تصور الشيء الخارجي .. معرفة العالم الخارجي
معرفة العالم الخارجي .
تصور الشيء الخارجي .
الاعتقاد أن هناك وجوداً خارجياً .
فوارق الصورة الحقيقية .
۱ - تصور الشيء الخارجي
إن العالم الخارجي ، الذي تطلعنا عليه الحواس ، مؤلف من جملة من الاحساسات البصرية ، والسمعية ، واللمسية ، والعضلية ، المتصلة بعضها ببعض .
إن حاسة البصر مثلا تطلعك على جملة من الألوان المتصلة . نعم ، إن لكل لون شکلا ، ولكن الطفل الذي يلقي بصره لأول مرة على هذه الألوان الاكنة ، لا يجد داعياً للتفريق بينها ، بل يحسبها كلها شيئاً واحداً ، ثم ان حاسة اللمس تشبه في ذلك حاسة البصر ، لأنها تطلعنا على الصلابة ، والملاسة ، والخشونة ، والنعومة ، من غير أن تفصل هذه الأحوال بعضها عن بعض ، فكأن العالم الخارجي الذي نطلع عليه مباشرة كل متصل لا ينقسم .
كيف نتوصل إذن إلى تمييز الأشياء بعضها من بعض ؟
١ - ما هي العناصر التي يتركب منها تصور الشيء الخارجي ؟ ـ لنحلل تصور شيء من الأشياء كتصور هذا الكتاب مثلا ؟ .
إن في هذا التصور عناصر مختلفة :
ففيه أولاً : صورة امتداد محسوس ذي شكل معين مختلف الألوان ؛ وفيه جملة من الاحساسات كالاحساس بالبرودة أو الخشونة أو الملاسة أو المقاومة الخ .
إن هذه الاحساسات المتولدة من البصر ، واللمس ، والحرارة ، والحركة ، تؤلف تصور واحد ، وهو الكتاب . وهي ، بالرغم من اختلافها ، متصلة ، أي متحدة بعضها ببعض ، يجمعها شيء هذا الكتاب الذي أشعر بلونه وشكله وملاسته ومقاومته الخ .. وقد أحس بإحدى هذه الصفات من غير أن أحس بالأخرى . فالمس الكتاب من غير أن أراه ، أو أراء من غير أن ألمسه . إلا انني في هذه الحالة الأخيرة أجمع احساساً إلى صورة . فأرى لون الكتاب وأتصور مقاومته ، أو ألمس أطرافه وأتصور شكله ، كما أسمع صوت الرجل وأتخيل وجهه .
فتصور الكتاب ليس مؤلفاً اذن من الاحساسات فقط ، وإنما هو مؤلف من الاحساسات والصور .
٢ - تأثير الحركة :
- غير أن العالم الخارجي ليس ثابتاً ساكنا ، وانما هو متحرك ؛ هذا اللون مثلا قد يتحرك من غير أن يتحرك غيره معه . ولكن الطفل يتعود شيئاً فشيئاً أن يجمع بين الألوان التي تتحرك معا ، كلون الشعر ولون الوجه . ويتعود أيضاً التفريق بين الألوان المتجاورة ، كلون الشعر ولون الطربوش ، لأن الطربوش قد يتحرك من غير أن يتحرك الشعر معه .. . وهكذا تنقسم الألوان المتصلة إلى أجزاء منفصلة . إذا دفعت هذا الكتاب بيدي ، حركت مستطيلا أسود من غير أن أُحرك المنضدة الخضراء التي ترك عليها .
ان هذه التجارب ، التي نسيناها في سن الرشد علمتنا ، ونحن أطفال ، أن نفرق بين احساساتنا المختلفة .
٣ - تأثير التجربة وتداعي الأفكار :
- غير أن التفريق بين احساس وآخر ليس كافياً لتصور الشيء الخارجي .
إذا عزلت لون الكتاب عن سائر الألوان المجاورة له ، وعزلت احساسي اللمسي به عن غيره من الاحساسات اللمسية ، فهل يكفي ذلك لتصور الكتاب ؟ كلا ، لأنه من الضروري . أن أعرف أن هذا اللون ملازم لهذه الملاسة ، وأن هذا الشكل ملازم لتلك المقاومة .
