"إخواننا" صفحة من تاريخ فرنسا العنصرية ضد المهاجرين العرب
المخرج الفرنسي رشيد بوشارب يوقظ الذاكرة بإحياء قضية ضحايا الشرطة المنسيين.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
المهاجرون مواطنون درجة ثانية
في عام 1986 أطلقت حكومة فرانسوا ميتران التي يديرها جاك شيراك مشروع إصلاح التعليم الذي أطلق عليه اسم “ديفاكيت”، وقد سمي باسم الوزير المندوب المسؤول عن التعليم العالي. آنذاك اجتاحت باريس مظاهرات طلابية عارمة ضد المشروع. وقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية في نفس الليلة على يد أحد ضباط الشرطة، وقتل شاب آخر، ليتحول الأمر إلى جريمة هزت الرأي العام الفرنسي، ولكن بعد أن نُسيت ها هو المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب يحييها في فيلم جديد.
في الليلة الفاصلة بين الخامس والسادس من ديسمبر 1986 ألقى رجال الفرقة الخاصة في الشرطة الفرنسية المكونة من راكبي الدراجات النارية القبض على شاب فرنسي من أصول جزائرية كان يسير في الحي اللاتيني، وذلك بالقرب من مظاهرة لطلاب الجامعة لم يكن مشاركا فيها، وكان المتظاهرون يحتجون على مشروع قانون “دوفاكيه” (نسبة إلى الوزير الذي تبناه آلان دوفاكيه)، وقد تعرض الشاب الذي يدعى مالك أوسكين بعد القبض عليه للضرب العنيف وهو في قبضة الشرطة، مما أدى إلى موته.
توفي مالك أوسكين بعد أن ضربه رجال الشرطة في شوارع الحي اللاتيني. في البداية كان يُعتقد أنه لبناني ومن حزب الكتائب لأنه كان يحمل الكتاب المقدس، لكن الشاب لم يكن لبنانيا، بل فرنسيا ومن أصل جزائري. وقد تم إخفاء جثته من قبل الحكومة حتى لا تثير المزيد من الاحتجاجات والغضب في صفوف المهاجرين العرب.
مواطنون درجة ثانية
فيلم "إخواننا" يكشف خفايا من تاريخ فرنسا العنصرية والعنف والاحتفاظ بالمعلومات وأكاذيب الدولة والإجراءات غير القانونية
المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب ينكأ جرحا تاريخيا في فرنسا، ويدوّن بالكاميرا في فيلمه “إخواننا” تاريخا اجتماعيا هاما يتعلق بحادث حقيقي وقع قبل أكثر من ثلاثة عقود، مستعينا بالمواد الأرشيفية التلفزيونية للأحداث الحقيقية لإعادة بناء قصة من أجل البحث عن الحقيقة من قبل عائلات الضحايا.
ويتطرق هذا العمل المقتبس من أحداث حقيقية إلى قصة الجزائريين مالك أوسكين وعبدال بني يحيى، اللذين قتلا بوحشية إبان تظاهرة للطلبة الفرنسيين في العاصمة الفرنسية باريس عام 1986. في البداية قتل الشاب مالك وهو في طريق عودته من إحدى السهرات الموسيقية، وليس له أي علاقة بالتظاهرات والمتظاهرين الذين أشعلوا باريس والضواحي، يأتي اغتياله بعد تعرضه للعنف والتعذيب على يد ما سمي يومها “شرطة الموتسيكل” (شرطة الدراجات النارية).
خرج الطالب الشاب مالك أوسكين من بيته كالمعتاد وسار في شوارع باريس. لم يكن يدري ما يدور حوله حين هجم عليه ثلاثة من أفراد الشرطة الفرنسية وأوسعوه ضربا حتى الموت. كان ذنبه الوحيد أنه قد مرّ في توقيت ومكان لا صلة له بهما، إذ لم يكن مشاركا في المظاهرات الضخمة التي انطلقت ضد نائب وزير التعليم العالي الفرنسي آنذاك عام 1986، لكنه دفع ثمنا باهظا وأصبح أحد أشهر رموزها. وبعد لحظات قليلة من ذلك الحادث يتعرض شاب آخر جزائري الأصل للاغتيال وهو عبدال بني يحيى، الذي قُتل برصاص شرطي في ثياب مدنية كان مخموراً في حي “بانتين”.
وخلف مقتل الشابين غضبا عارما في المجتمع الفرنسي ولدى الجالية الجزائرية والمغاربية. وكُلف ضابط الأمن دانييل ماثيو بالتحقيق ومتابعة الحادث وتفاصيله، حتى يصل إلى القاتل من رجال الشرطة ويتم الحكم عليه بالسجن سبعة أعوام. وتتواطأ الحكومة والشرطة الفرنسيتان في الحيلولة دون محاسبة رجال الشرطة الذين ارتكبوا جريمة قتل الشابين.
