فنان سعودي يبتكر للأصوات أشكالا مستخدما التكنولوجيا لاستنطاق أعماق الصحراء
عبيد الصافي يرصد اللامرئي ويحول الطبيعة إلى تساؤلات بصرية.
الأحد 2024/01/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
فلسفة بصرية مطلعة ومتفردة بذاتها السعودية
إن الفن هو ابن عصره، من هذا المنطلق فإن العصر الحالي الذي يشهد انتشار التكنولوجيا في كل شبر من العالم، وتحولها إلى عنصر أساسي في حياة البشر، يحتم على الفنانين الانتباه والتعامل بشكل مختلف، هناك منهم من يرفض التكنولوجيا ويفضل البقاء في الماضي، ولكن فنانين آخرين اختاروا التواصل معها وخلق عوالم مبتكرة فريدة، تخلق من الأدوات التقنية المعاصرة وسائل لاستنطاق الذات والطبيعة والتاريخ وغيرها، ما ينجح هؤلاء في إكسابها روحا أخرى، وهذا ما نجح فيه الفنان السعودي عبيد الصافي.
عبيد الصافي فنان لا يهدأ بحثا وتفكيرا وشغفا وانتماء، يبحث في الحجر وفي تكوينات الطبيعة، يدمج العصر في توليفاته الفنية والتقنية، ويؤكد أنه مثل عالم آثار مشغول دوما بتحليل الحجارة متسائلا عن مداها وأفقها وطبيعتها وتفككها واندماجها وتكاملها المصقول في الذات الوجودية للأمكنة واندماجها مع الأزمنة ومع ملامح البشر التي مرت عبرها بكل تفاعلاتها المادية والحسية.
تحمله إنسانيته وسعوديته إلى عمق وطنه ومنه إلى العالم، لذلك لم يكن صدفة فوزه بجائزة مركز “الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي” إثراء السادسة للإبداع الفني، محض صدفة، ولكنه كان نتاج استجماع لكل ما تلقنه من دراسات في الكمبيوتر والمعلوماتية والفنون سواء المحلية أو العالمية، التي اطلع عليها وجاب فيها ودمجها مع هويته البصرية التي تكاملت ونضجت في كل ما نفذه من إبداع.
نحو عناق أبدي
عبيد الصافي: الفن والتكنولوجيا المعاصرة هما اختراع اللحظة وابتكار تواصل بينهما بإبداع يخدم المفاهيم المعاصرة للفن بتطويراته ومواكباته
الصافي مختص في الإعلامية الجديدة والفيديو والمشاريع التي يتم استخدامها بواسطة البيانات، يدمج بين التصوير الفوتوغرافي والشعر والأدب العربي والذاكرة الجماعية الشعبية مع الذكاء الاصطناعي والبرمجة، لينتج أعماله بشكل معاصر حيث يربط بين التقنيات المعاصرة وروح الفنون بتجذراتها الإنسانية الغارقة في التاريخ ومواكبات الواقع اليومي، فهو يتصور المادة من خلال برمجة البيانات ويخلق بين الكمبيوتر والبيئة والثقافة علاقة تواصل حسية ابتكارية متخيلة.
يرتبط عبيد الصافي في أعماله بمكانه وملامحه الأولى التي تركز على الوجود المنبعث من عمق الصحراء تلك الطبيعة المتناقضة بين القسوة والعطاء بين التعايش والترحال التي ركزت الملامح المادية الطبيعية والبشرية بين السكون والصخب، فهي ليست الفراغ بل هي التجلي والتأمل وهي ليست المادة بل هي الروح، فكل تكوين فيها يعكس انبعاثات حسية وفعلية ومفهومية تثبت الوجود العنيد للإنسان.
تركيزه على الصحراء كفكرة حسية كان بمثابة عنصر تجريبي أساسي في أعماله، وبالتالي لم يخرجه عن مسارات بحثه وتساؤلاته في هذا المسار البصري والتقني والفني، فبعد عمله “الخلوج” ودهشة تقنياته البرمجية للذكاء الاصطناعي كعمل تركيبي نموذجي ثلاثي الأبعاد منفذ باعتماد خوارزمية الذكاء الاصطناعي نحت بالصوت شكلا جسد ألم الناقة في الصحراء بعد فقدان “حوارها” وليدها وبالتالي جسد تلك الذبذبات ببراعة بصرية وحسية، وهو ما لفت الانتباه إلى هذه الموهبة الفنية ومدى دقته البحثية عن تفاصيل المعايشات في الطبيعة والبيئة وميتافيزيقا الحياة فيها.
