كبت الميول ، الميول الغيرية .. الميول والنزاعات
٦ - كبت الميول
ومن الظواهر النفسية التي ذكرها علماء النفس في بحث الميول ظاهرة الكبت . فقد وصفها العالم النمسوي ( سيغموند فرويد ) وبين أثرها في الحياة اللاشعورية . وهو صاحب نظرية التحليل النفسي ( Psychanalyse ) التي يمكن تسميتها أيضاً بطريقة سبر الشعور . وقد رأينا في بحث اللاشعور أن وراء الحياة النفسية الظاهرة حياة مظلمة ، مؤلفة من النزعات الخفية ، والاهواء الدفينة والاحلام المكبوتة . والميول ليست ظاهرة بالذات ، بل قد يعرض لها أن تظهر ، وقد تكمن في النفس وراء الشعور فتمنعها الحياة الاجتماعية ، والاخلاق والتربية ، والأدب من الظهور . مثال ذلك الغرائز الجنسية ، فإن الأدب ، والحشمة ، واللياقة ، والتربية ، تزجرنا عن اطلاقها وتمنعنا من إظهارها ، فيتولد من هذا الزجر وهذا التضييق على الطبيعة حياة ثانية مشتقة ، فالكبت إذن هو العملية اللاشعورية التي يقصى بها المرء بعض تصوراته وعواطفه المؤلمة ورغائبه المحرمة عن ساحة الشعور الواضح ليخفيها في العقل الباطن أي في اللاشعور ( ۱ ) . وتتم هذه العملية بغير إرادة ، أو تتم في أكثر الأحيان بغير علم .
وللكبت نتائج نفسانية وجسمانية معاً ؛ نقتصر الآن على ذكر النفسانية منها :
١ - الكبت يولد في النفس قلقاً وألما . لأن إخفاء الميول بالقهر لا بد من أن يخلق حالة نفسية منافية . وقد رأيت أن اللذة تتولد من موافقة الفعل للميول ، والألم من مخالفته لها . ولذلك كان الكبت باعثاً على القلق والفم واليأس .
٢ - والكبت يولد في اللاشعور عقداً نفسية ( Complexes ) تجعل صاحبها عاجزاً عن القيام ببعض الأفعال . فالميول المكبوتة لا تزول عن النفس ، بل تبقى وراء الشعور ، والعقد النفسية التي تتولد منها مؤلفة من عناصر عقلية ، وعناصر انفعالية ، وعناصر فاعلة .
۳ - ومن الأفعال الدالة على الميول المكبوتة غلط اللسان ، وغلط الكتابة ، ونسيان بعض الألفاظ ، وإضاعة بعض الأشياء .
آ - غلط اللسان : - من الأمثلة التي ذكرها ( فرويد ( قول رئيس البرلمان النمساوي عند افتتاح إحدى جلسات المجلس : إن الجلسة قد انتهت ، بدلاً من قوله افتتحت فدل بذلك على رغبته في التخلص من جلسة لا فائدة منها . وقول أحد الاساتذة في محاضرته الافتتاحية : « لست مستعداً لتقدير مزايا سلفي ، بدلاً من قوله لست أهلا لتقدير مزايا سلفي ، فدل بذلك على أنه يبغضه ويمقته .
ب - النسيان : - ونسيان بعض الأشياء دليل على عدم الرغبة فيها مثال ذلك : إن فتاة نسيت ليلة عرسها أن تذهب إلى الخياطة لقياس ثوبها ، فدلت بذلك على عدم رغبتها في ذلك الزواج ، فما لبثت أن طلقت زوجها بعد قليل . ونسيان الرسالة على المنضدة دليل على عدم الاهتمام بالشخص الذي نريد أن نبعث اليه بها . وقد قيل أن ضياع بيانات الدفع أسهل من ضياع سندات القبض . كل ذلك يدل على أن نزعاتنا الخفية تحدد أفعالنا وتقيدها ، من غير أن يكون لارادتنا الواضحة تأثير فيها .
ج - الأحلام : - والأحلام تحقق في النوم ما يحجبه عنا الحس الظاهر ، أو نرغب فيه ونشتهيه في اليقظة . ولذلك كانت أحلامنا بالجملة دالة على ميولنا .
د - و من هذه الامثلة أيضاً بعض الامراض العصبية والنفسية . فقد بين ( فرويد ) أن أسبابها ترجع إلى كبت بعض الميول .
هناك عمليتان أساسيتان في نظرية التحليل النفسي : هما عمليتا التحويل والتصعيد ، ( ص - ۲۲۱ ) . وذلك أن الإنسان يستبدل بالميول المكبوتة ميولاً مباينة لها في الظاهر ، ومطابقة لها في الباطن . . ويسمى هذا الفعل النفسي بتحويل الميول ، فيتحول الطمع إلى قناعة ، والطموح إلى احسان وكرم . وقد يغير الإنسان هدف ميوله فيرفعها من طور أدنى إلى طور أعلى ، ويسمى هذا الفعل بالتصعيد ، فتتبدل الغريزة الجنسية إلى نزعة أسمى منها ، كالحب العذري عموماً ، وحب الجمال ، والشعر ، والموسيقى خصوصاً .
