غريزة الاجتماع ، الميول الغيرية .. الميول والنزاعات
٤ - غريزة الاجتماع
- وهي أقرب الغرائز الفردية إلى العواطف الاجتماعية المشتقة كالعواطف الوطنية والعواطف المهنية التي تضم ابناء صناعة واحدة . وهي تبعث الافراد على الاتصال بعضهم ببعض لتأليف جموع موقتة أو منظمة ، وكما توجد في عالم الانسان فكذلك توجد في عالم الحيوان .
لقد ذكر ( بوفيه ) فيما كتبه عن شيوعية الحشرات ( ۱ ) نوعين للجموع الحيوانية . فالنوع الأول فردي تعيش فيه الحشرات منفردة ، والنوع الثاني شيوعي يشترك أفراده في عمل واحد ، بحيث لا يكون للنحلة في هذا النوع من الاجتماع حياة إلا بخليتها ، ولا للنملة بقاء إلا بقريتها ، فكأن الفرد مصهور في المجموع ، وكأن خلايا النحل وقرى النمل أجسام حية يتعاون أفرادها على إدامة حياتها . فالنحل ، والنمل ، والجنادب ، والطيور ، تعيش كلها مجتمعة ، وتتعاون على البقاء .
وقد زعم بعض العلماء أن هذه الغريزة الاجتماعية مشتقة من عاطفة الامومة أو من الميل إلى التقليد . والحق أن هذه الغريزة متصلة بأسس حيوية ، لان الاجتماع الانساني ضروري . والدليل على ذلك أن الانسان قد ركب على صورة لا يصح بقاؤها إلا بالغذاء ، إلا أن قدرة الانسان الواحد قاصرة عن تحصيل حاجاته منه ، فلا بد من اجتماع الافراد وتعاونهم ليحصل بهذا التعاون قدر الكفاية من الحاجة ( ٢ ) . والحياة الاجتماعية تقتضي وجود غريزة خاصة تسمى بغريزة القطيع أو غريزة الاجتماع ، وهي غير الانانية ، لانها أولية كغريزة التقليد والعطف والامومة . وهي تبعث الافراد على التعاون . وكما تؤثر غريزة الاجتماع في تكون المجتمع ، فكذلك يؤثر المجتمع نفسه في أشكال هذه الغريزة . ويصدق على هذا التأثير المتبادل قولهم : العملة تؤثر في المعلول ، والمعلول يؤثر في العلة . ولا يتولد الحس الاجتماعي ( Sens Social ) في نفوس الأفراد إلا عند شعورهم بذلك التأثير .
وهذا الحس الاجتماعي مشابه لحس الحياة ، لانه لا يربط الانسان بأبناء جنسه فحسب ، بل يشعره بنسبته الى المجموع ، حتى يريد له الخير والكمال ، كما يريده لنفسه .
يختلف هذا الحس الاجتماعي باختلاف الازمنة وتباين الافراد . وليس ارتقاء الحياة الاجتماعية بباعث على نموه اضطراراً ، فقد تشتبك عناصر الحياة الاجتماعية ، وترسخ الصنائع ، ويزداد العمران ، ويبقى الحس الاجتماعي مع ذلك ضعيفاً . لان ارتقاء الحياة الاجتماعية من طور أدنى إلى طور أعلى ، قد يخفف شدة الرابطة الاجتماعية ، أو بالأحرى يبدل نوعها . والقهر الاجتماعي في القرية أقوى منه في المدينة . وكلما كانت الحياة الاجتماعية ابتدائية ، كانت شخصية الفرد غير مفارقة لشخصية المجموع . وقد رأيت كيف يتعاون الفقراء ، ويحب بعضهم بعضاً ، وكيف يستغني الأغنياء بعضهم عن بعض لأن الفرد في الاجتماع الابتدائي كالنحلة في الخلية ، لا يستطيع أن يستقل عن غيره من الافراد ، ولا أن يحصل حاجاته إلا بالتعاون معهم .
وقد تنمو العواطف الغيرية ويضعف الحس الاجتماعي ، فيكون الانسان صالحا كريماً رحيماً . ويكون مع ذلك فوضوياً يكره الاجتماع . والسبب في ذلك أن القلب يدفع الفرد إلى محبة الناس ، ولكن خضوعه الأعمى للغريزة قد يدفعه إلى القيام بأفعال تضر كيان المجموع .
و قصارى القول أن الانسان اجتماعي بالطبع ، يتولد من نزوعه الى الاجتماع عواطف كثيرة ، كحب الزوج زوجته ، والوالد ولده ، والولد والديه ، وحب الأخوة بعضهم بعضاً ، والصداقة ، ومحبة الوطن ، والانسانية الخ .. وسنعود إلى الكلام على هذه العواطف في كتاب الأخلاق .
فأنت ترى أن للعواطف الغيرية ثلاث صور وهي : العطف ، والأمومة ، وغريزة الاجتماع . وهي كما ذكرنا ميول أصلية ، لا يمكن ارجاعها إلى الأنانية ، ولا إلى عاطفة مشتقة منها .
٤ - غريزة الاجتماع
- وهي أقرب الغرائز الفردية إلى العواطف الاجتماعية المشتقة كالعواطف الوطنية والعواطف المهنية التي تضم ابناء صناعة واحدة . وهي تبعث الافراد على الاتصال بعضهم ببعض لتأليف جموع موقتة أو منظمة ، وكما توجد في عالم الانسان فكذلك توجد في عالم الحيوان .
لقد ذكر ( بوفيه ) فيما كتبه عن شيوعية الحشرات ( ۱ ) نوعين للجموع الحيوانية . فالنوع الأول فردي تعيش فيه الحشرات منفردة ، والنوع الثاني شيوعي يشترك أفراده في عمل واحد ، بحيث لا يكون للنحلة في هذا النوع من الاجتماع حياة إلا بخليتها ، ولا للنملة بقاء إلا بقريتها ، فكأن الفرد مصهور في المجموع ، وكأن خلايا النحل وقرى النمل أجسام حية يتعاون أفرادها على إدامة حياتها . فالنحل ، والنمل ، والجنادب ، والطيور ، تعيش كلها مجتمعة ، وتتعاون على البقاء .
وقد زعم بعض العلماء أن هذه الغريزة الاجتماعية مشتقة من عاطفة الامومة أو من الميل إلى التقليد . والحق أن هذه الغريزة متصلة بأسس حيوية ، لان الاجتماع الانساني ضروري . والدليل على ذلك أن الانسان قد ركب على صورة لا يصح بقاؤها إلا بالغذاء ، إلا أن قدرة الانسان الواحد قاصرة عن تحصيل حاجاته منه ، فلا بد من اجتماع الافراد وتعاونهم ليحصل بهذا التعاون قدر الكفاية من الحاجة ( ٢ ) . والحياة الاجتماعية تقتضي وجود غريزة خاصة تسمى بغريزة القطيع أو غريزة الاجتماع ، وهي غير الانانية ، لانها أولية كغريزة التقليد والعطف والامومة . وهي تبعث الافراد على التعاون . وكما تؤثر غريزة الاجتماع في تكون المجتمع ، فكذلك يؤثر المجتمع نفسه في أشكال هذه الغريزة . ويصدق على هذا التأثير المتبادل قولهم : العملة تؤثر في المعلول ، والمعلول يؤثر في العلة . ولا يتولد الحس الاجتماعي ( Sens Social ) في نفوس الأفراد إلا عند شعورهم بذلك التأثير .
وهذا الحس الاجتماعي مشابه لحس الحياة ، لانه لا يربط الانسان بأبناء جنسه فحسب ، بل يشعره بنسبته الى المجموع ، حتى يريد له الخير والكمال ، كما يريده لنفسه .
يختلف هذا الحس الاجتماعي باختلاف الازمنة وتباين الافراد . وليس ارتقاء الحياة الاجتماعية بباعث على نموه اضطراراً ، فقد تشتبك عناصر الحياة الاجتماعية ، وترسخ الصنائع ، ويزداد العمران ، ويبقى الحس الاجتماعي مع ذلك ضعيفاً . لان ارتقاء الحياة الاجتماعية من طور أدنى إلى طور أعلى ، قد يخفف شدة الرابطة الاجتماعية ، أو بالأحرى يبدل نوعها . والقهر الاجتماعي في القرية أقوى منه في المدينة . وكلما كانت الحياة الاجتماعية ابتدائية ، كانت شخصية الفرد غير مفارقة لشخصية المجموع . وقد رأيت كيف يتعاون الفقراء ، ويحب بعضهم بعضاً ، وكيف يستغني الأغنياء بعضهم عن بعض لأن الفرد في الاجتماع الابتدائي كالنحلة في الخلية ، لا يستطيع أن يستقل عن غيره من الافراد ، ولا أن يحصل حاجاته إلا بالتعاون معهم .
وقد تنمو العواطف الغيرية ويضعف الحس الاجتماعي ، فيكون الانسان صالحا كريماً رحيماً . ويكون مع ذلك فوضوياً يكره الاجتماع . والسبب في ذلك أن القلب يدفع الفرد إلى محبة الناس ، ولكن خضوعه الأعمى للغريزة قد يدفعه إلى القيام بأفعال تضر كيان المجموع .
و قصارى القول أن الانسان اجتماعي بالطبع ، يتولد من نزوعه الى الاجتماع عواطف كثيرة ، كحب الزوج زوجته ، والوالد ولده ، والولد والديه ، وحب الأخوة بعضهم بعضاً ، والصداقة ، ومحبة الوطن ، والانسانية الخ .. وسنعود إلى الكلام على هذه العواطف في كتاب الأخلاق .
فأنت ترى أن للعواطف الغيرية ثلاث صور وهي : العطف ، والأمومة ، وغريزة الاجتماع . وهي كما ذكرنا ميول أصلية ، لا يمكن ارجاعها إلى الأنانية ، ولا إلى عاطفة مشتقة منها .
تعليق