نبيل الحفار
زكي طليمات (1905ـــ 1978) ممثل ومخرج وإداري مسرحي مصري، شارك ممثلاً في فيلم «نشيد الأمل» عام 1936 إلى جانب أم كلثوم، وبعض الأفلام السينمائية دون أن يترك فيها بصمة لافتة، وأسهم في الكتابة الصحفية حول المسرح وفي التأريخ لحركة المسرح العربي. ولد طليمات في القاهرة لعائلة برجوازية متوسطة، وتعلم فيها حتى حصل على الشهادة الثانوية، فانتقل إلى «مدرسة المعلمين»، ولكنه لم يكمل دراسته فيها، إذ حصل من الدولة المصرية على منحة لدراسة المسرح في فرنسا، إلا أنه لم يتبع هناك دراسة أكاديمية نظامية، بل جمع خبرات متعددة في عدة سنوات في التمثيل والإخراج والإلقاء وتنظيم الفرق المسرحية، وعاد إلى مصر في نهاية عام 1929.
وفي عام 1930 قدم طليمات اقتراحاً بضرورة تأسيس معهد لفن التمثيل في مصر يعمل على النهوض بالحركة المسرحية على قواعد أكاديمية وفنية راسخة. أخذت وزارة المعارف بالاقتراح وأنشأت المعهد في العام نفسه، واستمر مدة عام واحد؛ إذ قام وزير المعارف الجديد بإغلاقه، بدعوى «مخالفة الدين والتقاليد، وإباحته الاختلاط، وبذر بذور الفساد بين الجنسين»، وظل المعهد مغلقاً حتى عام 1944حين أعيد إنشاؤه باسم «معهد التمثيل العربي»، وفي العام نفسه1930أسهم طليمات في تأسيس «المسرح المدرسي» تابعاً لوزارة المعارف، الذي قام بدور ريادي في دمج الفن المسرحي بالحركة الاجتماعية وبتنشئة أجيال من المطلعين على المسرح والراغبين في دراسته علمياً وفنياً.
آنذاك كانت «فرقة رمسيس» بقيادة يوسف وهبي وعزيز عيد أهم فرقة مسرحية في مصر وأنشطها، وقد امتد تأثيرها إلى بعض البلدان العربية. وكانت أهم ممثلات الفرقة هي روز اليوسف التي تزوجها طليمات، بعد تحولها إلى الصحافة وتأسيسها مجلة «روز اليوسف» أسهم طليمات في تحريرها.
وعندما أسست الدولة في عام 1935 «الفرقة القومية للتمثيل» بإدارة الشاعر خليل مطران مترجم مسرحيات شكسبير وبإشراف طه حسين ومحمد حسين هيكل وأحمد ماهر، كان طليمات من بين أبرز ممثليها. وقد اتهمت الفرقة بتوجهها إلى نخبة ضيقة من المثقفين، فحلتها الدولة عام 1941وأنشأت بدلاً منها عام 1942 «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى» بتوجه مغاير للسابق، بحيث تقدم أعمالاً بالعامية المصرية إلى جانب المسرحيات الغنائية والمسرحيات المترجمة إلى الفصحى، أو المنظومة بها، وكان طليمات من أبرز وجوهها إلى جانب يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب وقد اتهم الأولان بالتحيز في اختيار عروض المواسم، مما أدى في عام 1956إلى تغيير إدارة الفرقة ووضع خطة عمل لها، قال فيها علي الراعي: «بها بدأ للمسرح العربي في مصر عهد جديد مجيد».
وفي عام 1950 أسس طليمات «فرقة المسرح الحديث» معتمداً على خريجي وخريجات «معهد التمثيل العربي» الذي افتتح مجدداً في عام 1944. لكن الفرقة لم تقدم جديداً متميزاً عن الفرق السابقة حتى قام مديرها الثاني يوسف وهبي بتحويل توجهها الفني نحو الأسس التجارية الرابحة، ولكنه سرعان ما انسحب من الفرقة إثر حريق القاهرة عام 1952 تاركاً طليمات للنضال وحده في الساحة.
وفي عام 1958 استدعت دولة الكويت زكي طليمات بصفته خبيراً مسرحياً للتداول معه حول وضع الأسس للنهوض بالمسرح في الكويت، وبعد عدة شهور من الدراسة والاطلاع، قدَّم طليمات تقريراً أوصى فيه بتكوين فرقة محلية باسم «فرقة المسرح العربي« تقدم أعمالها بالعربية الفصحى وتعنى بصقل مواهب الشباب وإعدادهم مسرحياً. وانتقد طليمات في تقريره عروض المسرح الشعبي لأنها تسرف في الارتجال، مما يؤدي إلى خلخلة العرض فنياً، أي إنه لابد للممثل من التقيد بنص مسرحي أدبي متين يحدد لـه حواره ودوره. ولكن بمرور بضع سنوات على التجربة الجديدة ونتائجها غير المجدية تخلى عنها طليمات واتجه نحو المسرحيات الحديثة شكلاً ومضموناً بالفصحى والعامية، ولاسيما بعد أن استحضر ممثلتين من مصر للقيام بالأدوار النسائية الضرورية، وكان السبب الرئيسي لتصورات طليمات هو توجهه الكلاسيكي المحض حسب نموذج الممثل الشهير جورج أبيض الدارس في بداياته في فرنسا، فطليمات لم يستطع تجاوز ما تجاوزه أستاذه أبيض متوجهاً نحو المحلية والراهنية في الموضوع المطروح، أضافة إلى ذلك أن طليمات كان تراجيدي النزعة، الأمر الذي لم يجد أصداء ملائمة في الكويت.
بعد محطة الكويت انتقل طليمات إلى الإمارات العربية بمهمة شبيهة بالسابقة، وكانت النتائج إلى حد بعيد متشابهة، لكن حضور خبراء مسرحيين عرب بخلفيات وتجارب حديثة من تونس وسورية والعراق إلى منطقة الخليج ساعد على تطوير التجارب المحلية الواعدة بالتفتح والتطور، ولاسيما على صعيد التمثيل.
في عام 1971 نشر طليمات كتابين نظريين يعدان ثمرة خبراته الطويلة في العمل المسرحي المصري والخليجي، أولهما بعنوان «التمثيل، المسرحية، المسرح العربي»، في الكويت، والثاني بعنوان «فن التمثيل العربي» في القاهرة.