والغريزة الجنسية أو طاقة الحياة التي يسميها ( فرويد ) ( ليبيدو Libido ) هي أصل الغرائز وأكثرها خطورة . لانها تختمر في نفس الصبي فتجعله يحب أمه ويكره أباه . إن العواطف الخلقية ، والفنون الجميلة ، والآداب ، والشرائع ، كلها مشتقة من هذه الغريزة الاصلية .
هذه اشارة سريعة إلى نظرية الغريزة الجنسية التي وضعها ( فرويد ) فعمت الآداب والاخلاق . ولا شك في أن ( فرويد وأصحابه قد بالغوا فيما ذكروه وفسروه من الامثلة . و لعل خطأهم ناشيء عن عدم تقيدهم بمعنى الغريزة الجنسية ، فبدلوا معناها وأطلقوه على كل شيء .
على أن نظرية التحليل النفسي لا تخلو من بعض الافكار الصائبة والقضايا الصادقة ، فهي تبين لنا أن للغريزة الجنسية تأثيراً عميقاً في حياتنا ، وهي تجعلنا نستنبط من طريقــــة التحليل النفسي بعض قواعد الطب والتربية .
ومع أن الكلام على مسألة الكبت لا يخلو من المبالغة فإن تأثير هذه العملية لا يقل خطورة عن تأثير العمليات النفسية الأخرى . فهي تبعث على تخمر الميول والنزعات وراء حجاب الشعور ، وهي تؤثر في تكون الشخصية ، وتبين لنا أن أعمالنا الظاهرة متصلة بنزعاتنا الباطنة . وأنه لا بد لكل نزعة من نزعاتنا من أن تتبدل وفقاً لحياتنا النفسية ، وتنتظم في سلك نزعاتنا الأخرى ، ويسمى هذا التبدل بالتنظيم النفسي . وقد تنقلب النزعات المادية بتأثير الحياة النفسية ، والحياة الاجتماعية إلى نزعات روحانية واجتماعية ، فالحب مثلا ليس إلا صورة روحانية مشتقة من بخار الغريزة الجنسية ، ولكن صورته تختلف باختلاف الأوساط الاجتماعية ، واختلاف طرق التنشئة الفردية .
٦ - كبت الميول
ومن الظواهر النفسية التي ذكرها علماء النفس في بحث الميول ظاهرة الكبت . فقد وصفها العالم النمسوي ( سيغموند فرويد ) وبين أثرها في الحياة اللاشعورية . وهو صاحب نظرية التحليل النفسي ( Psychanalyse ) التي يمكن تسميتها أيضاً بطريقة سبر الشعور . وقد رأينا في بحث اللاشعور أن وراء الحياة النفسية الظاهرة حياة مظلمة ، مؤلفة من النزعات الخفية ، والاهواء الدفينة والاحلام المكبوتة . والميول ليست ظاهرة بالذات ، بل قد يعرض لها أن تظهر ، وقد تكمن في النفس وراء الشعور فتمنعها الحياة الاجتماعية ، والاخلاق والتربية ، والأدب من الظهور . مثال ذلك الغرائز الجنسية ، فإن الأدب ، والحشمة ، واللياقة ، والتربية ، تزجرنا عن اطلاقها وتمنعنا من إظهارها ، فيتولد من هذا الزجر وهذا التضييق على الطبيعة حياة ثانية مشتقة ، فالكبت إذن هو العملية اللاشعورية التي يقصى بها المرء بعض تصوراته وعواطفه المؤلمة ورغائبه المحرمة عن ساحة الشعور الواضح ليخفيها في العقل الباطن أي في اللاشعور ( ۱ ) . وتتم هذه العملية بغير إرادة ، أو تتم في أكثر الأحيان بغير علم .
وللكبت نتائج نفسانية وجسمانية معاً ؛ نقتصر الآن على ذكر النفسانية منها :
١ - الكبت يولد في النفس قلقاً وألما . لأن إخفاء الميول بالقهر لا بد من أن يخلق حالة نفسية منافية . وقد رأيت أن اللذة تتولد من موافقة الفعل للميول ، والألم من مخالفته لها . ولذلك كان الكبت باعثاً على القلق والفم واليأس .
٢ - والكبت يولد في اللاشعور عقداً نفسية ( Complexes ) تجعل صاحبها عاجزاً عن القيام ببعض الأفعال . فالميول المكبوتة لا تزول عن النفس ، بل تبقى وراء الشعور ، والعقد النفسية التي تتولد منها مؤلفة من عناصر عقلية ، وعناصر انفعالية ، وعناصر فاعلة .
