خطأ الحواس ـ الوهم - الهلوسة .. معرفة العالم الخارجي
خطأ الحواس ـ الوهم - الهلوسة
الادراك فعل نفسي مركب يتضمن عنصرين أساسيين أحدهما يرجع إلى العالم الخارجي ، والآخر ينشأ عن النفس ، أي عن الذاكرة والانتباه والحكم والاستدلال ، إلا أن هذا الفعل لا يبدو للمدرك مركبا بل يبدو له بسيطا . مثال ذلك أن ادراك الألفاظ يحتاج إلى الجمع الأصوات والمعاني . ولكن الإنسان يقرأ ويظن أن القراءة فعل بسيط . لنضع أمامك هذه الكلمات : منماتس .تراح . إنك تقرؤها عدة مرات من غير أن تفهم معناها ، ولا تدرك أن حروفها وأصواتها مطابقة الجملة ( من مات استراح ، إن إدراكك لمعنى هذه الجملة الأخيرة ليس فعلا بسيطاً ، فأنت تقرؤها وتفهم معناها وكثيراً ما يقرأ الانسان بعض الجمل ، ويسمع بعض الالفاظ ، من غير أن يفهم لها معنى ، فتنطبع صور هذه الألفاظ في النفس ، ويتأخر الفهم عن الاحساس . لأن النفس لم تجمع في تلك اللحظة بين الصوت ومدلوله ، ولكنها لا تلبث أن تدرك معنى ما سمعت ورأت .
ان لفاعلية النفس في الادراك عملا أساسياً ، فهي تضم إلى الاحساس كثير أمن الصور ، ثم تقارن بين هذه الصور ، وتطلق عليها بعض الأحكام ، ولولا هذه الفاعلية النفسية ، وهذا التأويل لما أخطأت الحواس . وقد فرقوا بين خطأ الحواس والوهم والهلوسة ، فقالوا إن خطأ الحواس يكون في صفة من صفات الشيء لا في حقيقته ) كمن ينظر إلى البرج المربع فيراه مدوراً ) ، وإن الوهم إنما يكون في حقيقته ) كمن يرى الخشبة على سطح الماء فيحسبها غريقاً ) أما الهلوسة فتحصل من غير مؤثر خارجي . ولنبحث الآن في كل من هذه الأنواع الثلاثة على حدته :
١ - خطأ الحواس Erreur des sens - أحسن مثال يدل على خطأ الحواس تجربة أشار إليها ( ارسطو ) منذ القدم ، وهي أن يشبك المرء بين أصبعين من أصابعه ، أي بين السبابة والوسطى ، كما ترى في الشكل ( ۳۷ ) ويقبض بطر فيها المتجاورين على جسم كروي صغير ، ثم يدحرج هذا الجسم على سطح صقيل من غير أن يتركه ، فيحس أن بين أصبعيه جسمين - والسبب في هذا الخطأ أن شبك الأصبعين جعل الجهة الخارجية من الوسطى مجاورة للجهة الخارجية من السبابة ، فصار الجسم الكروي يلامسها معا .
إن هاتين الجهتين لا تتجاوران في الحالة الطبيعية ولا يمكن لمسهما معاً إلا يجسمين .
ولذلك ( شكل - ٣٧ ) كان الاحساس اللمسي الذي نشعر به الآن بعد شبك الأصبعين راجعا إلى ما تعوده الاصبعان في الحالة الطبيعية . فالخطأ ناشيء إذن عن هذه الرابطة المكتسبة لا عن الاحساس نفسه . ولذلك قيل : إن خطأ الحواس خطأ في التأويل أي في الحكم والاستدلال .
ولنذكر الآن الأمثلة الأخرى . إنك تنظر إلى المدينة البعيدة في الأقاليم الحارة الصافية الجو فتراها قريبة ، لأنك تجمع بين الصور البصرية والذكريات الحركية وفقاً لما تعودته في المناطق الباردة . وتنظر إلى العصا المغموسة في الماء فتراها مكسورة ، ثم بالتجربة والعقل تعلم أنها مستقيمة ، وتنظر إلى السطح فتراه كبيراً أو صغير أبحسب الشكل المجاور له . شكل ( ۳۸ ) .