على الجانب الآخر تكافح عائلتا الضحيتين من أجل تحقيق العدالة، بعد أن أثار مقتل مالك حالة احتجاج واسعة ضد ما وصف “بوحشية الشرطة” الفرنسية آنذاك. وأمام ضغط الشارع أدين شرطيان بتهمة ضرب أفضى إلى الموت وسحب مشروع القانون. وأصبح مالك رمزا للكفاح ضد العنصرية ووحشية الشرطة في فرنسا. أصبحت قضية مالك أوسكين على الفور رمزا وطنيا. ولكن بالنسبة إلى أخيه وأخته (ريدا كاتب ولينا خودري) يؤدي ذلك إلى دوامة من القلق والألم والغضب والرغبة في تحقيق العدالة. وفي الوقت نفسه جثتا مالك وعبدال في المشرحة في انتظار عائلتيهما وتابوتيهما.
أثبت التحقيق بشكل مباشر تورط ضابطين من أصل ثلاثة ضباط تابعين لوحدات قمع العنف المتنقل في وفاة الشابين، وهما عميد الفرقة جان شميت (53 عامًا) والضابط كريستوف غارسيا (23 عامًا)، وتمت محاكمتهما جنائيا بتهمة “الضرب والجروح المفضية إلى الموت من دون قصد”. وخلال التحقيقات تمتع المتهمان بثلاث سنوات من الحرية السابقة لبدء المحاكمة، في حين طلب المحامي العام تطبيق عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، بما في ذلك ثلاث سنوات نافذة. في النهاية حكم على المتهمين في السابع والعشرين من يناير 1990 بأحكام تراوحت بين السجن لمدة خمس سنوات وسنتين مع وقف التنفيذ. وعلى المستوى المهني حصل أحدهم على أشد مستويات العقوبة، والتي تمثلت في إحالته على التقاعد الإلزامي، فيما أحيل الآخر على عقوبة النقل الإلزامي من مكان العمل الرسمي.
بناء على ذلك صرحت سارة أوسكين شقيقة الضحية قائلة “بعد مهزلة المحاكمة أدركت أنه في هذا البلد الذي ولدت فيه، سأكون دائما مواطنا من الدرجة الثانية”.
وصرح الفنان سمير قسمي بأنه لم يجد صعوبة في تقمّص دور والد عبدال لأنّه يشبه والده؛ ذلك الرجل الذي ولد في الثلاثينات من القرن الماضي وعاش فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر وكان شاهدا على قمع مظاهرات 1961 بباريس، كما كانت تظهر عليه بعض الهشاشة لأنّ لغته الفرنسية غير متقنة، وفي نفس الوقت هو إنسان بسيط وأمين. ويظهر في الدور الصامت والجاحد في البداية لا يصدق وسرعان ما تحجر من الحزن، إضافة إلى شخصية عثمان الموظف الأفريقي في مشرحة معهد الطب الشرعي، الذي يرافق الموتى بصلواته وأغانيه وإعطاء الأسماء لمجهولي الهوية.
الضحايا رموز وطنية
العمل يجمع بين ما هو وثائقي ودرامي وبين الخيال والأرشيف حيث الاستعانة بأرشيفات التلفزيون الفرنسي والتصريحات وغيرها
ولد مالك أوسكين في الثامن عشر من أكتوبر 1964 في فرنسا، لأب جزائري قاتل في صفوف القوات الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يعود إلى الجزائر للزواج ثم العودة إلى فرنسا للعمل في مناجم الفحم بمدينة لورين، ثم بنّاءً وسائق شاحنة، وقبل أن تلتحق به زوجته عائشة في لورين شمال شرق فرنسا عام 1953. انتقلت الأسرة بعد ذلك إلى بلدة ميدون الفرنسية، حيث نشأ الأطفال السبعة.
فقد مالك والده في عام 1978 وخلال طفولته عانى من فشل كلوي. حاول التغلب عليه عبر ممارسة العديد من الألعاب الرياضية، حيث مارس رياضة كرة السلة وفن الموسيقى. إبان وفاته كان مالك يبلغ من العمر 22 عامًا بحسب بطاقة عضويته في الجمعية الرياضية لجامعة باريس دوفين التي عثر عليها في جيبه. كما كُشف لاحقًا عن أنه كان طالبا في المدرسة العليا للمهن العقارية. وفي العاشر من ديسمبر 1986 دفن مالك في مقبرة بير لاشيز بالعاصمة الفرنسية.
لم يتم التعامل مع قضية مالك أوسكين مباشرة في السينما، باستثناء بعض الاقتباسات في فيلم “الكراهية” لماتيو كاسوفيتز عام 2010. لكن هذا العام تم تخصيص عملين له. فقد عملت شركة “ديزني بلس” التجارية الأوروبية على تحويل قصة مالك أوسكين الطالب الفرنسي – الجزائري إلى مسلسل جديد سيتم عرضه عبر منصاتها، كما تتناول قصته أحداث فيلم “إخواننا” لرشيد بوشارب الذي تم تقديمه في مهرجان كان السينمائي الخامس والسبعين.
