الحياة العاقلة، توطئة، الفكر والعاطفة
الحياة العاقلة
- ليست الحياة العقلية مستقلة عن الحياة الإنفعالية ، لأن الحياة النفسية كما رأيت كل لا ينقسم ، فلا يمكن فصل الظواهر الانفعالية : عن الظواهر العقلية ، ولا فصل الحياة الفاعلة عن كل باعث انفعالي . على انه يمكن البحث كما رأيت في كل من هذه الوجوه الثلاثة على حدته ، ولنبحث الآن في الحياة العاقلة ، أي في حياة التفكير والتأمل .
ما هو التفكير ؟
- لا تقتصر النفس في التفكير على الاحساس ، ولا على تصور الأشياء بعد غيابها ، بل تبحث عن العلائق التي تربط هذه الأشياء بعضها ببعض ، ثم تبغي فهمها لتوفق بينها وبين غيرها من المسائل ، وتكشف عن المبادىء العقلية التي تجمع بينها كلها . ولذلك شبه العلماء فعل التفكير بفعل النسج العضوية التي تمتص المواد الخارجية وتنضجها ثم تبدلها إلى مادة حية وتمثلها . فالتفكير هو الكسب ، والتمثيل ، والانضاج ، والفهم .
١ - الفكر والعاطفة
لا تدل الظواهر الانفعالية إلا على ما يجري في النفس من الأحوال الشخصية أو الذاتية فإذا اقتصر المرء على الشعور بالذات والآلام وغيرها من الظواهر الانفعالية لم يدرك بها إلا نفسه ، تراه يغفل عن إدراك كل شيء خارجي إلا عن إدراك انفعالاته . ولذلك قيل ان كل ظاهرة نفسية عاطفة وشعور ، لأنها شخصية ، إلا اننا نستطيع ان نفرق بين العاطفة الشخصية والفكر المجرد ، مثال ذلك : اني أرى في الطريق حية ، قادركها ، وأرغب في معرفة صورتها ، وحركاتها ، وعاداتها ، فإذا غفلت عن نفسي ونسيت الخطر المحدق بي وتجردت ، خلال بحثي عن حقيقة هذا الحيوان ، عن كل باعث شخصي ، كان ادراكي ظاهرة عقلية . وإذا شعرت به ، ونظرت إلى الصلة التي بيني وبينه ، وأدركت الخطر المحدق بي ، فتهيجت ، وخفت ، وهربت أو سكنت روعتي وتجرأت على ضربه كان شعوري به ظاهرة انفعالية أو حالة وجدانية .
فالظواهر النفسية التي ندرسها في الحياة العاقلة هي الظواهر المرتكزة على الحقائق الخارجية المستقلة عن الشخص . وقد قيل إن الفكر يمتاز بموضوعيته ، فالرجل العاقل أو المفكر هو الذي يفحص عن نواميس الأشياء ، أي عن العلاقات الدائمة التي تجمع بينها . وهي قوانين الطبيعة ، أو قوانين الفكر عامة . فلا يهتم بتأثير الفكر في حياته ، ولا بما انبعث عنه من اللذة . بل يبحث عن الحقيقة المجردة . فهو لا يكون الحقيقة كما يشاء بل يتقبلها ويخضع لاحكامها . إن حاصل ضرب اثنين في أثنين يساوي أربعة ، سواء أرضيت أم أببت ، والفوسفور يذوب بدرجة كذا من الحرارة من غير أن يكون لمواطفي الشخصية تأثير فيه . وقد يظن أن الرياضي يستغني عن العالم الخارجي ، وأن المعاني العقلية التي يؤلفها شخصية وذاتية . والحق عن ذلك بعيد ، لأن الرياضي لا يستطيع أن يبدل أحكامه المنطقية كما يريد ، فلا يتعلق به أن يكون مجموع زوايا المثلث أكثر أو أقل من قائمتين ، حق لقد قال ( مالبرانش ) : ( إن أفكاري تقاومني ) .
وقال الرياضي ( هرميت ) في رسالة بعث بها إلى ( غالوا ) ( ١ ) : أعتقد أن هناك حقائق خارجية مستقلة عنا ، وهي مطابقة لما في الجبر العالي من النظريات المجردة ، وأعتقد أننا سنطلع يوماً عليها .
ثم إنني استطيع في الوقت نفسه أن ألاحظ عواطفي وأهوائي ، وأنظر فيها نظراً عقلياً مجرداً ، كما يفعل علماء النفس عند اتباعهم طريقة التأمل الباطني ، و لكن هذا التأمل الباطني يقتضي ان يكون النظر في الأحوال الداخلية ، كالنظر في الأشياء الخارجية ، مجرد أعن كل غاية ذاتية ومصلحة شخصية . وقد قيل أن المتيم يعيش في هواه من غير أن يفكر فيه ، أما عالم النفس فيتأمل هواه ويحلله ، وإذا فكر فيه ذكر صفاته التي تنطبق على كل متيم . فلا يمكنك أن تقول إن الانسان يفكر ، الا اذا كان نظره الى الأشياء نظر المشاهد المستقل عنها ، وهذا يقتضي أن يتجرد الانسان من عواطفه و اهتمامه الشخصي ، وأن يجعل الحقيقة التي يفكر فيها خالصة من كل لون انفعالي .