وتنظر إلى الخطين المتساويين ، في الشكل ( ۳۹ ) ، فتراهما غير متساويين ثم ان الخطوط المائلة في الشكل ( ٤٠ ) ( شكل - ۳۹ ) تظهر لك غير متوازية . وشبيه بذلك ما تراه في الشكل ( ٤١ ) . وإذا قطعت الخط المائل بمستطيل عمودي وجدت قسميه في استقامتين مختلفين كما في الشكل ( ٤٢ ) وقريب من ذلك أيضاً ما تراه في الشكل ( ٤٣ ) من اختلاف وضع الدرج باختلاف النظر اليه .
يرجع خطأ الحواس إلى ثلاثة أسباب :
١ - حالة الحواس : إذا كانت الحاسة مريضة تبدل الاحساس بحسب حالة المرض كما في ( الدالتونيزم ) .
۲ - طبيعة الوسط الفاصل بيننا وبين الأشياء ، إن أخطاء الضوء ناشئة عن هذا السبب .
٣ - تأثير الصورة في الاحساس وعلى الأخص : تأثير الذاكرة والحكم والانتباه ، حتى لقد قيل إن حواسنا لا تخدعنا واننا لا نخطيء إلا في تأويل ما ترسمه الحواس على صفحات نفوسنا .
( شکل ـ ٤٤ )
من خصائص الادراك أن الشخص يرى المجموع قبل الأجزاء ، ولكن قد يكون لبعض ( الأجزاء ) تأثير أساسي في المجموع فتبدله . ففي القسم العلوي من هذا الشكل نرى ظاهرتي الغم والسرور ، إلا أننا إذا بدلنا النصفين السفليين من الصورتين ( ۱۳۷ ، ۱۰۳ ) أحدهما بالآخر حصلنا على الصورتين السفليتين اللتين تدلان بوضوح علي قوة تأثير الفم في مجموع الوجه .
الوهم ( Illusion ) ليس الوهم خطأ في صفة من صفات الشيء ، وإنما هو خطأ في حقيقته ، ان النفس لا تقتصر في الوهم على تأويل مسلمات الحواس وفقاً لما تعودته من الروابط السابقة ( مثال أرسطو ) ، بل تضم إلى المحسوس فكرة جديدة تولد الوهم والضلال . فينصرف الذهن عن المحسوس الى هذه الفكرة . ولنذكر الآن بعض الأمثلة :
يرى الواقف على ساحل البحر بعد غرق السفينة خشبة تطفو على سطح الماء فيحسبها غريقا . والمستمع لراوي أحاديث الجن في أيام الشتاء ينظر الى شجرة الحور فيحسبها عفريتا مارداً ، والى الرداء المعلق فيحسبه شبحا .
ومنتظر حافلة الترام في الطريق كثيراً ما يخطيء في قراءة الاسم المكتوب عليها ، فيقرأ ما يحول في خاطره لا ما تشاهده عيناه ، قال ( دويلشو فرد وقفت أمام باب أحد الوراقين فرأيت كتبا تبحث في العلوم الروحية ، وكان الى جانبها كتب في التاريخ ، فنظرت ، فاذا بينها كتاب ( هـ . هوسي ) وعنوانه : 1815 . إن عيني سليمتان ، وبصري ثاقب ، حتى أني قرأت أسماء كتب مطبوعة بحروف أصغر من هذه ، ولكنني حينما رأيت هذا الكتاب ظننت أن عنوانه ( Inconscient1 78 ISIS ) فنحن نقرأ اذن بذاكرتنا أكثر مما نقرأ بأعيننا ، ولذلك كان من الصعب تصليح تجارب الطباعة ، لأننا نقرأ الكلمة كما نتصورها لا كما نراها . ان هذه الاسباب توضح لنا آلية القراءة ، فنحن لا نرى جميع الحروف ، ولا نقرأ كل الكلمات ، بل نركب الألفاظ ، ونفهم معانيها بما نضمه اليها من نفوسنا . وكلما كانت معرفتنا باللغة أحسن كانت قراءتنا أسرع ، وانتباهنا لحروف الألفاظ أقل ، لذلك كانت الكتب الألمانية المطبوعة في ألمانيا أكثر أغلاطا من الكتب العبرانية واليونانية واللاتينية ، ولذلك أيضا كان العالم بالعبرانية أقل انتباها لأغلاط التلاميذ ا يعرف العبرانية إلا قليلا ( 1 ) .