۳ - ومن الأفعال الدالة على الميول المكبوتة غلط اللسان ، وغلط الكتابة ، ونسيان بعض الألفاظ ، وإضاعة بعض الأشياء .
آ - غلط اللسان : - من الأمثلة التي ذكرها ( فرويد ( قول رئيس البرلمان النمساوي عند افتتاح إحدى جلسات المجلس : إن الجلسة قد انتهت ، بدلاً من قوله افتتحت فدل بذلك على رغبته في التخلص من جلسة لا فائدة منها . وقول أحد الاساتذة في محاضرته الافتتاحية : « لست مستعداً لتقدير مزايا سلفي ، بدلاً من قوله لست أهلا لتقدير مزايا سلفي ، فدل بذلك على أنه يبغضه ويمقته .
ب - النسيان : - ونسيان بعض الأشياء دليل على عدم الرغبة فيها مثال ذلك : إن فتاة نسيت ليلة عرسها أن تذهب إلى الخياطة لقياس ثوبها ، فدلت بذلك على عدم رغبتها في ذلك الزواج ، فما لبثت أن طلقت زوجها بعد قليل . ونسيان الرسالة على المنضدة دليل على عدم الاهتمام بالشخص الذي نريد أن نبعث اليه بها . وقد قيل أن ضياع بيانات الدفع أسهل من ضياع سندات القبض . كل ذلك يدل على أن نزعاتنا الخفية تحدد أفعالنا وتقيدها ، من غير أن يكون لارادتنا الواضحة تأثير فيها .
ج - الأحلام : - والأحلام تحقق في النوم ما يحجبه عنا الحس الظاهر ، أو نرغب فيه ونشتهيه في اليقظة . ولذلك كانت أحلامنا بالجملة دالة على ميولنا .
د - و من هذه الامثلة أيضاً بعض الامراض العصبية والنفسية . فقد بين ( فرويد ) أن أسبابها ترجع إلى كبت بعض الميول .
هناك عمليتان أساسيتان في نظرية التحليل النفسي : هما عمليتا التحويل والتصعيد ، ( ص - ۲۲۱ ) . وذلك أن الإنسان يستبدل بالميول المكبوتة ميولاً مباينة لها في الظاهر ، ومطابقة لها في الباطن . . ويسمى هذا الفعل النفسي بتحويل الميول ، فيتحول الطمع إلى قناعة ، والطموح إلى احسان وكرم . وقد يغير الإنسان هدف ميوله فيرفعها من طور أدنى إلى طور أعلى ، ويسمى هذا الفعل بالتصعيد ، فتتبدل الغريزة الجنسية إلى نزعة أسمى منها ، كالحب العذري عموماً ، وحب الجمال ، والشعر ، والموسيقى خصوصاً .
والغريزة الجنسية أو طاقة الحياة التي يسميها ( فرويد ) ( ليبيدو Libido ) هي أصل الغرائز وأكثرها خطورة . لانها تختمر في نفس الصبي فتجعله يحب أمه ويكره أباه . إن العواطف الخلقية ، والفنون الجميلة ، والآداب ، والشرائع ، كلها مشتقة من هذه الغريزة الاصلية .
هذه اشارة سريعة إلى نظرية الغريزة الجنسية التي وضعها ( فرويد ) فعمت الآداب والاخلاق . ولا شك في أن ( فرويد وأصحابه قد بالغوا فيما ذكروه وفسروه من الامثلة . و لعل خطأهم ناشيء عن عدم تقيدهم بمعنى الغريزة الجنسية ، فبدلوا معناها وأطلقوه على كل شيء .
على أن نظرية التحليل النفسي لا تخلو من بعض الافكار الصائبة والقضايا الصادقة ، فهي تبين لنا أن للغريزة الجنسية تأثيراً عميقاً في حياتنا ، وهي تجعلنا نستنبط من طريقــــة التحليل النفسي بعض قواعد الطب والتربية .
ومع أن الكلام على مسألة الكبت لا يخلو من المبالغة فإن تأثير هذه العملية لا يقل خطورة عن تأثير العمليات النفسية الأخرى . فهي تبعث على تخمر الميول والنزعات وراء حجاب الشعور ، وهي تؤثر في تكون الشخصية ، وتبين لنا أن أعمالنا الظاهرة متصلة بنزعاتنا الباطنة . وأنه لا بد لكل نزعة من نزعاتنا من أن تتبدل وفقاً لحياتنا النفسية ، وتنتظم في سلك نزعاتنا الأخرى ، ويسمى هذا التبدل بالتنظيم النفسي . وقد تنقلب النزعات المادية بتأثير الحياة النفسية ، والحياة الاجتماعية إلى نزعات روحانية واجتماعية ، فالحب مثلا ليس إلا صورة روحانية مشتقة من بخار الغريزة الجنسية ، ولكن صورته تختلف باختلاف الأوساط الاجتماعية ، واختلاف طرق التنشئة الفردية .
تعليق