حمام خيري".. ومسيرة الالتزام الحلبي الأصيل
مطرب من رائحة العمالقة، صنع نفسه بنفسه. بناها ووضع حجارتها كما يضع البناء حجراً فوق حجر، نسج من خلال أيامه أعظم النجاحات التي كانت نتيجة طبيعية لكفاحه المستمر، تربع على عرش الطرب في "حلب" وأخذه عن أفضل المعلمين فيه.
إنه الفنان "حمام خيري" الذي يعود أصله إلى مدينة "تادف" الواقعة شرقي "حلب"، لكنه من مواليد "حلب" عام 1966، تشرب الموروث الغنائي وأجاد فيه ثم انطلق ليشق طريقه الخاص النابع من التراث والمتوافق مع الحداثة، ولدى استضافته لموقع eSyria، حدثنا عن بداياته قائلاً: «كنت أغني في القرية مع عائلتي وأصدقائي، وذات يوم قرر أحد أصدقائي السفر وطلب مني أن أسجل له أغنية بصوتي على شريط كاسيت ليأخذه معه كتذكار، أعجبتني الفكرة وسجلت أغنية وطلبت منه أن ينسخ لي الشريط كي أحتفظ به، وكان ذلك عام 1981، كنت حينذاك في الصف الثاني الإعدادي. ولحسن الحظ عندما ذهب صديقي إلى حلب كي ينسخ لي الشريط أُعجب صاحب المحل بصوتي وسأل صديقي: "من هذا المطرب؟" أجابه هذا ليس مطرباً. إنه زميلي وجاري في القرية، وطلب منه أن يجمعه بي على الفور. كان يُدعى "محمد ديب سكر" (صاحب تسجيلات القاهرة) وبعد أسبوع التقيت به، كان قد استدعى عازف عود اسمه "فتحي غنام" وعازف إيقاع معروف اسمه "عبد الله حكواتي"، سجلت صوتي مع العرف على العود والرق والطبلة لمدة ساعة كاملة، كانت تلك تجربتي الأولى في الغناء مع الموسيقا. وأنا إلى الآن أحتفظ بهذه النسخة التي تم تسجيلها دون بروفات أو أي تحضير مسبق».
وتابع حديثه قائلا: «في بادئ الأمر كانت هواياتي بعيدة عن الفن، حيث كنت أحب الرياضة وأمارسها، أما موضوع احتراف الفن فقد كان بعيداً عني فأنا من عائلة محافظة وملتزمة، حتى أن والدي عندما سمع التسجيل عارض كثيراً معتبراً الفكرة مخالفة للعادات والتقاليد السائدة في العائلة، فكانت هذه العقبة الأولى التي اعترضت طريقي، أقنعت والدي بأنها تسلية لا غير، وقامت جدتي وخالي بتشجيعي، ونصحني خالي بدراسة الموسيقا بشكل أكاديمي، وقمت بحيلة على والدي لآخذ منه نقوداً لكي أنتسب إلى معهد "ماجد العمري" لتعليم الموسيقا في "حلب". الذي كان يستلم إدارته الأستاذ "نديم درويش" رحمه الله، حيث تلقيت بعض الدروس، ونظراً لصعوبة إقامتي في الريف لم أستمر في دراسة المعهد، وبعد عام تقريباً انتقلت إلى مدينة "حلب" التي هي مقر إقامتي لغاية اليوم، وكنت في الصف التاسع حيث التقيت مع أبناء عمي وعملت معهم في محل تسجيلات وتعلمت التسجيل وبيع أشرطة الكاسيت، وعند انتهاء عملي في المحل كنت أذهب لتسجيل