ينافس في مسابقة الفيلم الوثائقي لـ مهرجان الجونة ..
«على قارب آدامان» .. الإنسان أولاً
الجونة ـ «سينماتوغراف»
ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته السادسة، ينافس الوثائقي الإنساني الجميل «على قارب آدامان ـ On the Adamant» للمخرج الفرنسي نيكولا فليبير، الحائز على جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي 2023، والذي يرصد مركزأ لرعاية من يعانون مشاكل نفسية، ويقدم تجربة تشبه التداعي الحر لكل ما يجول بخاطرهم، وكيف أن العلاج بالفن والموسيقى والرسم والغناء، والتطلع للعالم هو فقط مفتاحهم للشفاء.
«آدامان» قارب خشبي كبير، ذا أبواب وشبابيك ضخمة، يرسو على ضفاف نهر الـ«سين»، في باريس منذ عام 2010، وهو غير لافت للانتباه، يمرّ عليه الباريسيون وزوّار المدينة، من دون إدراك دوره وطبيعته، رغم إنّها راسي قرب المعالم الشهيرة للعاصمة الفرنسية، الزاخرة يومياً ببشر من كافة بقاع الأرض.
ولكونه ليس بالقارب العادي بل هو مصحة نفسية عائمة، يرتادها من هم في حاجة للعلاج، يخرجون منه ويأتون إليه طواعية، كما لو كانت ملاذاً لهم من العالم، أو مكاناً يجدون فيه الكثير من الدعم والتفهم.
ينفذ «فليبير» إلى عالم هذا القارب وحياة رواده، دون تطفل أو إصدار أحكام، وبإنسانية كبيرة وتفهم وتعاطف كبيرين، يحتفظ بمسافة تمنح الثقة لأهل القارب، فيشركونه بود في حياتهم، لا نسمع تعقيباً أو تعليقاً من المخرج، بل نجد الفيلم والأحاديث والقصص تنساب، كما تنساب المياه في ذلك النهر الذي ترسو عليه السفينة.
لا يتعامل «فليبير» مع رواد القارب على أنهم مرضى، أو حالات غرائبية يعرضها، بل نراهم بشراً مثلنا، تثقلهم الهموم فيحتاجون إلى العون والدعم، وتُجسّد أمراضهم ومشاكلهم واضطراباتهم وهواجسهم، خلال مدة الفيلم (109 دقائق)، مدى تعقيد مُعاناة البشر، وتركيبهم وهشاشتهم، وكيف أنّهم يعكسون حالنا بعيوبنا ونواقصنا وضعفنا.
تتعدد المشاهد ومعها اللقطات التي تصور قارب «الآدامان» منذ الصباح الباكر، حيث تفتح نوافذها الخشبية المميزة، لينفذ الضوء إلى داخلها فنتعرف على تفاصيل المكان الذي يرتاده هؤلاء الأشخاص للتخفيف عن آلامهم النفسية.
لا نرى الأطباء النفسيين في صورتهم المتخيلة المعتادة، ولا المرضى النفسيين كما تصورهم أفلاماً أخرى، بل نتعايش مع شخصيات تواقه للحديث والتعبير عن ذواتها التي تحمل الكثير من الموهبة والفن والأفكار.
نراهم يتحدثون وهم يحتسون القهوة أو يقرأون أو يعزفون الموسيقى، لأن الفن والعلاج بالإبداع جزء لا يتجزأ من عالم هذه السفينة، حيث يحظى العديد من روادها بالكثير من الموهبة في الرسم والموسيقى والغناء.
ويبدأ الفيلم، بأربعيني من رواد القارب يغني بصوت قوي جميل أغنية تحمل كلماتها الكثير من التفاؤل والدعم النفسي. نسمعه يتحدث عن مكنونات ذاته لاحقاً، وهي ما تمنحه القوة والقدرة على الغناء والتوازن.
كما يصحبنا الفيلم إلى عالم فريدريك، أحد رواد القارب، الذي يجيد الرسم ويقول إنه يشبه في شكله وفي موضوع أعماله الفنية فان غوخ، ويجد علاقة وطيدة بين ذاته وحياته، وفان غوخ، كما يتحدث عن السينما والموسيقى.
