وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر (يمين) يلتقي بالرئيس الصيني السابق ماو تسي تونغ (يسار) في سبعينيات القرن الماضي في بكين (الفرنسية)
كيسنجر وأساطيره الستة6/1/2024
مع وفاة هنري كيسنجر في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عن عمر يناهز 100 عام، عادت سيرته للواجهة من جديد، وأصبح إعلان وفاته مناسبة للتذكير بإرثه الدبلوماسي المثير للجدل؛ حيث "ملأ الدنيا وشغل الناس"، وظلّ منذ ظهوره على الساحة السياسية في أواخر الستينيّات محلّ استقطاب شديد بين النخب السياسية في الغرب وحول العالم.
بدأ كيسنجر عمله الحكومي بمنصب مستشارِ الأمن القومي، ثم وزيرًا للخارجية في عهدَي الرئيسين ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد في الفترة من 1973 إلى 1977. وقد شهدت فترة توليه حقيبةَ الخارجية تحولات سياسية واقتصادية هامّة، تركت آثارها على مسار الدبلوماسية الأميركية.
عراب السياسات:
لم يكن كيسنجر مسؤولًا عاديًا ينفّذ سياسات الإدارات التي عمل معها، فهو يمثّل العرّاب للعديد من السياسات والإستراتيجيات التي شكّلت ملامح السياسة الأميركية الخارجية في فترة الحرب الباردة، حتى وُصف من قبل أنصاره بـ "عملاق الدبلوماسية الأميركية"، والشخصية الأكثر تأثيرًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
مكّنت سياساته بلاده من الخروج من مستنقع حرب فيتنام عبر التفاوض، ومكّنتها من فتح قنوات التواصل مع الصين، وتدشين علاقات دبلوماسية بين واشنطن وبكين. الأمر نفسه فعله في علاقة بلاده مع الاتحاد السوفياتي، فقد نجحت سياساته – بحسب أنصاره- في احتواء النفوذ الشيوعي المتنامي في مناطق متفرقة من العالم، وتقليل التوترات مع القطب السوفياتي.
في مقابل هذا الاحتفاء والتبجيل، يحظى سجلّ كيسنجر وإرثه السياسي بنقد كبير عند مناوئيه في أميركا وفي بقية العالم، حيث كان براغماتيًا محضًا، لا يتردّد في عقد الصفقات مع الأنظمة الاستبدادية، وتقويض الديمقراطيات.
وإرثه يمثّل عندهم التجسيد الأقبح لنهج الولايات المتحدة في اتباع أي وسيلة في سبيل تحقيق المصالح، وفرض النفوذ في العالم. ولذلك يصفه منتقدوه بالطاغية؛ لارتكابه العديد من الفظائع والجرائم في فيتنام، وكمبوديا، والشيلي، وفي بنغلاديش، وإندونيسيا، وفي مناطق أخرى عديدة.
لسنا هنا بصدد تقييم الأطروحات التي تناولت إرثَ كيسنجر، بقدر ما نريد لفتَ عناية القراء لمقالة الكاتب جيمس مان، التي نُشرت مؤخرًا في موقع " بوليتيكو"، بعنوان: "الأساطير الستة التي صنعها كيسنجر حول نفسه وكيف وقع الجميع في شِراكها". فقد حاول الكاتب من خلالها النظرَ في إرث كيسنجر بعيدًا عن ثنائية التبجيل والتمجيد أو التشهير والذم.
جيمس مان، صحفي أميركي لامع، عمل لأكثر من عقدَين في مجال الصحافة، إضافة إلى أنه مؤرخ مهم نشر العديد من الكتب حول علاقات أميركا بالشرق الأوسط والصين، أبرزها كتابه: "صعود آلهة النار: وزارة حرب بوش".
اللافت في مقالته هذه أنه يقول: إن كثيرًا من المقالات التي كُتبت عقب وفاة كيسنجر، سواء كانت مقالات تبجيلية أو ناقمة، استندت إلى المرويّات التي دوّنها كيسنجر بنفسه أو أشاعها وسط الإعلام. وأن هذه المرويّات – بحسب الكاتب- تتضمن "سلسلة واسعة من القصص والأكاذيب المضللة التي شيّدها كيسنجر حول نفسه طوال مسار حياته المهنية".
تعليق