يجمع الفيلم بين الوثائقي والدرامي، نفذه رشيد بوشارب على صعيد الكتابة بمساعدة كوثر عظيمي، حيث تمت الاستعانة بأرشيف التلفزيون الفرنسي والتصريحات الخاصة بتلك الحادثة بالذات من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ورئيس الوزراء آنذاك جاك شيراك، وممارسات الشرطة الفرنسية والاعتداءات الصريحة والواضحة، بل إن العمل يذهب بعيدا حينما يشير إلى أن تلك الفرقة -شرطة الموتسيكل- التي كانت قد أوقفت بعد تلك الحادثة تمت استعادتها واستخدمها مجدداً في أحداث “السترات الصفراء” منذ ثلاثة أعوام.
فيلم “إخواننا” يوثّق ما حصل للطالب الفرنسي من أصل جزائري قبل أكثر من 36 عاماً، جريمة عنف فرنسية تسببت في وفاة المراهق الفرنسي مالك أوسكين على يد وحدات القمع التابعة للشرطة الفرنسية سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام في باريس، خلال مظاهرات للطلاب دامت عدة أسابيع احتجاجا على مشروع قانون دوفاكيه. في صباح اليوم التالي لوفاته تم استقبال الطلاب المنتفضين في وزارة الداخلية، بعد أن قدم الوزير المنتدب آلان دوفاكيه استقالته، ومن ثم سحب مشروعه.
لم يُحاكم ضابطا الشرطة اللذان اعتديا على مالك أوسكين بالضرب المبرح المفضي إلى القتل بأي عقوبة بالحبس، حيث تم الاكتفاء بعقوبات مهنية، في حين حكم على ضابط الشرطة وقاتل الشاب الآخر عبدال بالسجن لمدة سبع سنوات وخرج بعد أن أمضى أربع سنوات.
قام الممثل سمير قوسمي بدور إبراهيم والد الضحية الثانية عبدال، وهو ميكانيكي مسالم تماما، ورغم هدوئه الكبير فإنه يثور لخبر مقتل ابنه، ويقرر البحث عن الحقيقة مع ابنه الأصغر. من خلال تداعيات الأحداث نعرف أن الشرطة عثرت مع الشاب على نسخة من الإنجيل، لذلك ساد الاعتقاد في البداية بأنه لبناني ينتمي إلى حزب الكتائب، وأُعلن هذا في الراديو، لكن يتضح بعد ذلك رغم محاولات الشرطة التغطية على الأمر وإخفاء الجثة أنه جزائري الأصل، وأنه كان يرغب في التحول واعتناق المسيحية دون علم أسرته، والسبب أنه كان يرغب في تحقيق الاندماج في المجتمع الفرنسي، أي أن يتخلى عن هويته الإسلامية التي تجلب له المشاكل حسب اعتقاده وأن يصبح فرنسيا كاثوليكيا مثل الغالبية، وتشير هذه الحقيقة إلى حجم الضغوط النفسية الشديدة التي يتعرض لها الشباب من أصول مسلمة داخل المجتمع الفرنسي.
الفيلم يتناول مسألة العنصرية والتمييز في فرنسا ضد أبناء المهاجرين المنحدرين من أصول جزائرية ومغاربية. ويدين عنصرية الشرطة الفرنسية ضد الجزائريين، ويعد الفيلم والمسلسل حدثين كبيرين للفرنسيين وتحديدا للمهاجرين من أصول عربية، لأن مالك أوسكين رمز من رموز الكفاح ضد العنصرية وعنف الشرطة في البلد. يكفي أن نعرف مثلا أن عائلة مالك وذكراه كانتا حاضرتين بقوة في التجمع الذي انطلق في ساحة الجمهورية بباريس في أعقاب الموجة العالمية ضد العنصرية قبل عامين في 2020 بعد مقتل الشاب الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد. وحينها كررت عائلته المطالبة بتحقيق العدالة له وباعتذار من الشرطة الفرنسية. ويبرز الفيلم كيف أن السلطات الفرنسية عملت على تقزيم مقتل الشابين وعدم إدانة السلوك الهمجي للشرطة لولا التحرك الكبير للجمعيات ومحاميّ الضحيتين الذي اضطرها إلى التدخل من أجل تهدئة الوضع إضافة إلى إلغائها لمقترح قانون الإصلاح الجامعي، وعلى الرغم من إدانة شرطيين في هذه القضية إلا أن عقوبتهما “لم تكن عادلة”، حسب ما جاء في العمل.
إيقاظ ذاكرتنا النائمة
شرطة الدراجات تعود بعد 36 عاما
فيلم بوشارب “يجمع بين الخيال والأرشيف، كما يسلط الضوء على الخطاب السياسي الفرنسي لذلك الوقت”، وهو ثالث عمل روائي طويل له يتناول موضوع العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد “الأنديجان” (2006) و”خارجون عن القانون” 2010، فقبل مشاركته هذا العام التي مثل بها فرنسا، كان قد شارك عام 2010 في المسابقة الرسمية في مهرجان كان بفيلم باسم الجزائر بعنوان “خارجون عن القانون”، الذي تدور أحداثه بين عامي 1945 و1962، ويتناول فترة حساسة من تاريخ استقلال الجزائر، ويعرض فيه مجزرة سطيف التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرة عام 1945. الفيلم أثار جدلا واسعا آنذاك في دورة مهرجان كان عام 2010، ونظمت الأحزاب اليمينية الفرنسية مظاهرة ضخمة أمام مقر المهرجان، مطالبة بوقف عرضه متهمة إياه بتحريف التاريخ.
