اتحاد الحياة العاقلة والحياة الانفعالية .. الحياة العاقلة
اتحاد الحياة العاقلة والحياة الانفعالية
مما يدل على اتحاد الظواهر العقلية والظواهر الانفعالية واتصالها تأثيرها بعضها في بعض .
١ - تأثير الحساسية في الحياة العاقلة :
تؤثر الحساسية في جميع وظائفنا العقلية .
أ - تؤثر في الادراك : فقد تجعل ادراكنا للاشياء جلياً واضحاً ، وقد تجعله غامضاً مبهما ، وإذا وافق الأمر هوى من نفوسنا اهتدينا إلى إدراك جميع خوافيه ، وإذا ملنا عنه لم ندرك ظاهرة من ظواهره . فنحن لا ندرك من الأشياء إلا ما نريد ، ولا نرى الامانحب .
ب - تؤثر في الذاكرة : كثيراً ما يؤثر الخوف او الخجل في الطالب فينسيه درسه الذي بذل في سبيل حفظه جهداً عظيماً . وكثيراً ما يؤثر الهيجان في الخطيب فينسيه خطابه الذي اعده وحفظه حفظاً جيداً . وكم مرة نسينا للسبيب ذاته أسماء أصدقائنا ، أو تاريخ ولادتنا ، وعكس ذلك صحيح أيضاً ، لأن الهيجان قد يوقظ الذكريات ويحيي الماضي .
ج - تؤثر في الحكم والاستدلال والخيال : ويكون تأثيرها تارة ايجابياً وأخرى سلبيا . والمرء مفتون بحسن ما يقال فيه فلا يصدق إلا المديح ، وإذا نظر في أمر نفسه كانت أحكامه أقرب الى الخير منها إلى الشر ، وإذا نظر في أمر غيره اختلفت أحكامه باختلاف عاطفته ، فيصدق من يذم اعداءه . ويكذب من يصف له عيوب معشوقه . فالقلب يقلب محاسن الأعداء إلى مساوىء ، ومساوىء الأحباب إلى محاسن . وقد قلنا أن حب الشيء يعمي ويصم .
والقلب مصدر الالهام لأنه يوحي إلى الخيال بأبدع المعاني ، وأجمل الاختراعات ، وأسمى الآثار الفنية ، كما يوحي اليه بأقبح التصورات وأخسها .
د - وقد أثبتت مباحث علماء أمراض النفس ان أكثر الاختلالات العقلية ، كالماليخوليا والهذيان المزمن ، ناشئة عن خلل في العاطفة ، وان اشتداد العاطفة ، أو ضعفها يحدث في الفكر تشويشاً ، وان العاطفة رابطة من روابط الفكر ، وانها ضرورية لتعليل ظاهرة تداعي الأفكار وتفسير تغيراتها .
۲ - تأثير الفكر في العاطفة :
- ان تأثير العاطفة في الفكر لا يمنع من تأثير الفكر في العاطفة ، ولعل هذا التأثير الاخير أكثر خطورة من الأول .
آ - الفكر يولد العواطف : لقد دلت التجارب على أن الحساسية لا تنمو ولا تتنوع ألوانها ، إلا إذا نما العقل ، واتسعت المدارك . ولو كان الطفل والرجل الابتدائي والجاهل قادرين على التفكير والتأمل كالرجل المتحضر لما كانت عواطفهم أقل تنوعاً و أضيق نطاقاً من عواطفه . أصف إلى ذلك أن للفكر سحراً يولد أسمى المواطف . فالتفكير . والتأمل ، والسعي وراء الحقائق الغامضة ، واصطياد الأفكار ؛ والكشف عن الحجب التي تستر الحقيقة ، كل ذلك يولد في النفس لذة عظيمة '.
انظر إلى ما يجري في نفسك عندما تشرق الحقيقة الواضحة عليك من خلال الأفكار والصور الغامضة . إن طائفة من المواطف والمشاعر تنضم إلى هذه الحقيقة الجديدة ، فتؤلف معها موكباً واحداً . وهذه العواطف هي الأساس الذي ترجع إليه . ه حماسة المصلحين ، وصبر العلماء ، وهيام الشعراء ، وسعيهم جميعاً وراء الخير والحقيقة ، و الجمال ، فانهم إذا أدركوا غايتهم اندفعوا إلى نشر أفكارهم في الناس ، حق أنهم كثيراً ما ينقلبون إلى رسل يخاطبون الناس بلغة الوحي والايمان .