وتركيب أجهزة الصوت لحفلات بعض المطربين الشعبين مثل "أبو حسن الحريتاني"، "أديب الدايخ"، "مصطفى قضيماتي"، "سمير جركس" و"رضوان سرميني" كان ذلك في عامي /1982-1983/». وخلال هذه الفترة تعرف "خيري" على موسيقيين كثر ومن بينهم عازف البزق الأستاذ "مصطفى بدرية" الذي كان خبيراً وعتيقاً في الموسيقا، وقدم له العون ولفت انتباهه إلى تعلم المقامات، وأعطاه الكثير من التسجيلات للفنانين القدامى "محمد النصار" ووالده "أبو كامل النصار" و"أسعد سالم" فأخذها وسمعها بالإضافة إلى كتاب المعهد الذي أكمله بمفرده وكان وقتها يعمل على تعلم الموشحات: «بالتزامن مع ذلك عملت عازفاً للإيقاع، والتقيت بأول أستاذ لي وهو "عبد الله حكواتي" وعلمني الكثير من الأغاني. استمريت على عزف الإيقاع لمدة عامين، ودُعيت إلى حفل زفاف أحد الأقارب في "تادف" وكان مطرب الحفل "رضوان سرميني" رحمه الله وأثناء الحفلة وبينما كنت أعزف على الإيقاع طلب مني أصدقائي أن أغني موالاً، وتفاجأ الأستاذ "رضوان" بصوتي كثيراً وقال لي: "إنك تملك صوتاً جميلاً، وحري بك الانصراف إلى الغناء بدلاً من العزف على الإيقاع"، كانت تلك الشهادة فيما بعد شرارة البداية لطريقي. كنت أُقدِم المطربين في حفلات الأعراس الشعبية، وأعمل على تركيب أجهزة الصوت فيها، واستفدت كثيرا من الموسيقيين الذين التقيتهم أثناء الحفلات، إلى أن جاء الوقت وتعرفت على عازف "عود" وهو الأستاذ "جمال شحام" رحمه الله، الذي لاحظ اهتمامي بالموسيقا أثناء زيارتي لمنزله، وعلمني عزف العود من خلال بعض الدروس، وفي عام /1985/ أخذني إلى المكتبة الوطنية وقال لي أني سأجد فيها ضالتي، وبحكم إقامتي في حي "المشارقة" أي بالقرب من المكتبة بقيت لمدة ثلاثة أعوام أتردد إلى المكتبة وأنهل من علومها، وفي عام 1986، وقبل ذهابي لخدمة العلم انتسبت إلى نادي شباب العروبة. قمت بتأدية خدمة العلم في مدينة "حمص"، وهناك أيضاً التحقت بنادي الخيام، وتعرف على موسيقيين كثر ومارست هوايتي في الغناء وشاركت في العديد من المسرحيات والحفلات في مدينة "حمص" وبعد ذلك رجعت إلى "حلب" وتابعت في نادي شباب العروبة».
حمام خيري
وفي عام /1991/ التقى "حمام خيري" بالأستاذ "أنطوان مبيض" الذي فجر طاقاته الكامنة وغير حياته تغييراً جذرياً، يقول: «كان الأستاذ "مبيض" مقتنعاً بصوتي حيث كتب لي أغنية "أبو إبراهيم يا خيو" وقام بتلحينها الأستاذ "خالد ترمانيني" ومن هنا بدأت حياتي الفنية، فعملنا بعدها الكثير من الأغاني مثل "هي يالله ويالله"،"علو الكاس" وأصبحت معروفاً في مدينة "حلب" وخارجها من خلال الحفلات التي أقمتها».