٣- الهلوسة ( Hallucination ) - الهلوسة ليست خطأ في طبيعة الشيء وانما هي خطأ في وجوده ، وصاحبها يظن الموجود معدوماً أو الموجود معدوماً ، فيسمع أصواتاً ، ويرى أشباحاً لا حقيقة لها ، حتى أن بعضهم يسمع صوتاً يشتمه ، أو يتوهم أن هناك من يعلن الى الناس أسراره ، ومنهم من يرى صوراً مبهمة وظلالاً ، وهيباً ، أو يرى أشياء واضحة کصور الاشخاص او الحيوانات ، او يرى كلاما مكتوبا .
إن حاستي السمع والبصر اكثر الحواس هلوسة ، أما الذوق والشم واللمس فهي قليلة الهلوسة ، قال غوبلو : حكى لي ( ماريلليه ) انه اصيب بهلوسة تكررت كل يوم في وقت واحد مدة طويلة من الزمان ، فكان يرى ، وهو جالس في مكتبه ، شخصاً على الأريكة . ينظر اليه بعينين جاحظتين ثابتتين - إلا أن الأريكة كانت خالية ، وكان هذا الإدراك الكاذب لا يقل وضوحاً وحقيقة من المدركات المحيطة به ـ وكانت يــــد الشخص مستندة إلى الأريكة ، حق أنها لم تكن أقل وضوحاً ولا تعينا بما حولها ، وكان الرأس على الجدار يخفي قسماً من الصورة المعلقة عليه ( ١ ) :
لقد زعم بعضهم أن الهلوسة لا تختلف عن الوهم لأنها تحتاج مثله إلى مؤثر خارجي ، وقد حاولوا اثبات ذلك ببعض التجارب التي اجريت على المصابين بالأمراض العصبية ؛ يقال للمريض : هذا صديقك فلان ، ويشار إلى جسم من الأجسام : فيرى المريض صديقه ، ويكلمه ، ولا يشك لحظة واحدة في وجوده ، ولنفرض أن المجرب أراء بقعة من اللون على قطعة من الورق ، ثم قال له : هذه صورة صديقك . فقد يظن أن هذه البقعة لا أثر لها في توليد الوهم ؛ إلا أن ( الفردبينه ) يقول : ( كبر هذه البقعة بعدسة ، أو ضاعفها بمنشور ، أو بضغط تجويف العين ثم اعكسها بالمرآة واقلبها ، أو امحها ، فإن المريض يقول لك انك كبرت الصورة أو ضاعفتها أو عكستها أو قلبتها أو محوتها » . وهذا يدل على أن المؤثر الخارجي ضروري لحدوث الهلوسة . ان كثيراً من الهلوسات توضح على هذه الصورة . فإذا صح ذلك كان الفرق بين الهلوسة والوهم غير بين إلا ان هناك هلوسة لا يمكن تعليلها على طريقة ( الفرد بينه ) لأنها مستقلة عن كل مؤثر خارجي ، كالهلوسات البصرية التي يتصورها الأعمى ، والهلوسات السمعية التي يتمثلها الأصم ، والهلوسات البصرية التي لا تزول باغماض العينين . كل ذلك يدل على أن هذه الظاهرة ناشئة عن أسباب داخلية ، وان بينها وبين الوهم فارقاً حقيقياً . ذلك فإن بين الهلوسة والوهم والإدراك الحقيقي تشابها . لأن المهلوس يشعر بوجود ما يتوهمه ويعتقد صدقه ، وهذا كله يدل على خطورة فاعلية النفس ، ان النفس تبنى في الإدراك على أساس الإحساس ، ولا تزال تبني عليه ، حق تستغني في الهلوسة عن ذلك الأساس .
