صدور كتاب قهوة على نار ساخنة
للأديب عصمت شاهين الدوسكي
بقلم الدكتورة السورية : رويدة عباس
قبل قراءة مخطوطة قهوة على نار ساخنة ورؤيتي في محتواها الفكري، كنت أتساءل كيف يستطيع الإنسان أن يتعامل مع التناقضات التي نعيشها في الوقت الراهن ..؟ فأدركت الإجابة بعد الانتهاء من قراءة هذا المؤلف للكاتب المفكر الشاعر عصمت شاهين الدوسكي. وقد أدركت بعدها سبب تسمية المؤلف قهوة على نار ساخنة.
في هذا الكتاب يتم التطرق لمواضيع حديثة جدا عن الفرد والمجتمع،` وذلك من خلال عدة مقالات، ربط الكاتب بين مواضيع قديمة وكيفية التعاطي معها بأخلاق حديثة، يبدع الكاتب في الشرح والربط والتحليل، كانت كل العناوين التي اختارها لمقالاته تتضمن التناقض في معناها.
يتوجه الكاتب عبر مقالاته للفرد وللمجتمع بصرخات إنسانية تستوجب حلولا إسعافية للسلبيات الموجودة للأسف في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأدبية في البلاد العربية بشكل خاص وللإنسانية عامةوفي تلك التي تعرضت لمأساة الحروب بشكل مميز.
تناول الكاتب مختلف الموضوعات بنظرة أدبية فلسفية، وقد استخدم الكاتب اضاءات على تناقضات الحياة بأمثلة من الواقع، الانتقال بين الأفكار وشرح العلائق بأسلوب واضح متميز وبلغة أدبية محببة.
أكدت الدراسات الحديثة لعلوم الدماغ والأعصاب أن كل معرفة تبتدئ بالعاطفة، وما الإرادة والذكاء وكل مظاهر فاعلية العقل إلا أدوات بيد العاطفة، ومعلوم إن العاطفة ذات اندفاع تلقائي، أي أن الإنسان كل تصرفاته تحكمها العاطفة فهي سيدة العقل،استطاع الكاتب أن يصل إلى هذه المعلومة بحسه الشعوري الأدبي الانفعالي، فحسب رأي الكاتب المشكلة في خضم التطور التكنولوجي والترف المادي هي مشكلة أخلاق وعلى المستوى الفردي، وهنا تكمن الكارثة، يؤسس الكاتب لبناء فكر جديد وخاصة للشباب الغارق في البحث عن ماديات الحياة بتجرد عن الأخلاقيات الإنسانية، كما قدم حلولا لكل التناقضات والسلبيات التي تغزو جسد المجتمعات في الدول ، والحلول حسب رأي الكاتب هي أخلاقية أدبية، واستعادة دور الأدباء والمفكرين في التوجيه والتوعية، كما طرح الكاتب حلولا على مستوى المؤسسات والهيئات المجتمعية.
قارئي العزيز إنك بعد قراءة هذا المؤلف ستتغير لديك مفاهيم كثيرة عن الحياة والتعامل مع تناقضاتها، تعال لتتعرف على بعض هذه المفاهيم التي ستجد فيها ما يثير اهتمامك:
ثقافة الحب وتجديد الثقافة: ثقافة الحرب- ثقافة الحب، تفكيك الثقافة الأصيلة للمجتمع بعد الحروب،وتأثير الحرب على الثقافة الأسرية والسلوك الفردي، فهل يا ترى ثمة بداية تلوح في الأفق لعصر نهضة ثقافية جديدة تبعث مفاهيم الإنسانية والرحمة والحب في الصدور ؟ وهل سيزداد الاهتمام بالقراءة والأدب والفنون ؟
الأخلاق والأرزاق: كسب محبة الآخرين هي الأرزاق الحقيقة، وفي عصر العولمة المادية والنفسية والفكرية الضيقة أصبح الإنسان أناني فقلت الأرزاق.
الأدب والأوبئة.. كورونا: التخفيف عن الناس أثناء الكوارث، الحب يقتل المرض.
الإنسان والإنسانية: لا قيمة للإنسان بدون الإنسانية الخلقية والضميرية عمليا ونظريا.