بدأ موسم قطف الثمار، الذي عمل المطرب "حمام خيري" على أن يكو ن موسماً خيراً ووفيراً ففي عامي /1992-1993/ سافر مع فرقة "شيوخ الطرب" إلى تونس، وانفتحت الآفاق أمامه، وغنى على مسرح "قرطاج" أغنية "إبعتلي جواب" وقصيدة للشاعر نزار قباني "يا تونس الخضراء" وكان "حمام" يقدم وصلة بين فقرتي "الشيوخ" و"أديب الدايخ": «في عام 1995 وبناء على طلب القائمين على مهرجان "قرطاج" اصطحبت فرقتي معي إلى تونس مرة أخرى وبمشاركة الأستاذين "محمد قصاص" و"صالح بكداش" حيث قمنا بجولة في كل الولايات التونسية وأحيينا هناك عشر حفلات، طبعاً كان الأستاذ "أنطوان مبيض" معي خطوة بخطوة. وفي عام 1997 قدمت أغاني بمفردي فكانت هي تجربتي الأولى في انطلاقتي كمطرب على مسرح مهم كمسرح قرطاج، غنيت موشح "ارأف بحالي" والكثير من الأغاني، وفي عام 2000 بدأت باكورة أعمالي في عدة أغانٍ منها "حبينا"، "ببصملك عالعمياني"، "على صدرك"، "يا حبيب قلبي يا مالكني" وكانت الحفلة منقولة على الهواء وتم تسجيلها، وفي اليوم التالي كانت منتشرة في الأسواق ولاقت رواجاً كبيراً، فأحبها الناس ورددوها».
في الاستوديو الخاص به
وأيضاً شارك "خيري" بمهرجان في مدينة "أورفة" في تركيا وحضر عدة مهرجانات فيها. في عام/ 2002/ وأقام حفلة في دار الأوبرا في "مصر" وأخرى بقصر المؤتمرات في "الإسكندرية".
كان كاتب كلمات جميع أغنياته الأستاذ "أنطوان مبيض" نذكر منها: أبو ابراهيم، يا الله ويا الله، علوا الكاس، ارأف بحالي، ببصملك عالعمياني، حبينا وعشقنا، حبيب قلبي يامالكني، يا عمار العمارة، من حقك ترضى، وموشحي "فاتني والجوى" و"ماس الجميل".
في إحدى حفلاته
في عام /2001/ وبعد إصدار قانون حماية الملكية أنشأ "حمام خيري" "استوديو" لتسجيل أغنياته وبدأ يعمل على خط تطوير القدود الحلبية والأغاني الشعبية السورية: «أردت أن أكرس صوتي لوطني وألقي الضوء على الغناء السوري من أجل أن يكون صوتي صادقاً أكثر. وكلي أمل في تطبيق هذا القانون الذي يضمن لنا حقوقنا. فكل ما أبذله من جهد لا يجدي نفعاً إذا لم يطبق هذا القانون على أرض الواقع وأخاف أن يضيع تعبي سدى».
وبعد سؤالنا له حول تأثر اللون الحلبي بدخول ألوان أخرى لاقت رواجاً في هذه الأيام، أجابنا قائلاً: «أنا مع التطوير. والفن تفاعل يومي وهو مرآة المجتمع، فالموشحات مازالت تحتل المكانة ذاتها ولكنها كقالب لم تواكب العصر وهنا يكمن جوهر الموضوع، مع احترمي الشديد لكل من غنى وتعب. أنا بدوري طوعت الفلكلور القديم بروح العصر الحديث، واستطعت أن أوجـِد إلى حد ما خصوصية للفنان "حمام خيري" وأتمنى أن يكون لكل فنان خصوصية بصوته».
وتابع حديثه قائلاً: «أحب اللون الساحلي مثلاً لأني أحب اللون السوري فأنا أغني "العتابا" بأنواعها، وكذلك الأغاني الفلكلورية كأغنيات المنطقة الوسطى في "حمص" و"حماة". وأعمل اليوم على مشروع "سورية تغني نفسها" وهو عبارة عن مجموعة من الأغاني تحوي ألوان الغناء السوري كافة. من حلب إلى السويداء فالجزيرة. ولا أخفيك أن إحدى الشركات الخليجية طلبت أن أعمل معها شريطة أن أغني اللون الخليجي والمصري لكني رفضت. كما قدمت لي شركة "روتانا" فرص عمل مهمة على الرغم من إنها هي التي قامت بتسجيل حفلاتي في "قرطاج" مقابل مغريات كبيرة ورفضت لأني لم أستطع أن أقنعهم بوجهة نظري المدافعة والمتشبثة باللون السوري دون سواه، وكذلك الحال في مصر لأن مشروعي هو "حمام خيري السوري بشكل عام والحلبي تحديداً" وما زلت أعمل على ذلك وأحضر، فأنا أحاول صناعة الأغنيات الخالدة التي يدوم أثرها طويلاً ولدي الآن في مكتبتي ما ينوف عن ثلاثين أغنية بانتظار فرص وتكاليف الإنتاج المناسبة».