سلسلة تساؤلات بصرية وجودية
ثم عمله “ولكن سرابنا مستمر” وهو تفاصيل أخرى لواقعية البيئة وتفاصيل البحث في الطبيعة من خلال تجهيز فيديو بقناتين، صخرة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد والذي كان مشروع إقامة فنية بكوريا الجنوبية بالتعاون مع معهد مسك للفنون.
إذ يحمل العمل تساؤلات في الكون والطبيعة وما ورائياتها البصرية والحسية والوجودية، يثير فيها الغموض والتجلي والتفاعل والاندماج، بناها على خاصيات الصخور القديمة والبحث الأثري فيها عن أسرارها.
أما العمل الفائز بجائزة “إثراء” للفنون “نخيل في عناق أبدي” فيأتي ضمن مسابقة إثراء “الفن في الطبيعة” التي أقيمت بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا والذي شهد أكثر من 900 مشاركة، نجح فيها عبيد الصافي في توظيف انعكاس شغفه البصري بالذاكرة الجماعية والتكنولوجيا وعالم البيانات الرقمية وتفاعلها مع الطبيعة والمناخ وكيفية إيجاد حلول مبتكرة لحماية الطبيعة بالاعتماد على النخيل كرمزية وانتماء وخلود وكمفهوم أراده الصافي متناغم البصريات بين المؤثر والتأثير في وقع الصوت والحركة والصورة وما ورائياتها حتى يعكس تفاصيله الحسية في الطبيعة والبيئة السعودية العريقة واستشرافه البصري المعاصر.
الفن المعاصر
رؤية مفهومية عميقة
تعد التأملات البصرية المعاصرة التي تشهدها الحركة التشكيلية السعودية والتجريب الجديد الذي يواكبه الفنان التشكيلي السعودي بمختلف انتماءات التعبير لديه بمثابة الاكتشافات الملونة التي لا تقف عند مراحل التجريب وحدها، بل تصل إلى إثبات الذات الفنية والبصرية والحسية والذهنية والرؤيوية، فهي لا تنفك تثبت انتماءها لهويتها وبيئتها.
لقد استطاعت أن تحرك المشهد العام وتخلق التنافس البصري الممتع والمثير بما تحمله من لذة استيعاب لاندماجات الخامات والتفاعلات التجريبية بين المفاهيم والرؤى، ولعل الملفت في هذا التجريب المتنوع هو هذا التصور البصري الذي يقدمه الفنان عبيد الصافي في تفاصيل ممتعة عميقة وفلسفة بصرية مطلعة ومتفردة بذاتها السعودية.
يقول الفنان “دراستي لعلوم الكمبيوتر ألهمتني لأرى الأشياء من حولي برؤى مختلفة، خاصة وأن علوم الكمبيوتر تتغير وتتجدد في الأدوات والبرامج والتطبيقات فلا شيء يمكن أن يكون خاليا من المعنى. الفن والتكنولوجيا المعاصرة هما اختراع اللحظة وابتكار تواصل بينهما بإبداع يخدم المفاهيم المعاصرة للفن بتطويراته ومواكباته التي لا تتوقف عند زمن ما ولا مرحلة واحدة”.
ويضيف “الفن متصل بنا وبما يشهده كل عصر من تطور، ونحن قادرون على مزج التكنولوجيا بكل ما نستطيع من جماليات نوظفها حسب قدراتنا على تطويعها فكريا وحسيا لتتماشى مع مفاهيمنا البصرية ورسائلنا الفنية والإنسانية التي تحاكي روح العصر”.
رحلة تجريبية
رصد الذبذبات ببراعة بصرية وحسية
وظف عبيد الصافي الفنون أدبا وشعرا وفوتوغرافيا ومؤثرات صوتية وموسيقية مع تفاصيل التشكيل النحتي الرقمي وابتكر للأصوات أشكالا نحتها وتخيلها وتفاعل معها بصريا وجهزها في الفضاء لتتجسد في تأملات مثيرة للدهشة التي يرجوها وهو يداعب الفكرة القافزة من تساؤلاته وحيرته وقلقه المستمر إلى التجسيد المشكل للمادة.