التواضع القيادي: كسر الحواجز بين القيادة والناس يحقق ازدهار المجتمع.
التوسل والتسول: ازدياد الهوة بين المواطن والمسؤول في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأصبحت علاقة المواطن بالمسؤول تتراوح بين التوسل والتسول،لابد وجود حالة من التفاهم الأخلاقي والوعي الاجتماعي والإدراك الوظيفي في تعيين المسؤولين عن خدمة المواطن.
الثقافة والمثقف والسلطة: وجود سلطات متعددة في المجتمع بوجهها الحالي من المشاعر والمسؤولية والفكر، توجه إلى ثقافة اللامبالاة في ظل الانغماس اللامعقول في الترف التكنولوجي.
العصر الراهن والوحدة الإنسانية: إحساس الوحدة على المستوى الفردي، أسبابه والسبيل للتغلب عليه.
الميزان والميزانية: كل الظواهر الطبيعية والمجتمعية تقاس بميزان يتمركز حول الميزانية، ميزان حياة الإنسان " العدل والرحمة ومساعدة الآخرين فلا شيء يبقى إن اختل ميزان عمر الإنسان.
أنا ربكم الأعلى: التحكم بمصائر الآخرين في ظل وجود الأقوى والقوي والضعيف، أسبابه ونتائجه وأساليب التغلب عليه.
انهيار الرجولة أم تنمية الرجولة: فقدان التدريجي لمعاني الرجولة في المجتمعات مثل الفروسية، والفصاحة والشجاعة وقدرة التحمل والعادات السامية والتقاليد الراقية، وتناول الأسباب وأساليب تنمية الرجولة.
عكازة الثقافة البائسة: المخزون الثقافي الهش المقيد بالقيادات الضعيفة وتحكم الغنى والجهل والباطل وغياب الضمير، ليصبح الإنسان آلة تحكمه محددات ثقافية هشة، وكيفية تحرير الثقافة من أسرها بالبناء العاطفي السليم للفرد والمجتمع.
قهوة على نار ساخنة: تناقضات الحياة قضايا ساخنة تحتاج إلى حل، ودور السلطة والمؤسسات الثقافية الاهتمام بالأدباء في تنمية وبناء حضارة إنسانية متقدمة.
الطالب والمطلوب .. إلى أين ..؟ دور الشعوب في الثورة على الفساد والجهل والبطالة والظلم ولكن أين هذا أمام ضعف الطالب والمطلوب ..؟.
من ينقذ شبابنا ..؟ من البطالة وما تجره من مشاكل لانهاية لها وخاصة في جو الوفرة من المسالك السيئة، والحل بالتركيز على الطاقات الشبابية وتوظيفها بالشكل السليم.
جبر الخواطر: التعامل بالخير بين الناس والتعامل بإيجابية اتجاه الأحداث، وآثاره في تقوية أواصر المجتمع وارتقاء الإنسانية ونشر الوعي.
وفي الخاتمة أود أن أشكر المفكر الشاعر الأستاذ عصمت شاهين الدوسكي على ثقته وعلى السماح لي بالتقديم لمؤلفه الجدير بالاهتمام، كما أشكره على مشاعره الإنسانية تجاه كل القضايا والتناقضات التي وردت في هذا المؤلف، والتي إذا دلت على شيء فإنما تدل على نبل أخلاقه، ورهافة أحاسيسه وتماهيه في حب الآخرين وحب الأرض والوطن ورغبة جامحة في الرقي بالإنسان والإنسانية في المجتمعات لتبلغ مصافي المجتمعات الغربية، وينتشر العدل ويعود للحضارة فيها ألقها وتكون الأولوية فيها للإنسان، من ذلكم يتبين لنا دور الأديب في بناء الفكر الإنساني والثقافة بالكلمة الطيبة.
نترك للقارئ التعليق والإيفاد في مختلف المواضيع التي تناولها هذا المؤلف، واقتراحاته لموضوعات أخرى، حيث يمكن أن يكون هناك مؤلفات أخرى تعالج مواضيع معاصرة ترتبط بالفكر والوجدان..
وفي الختام ندعو من الله التوفيق ....
الدكتورة رويدة عباس – سورية