أن الفتى (باسكال) قد حولته الحرب إلى حيوان شرس حين رأته بأمّ عينيها يقتل المرأة بعد اغتصابها بدم بارد. مع مرور الأيام ومشاهدتها للمزيد من الأعمال الوحشية، تبدأ في التشكيك في إيمانها وتتساءل “كيف يمكن لإله عادل أن يقف مكتوف الأيدي ولا يفعل شيئا؟”.
النافذة الصغيرة في المخبأ هي المصدر الرئيسي للضوء، وتستخدم كدلالة على مرور الزمن. بالإضافة إلى الاستخدامات المختلفة لها (على سبيل المثال، عندما تمطر تجمع النساء الماء من النافذة). هناك وسيلة آخرى مساعدة في سرد قصص النساء ألا وهي التصوير السينمائي المبتكر. إنها مجرد غرفة صغيرة. ومع ذلك، تعمل حركات الكاميرا وخياراتها على الحفاظ على تفاعل المشاهد ومحاكاة المشاعر. تعمل كل هذه الأدوات معا لإنشاء عمل سينمائي متزامن يلتقط القصة المكثفة التي يتم سردها. لقد انجذبت الكاتبة والمخرجة إلى التحدي المتمثل في نوع من الاضطرار إلى التفكير خارج الصندوق، الكاتبة والمخرجة براون التي أمضت ثماني سنوات في الكتابة والتطوير وجمع التبرعات قبل أن يتم التصوير في لوس أنجلس في أواخر عام 2019.
تتجادل النساء، يتحدثن، ويدعمن بعضهن البعض، ويحاولن البقاء على قيد الحياة فيما يتنفسن من فتحة جدار صغيرة
صرحت المخرجة “لقد ضربت النساء الروانديات اللواتي ثابرن على تجاوز هذه الإبادة الجماعية على وتر حساس معي. قصتهم محددة، لكن موضوعات الاضطراب الداخلي والتسامح عالمية بشكل لا يصدق”.
تبقي براون تركيزها ضيقا، ولا تقدم أي عرض لخلفية أو أسباب المذبحة الرهيبة على الرغم من أن إحدى الشخصيات تلوم مستعمرها السابق بلجيكا على تحريض التوتسي ضد الهوتو. في مقابلة مع المخرجة والكاتبة ألان براون خلال عرض الفيلم في مهرجان بيوريا السينمائي قالت “أثناء التحضير لمقابلتها، بدأت أصادف قصص بقاء حقيقية لنساء وأشخاص فقط بشكل عام، وسيطرت علي الإرادة للنجاة من مثل هذه المحنة المروعة، بدون طعام، بدون ماء، وأحيانا بدون مأوى، مختبئات في أقسى الظروف التي يمكن أن تتخيلها وتمسكهن بالحياة”.
وأضافت أن “عددا من قصص البقاء الحقيقية ألهمتها والتي ساهمت في تأكيد الفيلم على أنه ‘مستوحى من أحداث حقيقية’، ورغم ذلك فإن القصة التي تروى في الفيلم خيالية ولا تستند مباشرة إلى أي رواية واقعية واحدة. وتمت كتابة السيناريو ليعكس الأحداث الحقيقية للإبادة الجماعية في رواندا، وليعكس الروح الجماعية بداخلنا جميعا”.
وصرحت براون على الصفحة الخاصة بها للفيلم “سواء رأينا الموت أم لا، أو نعيش في رواندا أو غير ذلك، فإن العديد من الآمال والمخاوف والخسائر والانتصارات في هذه القصة ذات طابع إنساني وعالمي. على الرغم من الألم والوحشية في سرد القصص في بعض الأحيان، إلا أن الفيلم يحتوي على الكثير من اللحظات المؤثرة التي تظهر قوة الحب والتسامح”. إن تأثيره باستخدام كاميرا المخرجة تم بطريقة إبداعية، حيث تقترب من وجوه النساء المرعوبات عندما يسمعن الأصوات المرعبة للأحداث التي تحدث في الخارج، وتتراجع لتظهر لنا صعوبات العيش في بيئة ضيقة، إنها قصص الحرب (أو مناهضة الحرب) والإبادة الجماعية. اللوحة كبيرة بطبيعتها، والتاريخ معقد، وقد تم تصميم أشجار السلام للكاتبة والمخرجة ألانا براون بعناية لإنها حكاية بقاء داخل حكاية بقاء.