كتب سيناريو هذا الفيلم كل من المخرج والروائية الفرنسية الجزائرية كوثر عظيمي، وهو من بطولة رضا كاتب (محمد) ولينا خودري (سارة) في دور أخت مالك، وسمير قاسمي في دور والد عبدال، ورافاييل بيرسوماز في دور مفتش الشرطة دانيال ماتي، وآدم عمارة في دور مالك أوسكين، وفنانين آخرين.
واعتمد بوشارب في عمله على تكثيف الأرشيف من خلال استعمال أشرطة قديمة توثق لتلك الجريمة عبرت بعضها عن تدخلات كبار السياسيين الفرنسيين آنذاك على غرار الرئيس فرانسوا ميتران والوزير الأول جاك شيراك، والمظاهرات التي اجتاحت باريس تنديدا بهاتين الجريمتين وتخليدا لذكراهما في ظل تصاعد الغضب لدى أفراد الجالية الجزائرية والمغاربية في فرنسا.
تحدث المخرج رشيد بوشارب عن فيلمه “إخواننا”، الذي عرض في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما، قائلا إنه “أعاد قضية الطالب مالك أوسكين الذي كان ضحية عنف الشرطة الفرنسية إلى الواجهة، بحيث لم تأخذ هذه القضية، قبل هذا الفيلم، الحيز الذي تستحقه في الإعلام الفرنسي”.
عنف الشرطة في الفيلم يؤكد استمراريته عبر الإشارة إلى أن ألوية الدراجات النارية التي تم تفكيكها عادت من جديد
ورد بوشارب خلال ندوة صحفية رفقة أبطال الفيلم على الرسالة التي وجهها أحد أفراد عائلة عبدال بن يحيى إلى المخرج كونه لم يعط لعبدال مساحة كافية ولم يسلط الضوء على نضال العائلة في سبيل الحصول على حق ابنها الذي قتلته الشرطة الفرنسية، قائلا إن الخيارات التي اتخذها في سيناريو العمل رفقة الكاتبة كوثر عظيمي انتهت إلى التركيز فقط على الأيام الثلاثة للأحداث وكيف عاشت عائلة الضحية الانتظار لمعرفة مصير ابنها، مؤكدا أن القضية التي استغرقت أربع سنوات تستحق أكثر من فيلم ويمكن معالجتها من زوايا نظر متعددة.
وذكر المخرج أنه استقبل أحد أفراد عائلة مالك أوسكين، الذي روى له جزءا من الأحداث، كما تحدث عبر الهاتف أيضا إلى أحد أفراد عائلة الضحية. وبخصوص النقد الذي تعرض له بسبب اعتماده موسيقى وردة الجزائرية في الفيلم ولم يكن موفقا في الاختيار، رد قائلاً “إن اعتماد موسيقى وردة الجزائرية في الفيلم لم يكن مقصودا، لكنه جاء هكذا بحكم أنه وأفراد عائلته كان متعودا على سماع موسيقى وردة الجزائرية، حتى لو كان لا يفهم كل النص”.
أما بالنسبة إلى عنف الشرطة في الفيلم فيؤكد استمراريته من خلال الإشارة إلى أن ألوية الدراجات النارية التي تم تفكيكها بعد قضية أوسكين تمت إعادتها لمحاربة تظاهرات السترات الصفراء.
في الختام يعود رشيد بوشارب إلى الفيلم السياسي وإلى التاريخ الفرنسي عبر فيلمه الجديد “إخواننا”، ليذكرنا بعنف الشرطة العنصري في الثمانينات الذي تغذى على الخطاب السياسي اليميني الذي يضفي الشرعية على هذا العنف باسم الدولة. ويرسم العمل الحقائق من خلال غضب عائلات الضحايا، غضب شقيق مالك محمد أوسكين (رضا كاتب) وأخته (لينا شدي) إلى سجود والد عبدال (سمير قوسمي)، هذا التجسد يوفر إمكانية ترسيخ الفيلم في الذاكرة وإعطائه قيمة أخلاقية وسياسية، خاصة وأن ما حدث فيه مازالت له صلة بالوقت الحاضر، كما أن هذا التجسيد هو الذي يرتكز عليه الفيلم في الذاكرة بدلا من التجريد.