خطأ الحواس ـ الوهم - الهلوسة
الادراك فعل نفسي مركب يتضمن عنصرين أساسيين أحدهما يرجع إلى العالم الخارجي ، والآخر ينشأ عن النفس ، أي عن الذاكرة والانتباه والحكم والاستدلال ، إلا أن هذا الفعل لا يبدو للمدرك مركبا بل يبدو له بسيطا . مثال ذلك أن ادراك الألفاظ يحتاج إلى الجمع الأصوات والمعاني . ولكن الإنسان يقرأ ويظن أن القراءة فعل بسيط . لنضع أمامك هذه الكلمات : منماتس .تراح . إنك تقرؤها عدة مرات من غير أن تفهم معناها ، ولا تدرك أن حروفها وأصواتها مطابقة الجملة ( من مات استراح ، إن إدراكك لمعنى هذه الجملة الأخيرة ليس فعلا بسيطاً ، فأنت تقرؤها وتفهم معناها وكثيراً ما يقرأ الانسان بعض الجمل ، ويسمع بعض الالفاظ ، من غير أن يفهم لها معنى ، فتنطبع صور هذه الألفاظ في النفس ، ويتأخر الفهم عن الاحساس . لأن النفس لم تجمع في تلك اللحظة بين الصوت ومدلوله ، ولكنها لا تلبث أن تدرك معنى ما سمعت ورأت .
ان لفاعلية النفس في الادراك عملا أساسياً ، فهي تضم إلى الاحساس كثير أمن الصور ، ثم تقارن بين هذه الصور ، وتطلق عليها بعض الأحكام ، ولولا هذه الفاعلية النفسية ، وهذا التأويل لما أخطأت الحواس . وقد فرقوا بين خطأ الحواس والوهم والهلوسة ، فقالوا إن خطأ الحواس يكون في صفة من صفات الشيء لا في حقيقته ) كمن ينظر إلى البرج المربع فيراه مدوراً ) ، وإن الوهم إنما يكون في حقيقته ) كمن يرى الخشبة على سطح الماء فيحسبها غريقاً ) أما الهلوسة فتحصل من غير مؤثر خارجي . ولنبحث الآن في كل من هذه الأنواع الثلاثة على حدته :
١ - خطأ الحواس Erreur des sens - أحسن مثال يدل على خطأ الحواس تجربة أشار إليها ( ارسطو ) منذ القدم ، وهي أن يشبك المرء بين أصبعين من أصابعه ، أي بين السبابة والوسطى ، كما ترى في الشكل ( ۳۷ ) ويقبض بطر فيها المتجاورين على جسم كروي صغير ، ثم يدحرج هذا الجسم على سطح صقيل من غير أن يتركه ، فيحس أن بين أصبعيه جسمين - والسبب في هذا الخطأ أن شبك الأصبعين جعل الجهة الخارجية من الوسطى مجاورة للجهة الخارجية من السبابة ، فصار الجسم الكروي يلامسها معا .
إن هاتين الجهتين لا تتجاوران في الحالة الطبيعية ولا يمكن لمسهما معاً إلا يجسمين .
ولذلك ( شكل - ٣٧ ) كان الاحساس اللمسي الذي نشعر به الآن بعد شبك الأصبعين راجعا إلى ما تعوده الاصبعان في الحالة الطبيعية . فالخطأ ناشيء إذن عن هذه الرابطة المكتسبة لا عن الاحساس نفسه . ولذلك قيل : إن خطأ الحواس خطأ في التأويل أي في الحكم والاستدلال .
ولنذكر الآن الأمثلة الأخرى . إنك تنظر إلى المدينة البعيدة في الأقاليم الحارة الصافية الجو فتراها قريبة ، لأنك تجمع بين الصور البصرية والذكريات الحركية وفقاً لما تعودته في المناطق الباردة . وتنظر إلى العصا المغموسة في الماء فتراها مكسورة ، ثم بالتجربة والعقل تعلم أنها مستقيمة ، وتنظر إلى السطح فتراه كبيراً أو صغير أبحسب الشكل المجاور له . شكل ( ۳۸ ) .