وبعد وفاة الأستاذ "أنطوان مبيض" كتب له الأستاذ "بكري حنيفة" كلمات أغنية "بمحراب عيونك هالقلب" وتعامل أيضاً مع الكاتب "محمد حميدي".
سافر إلى فرنسا في نيسان 2010 وقدم حفلتان في معهد "العالم العربي" غنى فيهما الموشحات بشكلها السوري الجديد وقدم القدود الحلبية بصورتها الجديدة.
ومن الجدير ذكره أن الفنان "حمام خيري" شارك في مهرجانات عديدة محلية وعربية وغيرها
كما له أيضاً تقليد سنوي بإقامة حفل على مسرح قلعة حلب الأثري.
ولابد لنا أن نذكر أن الفنان "حمام خيري" أب لثلاثة أولاد : "محمد نور" يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً يعزف الكمان، و"ديانا" تبلغ سبعة عشر عاماً وتعزف على آلة "الغيتار"، و"سيدرا" ثلاثة عشر عاماً وهي عازفة على آلة "البيانو"، تعلموا جميعهم الموسيقا في المعهد العربي بحلب وأحبوها.
اياد أحمد شاكر
مطرب من رائحة العمالقة، صنع نفسه بنفسه. بناها ووضع حجارتها كما يضع البناء حجراً فوق حجر، نسج من خلال أيامه أعظم النجاحات التي كانت نتيجة طبيعية لكفاحه المستمر، تربع على عرش الطرب في "حلب" وأخذه عن أفضل المعلمين فيه.
إنه الفنان "حمام خيري" الذي يعود أصله إلى مدينة "تادف" الواقعة شرقي "حلب"، لكنه من مواليد "حلب" عام 1966، تشرب الموروث الغنائي وأجاد فيه ثم انطلق ليشق طريقه الخاص النابع من التراث والمتوافق مع الحداثة، ولدى استضافته لموقع eSyria، حدثنا عن بداياته قائلاً: «كنت أغني في القرية مع عائلتي وأصدقائي، وذات يوم قرر أحد أصدقائي السفر وطلب مني أن أسجل له أغنية بصوتي على شريط كاسيت ليأخذه معه كتذكار، أعجبتني الفكرة وسجلت أغنية وطلبت منه أن ينسخ لي الشريط كي أحتفظ به، وكان ذلك عام 1981، كنت حينذاك في الصف الثاني الإعدادي. ولحسن الحظ عندما ذهب صديقي إلى حلب كي ينسخ لي الشريط أُعجب صاحب المحل بصوتي وسأل صديقي: "من هذا المطرب؟" أجابه هذا ليس مطرباً. إنه زميلي وجاري في القرية، وطلب منه أن يجمعه بي على الفور. كان يُدعى "محمد ديب سكر" (صاحب تسجيلات القاهرة) وبعد أسبوع التقيت به، كان قد استدعى عازف عود اسمه "فتحي غنام" وعازف إيقاع معروف اسمه "عبد الله حكواتي"، سجلت صوتي مع العرف على العود والرق والطبلة لمدة ساعة كاملة، كانت تلك تجربتي الأولى في الغناء مع الموسيقا. وأنا إلى الآن أحتفظ بهذه النسخة التي تم تسجيلها دون بروفات أو أي تحضير مسبق».
