رشيد الوالي يصور الهجرة بأبعادها الاجتماعية والثقافية والنفسية
"الطابع" دراما مليئة بالأمل والتضحية في مواجهة الهجرة والموت.
ألم مهاجر يحلم بالعودة إلى موطنه
يتناول المخرج المغربي رشيد الوالي في فيلمه "الطابع" قضية هجرة المغاربة ومعاناتهم من ظروف عمل سيئة في الغرب، وحتى حلمهم بالموت في وطنهم والدفن في أرضه، محاولا استكشاف الأبعاد الاجتماعية والثقافية المرتبطة بذلك.
يروي الفيلم “الطابع” قصة مجموعة من القرويين الذين يهاجرون للعمل في مناجم الفحم، بمن فيهم الشخصية الرئيسية “العربي”. يتوفى جميع أصدقاء العربي بعد تشخيصهم بأمراض خطيرة، وبعدما أخبره الطبيب بأنه لا يبقى لديهم أمل في الحياة يقرر العربي العودة إلى بلده ليموت هناك، وقبل وفاته يرتب لنفسه مراسم الدفن.
الفيلم من إخراج رشيد الوالي وتأليف هشام العسري بالشراكة مع الوالي. تصوير حمزة عاطفي، ومونتاج فاطمة الزهراء ليوبي، وصوت محمد تيمومس، وموسيقى محمد أسامة، كما يشارك في الأدوار البطولية غابرييل لازور وحميد الزوغي ومارك صامويل وبودير.
تطرح أحداث الفيلم قضايا الهجرة على نحو معقد مسلطًا الضوء على تأثيراتها على الأفراد والمجتمعات بأبعادها الاجتماعية والثقافية والنفسية، كما يستعرض قصصًا مؤثرة للأشخاص الذين اضطروا إلى ترك وطنهم بحثًا عن حياة أفضل، مع التركيز على التحديات والمأساة التي ترافق هذه الرحلة، ويُسلط الضوء على حالة العربي وباقي الجالية، حيث فقد البعض منهم حياتهم في مناجم الفحم الحجري في فرنسا.
ويبرز المشهد الأول الذي تظهر فيه شخصية العربي التي قدّمها الممثل القدير حميد الزوغي الصمت القاسي والمؤلم الذي تعبر عنه الشخصية على نحو ملموس، ممتدًا إلى مسافات بعيدة مما يكشف عن حالة عميقة للشخصية ومشاعرها.
ويأتي المشهد الثاني ليستعرض قصة صمويل، رفيق العربي في رحلتهما بعد اكتشاف إصابته بمرض السرطان، كما يتميز هذا المشهد بالتعبير من خلال اللغة والجسد معًا، حيث يُؤَكَّد الاتصال الإنساني العميق والتواصل الذي ينشأ بين الأصدقاء في لحظات استشعار قرب الآجال، كما تظهر هذه اللحظات بجلاء كيف يمكن للفن أن ينقل العواطف والتجارب الإنسانية بشكل قوي ومؤثر وهو ما يضيف قيمة للعمل السينمائي.
ويتميز الفيلم ببطء الإيقاع الزمني للأحداث، إذ يسلط الضوء على موضوع الموت الحاسم الذي يثري حبكة الفيلم ويمنحها قوة وعمقًا، كما يتناول بانسجام الثنائية المعقدة بين القضاء والقدر في مجتمع محافظ ومتجذر بالتقاليد والأعراف الاجتماعية غير المتزنة، هذه الجوانب تكشف عن نفسها على نحو خاص في المناطق الشرقية من المغرب، إذ يبرز معظم المشاهد هذه التفاصيل المجتمعية والثقافية المعقدة والتحديات التي تنشأ عنها.
ويتميز تكوين اللقطات بقدرته على تتبع تطور الأحداث والمسارات التي تسلكها الشخصيات من خلال فضاءات مفتوحة، كما يثير هذا التكوين أسئلة عميقة حول الموت ومأساته، ومع ذلك فإن هذه التفاصيل الواقعية لا تنتهي بنهاية حزينة، بل تحمل في طياتها بذور حياة جديدة، كما تفتح الباب أمام استكشاف الأبعاد الإنسانية والروحية العميقة وتشير إلى أن هناك دائمًا أملًا في نهاية الأمر.