وتنظر إلى الخطين المتساويين ، في الشكل ( ۳۹ ) ، فتراهما غير متساويين ثم ان الخطوط المائلة في الشكل ( ٤٠ ) ( شكل - ۳۹ ) تظهر لك غير متوازية . وشبيه بذلك ما تراه في الشكل ( ٤١ ) . وإذا قطعت الخط المائل بمستطيل عمودي وجدت قسميه في استقامتين مختلفين كما في الشكل ( ٤٢ ) وقريب من ذلك أيضاً ما تراه في الشكل ( ٤٣ ) من اختلاف وضع الدرج باختلاف النظر اليه .
يرجع خطأ الحواس إلى ثلاثة أسباب :
١ - حالة الحواس : إذا كانت الحاسة مريضة تبدل الاحساس بحسب حالة المرض كما في ( الدالتونيزم ) .
۲ - طبيعة الوسط الفاصل بيننا وبين الأشياء ، إن أخطاء الضوء ناشئة عن هذا السبب .
٣ - تأثير الصورة في الاحساس وعلى الأخص : تأثير الذاكرة والحكم والانتباه ، حتى لقد قيل إن حواسنا لا تخدعنا واننا لا نخطيء إلا في تأويل ما ترسمه الحواس على صفحات نفوسنا .
( شکل ـ ٤٤ )
من خصائص الادراك أن الشخص يرى المجموع قبل الأجزاء ، ولكن قد يكون لبعض ( الأجزاء ) تأثير أساسي في المجموع فتبدله . ففي القسم العلوي من هذا الشكل نرى ظاهرتي الغم والسرور ، إلا أننا إذا بدلنا النصفين السفليين من الصورتين ( ۱۳۷ ، ۱۰۳ ) أحدهما بالآخر حصلنا على الصورتين السفليتين اللتين تدلان بوضوح علي قوة تأثير الفم في مجموع الوجه .
الوهم ( Illusion ) ليس الوهم خطأ في صفة من صفات الشيء ، وإنما هو خطأ في حقيقته ، ان النفس لا تقتصر في الوهم على تأويل مسلمات الحواس وفقاً لما تعودته من الروابط السابقة ( مثال أرسطو ) ، بل تضم إلى المحسوس فكرة جديدة تولد الوهم والضلال . فينصرف الذهن عن المحسوس الى هذه الفكرة . ولنذكر الآن بعض الأمثلة :
يرى الواقف على ساحل البحر بعد غرق السفينة خشبة تطفو على سطح الماء فيحسبها غريقا . والمستمع لراوي أحاديث الجن في أيام الشتاء ينظر الى شجرة الحور فيحسبها عفريتا مارداً ، والى الرداء المعلق فيحسبه شبحا .
ومنتظر حافلة الترام في الطريق كثيراً ما يخطيء في قراءة الاسم المكتوب عليها ، فيقرأ ما يحول في خاطره لا ما تشاهده عيناه ، قال ( دويلشو فرد وقفت أمام باب أحد الوراقين فرأيت كتبا تبحث في العلوم الروحية ، وكان الى جانبها كتب في التاريخ ، فنظرت ، فاذا بينها كتاب ( هـ . هوسي ) وعنوانه : 1815 . إن عيني سليمتان ، وبصري ثاقب ، حتى أني قرأت أسماء كتب مطبوعة بحروف أصغر من هذه ، ولكنني حينما رأيت هذا الكتاب ظننت أن عنوانه ( Inconscient1 78 ISIS ) فنحن نقرأ اذن بذاكرتنا أكثر مما نقرأ بأعيننا ، ولذلك كان من الصعب تصليح تجارب الطباعة ، لأننا نقرأ الكلمة كما نتصورها لا كما نراها . ان هذه الاسباب توضح لنا آلية القراءة ، فنحن لا نرى جميع الحروف ، ولا نقرأ كل الكلمات ، بل نركب الألفاظ ، ونفهم معانيها بما نضمه اليها من نفوسنا . وكلما كانت معرفتنا باللغة أحسن كانت قراءتنا أسرع ، وانتباهنا لحروف الألفاظ أقل ، لذلك كانت الكتب الألمانية المطبوعة في ألمانيا أكثر أغلاطا من الكتب العبرانية واليونانية واللاتينية ، ولذلك أيضا كان العالم بالعبرانية أقل انتباها لأغلاط التلاميذ ا يعرف العبرانية إلا قليلا ( 1 ) .