هذه المساحة الصغيرة وتفاعلاتها وحدها تحتاج إلى استحضار صورة للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وفيها انقلب الجار على الجار، وقتل حوالي مليون شخص. ومع ذلك، تأخذ براون هذا الموقف الهائل والمرعب، من المؤكد أن حميمية فيلم “أشجار السلام” أضافت إلى مدى قسوته شيئا ملفتا للنظر. لا يغادر الفيلم أبدا إعداده في الطابق السفلي من اللحظة التي تدخل فيها ألياني أوموهير في البداية، حتى عندما يتم إنقاذها هي والنساء الأخريات في النهاية. هذا يعني أنك كمشاهد تقضي الفيلم بأكمله محاصرا مع النساء الأربع، وتختبر كل شيء كما يفعلن. إنه يساعد حقا في فهم وجهة نظرهن، ولكن أيضا كرسالة مفادها أن الأمل والتسامح هما قوتان أقوى بكثير من الكراهية والانتقام.
الأمر المدمر في سرد قصص النساء الأربع أنهن تم إلقاؤهن في قبو بمساحته الضيقة ويكفاحن من أجل البقاء
يجب أن نكون جميعا على دراية بالفظائع التي تحدث في هذا العالم لأن المعرفة التي نتلقاها يمكن أن تساعدنا على فهم احتياجات الآخرين، وتحفزنا على اتخاذ إجراءات، وتعطينا الحافز لاتخاذ منظور لحياتنا الخاصة لأننا ندرك أن مخاوفنا غالبا ما تكون بسيطة مقارنة بأولئك الذين يعانون من صعوبات أكبر من مصاعبنا، إنها قصة حميمة لدفع فهم أعمق للإنسانية. تنبض هذه الشخصيات أيضا بالحياة بفضل الحوار المصمم جيدا بشكل استثنائي. المحادثات التي يشاركنها تبدو صادقة وأصيلة. كتاب قصائد للأطفال والذي اشتق منه عنوان الفيلم كان موجودا في حقيبة الشابة الأميركية، وهو عبارة عن كتاب رسومات قصص للأطفال عنوانه “بذور الحب.. أشجار السلام” لمؤلفته سوزان أليجاه كيرن، ينعكس كونه كتابا للأطفال بدقة في كيفية تمسك النساء بخيوط البراءة الأخيرة في مساحة ربما كانت مكانا ممتعا لاختباء الأطفال في ألعاب الغميضة في عالم أفضل.
الفيلم نفسه يحتفل بمرونة الروح الإنسانية وإمكانية المصالحة والأخوة من خلال المعاناة المشتركة. جميع الممثلات ممتازات في تصويرهن للقلق والعداء والأمل واليأس المتزايد. وتعمل المخرجة في فيلمها بشكل جيد بصريا. على سبيل المثال، الأحلام والهلوسة واسعة النطاق ولكنها ليست مسقطة، لأنها تصور الرابط المتلاشي بين الحياة التي عاشتها النساء من قبل والمستقبل الذي يأملن في الحصول عليه.
تكرم هذه التحفة الفنية النساء الروانديات اللواتي قدن الجهود نحو الشفاء والتسامح والسلام وتعطينا سياقا للفظائع التي اضطررن إلى تحملها عندما تشكلت روحهن الجماعية. نظهر جميعا مع شياطيننا وتحيزاتنا وتجاوزاتنا، لكن هذا لا يعني أننا بعيدون عن الحل عندما يمكننا أن نجد طريقنا للعودة إلى التعاطف لأنه في فوضانا يمكننا أيضا العثور على أوجه التشابه بيننا. يتردد صدى هذه الرسالة الرئيسية خارج الفيلم، مما يوفر تذكيرا في الوقت المناسب بأنه على الرغم من أن هذه الفضائل لا تزال مطلوبة بشدة، إلا أنها بعيدة المنال في عالمنا اليوم.
في الختام فإن فيلم “أشجار السلام” في جوهره هو رسالة حب إلى صمود النساء الروانديات اللواتي وجدن طرقا ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، ولكن لإعادة بناء بلدانهن من الرماد. نهاية الفيلم تأكيد على أن النساء شريان الحياة وكن وراء إعادة تأهيل رواندا وما زلن قائدات للبلد اليوم، وهي صفحة أتمنى أن تأخذها المزيد من البلدان من كتاب رواندا. وفي أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا، كانت المرأة في طليعة إعادة تأهيل البلاد، وأصبحت منذ ذلك الحين منارة للمرأة في الحكومة بوصفها البلد الذي يضم أكبر عدد من النساء في الحكومة في العالم.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علاء حسن
القبو يكشف مرونة الروح الإنسانية وإمكانية المصالحة والأخوة وسط المعاناة المشتركة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
قصة مكثفة يتم سردها بعناية
كشفت الكثير من الأعمال السينمائية فظاعات الحروب والصراعات وما خفي مما تناساه التاريخ من معاناة الناس والأبرياء ومن الجرائم البشعة التي لا يذكرها المؤرخون أو المتابعات الصحفية. ويأتي فيلم “أشجار السلام” واحدا من هذه الأعمال التي تؤرخ لمجزرة مؤلمة دون تحيّز أو افتعال.
في أبريل من عام 1994 قتل رئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا بعد أن أسقطت طائرته، هذه الحادثة أشعلت توترات عرقية في المنطقة وساعدت على إشعال الحرب الأهلية وبداية الإبادة الجماعية في رواندا، شن القادة المتطرفون من الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة توتسي، وبدأ الهوتو بقتل رجال ونساء وأطفال التوتسي قتلا جماعيا. وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم قتل ما يقارب مليون شخص وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. فيلم “أشجار السلام” مستوحى من أحداث حقيقية وتؤرخ تلك الفترة من الإبادة الجماعية.
الكاتبة والمخرجة ألانا براون كتبت قصة عن نساء يرتبطن بروابط غير متوقعة خلال هذا الوقت العصيب، بعد هروب أربع نساء من عمليات القتل والاختباء في قبو صغير في مطبخ منزل رجل من الهوتو المعتدلين (فرانسوا) وزوجته الحامل.
الاختباء في القصص
الفيلم يكرم النساء الروانديات اللواتي قدن الجهود للشفاء والتسامح والسلام ويعطينا سياقا للفظائع التي تحملنها بمشقة
يبدأ الفيلم من صاحبة المنزل أنيك والقراءة في دفتر ملاحظاتها وهي تصف الأيام التي قضتها في القبو، يظهر رجل يدعى فرانسوا (الممثل تونجاي كريسا) وهو يتوسل زوجته أنيك (الممثلة ألياني أوموهير) الحامل في أشهرها الأخيرة من أجل القبول بالنزول إلى قبو في مطبخ بيتهم حفاظا على حياتها، يعدها بالعودة ويوصيها بالاهتمام بنفسها وبمولودهما المنتظر، وبعد مرور مدة من الزمن يوصل الزوج ثلاث نساء أخريات إلى المخزن.
من بين النساء شابة من قبلية “التوتسي” تدعى موتيسي (الممثلة بولا كوليوشو) وهي امرأة مصابة بصدمة نفسية بعد أن رأت عائلتها تذبح أمام عينيها وقميصها ملطخ بالدماء، وهي متذمرة وشرسة الطباع ولكنها تتمتع بذكاء وفطنة في الوقت نفسه. لا تعترف بفضل أصحاب البيت عليها، بل تحسدهم لأنهم من قبيلة “الهوتو”، وأن فرص نجاتهم كبيرة بينما حياتها على المحك وتتوقع أن تكون نهايتها مثل نهاية سكان قريتها التي أبادها المسلحون عن بكرة أبيهم، ولهذا السبب اضطرت إلى الهروب في جنح الظلام.
الثالثة هي الراهبة والمعلمة جانيت من التوتسي التي لجأت إلى الرهبنة هربا من سلوك والدها الفظ وتعامله القاسي مع أمها، جانيت لم تتصالح بعد مع وفاة والدتها وسوء معاملتها على يد والدها الكاهن. أما الرابعة فهي بيتون (إيلا كانون) متطوعة أميركية جاءت إلى رواندا لمساعدة الناس في برنامج المنظمات غير الحكومية. في البداية كانت المرأة الرواندية تشعر بالاستياء منها بسبب امتيازها الأبيض، ولكن مع مرور الأيام تكشف عن تضحيتها وتفانيها عندما يعود فرانسوا بالطعام ويحمل معه الخبر السار لها برغبة الأمم المتحدة في إجلاء الأجانب من البيض، لكنها ترفض هذا الامتياز والتميز على حساب الأخريات وترفض الخروج والنجاة بتلك الطريقة المخجلة.
تتجادل النساء، يتحدثن، ويدعمن بعضهن البعض، ويحاولن البقاء على قيد الحياة، وهن قادرات على التنفس بسبب فتحة صغيرة في الجدار، ولتمضية الوقت يبادرن بسرد قصصهن ومشاكلهن، يلعبن الألعاب معا، ويتعلمن كيفية القراءة والكتابة بفضل مساعدة بيتون. تشارك النساء قصصا من حياتهن المضطربة، تعرضت اثنتان منهما للاعتداء الجنسي، وحاولت أحداهما الانتحار والأخرى تعرضت لعدة حالات إجهاض.
على الرغم من مأساوية هذه القصص فإن النساء كن قادرات على تكوين رابطة مشتركة بينهن بسبب معاناتهن. فرانسوا زوج المرأة الحامل من الهوتو (أنيك) يظهر بين الحين والآخر مع إمدادات الطعام والشراب لكننا لا نرى وجهه حقا (حتى النهاية)، كل ما نراه هو لقطة شبه توراتية ليد تمتد من تيار من الضوء في الأعلى كلما فتح الباب وهي رمزية الملائكة.
في الخارج يسمع صوت إطلاق نار وصراخ حيث تقوم الميليشيات بقتل الأبرياء. ومن خلال الفتحة الصغيرة في جدار القبو نشهد فظائع الجرائم التي تحدث في جميع أنحاء رواندا، وتصبح تلك الفتحة نافذتنا على العالم الخارجي ورصد أحداثه.
إنه لأمر مدمر في سرد قصة أربع نساء تم إلقاؤهن في قبو بمساحته الضيقة ويكفاحن من أجل البقاء على قيد الحياة وسط مدينة تسيطر عليها الميليشيات وسلاحها المنفلت، والبقاء على قيد الحياة ليس بالأمر السهل لأن الإمدادات الغذائية شحيحة بعد أن أصبح فرانسوا معلم المدرسة مطاردا من قبل عصابات الهوتو وهناك مساحة صغيرة جدا للتحرك.
تجاوز المحنة
وإن تعددت القصص.. فمأساة النساء واحدة
يبدو أن هؤلاء النساء أصبحن بمثابة الأخوات لأن المعاناة جزء من تجربة كل امرأة وتساهم في التآلف والانسجام فيما بينهن. تقدم كاتبة السيناريو ألانا براون في أول ظهور لها ككاتبة ومخرجة قصة مؤثرة وجذابة بهدوء. لذا تفعل النساء ما في وسعهن لتمضية الوقت. إنهن يلعبن الألعاب، ويقرأن كتابا للأطفال بعنوان “أشجار السلام”، ويقدمن كلمات تشجيعية لغرس قدر من الأمل. ولأن مستقبلهن يبدو قاتما، هناك أوقات عصيبة حين تبدأ النساء في المشاحنات والقتال مع بعضهن البعض، وفي بعض الأحيان تهاجمهن الهلوسة والكوابيس.
يظهر الفيلم كل ما يحدث على الجانب الآخر من الحرب. هناك أوقات تشك فيها النساء في فرصتهن في النجاة، بسبب تدهور صحتهن وبسبب التهديد في الخارج، إلا أنهن يصلن إلى نهاية الفيلم. تدرك أنيك أن عليها البقاء على قيد الحياة من أجل طفلها الذي لم يولد بعد وأن النساء الأخريات يبذلن قصارى جهدهن حتى لا يفقدن الأمل.
وفي اليوم الـ81 من الاختفاء، حاولت موتيسي (بولا كوليوشو) بكل قوتها فتح باب المخزن المقفل من الخارج، حتى نجحت بمساعدة البقية، لكنهن اصطدمن بسماع أصوات قادمة من الخارج، مما دفعهن إلى الانتظار ريثما يتضح الأمر، وهو يوم الخلاص حين دخلت مجموعة من مسلحي الجبهة الوطنية الرواندية التي طردت مقاتلي “الهوتو”، وسمعت الزوجة صوت زوجها ولم تصدق. خارج المخزن حكى لها كيف تخلص من الموت بأعجوبة، بينما بقية مدرسي المدرسة – وجلّهم من المعتدلين – لقوا حتفهم على أيدي المسلحين.
انتهت الإبادة الجماعية في الخامس عشر من يوليو 1994، عندما نجحت الجبهة الوطنية الرواندية، وهي قوة من المتمردين ذات قيادة توتسية، في طرد المتطرفين وحكومتهم المؤقتة المؤيدة للإبادة الجماعية إلى خارج البلاد. ومع ذلك فلا تزال آثار الإبادة الجماعية باقية إلى اليوم، وقد خلفت مئات الآلاف من الناجين الذين يعانون من الصدمات النفسية، وحولت البنية التحتية للبلد إلى أنقاض، وتسببت في إيداع ما يربو على 100 ألف من الممارسين لها في السجون.
مع انتهاء الفيلم، قيل لنا إن أكثر من مليون شخص ماتوا خلال الإبادة الجماعية. ومن الواضح أن هذا أمر مفجع ولكنه منح أيضا الأمل لشعب رواندا في تجاوز تلك المحنة العصيبة. في السنوات التي تلت أحداث هذه المأساة الرهيبة، قادت الناجيات حركة سياسية للشفاء والمغفرة. وبفضل الجهود التي تبذلها رواندا، يوجد الآن أعلى نسبة مئوية من النساء المعينات في الحكومة. وهذا التغير الذي ألهم المخرجة ألانا براون أيضا في كتابة وأخراج فيلم “أشجار السلام” بعد انتهاء الإبادة الجماعية وإعادة بناء البلاد، أصبح لدى رواندا أعلى نسبة من النساء في الحكومة من أي بلد في العالم، حيث انتقلت من 18 في المئة من المشاركة قبل الإبادة الجماعية إلى 56 في المئة في عام 2008.
النساء شريان الحياة
الأمل والتسامح أقوى بكثير من الكراهية والانتقام
حافظت المخرجة ألانا براون على تركيز كاميرتها بإحكام على شخصياتها النسائية الأربع بينما يتعلمن المزيد عن بعضهن البعض، وكيف يؤثر الصراع الخارجي عليهن جميعا. فيلم “أشجار السلام” عاطفي وملهم سرد مفجع ومثير للدهشة للأحداث الفظيعة في رواندا عندما ذبح الهوتو التوتسي، لا يعرف الكثير عنها بفضل التعتيم الإعلامي بينما كانت الأحداث المروعة تتكشف، ولكن بفضل الناجين الشجعان الذين تمكنوا من مشاركة كوابيسهم، أصبحنا أكثر تعاطفا مع ذلك.
هناك العديد من الأفلام الملهمة عن تلك المجازر، ولكن يتم التقليل من شأنها ولا يتم تسليط الضوء عليها، وينبغي أن نشجع الأفلام التي تتناول التطهير العرقي والإبادة الجماعية، مثل التطهير العرقي في ميانمار والبوسنة أو الاقتتال الطائفي الذي حدث في العراق وأماكن أخرى كثيرة.
في مشهد فظيع تصور عملية اغتصاب امرأة من “التوتسي” لم تنفع توسلاتها للمسلحين الذين كان من بينهم رجل تعرفه الراهبة جانيت (شارمين بينجوا) لكونه من بين أعضاء الجوقة (كورال) التابعة للكنيسة، تحاول مناداته، لكنها تكتشف أن الفتى (باسكال) قد حولته الحرب إلى حيوان شرس حين رأته بأمّ عينيها يقتل المرأة بعد اغتصابها بدم بارد. مع مرور الأيام ومشاهدتها للمزيد من الأعمال الوحشية، تبدأ في التشكيك في إيمانها وتتساءل “كيف يمكن لإله عادل أن يقف مكتوف الأيدي ولا يفعل شيئا؟”.