ومما يؤيد ذلك أيضاً أن للمطالعة والنصائح والأمثلة الواقعية تأثيراً في تصور المثل الأعلى . ولهذا المثل الأعلى تأثير قوي في حساسيتنا أي في ميولنا ومنازعنا . ما أكثر الشبان الذين لم يميلوا إلى الأسفار إلا بعد قراءة قصة ) روبينصون كروزي ) . بل ما أكثر الذين لم يعشقوا الجندية إلا بعد قراءة معارك هوش ومارصو ونابليون ! ان نجاح بعض رجال الأعمال الامريكيين في مشروعاتهم رغب كثيراً من الشبان في تعاطي الصناعة والتجارة .
ب - الفكر يبدل العاطفة : وكما يؤثر الفكر في توليد العاطفة فهو كذلك يبدلها إذا كانت موجودة بالفعل . والاعتقاد أن عاطفة من العواطف مطابقة للنظام والحق والواجب يقوي تلك العاطفة ويديمها . وعكس ذلك أيضاً . لأن الرجل إذا اعتقد ان في الصدقة قربة إلى الله ازداد ميله إلى اعطائها ، ولكنه إذا اعتقد أن الصدقة تضر الفقير
وصاحب المال و المجتمع البشري ضعف ميله الى التصدق على الفقراء . فالاعتقاد يؤثر في العاطفة فيقوبها أو يضعفها . ولا تعدو الميول والأهواء أن تكون ذات صيغة عقلية تبدلها كما تشاء .
هناك حاجة طبيعية تدفع الانسان الى وزن عواطفه بميزان المقل ، ألا ترى إننا نريد أن تكون عواطفنا معقولة ، ونريد أن نبين أسباب حبنا وبغضائنا . ونريد أن ينقلب حبنا الواقعي الى حب واجب ، وبغضنا الواقعي الى حق ، فنبدل ما هو كائن ، ونقلبه الى ما يجب أن يكون . وقد أوضحنا ذلك عند البحث في منطق العواطف .
ثم أن تأثير الفكر في العاطفة تارة يكون حسناً وأخرى يكون سيئاً . فكما أن الفكر الصحيح يولد المواطف المعينة على تحقيقه ، ويزيد قوة تفهمنا لما في قلبنا من العواطف الخفية ، كذلك الفكر الفاسد يجعلنا في بعض الأحيان ننخدع ببعض العواطف ، أو نحتقرها . فيولد فينا قسوة القلب . وهي أكثر خطراً على المجتمع من فساد الميول وانحطاط الأخلاق .
اتحاد الحياة العاقلة والحياة الانفعالية
مما يدل على اتحاد الظواهر العقلية والظواهر الانفعالية واتصالها تأثيرها بعضها في بعض .
١ - تأثير الحساسية في الحياة العاقلة :
تؤثر الحساسية في جميع وظائفنا العقلية .
أ - تؤثر في الادراك : فقد تجعل ادراكنا للاشياء جلياً واضحاً ، وقد تجعله غامضاً مبهما ، وإذا وافق الأمر هوى من نفوسنا اهتدينا إلى إدراك جميع خوافيه ، وإذا ملنا عنه لم ندرك ظاهرة من ظواهره . فنحن لا ندرك من الأشياء إلا ما نريد ، ولا نرى الامانحب .
ب - تؤثر في الذاكرة : كثيراً ما يؤثر الخوف او الخجل في الطالب فينسيه درسه الذي بذل في سبيل حفظه جهداً عظيماً . وكثيراً ما يؤثر الهيجان في الخطيب فينسيه خطابه الذي اعده وحفظه حفظاً جيداً . وكم مرة نسينا للسبيب ذاته أسماء أصدقائنا ، أو تاريخ ولادتنا ، وعكس ذلك صحيح أيضاً ، لأن الهيجان قد يوقظ الذكريات ويحيي الماضي .
ج - تؤثر في الحكم والاستدلال والخيال : ويكون تأثيرها تارة ايجابياً وأخرى سلبيا . والمرء مفتون بحسن ما يقال فيه فلا يصدق إلا المديح ، وإذا نظر في أمر نفسه كانت أحكامه أقرب الى الخير منها إلى الشر ، وإذا نظر في أمر غيره اختلفت أحكامه باختلاف عاطفته ، فيصدق من يذم اعداءه . ويكذب من يصف له عيوب معشوقه . فالقلب يقلب محاسن الأعداء إلى مساوىء ، ومساوىء الأحباب إلى محاسن . وقد قلنا أن حب الشيء يعمي ويصم .
والقلب مصدر الالهام لأنه يوحي إلى الخيال بأبدع المعاني ، وأجمل الاختراعات ، وأسمى الآثار الفنية ، كما يوحي اليه بأقبح التصورات وأخسها .