٣- الهلوسة ( Hallucination ) - الهلوسة ليست خطأ في طبيعة الشيء وانما هي خطأ في وجوده ، وصاحبها يظن الموجود معدوماً أو الموجود معدوماً ، فيسمع أصواتاً ، ويرى أشباحاً لا حقيقة لها ، حتى أن بعضهم يسمع صوتاً يشتمه ، أو يتوهم أن هناك من يعلن الى الناس أسراره ، ومنهم من يرى صوراً مبهمة وظلالاً ، وهيباً ، أو يرى أشياء واضحة کصور الاشخاص او الحيوانات ، او يرى كلاما مكتوبا .
إن حاستي السمع والبصر اكثر الحواس هلوسة ، أما الذوق والشم واللمس فهي قليلة الهلوسة ، قال غوبلو : حكى لي ( ماريلليه ) انه اصيب بهلوسة تكررت كل يوم في وقت واحد مدة طويلة من الزمان ، فكان يرى ، وهو جالس في مكتبه ، شخصاً على الأريكة . ينظر اليه بعينين جاحظتين ثابتتين - إلا أن الأريكة كانت خالية ، وكان هذا الإدراك الكاذب لا يقل وضوحاً وحقيقة من المدركات المحيطة به ـ وكانت يــــد الشخص مستندة إلى الأريكة ، حق أنها لم تكن أقل وضوحاً ولا تعينا بما حولها ، وكان الرأس على الجدار يخفي قسماً من الصورة المعلقة عليه ( ١ ) :
لقد زعم بعضهم أن الهلوسة لا تختلف عن الوهم لأنها تحتاج مثله إلى مؤثر خارجي ، وقد حاولوا اثبات ذلك ببعض التجارب التي اجريت على المصابين بالأمراض العصبية ؛ يقال للمريض : هذا صديقك فلان ، ويشار إلى جسم من الأجسام : فيرى المريض صديقه ، ويكلمه ، ولا يشك لحظة واحدة في وجوده ، ولنفرض أن المجرب أراء بقعة من اللون على قطعة من الورق ، ثم قال له : هذه صورة صديقك . فقد يظن أن هذه البقعة لا أثر لها في توليد الوهم ؛ إلا أن ( الفردبينه ) يقول : ( كبر هذه البقعة بعدسة ، أو ضاعفها بمنشور ، أو بضغط تجويف العين ثم اعكسها بالمرآة واقلبها ، أو امحها ، فإن المريض يقول لك انك كبرت الصورة أو ضاعفتها أو عكستها أو قلبتها أو محوتها » . وهذا يدل على أن المؤثر الخارجي ضروري لحدوث الهلوسة . ان كثيراً من الهلوسات توضح على هذه الصورة . فإذا صح ذلك كان الفرق بين الهلوسة والوهم غير بين إلا ان هناك هلوسة لا يمكن تعليلها على طريقة ( الفرد بينه ) لأنها مستقلة عن كل مؤثر خارجي ، كالهلوسات البصرية التي يتصورها الأعمى ، والهلوسات السمعية التي يتمثلها الأصم ، والهلوسات البصرية التي لا تزول باغماض العينين . كل ذلك يدل على أن هذه الظاهرة ناشئة عن أسباب داخلية ، وان بينها وبين الوهم فارقاً حقيقياً . ذلك فإن بين الهلوسة والوهم والإدراك الحقيقي تشابها . لأن المهلوس يشعر بوجود ما يتوهمه ويعتقد صدقه ، وهذا كله يدل على خطورة فاعلية النفس ، ان النفس تبنى في الإدراك على أساس الإحساس ، ولا تزال تبني عليه ، حق تستغني في الهلوسة عن ذلك الأساس .
تعليق