فيلم “إخواننا” إذن صفحة من تاريخ فرنسا العنصرية والعنف والاحتفاظ بالمعلومات وأكاذيب الدولة والإجراءات غير القانونية وغيرها من التجاوزات العنصرية. الشاب مالك أوسكين لن يكون الضحية الوحيدة لخطأ الشرطة، لكنه سيصبح بالفعل رمزا وسيبقى اسمه إلى الأبد صدى شهيد عنف الشرطة. الفيلم محاولة من المخرج رشيد بوشارب لإيقاظ ذاكرتنا النائمة قليلا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علاء حسن
كاتب عراقي
المخرج الفرنسي رشيد بوشارب يوقظ الذاكرة بإحياء قضية ضحايا الشرطة المنسيين.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
المهاجرون مواطنون درجة ثانية
في عام 1986 أطلقت حكومة فرانسوا ميتران التي يديرها جاك شيراك مشروع إصلاح التعليم الذي أطلق عليه اسم “ديفاكيت”، وقد سمي باسم الوزير المندوب المسؤول عن التعليم العالي. آنذاك اجتاحت باريس مظاهرات طلابية عارمة ضد المشروع. وقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية في نفس الليلة على يد أحد ضباط الشرطة، وقتل شاب آخر، ليتحول الأمر إلى جريمة هزت الرأي العام الفرنسي، ولكن بعد أن نُسيت ها هو المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب يحييها في فيلم جديد.
في الليلة الفاصلة بين الخامس والسادس من ديسمبر 1986 ألقى رجال الفرقة الخاصة في الشرطة الفرنسية المكونة من راكبي الدراجات النارية القبض على شاب فرنسي من أصول جزائرية كان يسير في الحي اللاتيني، وذلك بالقرب من مظاهرة لطلاب الجامعة لم يكن مشاركا فيها، وكان المتظاهرون يحتجون على مشروع قانون “دوفاكيه” (نسبة إلى الوزير الذي تبناه آلان دوفاكيه)، وقد تعرض الشاب الذي يدعى مالك أوسكين بعد القبض عليه للضرب العنيف وهو في قبضة الشرطة، مما أدى إلى موته.
توفي مالك أوسكين بعد أن ضربه رجال الشرطة في شوارع الحي اللاتيني. في البداية كان يُعتقد أنه لبناني ومن حزب الكتائب لأنه كان يحمل الكتاب المقدس، لكن الشاب لم يكن لبنانيا، بل فرنسيا ومن أصل جزائري. وقد تم إخفاء جثته من قبل الحكومة حتى لا تثير المزيد من الاحتجاجات والغضب في صفوف المهاجرين العرب.
مواطنون درجة ثانية
فيلم "إخواننا" يكشف خفايا من تاريخ فرنسا العنصرية والعنف والاحتفاظ بالمعلومات وأكاذيب الدولة والإجراءات غير القانونية
المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب ينكأ جرحا تاريخيا في فرنسا، ويدوّن بالكاميرا في فيلمه “إخواننا” تاريخا اجتماعيا هاما يتعلق بحادث حقيقي وقع قبل أكثر من ثلاثة عقود، مستعينا بالمواد الأرشيفية التلفزيونية للأحداث الحقيقية لإعادة بناء قصة من أجل البحث عن الحقيقة من قبل عائلات الضحايا.
ويتطرق هذا العمل المقتبس من أحداث حقيقية إلى قصة الجزائريين مالك أوسكين وعبدال بني يحيى، اللذين قتلا بوحشية إبان تظاهرة للطلبة الفرنسيين في العاصمة الفرنسية باريس عام 1986. في البداية قتل الشاب مالك وهو في طريق عودته من إحدى السهرات الموسيقية، وليس له أي علاقة بالتظاهرات والمتظاهرين الذين أشعلوا باريس والضواحي، يأتي اغتياله بعد تعرضه للعنف والتعذيب على يد ما سمي يومها “شرطة الموتسيكل” (شرطة الدراجات النارية).
خرج الطالب الشاب مالك أوسكين من بيته كالمعتاد وسار في شوارع باريس. لم يكن يدري ما يدور حوله حين هجم عليه ثلاثة من أفراد الشرطة الفرنسية وأوسعوه ضربا حتى الموت. كان ذنبه الوحيد أنه قد مرّ في توقيت ومكان لا صلة له بهما، إذ لم يكن مشاركا في المظاهرات الضخمة التي انطلقت ضد نائب وزير التعليم العالي الفرنسي آنذاك عام 1986، لكنه دفع ثمنا باهظا وأصبح أحد أشهر رموزها. وبعد لحظات قليلة من ذلك الحادث يتعرض شاب آخر جزائري الأصل للاغتيال وهو عبدال بني يحيى، الذي قُتل برصاص شرطي في ثياب مدنية كان مخموراً في حي “بانتين”.
وخلف مقتل الشابين غضبا عارما في المجتمع الفرنسي ولدى الجالية الجزائرية والمغاربية. وكُلف ضابط الأمن دانييل ماثيو بالتحقيق ومتابعة الحادث وتفاصيله، حتى يصل إلى القاتل من رجال الشرطة ويتم الحكم عليه بالسجن سبعة أعوام. وتتواطأ الحكومة والشرطة الفرنسيتان في الحيلولة دون محاسبة رجال الشرطة الذين ارتكبوا جريمة قتل الشابين.