د - وقد أثبتت مباحث علماء أمراض النفس ان أكثر الاختلالات العقلية ، كالماليخوليا والهذيان المزمن ، ناشئة عن خلل في العاطفة ، وان اشتداد العاطفة ، أو ضعفها يحدث في الفكر تشويشاً ، وان العاطفة رابطة من روابط الفكر ، وانها ضرورية لتعليل ظاهرة تداعي الأفكار وتفسير تغيراتها .
۲ - تأثير الفكر في العاطفة :
- ان تأثير العاطفة في الفكر لا يمنع من تأثير الفكر في العاطفة ، ولعل هذا التأثير الاخير أكثر خطورة من الأول .
آ - الفكر يولد العواطف : لقد دلت التجارب على أن الحساسية لا تنمو ولا تتنوع ألوانها ، إلا إذا نما العقل ، واتسعت المدارك . ولو كان الطفل والرجل الابتدائي والجاهل قادرين على التفكير والتأمل كالرجل المتحضر لما كانت عواطفهم أقل تنوعاً و أضيق نطاقاً من عواطفه . أصف إلى ذلك أن للفكر سحراً يولد أسمى المواطف . فالتفكير . والتأمل ، والسعي وراء الحقائق الغامضة ، واصطياد الأفكار ؛ والكشف عن الحجب التي تستر الحقيقة ، كل ذلك يولد في النفس لذة عظيمة '.
انظر إلى ما يجري في نفسك عندما تشرق الحقيقة الواضحة عليك من خلال الأفكار والصور الغامضة . إن طائفة من المواطف والمشاعر تنضم إلى هذه الحقيقة الجديدة ، فتؤلف معها موكباً واحداً . وهذه العواطف هي الأساس الذي ترجع إليه . ه حماسة المصلحين ، وصبر العلماء ، وهيام الشعراء ، وسعيهم جميعاً وراء الخير والحقيقة ، و الجمال ، فانهم إذا أدركوا غايتهم اندفعوا إلى نشر أفكارهم في الناس ، حق أنهم كثيراً ما ينقلبون إلى رسل يخاطبون الناس بلغة الوحي والايمان .
ومما يؤيد ذلك أيضاً أن للمطالعة والنصائح والأمثلة الواقعية تأثيراً في تصور المثل الأعلى . ولهذا المثل الأعلى تأثير قوي في حساسيتنا أي في ميولنا ومنازعنا . ما أكثر الشبان الذين لم يميلوا إلى الأسفار إلا بعد قراءة قصة ) روبينصون كروزي ) . بل ما أكثر الذين لم يعشقوا الجندية إلا بعد قراءة معارك هوش ومارصو ونابليون ! ان نجاح بعض رجال الأعمال الامريكيين في مشروعاتهم رغب كثيراً من الشبان في تعاطي الصناعة والتجارة .
ب - الفكر يبدل العاطفة : وكما يؤثر الفكر في توليد العاطفة فهو كذلك يبدلها إذا كانت موجودة بالفعل . والاعتقاد أن عاطفة من العواطف مطابقة للنظام والحق والواجب يقوي تلك العاطفة ويديمها . وعكس ذلك أيضاً . لأن الرجل إذا اعتقد ان في الصدقة قربة إلى الله ازداد ميله إلى اعطائها ، ولكنه إذا اعتقد أن الصدقة تضر الفقير
وصاحب المال و المجتمع البشري ضعف ميله الى التصدق على الفقراء . فالاعتقاد يؤثر في العاطفة فيقوبها أو يضعفها . ولا تعدو الميول والأهواء أن تكون ذات صيغة عقلية تبدلها كما تشاء .
هناك حاجة طبيعية تدفع الانسان الى وزن عواطفه بميزان المقل ، ألا ترى إننا نريد أن تكون عواطفنا معقولة ، ونريد أن نبين أسباب حبنا وبغضائنا . ونريد أن ينقلب حبنا الواقعي الى حب واجب ، وبغضنا الواقعي الى حق ، فنبدل ما هو كائن ، ونقلبه الى ما يجب أن يكون . وقد أوضحنا ذلك عند البحث في منطق العواطف .
ثم أن تأثير الفكر في العاطفة تارة يكون حسناً وأخرى يكون سيئاً . فكما أن الفكر الصحيح يولد المواطف المعينة على تحقيقه ، ويزيد قوة تفهمنا لما في قلبنا من العواطف الخفية ، كذلك الفكر الفاسد يجعلنا في بعض الأحيان ننخدع ببعض العواطف ، أو نحتقرها . فيولد فينا قسوة القلب . وهي أكثر خطراً على المجتمع من فساد الميول وانحطاط الأخلاق .
تعليق