ونلتقي مع امرأة أخرى، تحكي عن ابنها الذي أبعدته الرعاية الاجتماعية عنها وهو في طفولته، ولكنها تتحدث في هدوء ويقين إن هذا كان القرار الصائب لصالح الصبي.
ورغم آلامها وآلام فريدريك، نراهما يتمتعان ببعض السكينة والهدوء النفسي اللذين ما كانا ليحصلا عليهما دون القدوم إلى متن «الآدامان».
وبكاميرا ثابتة، يتنقّل «فليبير» بين الشخصيات، لتقديم مقابلات طويلة وصبورة لأكثر من 15 شخصية، يتابع ما يفعلونه بحيادية، مُتيحاً لكلّ واحد مساحته الكاملة في الحديث الفردي، كما يرصد الأنشطة الأخرى مثل الخياطة والطبخ والرقص ومشاهدة الأعمال السينمائية ومناقشتها، وكيف يخطّطون من خلال نادي الأفلام، لتنظيم مهرجان سينمائي للأفلام الكلاسيكية، وعرض روائع كثيرة، كأفلام وودي آلن وفرنسوا تروفو وفيديريكو فيلّيني وعباس كياروستامي، وغيرهم.
لا يتطفل المخرج على رواد القارب ولا يحاصرهم بالأسئلة أو الرغبة في معرفة أسرارهم، بل نجده يفسح المجال لهم للبوح عما يشغلهم، فيتحدثون دون توجيه منه، ويقولون ما يودون قوله، أو يشاركونه أعمالهم الفنية ويتحدثون عن كيف تعبر هذه الأعمال عن ذواتهم، فيركز أكثر على الإنسان وما يثير هواجسه في داخله، ورغم أن العلاج بالفن ليس جديداً، لكنْ يبدو أنّه ينجح فعلاً في مساعدة شخصيات «آدامان»، وتعايشهم مع إعاقاتهم ومشاكلهم ومعاناتهم، ويساعدهم كذلك على استغلال وقتهم وطاقاتهم، وتسخير مَلكاتهم في الإبداع.
باختصار، نحن إزاء شخصيات تُجبر على التفكير فيما هم فيه، وكيف أنّه ليس شيئاً جامداً، بل شديد الاختلاف والتباين، والنسبية أيضاً، وأنّ أقصى أمنيات هؤلاء تلبية حاجتهم إلى حياة آمنة، والانتباه إليهم والاهتمام بهم، والاستماع إليهم بكلّ صدق وإخلاص، وقبل كلّ شيء، إشاعة تواصل حنون ودافئ في عوالمهم.
وهكذا يستعرض نيكولا فليبير، المُتخصص في الأفلام الوثائقية، من خلال هذا العمل الذي يحمل رقم 11 خلال مسيرته السينمائية، مدى الارتياح والسلام والطمأنينة التي يجلبها المركز لهؤلاء البشر، من دون رصد وتصوير الأداء العام للمؤسسة، وكيفية عملها وإدارتها، ولا التركيز على الأطباء والمُعالِجين والمُمرّضين، رغم أن هناك مشاهد ولقطات تعكس قوة وظيفة المركز، وقيمته وأهميته، باستثناء ذكر صعوبات مالية، وأزمات تُهدّد وجود هذا الكيان وأنشطته.
يندر خروج الكاميرا من القارب، باستثناء تصوير النوافذ، والجسر الذي يرسو تحته، والمَعبَر إليه، لكن مرة واحدة، يقوم المخرج بجولة سريعة، رفقة بعض روّاد «آدامان»، لزيارة أحد أسواق الفاكهة والخضار الباريسية، وهناك، يجمعون الفاكهة السليمة، المُلقى بها في صناديق القمامة، يأخذونها معهم، ويصنعون منها المربى، لبيعها في كَافيِتيريا السفينة، لتحقيق دخلٍ ما، كمساهمة في النفقات المادية، وإعانة المؤسّسة.
ومن خلال مقاربة إنسانية أولاً، أكثر منها عقلية، يرتقي «فليبير» بفيلمه «على قارب آدامان»، فيصل إلى مستويات تضحكنا على أنفسنا وتثير فضولنا وتبثّ فينا جرعة من التفاؤل، رغم أن ما يتناوله مأساوي ويدفعنا إلى السؤال لم تحدث أمور مأساوية لهؤلاء الأشخاص الذين نرى الكثير من أنفسنا فيهم؟، بالطبع لا يقدم الفيلم إجابات أو إدانات، لأنه اختار منذ اللحظة الأولى طرحاً خارج عن المألوف.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك
«على قارب آدامان» .. الإنسان أولاً
الجونة ـ «سينماتوغراف»
ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته السادسة، ينافس الوثائقي الإنساني الجميل «على قارب آدامان ـ On the Adamant» للمخرج الفرنسي نيكولا فليبير، الحائز على جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي 2023، والذي يرصد مركزأ لرعاية من يعانون مشاكل نفسية، ويقدم تجربة تشبه التداعي الحر لكل ما يجول بخاطرهم، وكيف أن العلاج بالفن والموسيقى والرسم والغناء، والتطلع للعالم هو فقط مفتاحهم للشفاء.
«آدامان» قارب خشبي كبير، ذا أبواب وشبابيك ضخمة، يرسو على ضفاف نهر الـ«سين»، في باريس منذ عام 2010، وهو غير لافت للانتباه، يمرّ عليه الباريسيون وزوّار المدينة، من دون إدراك دوره وطبيعته، رغم إنّها راسي قرب المعالم الشهيرة للعاصمة الفرنسية، الزاخرة يومياً ببشر من كافة بقاع الأرض.
ولكونه ليس بالقارب العادي بل هو مصحة نفسية عائمة، يرتادها من هم في حاجة للعلاج، يخرجون منه ويأتون إليه طواعية، كما لو كانت ملاذاً لهم من العالم، أو مكاناً يجدون فيه الكثير من الدعم والتفهم.
ينفذ «فليبير» إلى عالم هذا القارب وحياة رواده، دون تطفل أو إصدار أحكام، وبإنسانية كبيرة وتفهم وتعاطف كبيرين، يحتفظ بمسافة تمنح الثقة لأهل القارب، فيشركونه بود في حياتهم، لا نسمع تعقيباً أو تعليقاً من المخرج، بل نجد الفيلم والأحاديث والقصص تنساب، كما تنساب المياه في ذلك النهر الذي ترسو عليه السفينة.
لا يتعامل «فليبير» مع رواد القارب على أنهم مرضى، أو حالات غرائبية يعرضها، بل نراهم بشراً مثلنا، تثقلهم الهموم فيحتاجون إلى العون والدعم، وتُجسّد أمراضهم ومشاكلهم واضطراباتهم وهواجسهم، خلال مدة الفيلم (109 دقائق)، مدى تعقيد مُعاناة البشر، وتركيبهم وهشاشتهم، وكيف أنّهم يعكسون حالنا بعيوبنا ونواقصنا وضعفنا.
تتعدد المشاهد ومعها اللقطات التي تصور قارب «الآدامان» منذ الصباح الباكر، حيث تفتح نوافذها الخشبية المميزة، لينفذ الضوء إلى داخلها فنتعرف على تفاصيل المكان الذي يرتاده هؤلاء الأشخاص للتخفيف عن آلامهم النفسية.
لا نرى الأطباء النفسيين في صورتهم المتخيلة المعتادة، ولا المرضى النفسيين كما تصورهم أفلاماً أخرى، بل نتعايش مع شخصيات تواقه للحديث والتعبير عن ذواتها التي تحمل الكثير من الموهبة والفن والأفكار.
نراهم يتحدثون وهم يحتسون القهوة أو يقرأون أو يعزفون الموسيقى، لأن الفن والعلاج بالإبداع جزء لا يتجزأ من عالم هذه السفينة، حيث يحظى العديد من روادها بالكثير من الموهبة في الرسم والموسيقى والغناء.
ويبدأ الفيلم، بأربعيني من رواد القارب يغني بصوت قوي جميل أغنية تحمل كلماتها الكثير من التفاؤل والدعم النفسي. نسمعه يتحدث عن مكنونات ذاته لاحقاً، وهي ما تمنحه القوة والقدرة على الغناء والتوازن.