لكل حاسة من الحواس لغة تعبر بها عن الأشياء ، فالشيء في لغة اللمس ليس كالشيء في لغة البصر ، ولا يتم تصور الشيء إلا إذا جمعنا حدود هذه اللغات المختلفة وجعلنا بعضها مطابقا لبعض . قال ( مولينو ) وهو أحد مراسلي ( لوك ) : « إذا علمنا الاكمه قليلا . من الهندسة حق صار يفرق بين الكرة والمكعب ، ثم عالجناه فشفي ، ثم وضعنا أمامه كرة ومكعباً ، فهل يستطيع قبل التجربة الحسية ، ان يدرك بالبصر كلا منهما على حدته وأن يفصله عن الآخر ؟
يدري إن ( مولينو ) نفسه أجاب عن هذا السؤال بالسلب ، ووافقه ( لوك ) على ذلك قائلا : د الاكمه يعلم كيف يفرق بين المكعب والكرة بحاسة اللمس لا بحاسة البصر ، انه لا . كيف تظهر الملموسات لعينيه . فإذا عرف باللمس زاوية المكعب ، لم يعرف شكلها بالنسبة إلى حاسة البصر .
ونقول في الجواب عن سؤال ( مولينو ) ، ان هذا السؤال يتضمن أمرين :
۱ - هل يدرك الاكمه شكلين مختلفين بعد شفائه ؟ .
۲ - وإذا أدرك شكلين مختلفين ، فهل يعرف كلا منهما ويفرق بينه وبين الآخر . ؟
اننا نميل الى الاعتقاد أن الاكمه الذي استرد بصره لا يفرق بين المكعب والكرة ، لأن المكان اللمسي مختلف عن المكان البصري . وهذا كاف لوقوع ا الاكمه في الخطأ .
ان المطابقة بين مسلمات الحواس المختلفة تحتاج الى التجربة وتداعي الأفكار . كلما أدركت جسماً من الأجسام حصلت على الإحساسات نفسها . هذا كتابي : اني أراه كل مرة بشكله ولونه ومقاومته وملامته . وكلما تكرر ادراكي له انضمت هذه الاحساسات بعضها الى بعض ، واقترنت بكثير من الصور ، وألفت كلا متسقاً ، بحيث لا يرجع أحد أجزائه الى ساحة الشعور الا اذا رجع غيره معه . وهكذا تتألف الأجسام كلها من الاحساسات والصور .
ان احساساً بصرياً واحداً يذكر النفس بجملة من الاحساسات السمعية واللمسية والذوقية . فإذا نظرنا إلى مثلاً ، عرفنا انه من خشب أو من حديد أو فضة . واذا نظرنا الى رجل حزرنا عمره ، وعرفنا أنه مريض أو صحيح أو شريف أو دنيء .
وكذلك حاسة السمع : انك تسمع صوت الجسم فتعرف أنه من زجاج أو فضة ، وتفرق بين الأجوف والممتلىء ، والصحيح والمنشق ؛ وتسمع بعض الألفاظ فتفهم أفكار قائليها وتدرك عواطفهم . ولا تتم هذه الامور كلها الا و بالإدراكات المكتسبة ( Perceptions acquises ) . والادراكات المكتسبة ليست في الحقيقة ادراكات ، وانما هي صور و معارف توحي بها الادراكات الطبيعية وتضمها اليها .
وهكذا تفرق التجربة الاحساسات ثم تجمعها ، لان هناك فعلين ذهنيين : فعل الفرق وفعل الجمع ، فيتألف من هذا الفرق وهذا الجمع جمل من المحسوسات لها شيء من الوحدة والثبوت ، إلا أنها تتغير . وليست الأشياء الخارجية سوى هذه الجمل المركبة . أنظر إلى قطعة الشمع ( مثال ديكارت ) : إن لها صفات متغيرة وصفات ثابتة : فالصفات المتغيرة هي : اللون والصلابة والحرارة والملاسة ، لانك إذا وضعت قطعة الشمع على النار ذابت وتغير لونها وازدادت حرارتها . وتسمى هذه الصفات المتغيرة بالصفات الثانية . أما الصفات الثابتة فهي الامتداد والمقاومة ، وهي موجودة في كل جسم ، لا بل هي أعظم شأناً من غيرها ، لانك لا تستطيع أن تتصور الجسم خالياً منها . ولذلك سميت بالصفات الأولى .