أردت أن أكرس صوتي لوطني وألقي الضوء على الغناء السوري من أجل أن يكون صوتي صادقاً أكثر. وكلي أمل في تطبيق هذا القانون الذي يضمن لنا حقوقنا. فكل ما أبذله من جهد لا يجدي نفعاً إذا لم يطبق هذا القانون على أرض الواقع وأخاف أن يضيع تعبي سدى
وتابع حديثه قائلا: «في بادئ الأمر كانت هواياتي بعيدة عن الفن، حيث كنت أحب الرياضة وأمارسها، أما موضوع احتراف الفن فقد كان بعيداً عني فأنا من عائلة محافظة وملتزمة، حتى أن والدي عندما سمع التسجيل عارض كثيراً معتبراً الفكرة مخالفة للعادات والتقاليد السائدة في العائلة، فكانت هذه العقبة الأولى التي اعترضت طريقي، أقنعت والدي بأنها تسلية لا غير، وقامت جدتي وخالي بتشجيعي، ونصحني خالي بدراسة الموسيقا بشكل أكاديمي، وقمت بحيلة على والدي لآخذ منه نقوداً لكي أنتسب إلى معهد "ماجد العمري" لتعليم الموسيقا في "حلب". الذي كان يستلم إدارته الأستاذ "نديم درويش" رحمه الله، حيث تلقيت بعض الدروس، ونظراً لصعوبة إقامتي في الريف لم أستمر في دراسة المعهد، وبعد عام تقريباً انتقلت إلى مدينة "حلب" التي هي مقر إقامتي لغاية اليوم، وكنت في الصف التاسع حيث التقيت مع أبناء عمي وعملت معهم في محل تسجيلات وتعلمت التسجيل وبيع أشرطة الكاسيت، وعند انتهاء عملي في المحل كنت أذهب لتسجيل وتركيب أجهزة الصوت لحفلات بعض المطربين الشعبين مثل "أبو حسن الحريتاني"، "أديب الدايخ"، "مصطفى قضيماتي"، "سمير جركس" و"رضوان سرميني" كان ذلك في عامي /1982-1983/». وخلال هذه الفترة تعرف "خيري" على موسيقيين كثر ومن بينهم عازف البزق الأستاذ "مصطفى بدرية" الذي كان خبيراً وعتيقاً في الموسيقا، وقدم له العون ولفت انتباهه إلى تعلم المقامات، وأعطاه الكثير من التسجيلات للفنانين القدامى "محمد النصار" ووالده "أبو كامل النصار" و"أسعد سالم" فأخذها وسمعها بالإضافة إلى كتاب المعهد الذي أكمله بمفرده وكان وقتها يعمل على تعلم الموشحات: «بالتزامن مع ذلك عملت عازفاً للإيقاع، والتقيت بأول أستاذ لي وهو "عبد الله حكواتي" وعلمني الكثير من الأغاني. استمريت على عزف الإيقاع لمدة عامين، ودُعيت إلى حفل زفاف أحد الأقارب في "تادف" وكان مطرب الحفل "رضوان سرميني" رحمه الله وأثناء الحفلة وبينما كنت أعزف على الإيقاع طلب مني أصدقائي أن أغني موالاً، وتفاجأ الأستاذ "رضوان" بصوتي كثيراً وقال لي: "إنك تملك صوتاً جميلاً، وحري بك الانصراف إلى الغناء بدلاً من العزف على الإيقاع"، كانت تلك الشهادة فيما بعد شرارة البداية لطريقي. كنت أُقدِم المطربين في حفلات الأعراس الشعبية، وأعمل على تركيب أجهزة الصوت فيها، واستفدت كثيرا من الموسيقيين الذين التقيتهم أثناء الحفلات، إلى أن جاء الوقت وتعرفت على عازف "عود" وهو الأستاذ "جمال شحام" رحمه الله، الذي لاحظ اهتمامي بالموسيقا أثناء زيارتي لمنزله، وعلمني عزف العود من خلال بعض الدروس، وفي عام /1985/ أخذني إلى المكتبة الوطنية وقال لي أني سأجد فيها ضالتي، وبحكم إقامتي في حي "المشارقة" أي بالقرب من المكتبة بقيت لمدة ثلاثة أعوام أتردد إلى المكتبة وأنهل من علومها، وفي عام 1986، وقبل ذهابي لخدمة العلم انتسبت إلى نادي شباب العروبة. قمت بتأدية خدمة العلم في مدينة "حمص"، وهناك أيضاً التحقت بنادي الخيام، وتعرف على موسيقيين كثر ومارست هوايتي في الغناء وشاركت في العديد من المسرحيات والحفلات في مدينة "حمص" وبعد ذلك رجعت إلى "حلب" وتابعت في نادي شباب العروبة».
حمام خيري
وفي عام /1991/ التقى "حمام خيري" بالأستاذ "أنطوان مبيض" الذي فجر طاقاته الكامنة وغير حياته تغييراً جذرياً، يقول: «كان الأستاذ "مبيض" مقتنعاً بصوتي حيث كتب لي أغنية "أبو إبراهيم يا خيو" وقام بتلحينها الأستاذ "خالد ترمانيني" ومن هنا بدأت حياتي الفنية، فعملنا بعدها الكثير من الأغاني مثل "هي يالله ويالله"،"علو الكاس" وأصبحت معروفاً في مدينة "حلب" وخارجها من خلال الحفلات التي أقمتها».
بدأ موسم قطف الثمار، الذي عمل المطرب "حمام خيري" على أن يكو ن موسماً خيراً ووفيراً ففي عامي /1992-1993/ سافر مع فرقة "شيوخ الطرب" إلى تونس، وانفتحت الآفاق أمامه، وغنى على مسرح "قرطاج" أغنية "إبعتلي جواب" وقصيدة للشاعر نزار قباني "يا تونس الخضراء" وكان "حمام" يقدم وصلة بين فقرتي "الشيوخ" و"أديب الدايخ": «في عام 1995 وبناء على طلب القائمين على مهرجان "قرطاج" اصطحبت فرقتي معي إلى تونس مرة أخرى وبمشاركة الأستاذين "محمد قصاص" و"صالح بكداش" حيث قمنا بجولة في كل الولايات التونسية وأحيينا هناك عشر حفلات، طبعاً كان الأستاذ "أنطوان مبيض" معي خطوة بخطوة. وفي عام 1997 قدمت أغاني بمفردي فكانت هي تجربتي الأولى في انطلاقتي كمطرب على مسرح مهم كمسرح قرطاج، غنيت موشح "ارأف بحالي" والكثير من الأغاني، وفي عام 2000 بدأت باكورة أعمالي في عدة أغانٍ منها "حبينا"، "ببصملك عالعمياني"، "على صدرك"، "يا حبيب قلبي يا مالكني" وكانت الحفلة منقولة على الهواء وتم تسجيلها، وفي اليوم التالي كانت منتشرة في الأسواق ولاقت رواجاً كبيراً، فأحبها الناس ورددوها».
في الاستوديو الخاص به
وأيضاً شارك "خيري" بمهرجان في مدينة "أورفة" في تركيا وحضر عدة مهرجانات فيها. في عام/ 2002/ وأقام حفلة في دار الأوبرا في "مصر" وأخرى بقصر المؤتمرات في "الإسكندرية".
كان كاتب كلمات جميع أغنياته الأستاذ "أنطوان مبيض" نذكر منها: أبو ابراهيم، يا الله ويا الله، علوا الكاس، ارأف بحالي، ببصملك عالعمياني، حبينا وعشقنا، حبيب قلبي يامالكني، يا عمار العمارة، من حقك ترضى، وموشحي "فاتني والجوى" و"ماس الجميل".
في إحدى حفلاته
في عام /2001/ وبعد إصدار قانون حماية الملكية أنشأ "حمام خيري" "استوديو" لتسجيل أغنياته وبدأ يعمل على خط تطوير القدود الحلبية والأغاني الشعبية السورية: «أردت أن أكرس صوتي لوطني وألقي الضوء على الغناء السوري من أجل أن يكون صوتي صادقاً أكثر. وكلي أمل في تطبيق هذا القانون الذي يضمن لنا حقوقنا. فكل ما أبذله من جهد لا يجدي نفعاً إذا لم يطبق هذا القانون على أرض الواقع وأخاف أن يضيع تعبي سدى».
وبعد سؤالنا له حول تأثر اللون الحلبي بدخول ألوان أخرى لاقت رواجاً في هذه الأيام، أجابنا قائلاً: «أنا مع التطوير. والفن تفاعل يومي وهو مرآة المجتمع، فالموشحات مازالت تحتل المكانة ذاتها ولكنها كقالب لم تواكب العصر وهنا يكمن جوهر الموضوع، مع احترمي الشديد لكل من غنى وتعب. أنا بدوري طوعت الفلكلور القديم بروح العصر الحديث، واستطعت أن أوجـِد إلى حد ما خصوصية للفنان "حمام خيري" وأتمنى أن يكون لكل فنان خصوصية بصوته».
وتابع حديثه قائلاً: «أحب اللون الساحلي مثلاً لأني أحب اللون السوري فأنا أغني "العتابا" بأنواعها، وكذلك الأغاني الفلكلورية كأغنيات المنطقة الوسطى في "حمص" و"حماة". وأعمل اليوم على مشروع "سورية تغني نفسها" وهو عبارة عن مجموعة من الأغاني تحوي ألوان الغناء السوري كافة. من حلب إلى السويداء فالجزيرة. ولا أخفيك أن إحدى الشركات الخليجية طلبت أن أعمل معها شريطة أن أغني اللون الخليجي والمصري لكني رفضت. كما قدمت لي شركة "روتانا" فرص عمل مهمة على الرغم من إنها هي التي قامت بتسجيل حفلاتي في "قرطاج" مقابل مغريات كبيرة ورفضت لأني لم أستطع أن أقنعهم بوجهة نظري المدافعة والمتشبثة باللون السوري دون سواه، وكذلك الحال في مصر لأن مشروعي هو "حمام خيري السوري بشكل عام والحلبي تحديداً" وما زلت أعمل على ذلك وأحضر، فأنا أحاول صناعة الأغنيات الخالدة التي يدوم أثرها طويلاً ولدي الآن في مكتبتي ما ينوف عن ثلاثين أغنية بانتظار فرص وتكاليف الإنتاج المناسبة».
وبعد وفاة الأستاذ "أنطوان مبيض" كتب له الأستاذ "بكري حنيفة" كلمات أغنية "بمحراب عيونك هالقلب" وتعامل أيضاً مع الكاتب "محمد حميدي".
سافر إلى فرنسا في نيسان 2010 وقدم حفلتان في معهد "العالم العربي" غنى فيهما الموشحات بشكلها السوري الجديد وقدم القدود الحلبية بصورتها الجديدة.
ومن الجدير ذكره أن الفنان "حمام خيري" شارك في مهرجانات عديدة محلية وعربية وغيرها
كما له أيضاً تقليد سنوي بإقامة حفل على مسرح قلعة حلب الأثري.
ولابد لنا أن نذكر أن الفنان "حمام خيري" أب لثلاثة أولاد : "محمد نور" يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً يعزف الكمان، و"ديانا" تبلغ سبعة عشر عاماً وتعزف على آلة "الغيتار"، و"سيدرا" ثلاثة عشر عاماً وهي عازفة على آلة "البيانو"، تعلموا جميعهم الموسيقا في المعهد العربي بحلب وأحبوها.
اياد أحمد شاكر