هي الولادة التي يعيشها في كل تفصيل فني لأن العمل حسب رؤيته هو حالة معقدة تتطلب جهدا وفضولا وتساؤلات تتجلى في ذاته الذهنية والحسية بجمالية يراها مستمرة فيه ولا تهدأ، فهي حالة معقدة كما يقول “لا يعرفها إلا من يعيش حالات الإبداع ومخاضه وشغف التجلي الفني التي تتسلل إليه في شكل قلق وتساؤلات مغرية تثير الحيرة التي تقود إلى الحقيقة الملموسة أو الدهشة المشتهاة”.
إن حيرة عبيد الصافي هي سلسلة تساؤلات بصرية وجودية تؤسس لفلسفته الفنية ولقدرته على رؤية اللامرئي، الذي يعيد تشكيل تفرده البصري الذي لا يشبه سواه في دهشته، كتلك التي لامسها المتلقي في فكرة عمله مع “الخبز” وتفاعل البكتيريا معه ليكتب كلمة “سلام”، فما تحمله الفكرة من تناقضات، غير متوقعة، تبدأ في تجمع وتشكل وتنتهي بفناء يتحول فيه الخبز إلى السواد وهي مفارقات الوجود الباحث في ذاته عن الأمان المعتم، والتي يقول إنها “ما أعيشه من دهشة وأستدرج المتلقي ليعايشها معي ويطرح معي أيضا تساؤلاته”.
إن العملية الإبداعية لعبيد الصافي هي رحلة تجريبية أو مغامرة بحث مبنية على خلق تساؤلات حسية لفكرة ماورائية والبحث في عوالمها الغامضة وملامسة صورها المخيلة وتجسيدها لذلك، تبدأ من المراقبة إلى الاستنتاج إلى العمل الفني ولا تنتهي إلا لابتكار عمل آخر وخوض مغامرة أخرى بلذات لا متناهية، وهي الاستمرارية البحثية والفنية التي صقلت تجريبيات عبيد الصافي ومزجت في أعماله كل تلك الرؤى المدهشة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
عبيد الصافي يرصد اللامرئي ويحول الطبيعة إلى تساؤلات بصرية.
الأحد 2024/01/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
فلسفة بصرية مطلعة ومتفردة بذاتها السعودية
إن الفن هو ابن عصره، من هذا المنطلق فإن العصر الحالي الذي يشهد انتشار التكنولوجيا في كل شبر من العالم، وتحولها إلى عنصر أساسي في حياة البشر، يحتم على الفنانين الانتباه والتعامل بشكل مختلف، هناك منهم من يرفض التكنولوجيا ويفضل البقاء في الماضي، ولكن فنانين آخرين اختاروا التواصل معها وخلق عوالم مبتكرة فريدة، تخلق من الأدوات التقنية المعاصرة وسائل لاستنطاق الذات والطبيعة والتاريخ وغيرها، ما ينجح هؤلاء في إكسابها روحا أخرى، وهذا ما نجح فيه الفنان السعودي عبيد الصافي.
عبيد الصافي فنان لا يهدأ بحثا وتفكيرا وشغفا وانتماء، يبحث في الحجر وفي تكوينات الطبيعة، يدمج العصر في توليفاته الفنية والتقنية، ويؤكد أنه مثل عالم آثار مشغول دوما بتحليل الحجارة متسائلا عن مداها وأفقها وطبيعتها وتفككها واندماجها وتكاملها المصقول في الذات الوجودية للأمكنة واندماجها مع الأزمنة ومع ملامح البشر التي مرت عبرها بكل تفاعلاتها المادية والحسية.
تحمله إنسانيته وسعوديته إلى عمق وطنه ومنه إلى العالم، لذلك لم يكن صدفة فوزه بجائزة مركز “الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي” إثراء السادسة للإبداع الفني، محض صدفة، ولكنه كان نتاج استجماع لكل ما تلقنه من دراسات في الكمبيوتر والمعلوماتية والفنون سواء المحلية أو العالمية، التي اطلع عليها وجاب فيها ودمجها مع هويته البصرية التي تكاملت ونضجت في كل ما نفذه من إبداع.