على الجانب الآخر تكافح عائلتا الضحيتين من أجل تحقيق العدالة، بعد أن أثار مقتل مالك حالة احتجاج واسعة ضد ما وصف “بوحشية الشرطة” الفرنسية آنذاك. وأمام ضغط الشارع أدين شرطيان بتهمة ضرب أفضى إلى الموت وسحب مشروع القانون. وأصبح مالك رمزا للكفاح ضد العنصرية ووحشية الشرطة في فرنسا. أصبحت قضية مالك أوسكين على الفور رمزا وطنيا. ولكن بالنسبة إلى أخيه وأخته (ريدا كاتب ولينا خودري) يؤدي ذلك إلى دوامة من القلق والألم والغضب والرغبة في تحقيق العدالة. وفي الوقت نفسه جثتا مالك وعبدال في المشرحة في انتظار عائلتيهما وتابوتيهما.
أثبت التحقيق بشكل مباشر تورط ضابطين من أصل ثلاثة ضباط تابعين لوحدات قمع العنف المتنقل في وفاة الشابين، وهما عميد الفرقة جان شميت (53 عامًا) والضابط كريستوف غارسيا (23 عامًا)، وتمت محاكمتهما جنائيا بتهمة “الضرب والجروح المفضية إلى الموت من دون قصد”. وخلال التحقيقات تمتع المتهمان بثلاث سنوات من الحرية السابقة لبدء المحاكمة، في حين طلب المحامي العام تطبيق عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، بما في ذلك ثلاث سنوات نافذة. في النهاية حكم على المتهمين في السابع والعشرين من يناير 1990 بأحكام تراوحت بين السجن لمدة خمس سنوات وسنتين مع وقف التنفيذ. وعلى المستوى المهني حصل أحدهم على أشد مستويات العقوبة، والتي تمثلت في إحالته على التقاعد الإلزامي، فيما أحيل الآخر على عقوبة النقل الإلزامي من مكان العمل الرسمي.
بناء على ذلك صرحت سارة أوسكين شقيقة الضحية قائلة “بعد مهزلة المحاكمة أدركت أنه في هذا البلد الذي ولدت فيه، سأكون دائما مواطنا من الدرجة الثانية”.
وصرح الفنان سمير قسمي بأنه لم يجد صعوبة في تقمّص دور والد عبدال لأنّه يشبه والده؛ ذلك الرجل الذي ولد في الثلاثينات من القرن الماضي وعاش فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر وكان شاهدا على قمع مظاهرات 1961 بباريس، كما كانت تظهر عليه بعض الهشاشة لأنّ لغته الفرنسية غير متقنة، وفي نفس الوقت هو إنسان بسيط وأمين. ويظهر في الدور الصامت والجاحد في البداية لا يصدق وسرعان ما تحجر من الحزن، إضافة إلى شخصية عثمان الموظف الأفريقي في مشرحة معهد الطب الشرعي، الذي يرافق الموتى بصلواته وأغانيه وإعطاء الأسماء لمجهولي الهوية.
الضحايا رموز وطنية
العمل يجمع بين ما هو وثائقي ودرامي وبين الخيال والأرشيف حيث الاستعانة بأرشيفات التلفزيون الفرنسي والتصريحات وغيرها
ولد مالك أوسكين في الثامن عشر من أكتوبر 1964 في فرنسا، لأب جزائري قاتل في صفوف القوات الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يعود إلى الجزائر للزواج ثم العودة إلى فرنسا للعمل في مناجم الفحم بمدينة لورين، ثم بنّاءً وسائق شاحنة، وقبل أن تلتحق به زوجته عائشة في لورين شمال شرق فرنسا عام 1953. انتقلت الأسرة بعد ذلك إلى بلدة ميدون الفرنسية، حيث نشأ الأطفال السبعة.
فقد مالك والده في عام 1978 وخلال طفولته عانى من فشل كلوي. حاول التغلب عليه عبر ممارسة العديد من الألعاب الرياضية، حيث مارس رياضة كرة السلة وفن الموسيقى. إبان وفاته كان مالك يبلغ من العمر 22 عامًا بحسب بطاقة عضويته في الجمعية الرياضية لجامعة باريس دوفين التي عثر عليها في جيبه. كما كُشف لاحقًا عن أنه كان طالبا في المدرسة العليا للمهن العقارية. وفي العاشر من ديسمبر 1986 دفن مالك في مقبرة بير لاشيز بالعاصمة الفرنسية.
لم يتم التعامل مع قضية مالك أوسكين مباشرة في السينما، باستثناء بعض الاقتباسات في فيلم “الكراهية” لماتيو كاسوفيتز عام 2010. لكن هذا العام تم تخصيص عملين له. فقد عملت شركة “ديزني بلس” التجارية الأوروبية على تحويل قصة مالك أوسكين الطالب الفرنسي – الجزائري إلى مسلسل جديد سيتم عرضه عبر منصاتها، كما تتناول قصته أحداث فيلم “إخواننا” لرشيد بوشارب الذي تم تقديمه في مهرجان كان السينمائي الخامس والسبعين.