معرفة العالم الخارجي .
تصور الشيء الخارجي .
الاعتقاد أن هناك وجوداً خارجياً .
فوارق الصورة الحقيقية .
۱ - تصور الشيء الخارجي
إن العالم الخارجي ، الذي تطلعنا عليه الحواس ، مؤلف من جملة من الاحساسات البصرية ، والسمعية ، واللمسية ، والعضلية ، المتصلة بعضها ببعض .
إن حاسة البصر مثلا تطلعك على جملة من الألوان المتصلة . نعم ، إن لكل لون شکلا ، ولكن الطفل الذي يلقي بصره لأول مرة على هذه الألوان الاكنة ، لا يجد داعياً للتفريق بينها ، بل يحسبها كلها شيئاً واحداً ، ثم ان حاسة اللمس تشبه في ذلك حاسة البصر ، لأنها تطلعنا على الصلابة ، والملاسة ، والخشونة ، والنعومة ، من غير أن تفصل هذه الأحوال بعضها عن بعض ، فكأن العالم الخارجي الذي نطلع عليه مباشرة كل متصل لا ينقسم .
كيف نتوصل إذن إلى تمييز الأشياء بعضها من بعض ؟
١ - ما هي العناصر التي يتركب منها تصور الشيء الخارجي ؟ ـ لنحلل تصور شيء من الأشياء كتصور هذا الكتاب مثلا ؟ .
إن في هذا التصور عناصر مختلفة :
ففيه أولاً : صورة امتداد محسوس ذي شكل معين مختلف الألوان ؛ وفيه جملة من الاحساسات كالاحساس بالبرودة أو الخشونة أو الملاسة أو المقاومة الخ .
إن هذه الاحساسات المتولدة من البصر ، واللمس ، والحرارة ، والحركة ، تؤلف تصور واحد ، وهو الكتاب . وهي ، بالرغم من اختلافها ، متصلة ، أي متحدة بعضها ببعض ، يجمعها شيء هذا الكتاب الذي أشعر بلونه وشكله وملاسته ومقاومته الخ .. وقد أحس بإحدى هذه الصفات من غير أن أحس بالأخرى . فالمس الكتاب من غير أن أراه ، أو أراء من غير أن ألمسه . إلا انني في هذه الحالة الأخيرة أجمع احساساً إلى صورة . فأرى لون الكتاب وأتصور مقاومته ، أو ألمس أطرافه وأتصور شكله ، كما أسمع صوت الرجل وأتخيل وجهه .
فتصور الكتاب ليس مؤلفاً اذن من الاحساسات فقط ، وإنما هو مؤلف من الاحساسات والصور .
٢ - تأثير الحركة :
- غير أن العالم الخارجي ليس ثابتاً ساكنا ، وانما هو متحرك ؛ هذا اللون مثلا قد يتحرك من غير أن يتحرك غيره معه . ولكن الطفل يتعود شيئاً فشيئاً أن يجمع بين الألوان التي تتحرك معا ، كلون الشعر ولون الوجه . ويتعود أيضاً التفريق بين الألوان المتجاورة ، كلون الشعر ولون الطربوش ، لأن الطربوش قد يتحرك من غير أن يتحرك الشعر معه .. . وهكذا تنقسم الألوان المتصلة إلى أجزاء منفصلة . إذا دفعت هذا الكتاب بيدي ، حركت مستطيلا أسود من غير أن أُحرك المنضدة الخضراء التي ترك عليها .
ان هذه التجارب ، التي نسيناها في سن الرشد علمتنا ، ونحن أطفال ، أن نفرق بين احساساتنا المختلفة .
٣ - تأثير التجربة وتداعي الأفكار :
- غير أن التفريق بين احساس وآخر ليس كافياً لتصور الشيء الخارجي .
إذا عزلت لون الكتاب عن سائر الألوان المجاورة له ، وعزلت احساسي اللمسي به عن غيره من الاحساسات اللمسية ، فهل يكفي ذلك لتصور الكتاب ؟ كلا ، لأنه من الضروري . أن أعرف أن هذا اللون ملازم لهذه الملاسة ، وأن هذا الشكل ملازم لتلك المقاومة .