نحو عناق أبدي
عبيد الصافي: الفن والتكنولوجيا المعاصرة هما اختراع اللحظة وابتكار تواصل بينهما بإبداع يخدم المفاهيم المعاصرة للفن بتطويراته ومواكباته
الصافي مختص في الإعلامية الجديدة والفيديو والمشاريع التي يتم استخدامها بواسطة البيانات، يدمج بين التصوير الفوتوغرافي والشعر والأدب العربي والذاكرة الجماعية الشعبية مع الذكاء الاصطناعي والبرمجة، لينتج أعماله بشكل معاصر حيث يربط بين التقنيات المعاصرة وروح الفنون بتجذراتها الإنسانية الغارقة في التاريخ ومواكبات الواقع اليومي، فهو يتصور المادة من خلال برمجة البيانات ويخلق بين الكمبيوتر والبيئة والثقافة علاقة تواصل حسية ابتكارية متخيلة.
يرتبط عبيد الصافي في أعماله بمكانه وملامحه الأولى التي تركز على الوجود المنبعث من عمق الصحراء تلك الطبيعة المتناقضة بين القسوة والعطاء بين التعايش والترحال التي ركزت الملامح المادية الطبيعية والبشرية بين السكون والصخب، فهي ليست الفراغ بل هي التجلي والتأمل وهي ليست المادة بل هي الروح، فكل تكوين فيها يعكس انبعاثات حسية وفعلية ومفهومية تثبت الوجود العنيد للإنسان.
تركيزه على الصحراء كفكرة حسية كان بمثابة عنصر تجريبي أساسي في أعماله، وبالتالي لم يخرجه عن مسارات بحثه وتساؤلاته في هذا المسار البصري والتقني والفني، فبعد عمله “الخلوج” ودهشة تقنياته البرمجية للذكاء الاصطناعي كعمل تركيبي نموذجي ثلاثي الأبعاد منفذ باعتماد خوارزمية الذكاء الاصطناعي نحت بالصوت شكلا جسد ألم الناقة في الصحراء بعد فقدان “حوارها” وليدها وبالتالي جسد تلك الذبذبات ببراعة بصرية وحسية، وهو ما لفت الانتباه إلى هذه الموهبة الفنية ومدى دقته البحثية عن تفاصيل المعايشات في الطبيعة والبيئة وميتافيزيقا الحياة فيها.
سلسلة تساؤلات بصرية وجودية
ثم عمله “ولكن سرابنا مستمر” وهو تفاصيل أخرى لواقعية البيئة وتفاصيل البحث في الطبيعة من خلال تجهيز فيديو بقناتين، صخرة مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد والذي كان مشروع إقامة فنية بكوريا الجنوبية بالتعاون مع معهد مسك للفنون.
إذ يحمل العمل تساؤلات في الكون والطبيعة وما ورائياتها البصرية والحسية والوجودية، يثير فيها الغموض والتجلي والتفاعل والاندماج، بناها على خاصيات الصخور القديمة والبحث الأثري فيها عن أسرارها.
أما العمل الفائز بجائزة “إثراء” للفنون “نخيل في عناق أبدي” فيأتي ضمن مسابقة إثراء “الفن في الطبيعة” التي أقيمت بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا والذي شهد أكثر من 900 مشاركة، نجح فيها عبيد الصافي في توظيف انعكاس شغفه البصري بالذاكرة الجماعية والتكنولوجيا وعالم البيانات الرقمية وتفاعلها مع الطبيعة والمناخ وكيفية إيجاد حلول مبتكرة لحماية الطبيعة بالاعتماد على النخيل كرمزية وانتماء وخلود وكمفهوم أراده الصافي متناغم البصريات بين المؤثر والتأثير في وقع الصوت والحركة والصورة وما ورائياتها حتى يعكس تفاصيله الحسية في الطبيعة والبيئة السعودية العريقة واستشرافه البصري المعاصر.
الفن المعاصر
رؤية مفهومية عميقة
تعد التأملات البصرية المعاصرة التي تشهدها الحركة التشكيلية السعودية والتجريب الجديد الذي يواكبه الفنان التشكيلي السعودي بمختلف انتماءات التعبير لديه بمثابة الاكتشافات الملونة التي لا تقف عند مراحل التجريب وحدها، بل تصل إلى إثبات الذات الفنية والبصرية والحسية والذهنية والرؤيوية، فهي لا تنفك تثبت انتماءها لهويتها وبيئتها.
لقد استطاعت أن تحرك المشهد العام وتخلق التنافس البصري الممتع والمثير بما تحمله من لذة استيعاب لاندماجات الخامات والتفاعلات التجريبية بين المفاهيم والرؤى، ولعل الملفت في هذا التجريب المتنوع هو هذا التصور البصري الذي يقدمه الفنان عبيد الصافي في تفاصيل ممتعة عميقة وفلسفة بصرية مطلعة ومتفردة بذاتها السعودية.
يقول الفنان “دراستي لعلوم الكمبيوتر ألهمتني لأرى الأشياء من حولي برؤى مختلفة، خاصة وأن علوم الكمبيوتر تتغير وتتجدد في الأدوات والبرامج والتطبيقات فلا شيء يمكن أن يكون خاليا من المعنى. الفن والتكنولوجيا المعاصرة هما اختراع اللحظة وابتكار تواصل بينهما بإبداع يخدم المفاهيم المعاصرة للفن بتطويراته ومواكباته التي لا تتوقف عند زمن ما ولا مرحلة واحدة”.
ويضيف “الفن متصل بنا وبما يشهده كل عصر من تطور، ونحن قادرون على مزج التكنولوجيا بكل ما نستطيع من جماليات نوظفها حسب قدراتنا على تطويعها فكريا وحسيا لتتماشى مع مفاهيمنا البصرية ورسائلنا الفنية والإنسانية التي تحاكي روح العصر”.
رحلة تجريبية
رصد الذبذبات ببراعة بصرية وحسية
وظف عبيد الصافي الفنون أدبا وشعرا وفوتوغرافيا ومؤثرات صوتية وموسيقية مع تفاصيل التشكيل النحتي الرقمي وابتكر للأصوات أشكالا نحتها وتخيلها وتفاعل معها بصريا وجهزها في الفضاء لتتجسد في تأملات مثيرة للدهشة التي يرجوها وهو يداعب الفكرة القافزة من تساؤلاته وحيرته وقلقه المستمر إلى التجسيد المشكل للمادة.
هي الولادة التي يعيشها في كل تفصيل فني لأن العمل حسب رؤيته هو حالة معقدة تتطلب جهدا وفضولا وتساؤلات تتجلى في ذاته الذهنية والحسية بجمالية يراها مستمرة فيه ولا تهدأ، فهي حالة معقدة كما يقول “لا يعرفها إلا من يعيش حالات الإبداع ومخاضه وشغف التجلي الفني التي تتسلل إليه في شكل قلق وتساؤلات مغرية تثير الحيرة التي تقود إلى الحقيقة الملموسة أو الدهشة المشتهاة”.
إن حيرة عبيد الصافي هي سلسلة تساؤلات بصرية وجودية تؤسس لفلسفته الفنية ولقدرته على رؤية اللامرئي، الذي يعيد تشكيل تفرده البصري الذي لا يشبه سواه في دهشته، كتلك التي لامسها المتلقي في فكرة عمله مع “الخبز” وتفاعل البكتيريا معه ليكتب كلمة “سلام”، فما تحمله الفكرة من تناقضات، غير متوقعة، تبدأ في تجمع وتشكل وتنتهي بفناء يتحول فيه الخبز إلى السواد وهي مفارقات الوجود الباحث في ذاته عن الأمان المعتم، والتي يقول إنها “ما أعيشه من دهشة وأستدرج المتلقي ليعايشها معي ويطرح معي أيضا تساؤلاته”.
إن العملية الإبداعية لعبيد الصافي هي رحلة تجريبية أو مغامرة بحث مبنية على خلق تساؤلات حسية لفكرة ماورائية والبحث في عوالمها الغامضة وملامسة صورها المخيلة وتجسيدها لذلك، تبدأ من المراقبة إلى الاستنتاج إلى العمل الفني ولا تنتهي إلا لابتكار عمل آخر وخوض مغامرة أخرى بلذات لا متناهية، وهي الاستمرارية البحثية والفنية التي صقلت تجريبيات عبيد الصافي ومزجت في أعماله كل تلك الرؤى المدهشة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية