بركة خان.. ابن عم هولاكو الذي تصدى للمغول وأنقذ العالم الإسلامي
بعد ربع قرن حافلة بالكثير من الدم والدمار، والكثير كذلك من التألق العسكري، وبعد أن تمكن من توحيد قبائل المغول ليكوِّن بهم إمبراطورية قارية عظيمة امتدت من سواحل الصين شرقًا إلى البحر الأدرياتيكي في أوروبا غربًا، توفي جنكيز خان عام 1227م خلال إحدى حملاته العسكرية.
كان إمبراطور المغول المؤسس قد قرر قبل وفاته تقسيم إمبراطوريته المترامية بين أبنائه الأربعة: جوتشي (جوكال) وجغطاي (جاغطاي) وتولي (تولاي) وأوقطاي، ليحكم كل منهم جزءًا من المملكة، من بين جيل الأحفاد، سيبرز اسمان سيخلد التاريخ الإسلامي اسمهما، أحدهما هولاكو بن تولاي، الذي سيجتاح بجيوشه المشرق ويعيث فيها فسادًا، وستأكل حملاته الأخضر واليابس على حدٍّ سواء والآخر هو بركة خان.
بيرق خان (الذي سيتسمى لاحقًا باسم بركة خان) بن جوتشي هو الذي سيصبح أحد أبرز قادة المغول الذين تحولوا إلى الإسلام، وسيلعب دورًا كبيرًا في تثبيت أركانه في الغرب، وحماية الممالك الإسلامية في الشرق، كما سنذكر لاحقًا.
بركة خان.. المُسلم الأول في بيت الحكم المغولي
كان جوتشي هو الابن الأكبر لجنكيز خان، وكان من المفترض أن يتولى منصب «الخان الأعظم»، أي حاكم إمبراطورية المغول بأسرها، لكن جوتشي توفي قبل والده عام 1227م، فتم اختيار أخيه أقطاي لهذا المنصب، ولكن ظلت لأسرة جوتشي مكانة خاصة، فكان لهم الحق في ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول في حروبهم، ونسبة الخان الأعظم نفسها.
بعد وفاة جوتشي، آل حُكم المنطقة التي كانت من نصيب ذلك الفرع من العائلة إلى باتو، الابن الأكبر، وهذا الفرع المغولي سيُعرف في التاريخ باسم «القبيلة الذهبية»، لأنهم كانوا يتخذون خيامًا مطعمة بأقمشة من الذهب. حكم باتو الجزء الشمالي الغربي من الإمبراطورية التي خلفها جنكيز خان، وقاد حملات ضخمة تمكن بها من توسيع سُلطان «القبيلة الذهبية»، لتشمل مناطق شرقي أوروبا وغرب سيبيريا وبلاد الروس (بما في ذلك الاستيلاء على مدينة كييف، عاصمة أوكرانيا الحالية بعد حصار ضخم عام 1240م) وبلغاريا والقوقاز.
كان بيرق خان أحد أبناء جوتشي السبعة، وشارك في حملات أخيه العسكرية، كما كان عونًا لباتو في خططه لتحويل منصب الخان الأعظم – بعد وفاة أوقطاي وابنه كيوك من بعده وفراغ المنصب- إلى فرع عائلة تولاي، حيث جرى تنصيب مانجو ابن تولاي خانًا أعظم للمغول بمساعدة بيرق خان في عام 1250م.
كان فرع أبناء جوتشي بشكل عام أكثر فروع حكام المغول تعاطفًا مع المسلمين، فقد تزوج جوتشي الأميرة رسالة بنت علاء الدين خوارزم شاه، أخت السلطان الخوارزمي جلال الدين منكبرتي، آخر سلاطين الدولة الخوارزمية التي فتكت بها جيوش المغول، وقد صارت الأميرة رسالة زوجة لجوتشي بعد وقوعها في الأسر، فكان لها تأثير كبير في أبنائه، خاصة بيرق خان.
كان العام 1252م فارقًا في تاريخ المغول، والمنطقة بأسرها، كان ذلك هو العام الذي تحول فيه بيرق خان إلى الإسلام، وتختلف المصادر التاريخية في تحديد السياق الذي قرر فيه ذلك القائد المغولي اعتناق الدين الجديد، حيث يذكر البعض أن ذلك جاء أثناء مرور بيرق خان (الذي تسمى بعد إسلامه بركة خان) بمدينة بخارى، إذ قابل مجموعة من التجار المسلمين الذين شرحوا له مبادئ الإسلام وشرائعه، فأعجب بها، وقرر اعتناق الدين المحمدي.
أما الرواية الأخرى وهي الأكثر شهرة، هي رواية المقريزي في كتابه «السلوك في معرفة دول الملوك»، وهي أن إسلام الأمير المغولي جاء بجهود العالم الصوفي سيف الدين الباخرزي، أحد أتباع الشيخ الصوفي الشهير نجم الدين كبرا، الذي توجه إلى خراسان بتكليف من الشيخ، وهناك نجح في إقناع بركة خان بالإسلام.
المغول يجتاحون العالم الإسلامي
كان إسلام بركة خان حدثًا مفصليًّا في تاريخ الأسرة المغولية الحاكمة، فقد أسلم تبعًا له آلاف المغول، ونجح في إقناع أخيه تيمور كذلك، وبرغم أن أخاه باتو زعيم القبيلة الذهبية لم يتحول إلى الإسلام فعليًّا، فإنه كان متعاطفًا مع المسلمين، وحين علم بركة خان أن هولاكو، شقيق الخان الأعظم مانغو يجهز حملة ضخمة للهجوم على بغداد حاضرة الخلافة العباسية، أرسل – بتحريض من بركة خان- إلى هولاكو يثنيه عن خططه، فامتثل الأخير لأمر باتو وامتنع عن الهجوم على بغداد حتى وفاة باتو سنة 1255م.
تولى بركة خان زعامة القبيلة الذهبية في عام 1257م، وكان القائد المغولي شديد الحماسة للإسلام، فأرسل ببيعته إلى الخليفة المستعصم ببغداد، وأتم بناء مدينة سراي (موقعها جنوب روسيا الحالية) التي صارت عاصمة مغول الشمال، وبنى فيها الكثير من المساجد والزوايا، وقد صارت تلك المدينة مركزًا حضاريًّا عامرًا بالفقهاء والعلماء، وقد زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة ووصفها بأنها «مليئة بالناس، والبازارات الجميلة والشوارع الواسعة».
كان هولاكو، بدعم من الخان الأعظم للمغول، قد قررا بعد وفاة باتو استئناف خططهما في المشرق، فشن هولاكو هجومًا كاسحًا على الدولة العباسية، واستباح بغداد قتلًا ونهبًا وحرقًا، وقتل مئات الآلاف من المسلمين، كما أحرق عشرات آلاف الكتب، واستولت جيوش المغول بعدها على أغلب مدن الشام وفلسطين، فكانت تلك فاجعة ضخمة زعزعت قلب بركة خان، الذي تعهد بالانتقام من هولاكو على «إسالته للكثير من دماء الأبرياء».
وجه هولاكو بعد ذلك أنظاره إلى مصر، التي كان يحكمها السلطان المظفر سيف الدين قطز، فأرسل إلى قطز مهددًا متوعدًا، مطالبًا إياه وعسكره بتسليم مصر للمغول، لكن قطز، ومعه وزيره بيبرس قررا المواجهة، فحشدا الجند المصريين، في تلك الأثناء، ووصلت إلى هولاكو أنباء وفاة أخيه مانغو خان المغول الأعظم، فقرر العودة لترتيب شؤون خلافته، وترك على الجيش قائده كتبغا، الذي التقى بالمماليك في عين جالوت، في سبتمبر (أيلول) عام 1260، فكان النصر من نصيب جند قطز وبيبرس، وانكسر جيش المغول بقيادة كتبغا الذي لقى مصرعه.
لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون * من رد قطز على رسالة هولاكو
بركة خان ينتصر لدينه
برغم أن عين جالوت كانت صخرة انكسرت عليها أحلام هولاكو، وحطمت أسطورة جيش المغول الذي لا يقهر، إلا أن الفضل الأكبر في كبح جماح هولاكو بعد ذلك، يعود إلى بركة خان، الذي وقف في وجه هولاكو بعد عودته من المشرق، وبعد أن كان الأخير يخطط للثأر لهزيمته جنوده في عين جالوت، صرف هولاكو جل جهده حتى وفاته لدرء خطر بركة خان، في أول حرب أهلية شهدتها إمبراطورية المغول، وكان لها دور كبير في كسر شوكتهم.
في البداية، حاول بركة خان لعب دور في اختيار الخان الأعظم الجديد بعد وفاة مانغو خان، إذ اندلع صراع على العرش بين أخويه أرتق وقوبلاي خان، واصطف بركة خان إلى جانب الأول، فيما دعم هولاكو جبهة قوبلاي خان الذي حسم صراع العرش لصالحه، واندلعت حرب ضروس بين جيوش هولاكو وجيوش بركة خان، كان النصر فيها يتأرجح بين الجانبين، لكن بركة خان تمكن في النهاية من إلحاق الهزيمة بجيوش هولاكو، الذي أصيب بالصرع نتيجة صدمته من الهزائم المتتالية، قبل أن يُتوفى في عام 1265 م تاركًا حكم مملكته لابنه أباقا الذي واصل الحرب ضد بركة خان.
في سبيل حشد الدعم ضد هولاكو، كان بركة خان قد راسل الظاهر بيبرس، الذي تولى حكم المماليك بعد قتل المظفر قُطز، وتوطدت العلاقة بين الجانبين، ليس فقط على الجانب العسكري، بل كذلك على المستوى الثقافي والتجاري، حتى إن الظاهر بيبرس قد سمى أحد أبنائه باسم «بركة» اعتزازًا بصداقة الملك المغولي، وقد توفي بركة خان عام 1267، ليسدل الستار على أول قائد مغولي مسلم، كان له دور في حماية العالم الإسلامي من بني قومه.
بعد ربع قرن حافلة بالكثير من الدم والدمار، والكثير كذلك من التألق العسكري، وبعد أن تمكن من توحيد قبائل المغول ليكوِّن بهم إمبراطورية قارية عظيمة امتدت من سواحل الصين شرقًا إلى البحر الأدرياتيكي في أوروبا غربًا، توفي جنكيز خان عام 1227م خلال إحدى حملاته العسكرية.
كان إمبراطور المغول المؤسس قد قرر قبل وفاته تقسيم إمبراطوريته المترامية بين أبنائه الأربعة: جوتشي (جوكال) وجغطاي (جاغطاي) وتولي (تولاي) وأوقطاي، ليحكم كل منهم جزءًا من المملكة، من بين جيل الأحفاد، سيبرز اسمان سيخلد التاريخ الإسلامي اسمهما، أحدهما هولاكو بن تولاي، الذي سيجتاح بجيوشه المشرق ويعيث فيها فسادًا، وستأكل حملاته الأخضر واليابس على حدٍّ سواء والآخر هو بركة خان.
بيرق خان (الذي سيتسمى لاحقًا باسم بركة خان) بن جوتشي هو الذي سيصبح أحد أبرز قادة المغول الذين تحولوا إلى الإسلام، وسيلعب دورًا كبيرًا في تثبيت أركانه في الغرب، وحماية الممالك الإسلامية في الشرق، كما سنذكر لاحقًا.
بركة خان.. المُسلم الأول في بيت الحكم المغولي
كان جوتشي هو الابن الأكبر لجنكيز خان، وكان من المفترض أن يتولى منصب «الخان الأعظم»، أي حاكم إمبراطورية المغول بأسرها، لكن جوتشي توفي قبل والده عام 1227م، فتم اختيار أخيه أقطاي لهذا المنصب، ولكن ظلت لأسرة جوتشي مكانة خاصة، فكان لهم الحق في ثلث الغنائم التي يحصل عليها المغول في حروبهم، ونسبة الخان الأعظم نفسها.
بعد وفاة جوتشي، آل حُكم المنطقة التي كانت من نصيب ذلك الفرع من العائلة إلى باتو، الابن الأكبر، وهذا الفرع المغولي سيُعرف في التاريخ باسم «القبيلة الذهبية»، لأنهم كانوا يتخذون خيامًا مطعمة بأقمشة من الذهب. حكم باتو الجزء الشمالي الغربي من الإمبراطورية التي خلفها جنكيز خان، وقاد حملات ضخمة تمكن بها من توسيع سُلطان «القبيلة الذهبية»، لتشمل مناطق شرقي أوروبا وغرب سيبيريا وبلاد الروس (بما في ذلك الاستيلاء على مدينة كييف، عاصمة أوكرانيا الحالية بعد حصار ضخم عام 1240م) وبلغاريا والقوقاز.
كان بيرق خان أحد أبناء جوتشي السبعة، وشارك في حملات أخيه العسكرية، كما كان عونًا لباتو في خططه لتحويل منصب الخان الأعظم – بعد وفاة أوقطاي وابنه كيوك من بعده وفراغ المنصب- إلى فرع عائلة تولاي، حيث جرى تنصيب مانجو ابن تولاي خانًا أعظم للمغول بمساعدة بيرق خان في عام 1250م.
كان فرع أبناء جوتشي بشكل عام أكثر فروع حكام المغول تعاطفًا مع المسلمين، فقد تزوج جوتشي الأميرة رسالة بنت علاء الدين خوارزم شاه، أخت السلطان الخوارزمي جلال الدين منكبرتي، آخر سلاطين الدولة الخوارزمية التي فتكت بها جيوش المغول، وقد صارت الأميرة رسالة زوجة لجوتشي بعد وقوعها في الأسر، فكان لها تأثير كبير في أبنائه، خاصة بيرق خان.
كان العام 1252م فارقًا في تاريخ المغول، والمنطقة بأسرها، كان ذلك هو العام الذي تحول فيه بيرق خان إلى الإسلام، وتختلف المصادر التاريخية في تحديد السياق الذي قرر فيه ذلك القائد المغولي اعتناق الدين الجديد، حيث يذكر البعض أن ذلك جاء أثناء مرور بيرق خان (الذي تسمى بعد إسلامه بركة خان) بمدينة بخارى، إذ قابل مجموعة من التجار المسلمين الذين شرحوا له مبادئ الإسلام وشرائعه، فأعجب بها، وقرر اعتناق الدين المحمدي.
أما الرواية الأخرى وهي الأكثر شهرة، هي رواية المقريزي في كتابه «السلوك في معرفة دول الملوك»، وهي أن إسلام الأمير المغولي جاء بجهود العالم الصوفي سيف الدين الباخرزي، أحد أتباع الشيخ الصوفي الشهير نجم الدين كبرا، الذي توجه إلى خراسان بتكليف من الشيخ، وهناك نجح في إقناع بركة خان بالإسلام.
المغول يجتاحون العالم الإسلامي
كان إسلام بركة خان حدثًا مفصليًّا في تاريخ الأسرة المغولية الحاكمة، فقد أسلم تبعًا له آلاف المغول، ونجح في إقناع أخيه تيمور كذلك، وبرغم أن أخاه باتو زعيم القبيلة الذهبية لم يتحول إلى الإسلام فعليًّا، فإنه كان متعاطفًا مع المسلمين، وحين علم بركة خان أن هولاكو، شقيق الخان الأعظم مانغو يجهز حملة ضخمة للهجوم على بغداد حاضرة الخلافة العباسية، أرسل – بتحريض من بركة خان- إلى هولاكو يثنيه عن خططه، فامتثل الأخير لأمر باتو وامتنع عن الهجوم على بغداد حتى وفاة باتو سنة 1255م.
تولى بركة خان زعامة القبيلة الذهبية في عام 1257م، وكان القائد المغولي شديد الحماسة للإسلام، فأرسل ببيعته إلى الخليفة المستعصم ببغداد، وأتم بناء مدينة سراي (موقعها جنوب روسيا الحالية) التي صارت عاصمة مغول الشمال، وبنى فيها الكثير من المساجد والزوايا، وقد صارت تلك المدينة مركزًا حضاريًّا عامرًا بالفقهاء والعلماء، وقد زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة ووصفها بأنها «مليئة بالناس، والبازارات الجميلة والشوارع الواسعة».
كان هولاكو، بدعم من الخان الأعظم للمغول، قد قررا بعد وفاة باتو استئناف خططهما في المشرق، فشن هولاكو هجومًا كاسحًا على الدولة العباسية، واستباح بغداد قتلًا ونهبًا وحرقًا، وقتل مئات الآلاف من المسلمين، كما أحرق عشرات آلاف الكتب، واستولت جيوش المغول بعدها على أغلب مدن الشام وفلسطين، فكانت تلك فاجعة ضخمة زعزعت قلب بركة خان، الذي تعهد بالانتقام من هولاكو على «إسالته للكثير من دماء الأبرياء».
وجه هولاكو بعد ذلك أنظاره إلى مصر، التي كان يحكمها السلطان المظفر سيف الدين قطز، فأرسل إلى قطز مهددًا متوعدًا، مطالبًا إياه وعسكره بتسليم مصر للمغول، لكن قطز، ومعه وزيره بيبرس قررا المواجهة، فحشدا الجند المصريين، في تلك الأثناء، ووصلت إلى هولاكو أنباء وفاة أخيه مانغو خان المغول الأعظم، فقرر العودة لترتيب شؤون خلافته، وترك على الجيش قائده كتبغا، الذي التقى بالمماليك في عين جالوت، في سبتمبر (أيلول) عام 1260، فكان النصر من نصيب جند قطز وبيبرس، وانكسر جيش المغول بقيادة كتبغا الذي لقى مصرعه.
لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون * من رد قطز على رسالة هولاكو
بركة خان ينتصر لدينه
برغم أن عين جالوت كانت صخرة انكسرت عليها أحلام هولاكو، وحطمت أسطورة جيش المغول الذي لا يقهر، إلا أن الفضل الأكبر في كبح جماح هولاكو بعد ذلك، يعود إلى بركة خان، الذي وقف في وجه هولاكو بعد عودته من المشرق، وبعد أن كان الأخير يخطط للثأر لهزيمته جنوده في عين جالوت، صرف هولاكو جل جهده حتى وفاته لدرء خطر بركة خان، في أول حرب أهلية شهدتها إمبراطورية المغول، وكان لها دور كبير في كسر شوكتهم.
في البداية، حاول بركة خان لعب دور في اختيار الخان الأعظم الجديد بعد وفاة مانغو خان، إذ اندلع صراع على العرش بين أخويه أرتق وقوبلاي خان، واصطف بركة خان إلى جانب الأول، فيما دعم هولاكو جبهة قوبلاي خان الذي حسم صراع العرش لصالحه، واندلعت حرب ضروس بين جيوش هولاكو وجيوش بركة خان، كان النصر فيها يتأرجح بين الجانبين، لكن بركة خان تمكن في النهاية من إلحاق الهزيمة بجيوش هولاكو، الذي أصيب بالصرع نتيجة صدمته من الهزائم المتتالية، قبل أن يُتوفى في عام 1265 م تاركًا حكم مملكته لابنه أباقا الذي واصل الحرب ضد بركة خان.
في سبيل حشد الدعم ضد هولاكو، كان بركة خان قد راسل الظاهر بيبرس، الذي تولى حكم المماليك بعد قتل المظفر قُطز، وتوطدت العلاقة بين الجانبين، ليس فقط على الجانب العسكري، بل كذلك على المستوى الثقافي والتجاري، حتى إن الظاهر بيبرس قد سمى أحد أبنائه باسم «بركة» اعتزازًا بصداقة الملك المغولي، وقد توفي بركة خان عام 1267، ليسدل الستار على أول قائد مغولي مسلم، كان له دور في حماية العالم الإسلامي من بني قومه.
قد علمت محبتي للإسلام، وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين، فاركب أنت من ناحية حتى آتيه وأنا من ناحية حتى نصطلمه، أو نخرجه من البلاد وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد * من رسالة بركة خان إلى الظاهر بيبرس يعرض عليه التحالف ضد هولاكو