ميكي ماوس ووالت ديزني.. مئة عام من مجد عابر للأجيال
النجاح الكبير لميكي ماوس الذي ترسخ في وجدان الأجيال المتلاحقة جعله أول شخصية كارتونية تحصل على نجمة في ممشى المشاهير في هوليوود منذ عام 1978.
السبت 2024/01/06
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الفأر المتمرد وصانعه
لندن- سبعة وخمسون عاما مرت على وفات والت ديزني، لكن تأثيره في عالم الإنتاج السينمائي والرسوم المتحركة والترفيه مازال ماثلا إلى اليوم عبر شركة الإنتاج الضخمة التي تحمل اسمه “والت ديزني” وتعرف اختصارا بديزني، التي تحتفي هذا العام بمئويتها.
مئة عام مرت منذ تأسيس الأخوين والت وروي ديزني شركة ديزني في السادس عشر من أكتوبر 1923، والتي بدأت في شكل أستوديو لفن التحريك (الأنيمايشن) والتي بدأت في مرأب عمهم روبرت ديزني، لتتطور لاحقا وتصبح واحداً من أكبر الأستوديوهات في هوليوود، بفضل شخصية كرتونية هي الأشهر في العالم، ومن هناك بدأت مسيرة نجاح استثنائي.
الشخص والشركة شيء واحد
◙ مع ولادة ميكي ماوس بدأت شركة ديزني تحقيق الريادة في عالم الكرتون والترفيه لتصبح أكبر المنتجين العالميين
كان إطلاق شخصية ميكي ماوس سنة 1928 نقطة تحول كبرى في تاريخ ديزني، حملها إلى ريادة عالم الترفيه والصور المتحركة والانتشار العالمي، نظرا إلى الشخصية غير المألوفة التي قدمتها وهي مستوحاة من الممثل الكوميدي الإنجليزي تشارلي شابلن، وهو ما أكده مبتكر الشخصية والت ديزني، موضحا أن ابتكار ميكي وليد بحثه عن شيء جذاب، لذا فكر في فأر صغير لديه شيء من حزن شابلن ويحاول أن يفعل أفضل ما في وسعه.
قاد ميكي والت ديزني ليصبح الشخصية المحورية في تاريخ سينما الرسوم المتحركة للأطفال، وأيقونة ثقافية في هذا المجال، وقد تصدّر صناعة الترفيه خلال معظم القرن العشرين بفضل الفأر الأشهر عالميا.
ذاع صيت ديزني بوصفه رساما ومخرجا ومنتجا سينمائيا، مبكرا في مجال الرسوم المتحركة، وإن ابتكر شخصيات كارتونية كثيرة حققت الشهرة فإن ميكي ماوس، الشخصية التي أداها ديزني بصوته الأصلي، تبقى الأكثر رواجا.
نجاح والت ديزني استمر إلى حين وفاته سنة 1966، تاركا إرثا كبيرا من أعمال الكرتون خاصة، ورصيدا كبيرا من جوائز الأوسكار يصل إلى ست وعشرين جائزة نالها من أصل تسع وخمسين ترشيحا خلال حياته، وجوائز فخرية أخرى، مما أهله ليكون الشخص الأكثر حصولا على جوائز الأكاديمية، كما حصل على سبع جوائز إيمي. وسمي العديد من الجوائز باسمه لاحقا.
هناك اندماج كبير بين الشخص والشركة التي أسسها رفقة أخيه، فكلاهما واحد، والت ديزني الشخص ووالت ديزني الشركة، اندماج طموح كان رهانه التأثير والتأسيس لعالم ترفيه لا يخلو من نزعة ثقافية تتجه نحو التحرر من القيود وهو ما تؤكده شخصية ميكي التي صارت رمزا للتمرد لكن دون ضجيج أو عنف.
شركة رائدة
مسيرة طويلة شقتها ديزني من المرأب إلى العالمية مؤسسة لأستوديوهاتها الخاصة في بربانك كاليفورنيا. وانطلقت الشركة من فيلم قصير بعنوان “أليس في بلاد عجائب” قام والت ديزني برسم شخصياته وهو من بطولة الممثلة الطفلة فرجينيا ديفيس التي تتفاعل مع شخصيات الرسوم المتحركة.
وبعد نجاح الفيلم انتقلت الشركة والأخوان إلى لوس أنجلس، وقدمت الشركة سلسلة كرتونية كاملة من بطولة شخصيتها الأصلية الأولى الأرنب المحظوظ أوزوالد، والتي تم توزيعها من قبل شركة وينكلر يونيفرسال بيكتشرز. لكن ديزني لم تنجز سوى 26 حلقة لشخصية أوزوالد قبل أن تخسر عقد توزيعه وتغيّر مسارها مرة أخرى.
بعد فقدان شخصية أوزوالد، بدأ والت ديزني في العام 1928 بالتعاون مع الرسام أب أيوركس خلق شخصية جديدة ستكون بداية مجد طويل وانتشار ليس له مثيل، إنها شخصية الفأر ميكي ماوس. وقد صدرت أولى أفلام ميكي في الثامن عشر من نوفمبر 1928، وكان أول كرتون يستعمل تقنية الصوت المتزامن.
من هناك بدأت الشركة في تحقيق الريادة في عالم الكرتون والترفيه، وبدأت شخصية ميكي تتخطى بشهرتها الحدود والأنظمة والثقافات، لتحدث انقلابا في عالم الكرتون وتتخطاه إلى عالم الكبار.
ابتكر والت ديزني وأب أيوركس ميكي مواس، الذي كان اسمه في البداية مورتيمر، قبل أن تعبّر زوجة والت عن رأيها في الاسم الذي وجدته غير مناسب للشخصية، واقترحت اسم ميكي، وثبتت فعلا رجاحة رأيها، حيث كان الاسم من جملة عناصر كثيرة ساهمت في شهرة الشخصية وسلاسة تقبلها.
الفأر الأشهر
ميكي الفأر ذو الطباع البشرية شخصية جريئة جدا، كما أنه عفوي وذكي ويمكنه إيجاد حلول لأيّ مشكلة. كما أنه شخصية متمردة بعض الشيء، تعيش وفق قوانينها الخاصة. هذه الصفاة جعلت من ميكي يتحول إلى حلم المراهقة، إذ يتمرد وينجح في ذلك.
وعلى امتداد تاريخه الذي يصل إلى أكثر من خمسة وتسعين عاما، خضع ميكي لبعض التعديلات كان أهمها حين تحولت الرسوم المتحركة إلى الألوان فأصبح شكله المستدير على شكل كمّثرى وأنفه صار أصغر مع إضافة عيون أكثر واقعية وتفاصيل وتحول من البشرة البيضاء تدريجيا إلى بشرة قوقازية أكثر، لكن اللافت فيه هو أذناه اللتين لا تتحركان واللتين تبقيان على حالهما مهما استدار ميكي برأسه، ولعل هذا ما رسخ تلكما الأذنين في مخيلة الأجيال المتلاحقة حتى صارتا علامة بل أيقونة.
ميكي ماوس له طباع البشر إذ يرتدي قفازات بيضاء في يديه وغالبا سروالا أحمر وحذاء أصفر كبيرا، ويدخل مغامرات مثيرة يثبت خلالها رجاحة رأيه وقدرته على الخروج من أيّ مأزق. نجده في الغالب مع حبيبته ميني ماوس وكلبه بلوتو وأصدقائه بطوط وبندق، وتحصل معه المواقف الكوميدية المثيرة للضحك، بينما يثبت هو من خلالها شخصيته التي تجمع بين روح التمرد والحكمة.
◙ ميكي الفأر ذو الطباع البشرية شخصية جريئة جدا، كما أنه عفوي وذكي ويمكنه إيجاد حلول لأي مشكلة
يشبه ميكي شارلي شابلن، إذ لكل منهما طابع كوميدي، لكن ميكي وإن بدأ شخصية صامتة فسرعان ما تحول إلى ناطق بصوت متزامن، وقد أدى صوته والت ديزني بنفسه، ثم خلفه ممثلون آخرون لعل أبرزهم واين ألوين الذي أدى شخصية ميكي صوتيا لمدة 32 عاما متواصلة.
النجاح الكبير الذي حققه ميكي ماوس جعله أول شخصية كارتونية تحصل على نجمة في ممشى المشاهير في هوليوود منذ عام 1978، لكن النجاح الأكبر هو ترسخ هذه الشخصية في وجدان الأجيال المتلاحقة ومخيلتها طيلة قرن من الزمان في مختلف أنحاء العالم.
ميكي على امتداد العقود التي مرت تحول فعليا إلى أيقونة ثقافية، لا نجده في الكرتون فحسب، بل نجده على الملابس وفي مدن الألعاب ومنحوتات للأطفال وأقنعة ونجد رسمه على الكؤوس والأدوات المدرسية وجدران المدارس والأماكن المخصصة للأطفال، وغيرها، تقريبا يدخل ميكي في عالم الطفل أينما كان من غرفته إلى العالم الخارجي.
تأثير ميكي الكبير يظهر مثلا في انتهاج بعض المصوتين في الانتخابات الأميركية بكتابة اسمه كاملا “ميكي ماوس” على أوراق الاقتراع تعبيرا عن الرفض. الفأر البشري المتمرد صار ثقافة واسعة الانتشار وها هو يشهد اليوم تغييرا جذريا مع انتهاء امتلاك ديزني لحقوق المؤلف للنسخة الأولى من شخصية ميكي مؤخرا.
خروج ميكي من أحضان ديزني يبشر بولادة أخرى للشخصية العالمية الأشهر. فقد طرحت لعبة رعب جديدة من بطولة ميكي ماوس، الذي تحول في اللعبة إلى شرير، بعد أقل من 24 ساعة من دخول شخصية ديزني الكرتونية الشهيرة إلى الملك العام. كما جرى الإعلان عن فيلمي رعب مستقلين جديدين يتمحوران حول الفأر الشهير، وهو ما ينبئ بمستقبل آخر مختلف مع اختتام ميكي عامه المئة. فهل تكون المئوية الثانية لميكي ولادة أخرى مغايرة تماما للفأر ذي الطباع البشرية؟
◙ تأثير ميكي يتجاوز الزمن◙ أيقونة خالدة لأجيال متلاحقة