ويوجه سيناريو فيلم “الطابع” إلى المشاهدين رسائل حول قضايا الهجرة، وتظهر هذه الرسائل من خلال اللقطات التي تحمل رموزًا محددة، حيث تعمل هذه الرموز على تحفيز الذاكرة وتساهم في تحريرها، مما يمكّن الجمهور من التفكير فيها وفهمها بشكل أعمق.
وتعكس الحبكة الدرامية تجارب المهاجرين المفترضين والجروح التي لا تشفى، كما تشير إلى المعاناة العميقة التي تعانيها هذه الشخصيات، وتسلط الضوء على الجروح التي ترتبط بها، حيث تظل هذه الجروح حاضرة حتى في رحلتهم الغامضة والمثيرة للعودة إلى أرض الوطن، و وتظل ذات أهمية كبيرة في تجربة هؤلاء المهاجرين حتى وإن كانت تبدو قد دُفِنت معهم في قبورهم في نهاية المطاف.
وتمثل نواة السيناريو، التي تعتمد على ترسيخ الأحداث في الذاكرة، رمزًا مهمًا في هذا العمل الفني الإبداعي، إنها تفتح الباب أمام استحضار ذكريات مهمة، وخاصة في الأماكن المتنوعة التي تمر بها الشخصيات أثناء تطور الأحداث، سواء كانت تلك الأماكن مغلقة ومحصورة أو مفتوحة وشاسعة.
أما إيقاع الأحداث والتغيرات الدرامية فيرتبط بمجموعة متنوعة من الأماكن، مثل المقبرة والميناء والباخرة ومحطة القطار والمحطة الطرقية والبراري والأحراش في قرى وأرياف الشرق، هذا التنوع في الأماكن يعكس روح التنقل والمغامرة التي تحملها الحياة.
ويبرز المشهد الذي يظهر فيه ثنائي العربي وصمويل وهما يجتازان الطرقات ويخوضان المغامرة معًا رغم الخلافات الجانبية بينهما، هذا المنظر يعكس التناغم العميق والروابط القوية بين الشخصيات التي تبقى موحدة مع نفسها ومع بعضها البعض على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجهها في رحلتها، ويُظهر هذا المشهد قوة الروح الإنسانية والتضامن في وجه التحديات.
وتتجلى جمالية تكوين اللقطات في المشهد الذي يبرز التوقيع على الأجساد بالألوان الحمراء والزرقاء في رمزية تندرج ضمن ثنائية الرفض والقبول في سياق الهجرة، هذا التوقيع يعكس قرار المترشح للهجرة نحو فرنسا والتضارب في مشاعره بين رفض الهجرة والقبول بها، وذلك بعد أن يتعين على العربي الخضوع لعملية فحص مكشوفة تحت مراقبة مسؤول الإدارة الفرنسية.
وتظهر الرمزية على نحو خاص في المشهد الذي نرى فيه معرضا للشباب المصطفين الذين يبحثون عن فرص العمل في مناجم الفحم بفرنسا كوسيلة للرزق، إذ يرمز هذا التوقيع إلى لحظات مهمة تجمع بين الألم والفرح، ويتجلى ذلك في لحظة مفصلية حيث تتجسد رغبة قوية في الهجرة إلى أوروبا كوسيلة للهروب من العوز والفقر ونقص فرص العيش الكريم في بلدهم الأصلي. ويُظهر الفيلم بمهارة التضاربات العاطفية والاجتماعية التي تحيط بقرار الهجرة وكيف يؤثر هذا القرار على حياة الأفراد.
تمتزج في سرد أحداث فيلم “الطابع” عناصر خيالية وواقعية بطريقة تمنح القصة عمقًا إضافيًا، مثل مشهد احتراق وتفحم جثث الشباب المهاجرين إلى فرنسا، وخاصة اللحظة التي تحقق فيها الصورة تأثيرا قويا ومؤثرا، تلك اللحظة تُعيد بناء وتشكيل الوعي بالمأساة التي يمكن أن تواجه الإنسان في رحلته، ويعكس هذا العمل السينمائي الواقعية المؤلمة لتلك اللحظات ويجعل المشاهدين يفكرون بعمق في معاناة المهاجرين والجراحات التي ترافق رحلتهم.
ويعتبر فيلم “الطابع” للمخرج رشيد الوالي تجربة فنية عميقة تشكل إسهامًا قيمًا في المشهد السينمائي المغربي، وقد يصل إلى السينما العالمية بأكملها بفضل رؤيته الفنية وتناوله المواضيع الإنسانية والاجتماعية بشكل مؤثر وملهم.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
"الطابع" دراما مليئة بالأمل والتضحية في مواجهة الهجرة والموت.
ألم مهاجر يحلم بالعودة إلى موطنه
يتناول المخرج المغربي رشيد الوالي في فيلمه "الطابع" قضية هجرة المغاربة ومعاناتهم من ظروف عمل سيئة في الغرب، وحتى حلمهم بالموت في وطنهم والدفن في أرضه، محاولا استكشاف الأبعاد الاجتماعية والثقافية المرتبطة بذلك.
يروي الفيلم “الطابع” قصة مجموعة من القرويين الذين يهاجرون للعمل في مناجم الفحم، بمن فيهم الشخصية الرئيسية “العربي”. يتوفى جميع أصدقاء العربي بعد تشخيصهم بأمراض خطيرة، وبعدما أخبره الطبيب بأنه لا يبقى لديهم أمل في الحياة يقرر العربي العودة إلى بلده ليموت هناك، وقبل وفاته يرتب لنفسه مراسم الدفن.
الفيلم من إخراج رشيد الوالي وتأليف هشام العسري بالشراكة مع الوالي. تصوير حمزة عاطفي، ومونتاج فاطمة الزهراء ليوبي، وصوت محمد تيمومس، وموسيقى محمد أسامة، كما يشارك في الأدوار البطولية غابرييل لازور وحميد الزوغي ومارك صامويل وبودير.
تطرح أحداث الفيلم قضايا الهجرة على نحو معقد مسلطًا الضوء على تأثيراتها على الأفراد والمجتمعات بأبعادها الاجتماعية والثقافية والنفسية، كما يستعرض قصصًا مؤثرة للأشخاص الذين اضطروا إلى ترك وطنهم بحثًا عن حياة أفضل، مع التركيز على التحديات والمأساة التي ترافق هذه الرحلة، ويُسلط الضوء على حالة العربي وباقي الجالية، حيث فقد البعض منهم حياتهم في مناجم الفحم الحجري في فرنسا.
ويبرز المشهد الأول الذي تظهر فيه شخصية العربي التي قدّمها الممثل القدير حميد الزوغي الصمت القاسي والمؤلم الذي تعبر عنه الشخصية على نحو ملموس، ممتدًا إلى مسافات بعيدة مما يكشف عن حالة عميقة للشخصية ومشاعرها.
ويأتي المشهد الثاني ليستعرض قصة صمويل، رفيق العربي في رحلتهما بعد اكتشاف إصابته بمرض السرطان، كما يتميز هذا المشهد بالتعبير من خلال اللغة والجسد معًا، حيث يُؤَكَّد الاتصال الإنساني العميق والتواصل الذي ينشأ بين الأصدقاء في لحظات استشعار قرب الآجال، كما تظهر هذه اللحظات بجلاء كيف يمكن للفن أن ينقل العواطف والتجارب الإنسانية بشكل قوي ومؤثر وهو ما يضيف قيمة للعمل السينمائي.
ويتميز الفيلم ببطء الإيقاع الزمني للأحداث، إذ يسلط الضوء على موضوع الموت الحاسم الذي يثري حبكة الفيلم ويمنحها قوة وعمقًا، كما يتناول بانسجام الثنائية المعقدة بين القضاء والقدر في مجتمع محافظ ومتجذر بالتقاليد والأعراف الاجتماعية غير المتزنة، هذه الجوانب تكشف عن نفسها على نحو خاص في المناطق الشرقية من المغرب، إذ يبرز معظم المشاهد هذه التفاصيل المجتمعية والثقافية المعقدة والتحديات التي تنشأ عنها.
ويتميز تكوين اللقطات بقدرته على تتبع تطور الأحداث والمسارات التي تسلكها الشخصيات من خلال فضاءات مفتوحة، كما يثير هذا التكوين أسئلة عميقة حول الموت ومأساته، ومع ذلك فإن هذه التفاصيل الواقعية لا تنتهي بنهاية حزينة، بل تحمل في طياتها بذور حياة جديدة، كما تفتح الباب أمام استكشاف الأبعاد الإنسانية والروحية العميقة وتشير إلى أن هناك دائمًا أملًا في نهاية الأمر.
ويوجه سيناريو فيلم “الطابع” إلى المشاهدين رسائل حول قضايا الهجرة، وتظهر هذه الرسائل من خلال اللقطات التي تحمل رموزًا محددة، حيث تعمل هذه الرموز على تحفيز الذاكرة وتساهم في تحريرها، مما يمكّن الجمهور من التفكير فيها وفهمها بشكل أعمق.