النافذة الصغيرة في المخبأ هي المصدر الرئيسي للضوء، وتستخدم كدلالة على مرور الزمن. بالإضافة إلى الاستخدامات المختلفة لها (على سبيل المثال، عندما تمطر تجمع النساء الماء من النافذة). هناك وسيلة آخرى مساعدة في سرد قصص النساء ألا وهي التصوير السينمائي المبتكر. إنها مجرد غرفة صغيرة. ومع ذلك، تعمل حركات الكاميرا وخياراتها على الحفاظ على تفاعل المشاهد ومحاكاة المشاعر. تعمل كل هذه الأدوات معا لإنشاء عمل سينمائي متزامن يلتقط القصة المكثفة التي يتم سردها. لقد انجذبت الكاتبة والمخرجة إلى التحدي المتمثل في نوع من الاضطرار إلى التفكير خارج الصندوق، الكاتبة والمخرجة براون التي أمضت ثماني سنوات في الكتابة والتطوير وجمع التبرعات قبل أن يتم التصوير في لوس أنجلس في أواخر عام 2019.
تتجادل النساء، يتحدثن، ويدعمن بعضهن البعض، ويحاولن البقاء على قيد الحياة فيما يتنفسن من فتحة جدار صغيرة
صرحت المخرجة “لقد ضربت النساء الروانديات اللواتي ثابرن على تجاوز هذه الإبادة الجماعية على وتر حساس معي. قصتهم محددة، لكن موضوعات الاضطراب الداخلي والتسامح عالمية بشكل لا يصدق”.
تبقي براون تركيزها ضيقا، ولا تقدم أي عرض لخلفية أو أسباب المذبحة الرهيبة على الرغم من أن إحدى الشخصيات تلوم مستعمرها السابق بلجيكا على تحريض التوتسي ضد الهوتو. في مقابلة مع المخرجة والكاتبة ألان براون خلال عرض الفيلم في مهرجان بيوريا السينمائي قالت “أثناء التحضير لمقابلتها، بدأت أصادف قصص بقاء حقيقية لنساء وأشخاص فقط بشكل عام، وسيطرت علي الإرادة للنجاة من مثل هذه المحنة المروعة، بدون طعام، بدون ماء، وأحيانا بدون مأوى، مختبئات في أقسى الظروف التي يمكن أن تتخيلها وتمسكهن بالحياة”.
وأضافت أن “عددا من قصص البقاء الحقيقية ألهمتها والتي ساهمت في تأكيد الفيلم على أنه ‘مستوحى من أحداث حقيقية’، ورغم ذلك فإن القصة التي تروى في الفيلم خيالية ولا تستند مباشرة إلى أي رواية واقعية واحدة. وتمت كتابة السيناريو ليعكس الأحداث الحقيقية للإبادة الجماعية في رواندا، وليعكس الروح الجماعية بداخلنا جميعا”.
وصرحت براون على الصفحة الخاصة بها للفيلم “سواء رأينا الموت أم لا، أو نعيش في رواندا أو غير ذلك، فإن العديد من الآمال والمخاوف والخسائر والانتصارات في هذه القصة ذات طابع إنساني وعالمي. على الرغم من الألم والوحشية في سرد القصص في بعض الأحيان، إلا أن الفيلم يحتوي على الكثير من اللحظات المؤثرة التي تظهر قوة الحب والتسامح”. إن تأثيره باستخدام كاميرا المخرجة تم بطريقة إبداعية، حيث تقترب من وجوه النساء المرعوبات عندما يسمعن الأصوات المرعبة للأحداث التي تحدث في الخارج، وتتراجع لتظهر لنا صعوبات العيش في بيئة ضيقة، إنها قصص الحرب (أو مناهضة الحرب) والإبادة الجماعية. اللوحة كبيرة بطبيعتها، والتاريخ معقد، وقد تم تصميم أشجار السلام للكاتبة والمخرجة ألانا براون بعناية لإنها حكاية بقاء داخل حكاية بقاء.
هذه المساحة الصغيرة وتفاعلاتها وحدها تحتاج إلى استحضار صورة للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وفيها انقلب الجار على الجار، وقتل حوالي مليون شخص. ومع ذلك، تأخذ براون هذا الموقف الهائل والمرعب، من المؤكد أن حميمية فيلم “أشجار السلام” أضافت إلى مدى قسوته شيئا ملفتا للنظر. لا يغادر الفيلم أبدا إعداده في الطابق السفلي من اللحظة التي تدخل فيها ألياني أوموهير في البداية، حتى عندما يتم إنقاذها هي والنساء الأخريات في النهاية. هذا يعني أنك كمشاهد تقضي الفيلم بأكمله محاصرا مع النساء الأربع، وتختبر كل شيء كما يفعلن. إنه يساعد حقا في فهم وجهة نظرهن، ولكن أيضا كرسالة مفادها أن الأمل والتسامح هما قوتان أقوى بكثير من الكراهية والانتقام.
الأمر المدمر في سرد قصص النساء الأربع أنهن تم إلقاؤهن في قبو بمساحته الضيقة ويكفاحن من أجل البقاء
يجب أن نكون جميعا على دراية بالفظائع التي تحدث في هذا العالم لأن المعرفة التي نتلقاها يمكن أن تساعدنا على فهم احتياجات الآخرين، وتحفزنا على اتخاذ إجراءات، وتعطينا الحافز لاتخاذ منظور لحياتنا الخاصة لأننا ندرك أن مخاوفنا غالبا ما تكون بسيطة مقارنة بأولئك الذين يعانون من صعوبات أكبر من مصاعبنا، إنها قصة حميمة لدفع فهم أعمق للإنسانية. تنبض هذه الشخصيات أيضا بالحياة بفضل الحوار المصمم جيدا بشكل استثنائي. المحادثات التي يشاركنها تبدو صادقة وأصيلة. كتاب قصائد للأطفال والذي اشتق منه عنوان الفيلم كان موجودا في حقيبة الشابة الأميركية، وهو عبارة عن كتاب رسومات قصص للأطفال عنوانه “بذور الحب.. أشجار السلام” لمؤلفته سوزان أليجاه كيرن، ينعكس كونه كتابا للأطفال بدقة في كيفية تمسك النساء بخيوط البراءة الأخيرة في مساحة ربما كانت مكانا ممتعا لاختباء الأطفال في ألعاب الغميضة في عالم أفضل.
الفيلم نفسه يحتفل بمرونة الروح الإنسانية وإمكانية المصالحة والأخوة من خلال المعاناة المشتركة. جميع الممثلات ممتازات في تصويرهن للقلق والعداء والأمل واليأس المتزايد. وتعمل المخرجة في فيلمها بشكل جيد بصريا. على سبيل المثال، الأحلام والهلوسة واسعة النطاق ولكنها ليست مسقطة، لأنها تصور الرابط المتلاشي بين الحياة التي عاشتها النساء من قبل والمستقبل الذي يأملن في الحصول عليه.
تكرم هذه التحفة الفنية النساء الروانديات اللواتي قدن الجهود نحو الشفاء والتسامح والسلام وتعطينا سياقا للفظائع التي اضطررن إلى تحملها عندما تشكلت روحهن الجماعية. نظهر جميعا مع شياطيننا وتحيزاتنا وتجاوزاتنا، لكن هذا لا يعني أننا بعيدون عن الحل عندما يمكننا أن نجد طريقنا للعودة إلى التعاطف لأنه في فوضانا يمكننا أيضا العثور على أوجه التشابه بيننا. يتردد صدى هذه الرسالة الرئيسية خارج الفيلم، مما يوفر تذكيرا في الوقت المناسب بأنه على الرغم من أن هذه الفضائل لا تزال مطلوبة بشدة، إلا أنها بعيدة المنال في عالمنا اليوم.
في الختام فإن فيلم “أشجار السلام” في جوهره هو رسالة حب إلى صمود النساء الروانديات اللواتي وجدن طرقا ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، ولكن لإعادة بناء بلدانهن من الرماد. نهاية الفيلم تأكيد على أن النساء شريان الحياة وكن وراء إعادة تأهيل رواندا وما زلن قائدات للبلد اليوم، وهي صفحة أتمنى أن تأخذها المزيد من البلدان من كتاب رواندا. وفي أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا، كانت المرأة في طليعة إعادة تأهيل البلاد، وأصبحت منذ ذلك الحين منارة للمرأة في الحكومة بوصفها البلد الذي يضم أكبر عدد من النساء في الحكومة في العالم.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علاء حسن