لكل حاسة من الحواس لغة تعبر بها عن الأشياء ، فالشيء في لغة اللمس ليس كالشيء في لغة البصر ، ولا يتم تصور الشيء إلا إذا جمعنا حدود هذه اللغات المختلفة وجعلنا بعضها مطابقا لبعض . قال ( مولينو ) وهو أحد مراسلي ( لوك ) : « إذا علمنا الاكمه قليلا . من الهندسة حق صار يفرق بين الكرة والمكعب ، ثم عالجناه فشفي ، ثم وضعنا أمامه كرة ومكعباً ، فهل يستطيع قبل التجربة الحسية ، ان يدرك بالبصر كلا منهما على حدته وأن يفصله عن الآخر ؟
يدري إن ( مولينو ) نفسه أجاب عن هذا السؤال بالسلب ، ووافقه ( لوك ) على ذلك قائلا : د الاكمه يعلم كيف يفرق بين المكعب والكرة بحاسة اللمس لا بحاسة البصر ، انه لا . كيف تظهر الملموسات لعينيه . فإذا عرف باللمس زاوية المكعب ، لم يعرف شكلها بالنسبة إلى حاسة البصر .
ونقول في الجواب عن سؤال ( مولينو ) ، ان هذا السؤال يتضمن أمرين :
۱ - هل يدرك الاكمه شكلين مختلفين بعد شفائه ؟ .
۲ - وإذا أدرك شكلين مختلفين ، فهل يعرف كلا منهما ويفرق بينه وبين الآخر . ؟
اننا نميل الى الاعتقاد أن الاكمه الذي استرد بصره لا يفرق بين المكعب والكرة ، لأن المكان اللمسي مختلف عن المكان البصري . وهذا كاف لوقوع ا الاكمه في الخطأ .
ان المطابقة بين مسلمات الحواس المختلفة تحتاج الى التجربة وتداعي الأفكار . كلما أدركت جسماً من الأجسام حصلت على الإحساسات نفسها . هذا كتابي : اني أراه كل مرة بشكله ولونه ومقاومته وملامته . وكلما تكرر ادراكي له انضمت هذه الاحساسات بعضها الى بعض ، واقترنت بكثير من الصور ، وألفت كلا متسقاً ، بحيث لا يرجع أحد أجزائه الى ساحة الشعور الا اذا رجع غيره معه . وهكذا تتألف الأجسام كلها من الاحساسات والصور .
ان احساساً بصرياً واحداً يذكر النفس بجملة من الاحساسات السمعية واللمسية والذوقية . فإذا نظرنا إلى مثلاً ، عرفنا انه من خشب أو من حديد أو فضة . واذا نظرنا الى رجل حزرنا عمره ، وعرفنا أنه مريض أو صحيح أو شريف أو دنيء .
وكذلك حاسة السمع : انك تسمع صوت الجسم فتعرف أنه من زجاج أو فضة ، وتفرق بين الأجوف والممتلىء ، والصحيح والمنشق ؛ وتسمع بعض الألفاظ فتفهم أفكار قائليها وتدرك عواطفهم . ولا تتم هذه الامور كلها الا و بالإدراكات المكتسبة ( Perceptions acquises ) . والادراكات المكتسبة ليست في الحقيقة ادراكات ، وانما هي صور و معارف توحي بها الادراكات الطبيعية وتضمها اليها .
وهكذا تفرق التجربة الاحساسات ثم تجمعها ، لان هناك فعلين ذهنيين : فعل الفرق وفعل الجمع ، فيتألف من هذا الفرق وهذا الجمع جمل من المحسوسات لها شيء من الوحدة والثبوت ، إلا أنها تتغير . وليست الأشياء الخارجية سوى هذه الجمل المركبة . أنظر إلى قطعة الشمع ( مثال ديكارت ) : إن لها صفات متغيرة وصفات ثابتة : فالصفات المتغيرة هي : اللون والصلابة والحرارة والملاسة ، لانك إذا وضعت قطعة الشمع على النار ذابت وتغير لونها وازدادت حرارتها . وتسمى هذه الصفات المتغيرة بالصفات الثانية . أما الصفات الثابتة فهي الامتداد والمقاومة ، وهي موجودة في كل جسم ، لا بل هي أعظم شأناً من غيرها ، لانك لا تستطيع أن تتصور الجسم خالياً منها . ولذلك سميت بالصفات الأولى .
تعليق