يجمع الفيلم بين الوثائقي والدرامي، نفذه رشيد بوشارب على صعيد الكتابة بمساعدة كوثر عظيمي، حيث تمت الاستعانة بأرشيف التلفزيون الفرنسي والتصريحات الخاصة بتلك الحادثة بالذات من قبل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ورئيس الوزراء آنذاك جاك شيراك، وممارسات الشرطة الفرنسية والاعتداءات الصريحة والواضحة، بل إن العمل يذهب بعيدا حينما يشير إلى أن تلك الفرقة -شرطة الموتسيكل- التي كانت قد أوقفت بعد تلك الحادثة تمت استعادتها واستخدمها مجدداً في أحداث “السترات الصفراء” منذ ثلاثة أعوام.
فيلم “إخواننا” يوثّق ما حصل للطالب الفرنسي من أصل جزائري قبل أكثر من 36 عاماً، جريمة عنف فرنسية تسببت في وفاة المراهق الفرنسي مالك أوسكين على يد وحدات القمع التابعة للشرطة الفرنسية سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام في باريس، خلال مظاهرات للطلاب دامت عدة أسابيع احتجاجا على مشروع قانون دوفاكيه. في صباح اليوم التالي لوفاته تم استقبال الطلاب المنتفضين في وزارة الداخلية، بعد أن قدم الوزير المنتدب آلان دوفاكيه استقالته، ومن ثم سحب مشروعه.
لم يُحاكم ضابطا الشرطة اللذان اعتديا على مالك أوسكين بالضرب المبرح المفضي إلى القتل بأي عقوبة بالحبس، حيث تم الاكتفاء بعقوبات مهنية، في حين حكم على ضابط الشرطة وقاتل الشاب الآخر عبدال بالسجن لمدة سبع سنوات وخرج بعد أن أمضى أربع سنوات.
قام الممثل سمير قوسمي بدور إبراهيم والد الضحية الثانية عبدال، وهو ميكانيكي مسالم تماما، ورغم هدوئه الكبير فإنه يثور لخبر مقتل ابنه، ويقرر البحث عن الحقيقة مع ابنه الأصغر. من خلال تداعيات الأحداث نعرف أن الشرطة عثرت مع الشاب على نسخة من الإنجيل، لذلك ساد الاعتقاد في البداية بأنه لبناني ينتمي إلى حزب الكتائب، وأُعلن هذا في الراديو، لكن يتضح بعد ذلك رغم محاولات الشرطة التغطية على الأمر وإخفاء الجثة أنه جزائري الأصل، وأنه كان يرغب في التحول واعتناق المسيحية دون علم أسرته، والسبب أنه كان يرغب في تحقيق الاندماج في المجتمع الفرنسي، أي أن يتخلى عن هويته الإسلامية التي تجلب له المشاكل حسب اعتقاده وأن يصبح فرنسيا كاثوليكيا مثل الغالبية، وتشير هذه الحقيقة إلى حجم الضغوط النفسية الشديدة التي يتعرض لها الشباب من أصول مسلمة داخل المجتمع الفرنسي.
الفيلم يتناول مسألة العنصرية والتمييز في فرنسا ضد أبناء المهاجرين المنحدرين من أصول جزائرية ومغاربية. ويدين عنصرية الشرطة الفرنسية ضد الجزائريين، ويعد الفيلم والمسلسل حدثين كبيرين للفرنسيين وتحديدا للمهاجرين من أصول عربية، لأن مالك أوسكين رمز من رموز الكفاح ضد العنصرية وعنف الشرطة في البلد. يكفي أن نعرف مثلا أن عائلة مالك وذكراه كانتا حاضرتين بقوة في التجمع الذي انطلق في ساحة الجمهورية بباريس في أعقاب الموجة العالمية ضد العنصرية قبل عامين في 2020 بعد مقتل الشاب الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد. وحينها كررت عائلته المطالبة بتحقيق العدالة له وباعتذار من الشرطة الفرنسية. ويبرز الفيلم كيف أن السلطات الفرنسية عملت على تقزيم مقتل الشابين وعدم إدانة السلوك الهمجي للشرطة لولا التحرك الكبير للجمعيات ومحاميّ الضحيتين الذي اضطرها إلى التدخل من أجل تهدئة الوضع إضافة إلى إلغائها لمقترح قانون الإصلاح الجامعي، وعلى الرغم من إدانة شرطيين في هذه القضية إلا أن عقوبتهما “لم تكن عادلة”، حسب ما جاء في العمل.
إيقاظ ذاكرتنا النائمة
شرطة الدراجات تعود بعد 36 عاما
فيلم بوشارب “يجمع بين الخيال والأرشيف، كما يسلط الضوء على الخطاب السياسي الفرنسي لذلك الوقت”، وهو ثالث عمل روائي طويل له يتناول موضوع العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد “الأنديجان” (2006) و”خارجون عن القانون” 2010، فقبل مشاركته هذا العام التي مثل بها فرنسا، كان قد شارك عام 2010 في المسابقة الرسمية في مهرجان كان بفيلم باسم الجزائر بعنوان “خارجون عن القانون”، الذي تدور أحداثه بين عامي 1945 و1962، ويتناول فترة حساسة من تاريخ استقلال الجزائر، ويعرض فيه مجزرة سطيف التي ارتكبتها فرنسا بحق الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرة عام 1945. الفيلم أثار جدلا واسعا آنذاك في دورة مهرجان كان عام 2010، ونظمت الأحزاب اليمينية الفرنسية مظاهرة ضخمة أمام مقر المهرجان، مطالبة بوقف عرضه متهمة إياه بتحريف التاريخ.