وتعكس الحبكة الدرامية تجارب المهاجرين المفترضين والجروح التي لا تشفى، كما تشير إلى المعاناة العميقة التي تعانيها هذه الشخصيات، وتسلط الضوء على الجروح التي ترتبط بها، حيث تظل هذه الجروح حاضرة حتى في رحلتهم الغامضة والمثيرة للعودة إلى أرض الوطن، و وتظل ذات أهمية كبيرة في تجربة هؤلاء المهاجرين حتى وإن كانت تبدو قد دُفِنت معهم في قبورهم في نهاية المطاف.
وتمثل نواة السيناريو، التي تعتمد على ترسيخ الأحداث في الذاكرة، رمزًا مهمًا في هذا العمل الفني الإبداعي، إنها تفتح الباب أمام استحضار ذكريات مهمة، وخاصة في الأماكن المتنوعة التي تمر بها الشخصيات أثناء تطور الأحداث، سواء كانت تلك الأماكن مغلقة ومحصورة أو مفتوحة وشاسعة.
أما إيقاع الأحداث والتغيرات الدرامية فيرتبط بمجموعة متنوعة من الأماكن، مثل المقبرة والميناء والباخرة ومحطة القطار والمحطة الطرقية والبراري والأحراش في قرى وأرياف الشرق، هذا التنوع في الأماكن يعكس روح التنقل والمغامرة التي تحملها الحياة.
ويبرز المشهد الذي يظهر فيه ثنائي العربي وصمويل وهما يجتازان الطرقات ويخوضان المغامرة معًا رغم الخلافات الجانبية بينهما، هذا المنظر يعكس التناغم العميق والروابط القوية بين الشخصيات التي تبقى موحدة مع نفسها ومع بعضها البعض على الرغم من التحديات والصعوبات التي تواجهها في رحلتها، ويُظهر هذا المشهد قوة الروح الإنسانية والتضامن في وجه التحديات.
وتتجلى جمالية تكوين اللقطات في المشهد الذي يبرز التوقيع على الأجساد بالألوان الحمراء والزرقاء في رمزية تندرج ضمن ثنائية الرفض والقبول في سياق الهجرة، هذا التوقيع يعكس قرار المترشح للهجرة نحو فرنسا والتضارب في مشاعره بين رفض الهجرة والقبول بها، وذلك بعد أن يتعين على العربي الخضوع لعملية فحص مكشوفة تحت مراقبة مسؤول الإدارة الفرنسية.
وتظهر الرمزية على نحو خاص في المشهد الذي نرى فيه معرضا للشباب المصطفين الذين يبحثون عن فرص العمل في مناجم الفحم بفرنسا كوسيلة للرزق، إذ يرمز هذا التوقيع إلى لحظات مهمة تجمع بين الألم والفرح، ويتجلى ذلك في لحظة مفصلية حيث تتجسد رغبة قوية في الهجرة إلى أوروبا كوسيلة للهروب من العوز والفقر ونقص فرص العيش الكريم في بلدهم الأصلي. ويُظهر الفيلم بمهارة التضاربات العاطفية والاجتماعية التي تحيط بقرار الهجرة وكيف يؤثر هذا القرار على حياة الأفراد.
تمتزج في سرد أحداث فيلم “الطابع” عناصر خيالية وواقعية بطريقة تمنح القصة عمقًا إضافيًا، مثل مشهد احتراق وتفحم جثث الشباب المهاجرين إلى فرنسا، وخاصة اللحظة التي تحقق فيها الصورة تأثيرا قويا ومؤثرا، تلك اللحظة تُعيد بناء وتشكيل الوعي بالمأساة التي يمكن أن تواجه الإنسان في رحلته، ويعكس هذا العمل السينمائي الواقعية المؤلمة لتلك اللحظات ويجعل المشاهدين يفكرون بعمق في معاناة المهاجرين والجراحات التي ترافق رحلتهم.
ويعتبر فيلم “الطابع” للمخرج رشيد الوالي تجربة فنية عميقة تشكل إسهامًا قيمًا في المشهد السينمائي المغربي، وقد يصل إلى السينما العالمية بأكملها بفضل رؤيته الفنية وتناوله المواضيع الإنسانية والاجتماعية بشكل مؤثر وملهم.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي