وحدة الاحساس .. الإحسَاس
وحدة الاحساس
زعم ( تين ) و ( سبنسر ) وغير هما من فلاسفة التداعي أن الإحساس ليس عنصراً بسيطاً لا يتجزأ ، وإنما هو شيء مركب من إحساسات صغيرة أولية . فكما أنه لا فرق بين صوت و آخر إلا بعدد الامواج وسعتها ، كذلك لا فرق بين إحساس الذوق وإحساس اللمس مثلا إلا بعدد العناصر الأولية التي يشتملان عليها . وهذا العنصر الأولي البسيط مشترك بين جميع الاحساسات . ولنذكر الآن بعض أدلة هذه النظرية :
١ - إن خواص الاجسام تنحل إلى عنصر واحد مشترك بينها كلها وهي الحركة فإذا كان العنصر الأولي للمؤثرات الخارجية واحداً ، كان لا بد من وجود عنصر نفسي أولي مطابق لهذا العنصر الخارجي ، وهو الصدمة العصبية ( Choc nerveux ) .
٢ - كان العلماء يظنون قبل ( لافوازيه ) ان الاجسام بسيطة ، فأثبت العلم الحديث أنها مركبة من عناصر أولية مشتركة . الكيماوي يمزج ذرة من الأزوت بذرة أو ذرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس من الاوكسجين فيحصل على خمسة أجسام مختلفة الخواص . فعلى العالم النفسي أن ينهج منهج العالم الكيميائي ، ويحلل الاحساسات إلى عناصرها البسيطة ، فإذا عرف العنصر البسيط الذي تتركب منه الاحساسات استطاع عند ذلك أن يمزج إحساساً بسيطاً بغيره من الاحساسات البسيطة ، و أن يكون على هذه الصورة إحساس اللمس أو إحساس البصر ، كما يركب الكيماوي بعض الاجسام بمزج عناصرها البسيطة بعضها ببعض .
٣ - إن تقدم علم الطبيعة سهل على العلماء إثبات هذه النظرية . قالوا إن اختلاف كيفية الاصوات ناشىء عن اختلاف كمية المؤثرات ، وأن شدة الصوت تابعة لسعة الامواج وأن ارتفاعه راجع إلى عدد الامواج ، وأن الجرس فيه حادث عن امتزاج الصوت الاساسي بغيره من الاصوات الفرعية ، فيمكنك إذن أن تعتبر الاصوات كلها مركبة من صوت أولي بسيط ، ويمكنك أيضاً أن تقول في الالوان ما قلته في الاصوات ، فتجعل الالوان كالاصوات مركبة من لون أولي بسيط ، وهكذا دواليك في جميع الاحساسات .
- للسمع احساس أولي بسيط تتركب منه جميع الاصوات ، كما ان للذوق احساساً بسيطاً تتركب منه جميع الطعوم . ثم ان الاحساس السمعي البسيط لا يختلف عن الاحساس اللمسي البسيط إلا بالكيف ، اما من جهة الكم فيمكننا أن نعتبر جميع هذه الإحساسات البسيطة مركبة من عنصر نفسي واحد ، وهذا العنصر الأولي البسيط يسميه ( سبنسر ) كما رأيت بالصدمة العصبية وهو وحده الجزء الذي لا يتجزأ ، أما الاحساسات فهي مركبة منه ، وتختلف بعضها عن بعض بحسب درجة تركيبها . وهكذا جعل ( سبنسر ) جوهر النفس مركباً من الصدمات العصبية ، كما جعل ( ابيقوروس ( جوهر المادة مركباً من الاجزاء الفردة التي لا تتجزأ .
وقعد نظرية وحدة الاحساس هذه متممة لنظرية ( كوندياك ) التي تجعل الملكات النفسية كلها مركبة من الاحساس . ولنذكر الآن بعض ما قيل في الاعتراض على هذه النظرية :
١ - لا يوجد في الطبيعة شيء يشبه هذا التركيب ولا هذه الوحدة ، لأن صفات الاشياء المركبة لا تختلف عن صفات العناصر اختلافاً جوهرياً ، ولا يحدث هذا التركيب اختلافاً في الصفات المدركة ، إلا إذا وجد فوق تلك العناصر موجود آخر تكون نسبته إلى المركبات مختلفة عن نسبة المركبات إلى عناصرها ، فهو وحده يستطيع أن يدرك ما بين المركبات وعناصرها من الاختلاف . فإذا قيل ان الماء جسم مركب وان صفاته عن صفات الاوكسجين والهيدروجين ، قلنا إن صفات الماء في ذاته لا تختلف عن صفات عنصرية إلا في عيني المشاهد الخارجي . قال ( رابيه ) ( ( ۱ ) ما خلاصته : لا تتنوع صفات الاشياء في نظرنا إلا بحسب تأثيرها في نفوسنا ، واختلاف المركبات عن عناصرها ليس ناشئاً . عن طبائعها بل عن شعورنا بها . فالشعور مبدع الصفات والكيفيات ، ومبدل الاشياء وواهب الجمال . وهو الساحر العجيب الذي تحدث عنه جميعا الاستحالات ، فيبدل اجزاء مختلفة الاوكسجين والهيدروجين إلى قطرات من الندى ويقلب قطر الندى إلى قوس قزح .
وعلى ذلك فإنه إذا تولد ۱۰۰۰ احساس أولي من ۱۰۰۰ موجة بسيطة بقيت هذه الاحساسات الأولية منفصلة بعضها عن بعض حتى تزول من الشعور . ولا يمكنها أن تتحد وتؤلف احساساً كلياً جامعاً إلا إذا وجد فوقها مدرك آخر مختلف عنها .
٢ ـ لو كانت نظرية وحدة الاحساس صحيحة لاحدثت كل موجة احساساً أولياً . ولكن الف موجة لا تحدث الف احساس أولي ، لان سرعة الناقلية العصبية أقل من سرعة المنبهات الخارجية . ويمكنك أن تعتبر ذلك بحال التيار الكهربائي فهو ، أسرع من التيار العصبي . وعلى ذلك فإن آثار الامواج الكهربائية تختلط قبل أن يصل تأثيرها الأطراف إلى المراكز العصبية . وهذا مناقض لنظرية وحدة الاحساس ، لان هذه النظرية تقتضي أن يحدث المؤثر البسيط احساساً أولياً منفرداً ، وقد رأيت أن آثار الامواج الكهربائية مثلا لا تبقى مستقلة بعضها عن بعض ، بل تختلط قبل أن نشعر بها ف الاحساس الذي شعرنا به ليس ناشئاً عن مؤثر بسيط ، وانما هو متولد من امتزاج المؤثرات بعضها ببعض قبل وصولها إلى ساحة الشعور .
٣ ـ ان هذه النظرية لا توضح لنا كيف تتولد الاحساسات المتباينة من الصدمات العصبية المتجانسة . ان احساس السمع مختلف عن احساس البصر ، فكيف يتولدان من عنصر نفسي واحد ؟ لم يقل ) هربرت سبنسر ( بالصدمة العصبية إلا ليبين كيف تتولد الاحساسات المتباينة من المؤثرات المتجانسة . فالمؤثرات الطبيعية عنده تنحل إلى حركات متجانسة ، والحركة تولد الصدمة العصبية ، وهي الاصل في كل احساس ، ولا يختلف احساس السمع عن احساس البصر ، إلا بعدد الصدمات العصبية الموجودة فيه . ولكننا لا ندري كيف ينقلب المتجانس إلى المتباين ، ولا كيف تتوسط الصدمة العصبية بين المؤثر والاحساس .
وقصارى القول أن نظرية وحدة الاحساس كنظرية ) هلهولتز ) و ( موللر ) تريد أن تجعل اختلاف الصفات الحسية للاجسام وهما متولداً من كيفية الشعور بها لا من اختلافها الحقيقي في الخارج ، كأن الاشياء في ذاتها ليس لها لون ولا رائحة ، وكأن جميع الامور المحسوسة حركات بسيطة متجانسة ؛ وليس اختلاف احساسنا بها الا ضرباً من الوهم وقد رأيت ان هذا الرأي مخالف لفلسفة التطور .
وحدة الاحساس
زعم ( تين ) و ( سبنسر ) وغير هما من فلاسفة التداعي أن الإحساس ليس عنصراً بسيطاً لا يتجزأ ، وإنما هو شيء مركب من إحساسات صغيرة أولية . فكما أنه لا فرق بين صوت و آخر إلا بعدد الامواج وسعتها ، كذلك لا فرق بين إحساس الذوق وإحساس اللمس مثلا إلا بعدد العناصر الأولية التي يشتملان عليها . وهذا العنصر الأولي البسيط مشترك بين جميع الاحساسات . ولنذكر الآن بعض أدلة هذه النظرية :
١ - إن خواص الاجسام تنحل إلى عنصر واحد مشترك بينها كلها وهي الحركة فإذا كان العنصر الأولي للمؤثرات الخارجية واحداً ، كان لا بد من وجود عنصر نفسي أولي مطابق لهذا العنصر الخارجي ، وهو الصدمة العصبية ( Choc nerveux ) .
٢ - كان العلماء يظنون قبل ( لافوازيه ) ان الاجسام بسيطة ، فأثبت العلم الحديث أنها مركبة من عناصر أولية مشتركة . الكيماوي يمزج ذرة من الأزوت بذرة أو ذرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس من الاوكسجين فيحصل على خمسة أجسام مختلفة الخواص . فعلى العالم النفسي أن ينهج منهج العالم الكيميائي ، ويحلل الاحساسات إلى عناصرها البسيطة ، فإذا عرف العنصر البسيط الذي تتركب منه الاحساسات استطاع عند ذلك أن يمزج إحساساً بسيطاً بغيره من الاحساسات البسيطة ، و أن يكون على هذه الصورة إحساس اللمس أو إحساس البصر ، كما يركب الكيماوي بعض الاجسام بمزج عناصرها البسيطة بعضها ببعض .
٣ - إن تقدم علم الطبيعة سهل على العلماء إثبات هذه النظرية . قالوا إن اختلاف كيفية الاصوات ناشىء عن اختلاف كمية المؤثرات ، وأن شدة الصوت تابعة لسعة الامواج وأن ارتفاعه راجع إلى عدد الامواج ، وأن الجرس فيه حادث عن امتزاج الصوت الاساسي بغيره من الاصوات الفرعية ، فيمكنك إذن أن تعتبر الاصوات كلها مركبة من صوت أولي بسيط ، ويمكنك أيضاً أن تقول في الالوان ما قلته في الاصوات ، فتجعل الالوان كالاصوات مركبة من لون أولي بسيط ، وهكذا دواليك في جميع الاحساسات .
- للسمع احساس أولي بسيط تتركب منه جميع الاصوات ، كما ان للذوق احساساً بسيطاً تتركب منه جميع الطعوم . ثم ان الاحساس السمعي البسيط لا يختلف عن الاحساس اللمسي البسيط إلا بالكيف ، اما من جهة الكم فيمكننا أن نعتبر جميع هذه الإحساسات البسيطة مركبة من عنصر نفسي واحد ، وهذا العنصر الأولي البسيط يسميه ( سبنسر ) كما رأيت بالصدمة العصبية وهو وحده الجزء الذي لا يتجزأ ، أما الاحساسات فهي مركبة منه ، وتختلف بعضها عن بعض بحسب درجة تركيبها . وهكذا جعل ( سبنسر ) جوهر النفس مركباً من الصدمات العصبية ، كما جعل ( ابيقوروس ( جوهر المادة مركباً من الاجزاء الفردة التي لا تتجزأ .
وقعد نظرية وحدة الاحساس هذه متممة لنظرية ( كوندياك ) التي تجعل الملكات النفسية كلها مركبة من الاحساس . ولنذكر الآن بعض ما قيل في الاعتراض على هذه النظرية :
١ - لا يوجد في الطبيعة شيء يشبه هذا التركيب ولا هذه الوحدة ، لأن صفات الاشياء المركبة لا تختلف عن صفات العناصر اختلافاً جوهرياً ، ولا يحدث هذا التركيب اختلافاً في الصفات المدركة ، إلا إذا وجد فوق تلك العناصر موجود آخر تكون نسبته إلى المركبات مختلفة عن نسبة المركبات إلى عناصرها ، فهو وحده يستطيع أن يدرك ما بين المركبات وعناصرها من الاختلاف . فإذا قيل ان الماء جسم مركب وان صفاته عن صفات الاوكسجين والهيدروجين ، قلنا إن صفات الماء في ذاته لا تختلف عن صفات عنصرية إلا في عيني المشاهد الخارجي . قال ( رابيه ) ( ( ۱ ) ما خلاصته : لا تتنوع صفات الاشياء في نظرنا إلا بحسب تأثيرها في نفوسنا ، واختلاف المركبات عن عناصرها ليس ناشئاً . عن طبائعها بل عن شعورنا بها . فالشعور مبدع الصفات والكيفيات ، ومبدل الاشياء وواهب الجمال . وهو الساحر العجيب الذي تحدث عنه جميعا الاستحالات ، فيبدل اجزاء مختلفة الاوكسجين والهيدروجين إلى قطرات من الندى ويقلب قطر الندى إلى قوس قزح .
وعلى ذلك فإنه إذا تولد ۱۰۰۰ احساس أولي من ۱۰۰۰ موجة بسيطة بقيت هذه الاحساسات الأولية منفصلة بعضها عن بعض حتى تزول من الشعور . ولا يمكنها أن تتحد وتؤلف احساساً كلياً جامعاً إلا إذا وجد فوقها مدرك آخر مختلف عنها .
٢ ـ لو كانت نظرية وحدة الاحساس صحيحة لاحدثت كل موجة احساساً أولياً . ولكن الف موجة لا تحدث الف احساس أولي ، لان سرعة الناقلية العصبية أقل من سرعة المنبهات الخارجية . ويمكنك أن تعتبر ذلك بحال التيار الكهربائي فهو ، أسرع من التيار العصبي . وعلى ذلك فإن آثار الامواج الكهربائية تختلط قبل أن يصل تأثيرها الأطراف إلى المراكز العصبية . وهذا مناقض لنظرية وحدة الاحساس ، لان هذه النظرية تقتضي أن يحدث المؤثر البسيط احساساً أولياً منفرداً ، وقد رأيت أن آثار الامواج الكهربائية مثلا لا تبقى مستقلة بعضها عن بعض ، بل تختلط قبل أن نشعر بها ف الاحساس الذي شعرنا به ليس ناشئاً عن مؤثر بسيط ، وانما هو متولد من امتزاج المؤثرات بعضها ببعض قبل وصولها إلى ساحة الشعور .
٣ ـ ان هذه النظرية لا توضح لنا كيف تتولد الاحساسات المتباينة من الصدمات العصبية المتجانسة . ان احساس السمع مختلف عن احساس البصر ، فكيف يتولدان من عنصر نفسي واحد ؟ لم يقل ) هربرت سبنسر ( بالصدمة العصبية إلا ليبين كيف تتولد الاحساسات المتباينة من المؤثرات المتجانسة . فالمؤثرات الطبيعية عنده تنحل إلى حركات متجانسة ، والحركة تولد الصدمة العصبية ، وهي الاصل في كل احساس ، ولا يختلف احساس السمع عن احساس البصر ، إلا بعدد الصدمات العصبية الموجودة فيه . ولكننا لا ندري كيف ينقلب المتجانس إلى المتباين ، ولا كيف تتوسط الصدمة العصبية بين المؤثر والاحساس .
وقصارى القول أن نظرية وحدة الاحساس كنظرية ) هلهولتز ) و ( موللر ) تريد أن تجعل اختلاف الصفات الحسية للاجسام وهما متولداً من كيفية الشعور بها لا من اختلافها الحقيقي في الخارج ، كأن الاشياء في ذاتها ليس لها لون ولا رائحة ، وكأن جميع الامور المحسوسة حركات بسيطة متجانسة ؛ وليس اختلاف احساسنا بها الا ضرباً من الوهم وقد رأيت ان هذا الرأي مخالف لفلسفة التطور .
تعليق