كتب سيناريو هذا الفيلم كل من المخرج والروائية الفرنسية الجزائرية كوثر عظيمي، وهو من بطولة رضا كاتب (محمد) ولينا خودري (سارة) في دور أخت مالك، وسمير قاسمي في دور والد عبدال، ورافاييل بيرسوماز في دور مفتش الشرطة دانيال ماتي، وآدم عمارة في دور مالك أوسكين، وفنانين آخرين.
واعتمد بوشارب في عمله على تكثيف الأرشيف من خلال استعمال أشرطة قديمة توثق لتلك الجريمة عبرت بعضها عن تدخلات كبار السياسيين الفرنسيين آنذاك على غرار الرئيس فرانسوا ميتران والوزير الأول جاك شيراك، والمظاهرات التي اجتاحت باريس تنديدا بهاتين الجريمتين وتخليدا لذكراهما في ظل تصاعد الغضب لدى أفراد الجالية الجزائرية والمغاربية في فرنسا.
تحدث المخرج رشيد بوشارب عن فيلمه “إخواننا”، الذي عرض في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما، قائلا إنه “أعاد قضية الطالب مالك أوسكين الذي كان ضحية عنف الشرطة الفرنسية إلى الواجهة، بحيث لم تأخذ هذه القضية، قبل هذا الفيلم، الحيز الذي تستحقه في الإعلام الفرنسي”.
عنف الشرطة في الفيلم يؤكد استمراريته عبر الإشارة إلى أن ألوية الدراجات النارية التي تم تفكيكها عادت من جديد
ورد بوشارب خلال ندوة صحفية رفقة أبطال الفيلم على الرسالة التي وجهها أحد أفراد عائلة عبدال بن يحيى إلى المخرج كونه لم يعط لعبدال مساحة كافية ولم يسلط الضوء على نضال العائلة في سبيل الحصول على حق ابنها الذي قتلته الشرطة الفرنسية، قائلا إن الخيارات التي اتخذها في سيناريو العمل رفقة الكاتبة كوثر عظيمي انتهت إلى التركيز فقط على الأيام الثلاثة للأحداث وكيف عاشت عائلة الضحية الانتظار لمعرفة مصير ابنها، مؤكدا أن القضية التي استغرقت أربع سنوات تستحق أكثر من فيلم ويمكن معالجتها من زوايا نظر متعددة.
وذكر المخرج أنه استقبل أحد أفراد عائلة مالك أوسكين، الذي روى له جزءا من الأحداث، كما تحدث عبر الهاتف أيضا إلى أحد أفراد عائلة الضحية. وبخصوص النقد الذي تعرض له بسبب اعتماده موسيقى وردة الجزائرية في الفيلم ولم يكن موفقا في الاختيار، رد قائلاً “إن اعتماد موسيقى وردة الجزائرية في الفيلم لم يكن مقصودا، لكنه جاء هكذا بحكم أنه وأفراد عائلته كان متعودا على سماع موسيقى وردة الجزائرية، حتى لو كان لا يفهم كل النص”.
أما بالنسبة إلى عنف الشرطة في الفيلم فيؤكد استمراريته من خلال الإشارة إلى أن ألوية الدراجات النارية التي تم تفكيكها بعد قضية أوسكين تمت إعادتها لمحاربة تظاهرات السترات الصفراء.
في الختام يعود رشيد بوشارب إلى الفيلم السياسي وإلى التاريخ الفرنسي عبر فيلمه الجديد “إخواننا”، ليذكرنا بعنف الشرطة العنصري في الثمانينات الذي تغذى على الخطاب السياسي اليميني الذي يضفي الشرعية على هذا العنف باسم الدولة. ويرسم العمل الحقائق من خلال غضب عائلات الضحايا، غضب شقيق مالك محمد أوسكين (رضا كاتب) وأخته (لينا شدي) إلى سجود والد عبدال (سمير قوسمي)، هذا التجسد يوفر إمكانية ترسيخ الفيلم في الذاكرة وإعطائه قيمة أخلاقية وسياسية، خاصة وأن ما حدث فيه مازالت له صلة بالوقت الحاضر، كما أن هذا التجسيد هو الذي يرتكز عليه الفيلم في الذاكرة بدلا من التجريد.
فيلم “إخواننا” إذن صفحة من تاريخ فرنسا العنصرية والعنف والاحتفاظ بالمعلومات وأكاذيب الدولة والإجراءات غير القانونية وغيرها من التجاوزات العنصرية. الشاب مالك أوسكين لن يكون الضحية الوحيدة لخطأ الشرطة، لكنه سيصبح بالفعل رمزا وسيبقى اسمه إلى الأبد صدى شهيد عنف الشرطة. الفيلم محاولة من المخرج رشيد بوشارب لإيقاظ ذاكرتنا النائمة قليلا.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علاء حسن
كاتب عراقي