الحياة العاقلة
- ليست الحياة العقلية مستقلة عن الحياة الإنفعالية ، لأن الحياة النفسية كما رأيت كل لا ينقسم ، فلا يمكن فصل الظواهر الانفعالية : عن الظواهر العقلية ، ولا فصل الحياة الفاعلة عن كل باعث انفعالي . على انه يمكن البحث كما رأيت في كل من هذه الوجوه الثلاثة على حدته ، ولنبحث الآن في الحياة العاقلة ، أي في حياة التفكير والتأمل .
ما هو التفكير ؟
- لا تقتصر النفس في التفكير على الاحساس ، ولا على تصور الأشياء بعد غيابها ، بل تبحث عن العلائق التي تربط هذه الأشياء بعضها ببعض ، ثم تبغي فهمها لتوفق بينها وبين غيرها من المسائل ، وتكشف عن المبادىء العقلية التي تجمع بينها كلها . ولذلك شبه العلماء فعل التفكير بفعل النسج العضوية التي تمتص المواد الخارجية وتنضجها ثم تبدلها إلى مادة حية وتمثلها . فالتفكير هو الكسب ، والتمثيل ، والانضاج ، والفهم .
١ - الفكر والعاطفة
لا تدل الظواهر الانفعالية إلا على ما يجري في النفس من الأحوال الشخصية أو الذاتية فإذا اقتصر المرء على الشعور بالذات والآلام وغيرها من الظواهر الانفعالية لم يدرك بها إلا نفسه ، تراه يغفل عن إدراك كل شيء خارجي إلا عن إدراك انفعالاته . ولذلك قيل ان كل ظاهرة نفسية عاطفة وشعور ، لأنها شخصية ، إلا اننا نستطيع ان نفرق بين العاطفة الشخصية والفكر المجرد ، مثال ذلك : اني أرى في الطريق حية ، قادركها ، وأرغب في معرفة صورتها ، وحركاتها ، وعاداتها ، فإذا غفلت عن نفسي ونسيت الخطر المحدق بي وتجردت ، خلال بحثي عن حقيقة هذا الحيوان ، عن كل باعث شخصي ، كان ادراكي ظاهرة عقلية . وإذا شعرت به ، ونظرت إلى الصلة التي بيني وبينه ، وأدركت الخطر المحدق بي ، فتهيجت ، وخفت ، وهربت أو سكنت روعتي وتجرأت على ضربه كان شعوري به ظاهرة انفعالية أو حالة وجدانية .
فالظواهر النفسية التي ندرسها في الحياة العاقلة هي الظواهر المرتكزة على الحقائق الخارجية المستقلة عن الشخص . وقد قيل إن الفكر يمتاز بموضوعيته ، فالرجل العاقل أو المفكر هو الذي يفحص عن نواميس الأشياء ، أي عن العلاقات الدائمة التي تجمع بينها . وهي قوانين الطبيعة ، أو قوانين الفكر عامة . فلا يهتم بتأثير الفكر في حياته ، ولا بما انبعث عنه من اللذة . بل يبحث عن الحقيقة المجردة . فهو لا يكون الحقيقة كما يشاء بل يتقبلها ويخضع لاحكامها . إن حاصل ضرب اثنين في أثنين يساوي أربعة ، سواء أرضيت أم أببت ، والفوسفور يذوب بدرجة كذا من الحرارة من غير أن يكون لمواطفي الشخصية تأثير فيه . وقد يظن أن الرياضي يستغني عن العالم الخارجي ، وأن المعاني العقلية التي يؤلفها شخصية وذاتية . والحق عن ذلك بعيد ، لأن الرياضي لا يستطيع أن يبدل أحكامه المنطقية كما يريد ، فلا يتعلق به أن يكون مجموع زوايا المثلث أكثر أو أقل من قائمتين ، حق لقد قال ( مالبرانش ) : ( إن أفكاري تقاومني ) .
وقال الرياضي ( هرميت ) في رسالة بعث بها إلى ( غالوا ) ( ١ ) : أعتقد أن هناك حقائق خارجية مستقلة عنا ، وهي مطابقة لما في الجبر العالي من النظريات المجردة ، وأعتقد أننا سنطلع يوماً عليها .
ثم إنني استطيع في الوقت نفسه أن ألاحظ عواطفي وأهوائي ، وأنظر فيها نظراً عقلياً مجرداً ، كما يفعل علماء النفس عند اتباعهم طريقة التأمل الباطني ، و لكن هذا التأمل الباطني يقتضي ان يكون النظر في الأحوال الداخلية ، كالنظر في الأشياء الخارجية ، مجرد أعن كل غاية ذاتية ومصلحة شخصية . وقد قيل أن المتيم يعيش في هواه من غير أن يفكر فيه ، أما عالم النفس فيتأمل هواه ويحلله ، وإذا فكر فيه ذكر صفاته التي تنطبق على كل متيم . فلا يمكنك أن تقول إن الانسان يفكر ، الا اذا كان نظره الى الأشياء نظر المشاهد المستقل عنها ، وهذا يقتضي أن يتجرد الانسان من عواطفه و اهتمامه الشخصي ، وأن يجعل الحقيقة التي يفكر فيها خالصة من كل لون انفعالي .
تعليق