كما يصحبنا الفيلم إلى عالم فريدريك، أحد رواد القارب، الذي يجيد الرسم ويقول إنه يشبه في شكله وفي موضوع أعماله الفنية فان غوخ، ويجد علاقة وطيدة بين ذاته وحياته، وفان غوخ، كما يتحدث عن السينما والموسيقى.
ونلتقي مع امرأة أخرى، تحكي عن ابنها الذي أبعدته الرعاية الاجتماعية عنها وهو في طفولته، ولكنها تتحدث في هدوء ويقين إن هذا كان القرار الصائب لصالح الصبي.
ورغم آلامها وآلام فريدريك، نراهما يتمتعان ببعض السكينة والهدوء النفسي اللذين ما كانا ليحصلا عليهما دون القدوم إلى متن «الآدامان».
وبكاميرا ثابتة، يتنقّل «فليبير» بين الشخصيات، لتقديم مقابلات طويلة وصبورة لأكثر من 15 شخصية، يتابع ما يفعلونه بحيادية، مُتيحاً لكلّ واحد مساحته الكاملة في الحديث الفردي، كما يرصد الأنشطة الأخرى مثل الخياطة والطبخ والرقص ومشاهدة الأعمال السينمائية ومناقشتها، وكيف يخطّطون من خلال نادي الأفلام، لتنظيم مهرجان سينمائي للأفلام الكلاسيكية، وعرض روائع كثيرة، كأفلام وودي آلن وفرنسوا تروفو وفيديريكو فيلّيني وعباس كياروستامي، وغيرهم.
لا يتطفل المخرج على رواد القارب ولا يحاصرهم بالأسئلة أو الرغبة في معرفة أسرارهم، بل نجده يفسح المجال لهم للبوح عما يشغلهم، فيتحدثون دون توجيه منه، ويقولون ما يودون قوله، أو يشاركونه أعمالهم الفنية ويتحدثون عن كيف تعبر هذه الأعمال عن ذواتهم، فيركز أكثر على الإنسان وما يثير هواجسه في داخله، ورغم أن العلاج بالفن ليس جديداً، لكنْ يبدو أنّه ينجح فعلاً في مساعدة شخصيات «آدامان»، وتعايشهم مع إعاقاتهم ومشاكلهم ومعاناتهم، ويساعدهم كذلك على استغلال وقتهم وطاقاتهم، وتسخير مَلكاتهم في الإبداع.
باختصار، نحن إزاء شخصيات تُجبر على التفكير فيما هم فيه، وكيف أنّه ليس شيئاً جامداً، بل شديد الاختلاف والتباين، والنسبية أيضاً، وأنّ أقصى أمنيات هؤلاء تلبية حاجتهم إلى حياة آمنة، والانتباه إليهم والاهتمام بهم، والاستماع إليهم بكلّ صدق وإخلاص، وقبل كلّ شيء، إشاعة تواصل حنون ودافئ في عوالمهم.
وهكذا يستعرض نيكولا فليبير، المُتخصص في الأفلام الوثائقية، من خلال هذا العمل الذي يحمل رقم 11 خلال مسيرته السينمائية، مدى الارتياح والسلام والطمأنينة التي يجلبها المركز لهؤلاء البشر، من دون رصد وتصوير الأداء العام للمؤسسة، وكيفية عملها وإدارتها، ولا التركيز على الأطباء والمُعالِجين والمُمرّضين، رغم أن هناك مشاهد ولقطات تعكس قوة وظيفة المركز، وقيمته وأهميته، باستثناء ذكر صعوبات مالية، وأزمات تُهدّد وجود هذا الكيان وأنشطته.
يندر خروج الكاميرا من القارب، باستثناء تصوير النوافذ، والجسر الذي يرسو تحته، والمَعبَر إليه، لكن مرة واحدة، يقوم المخرج بجولة سريعة، رفقة بعض روّاد «آدامان»، لزيارة أحد أسواق الفاكهة والخضار الباريسية، وهناك، يجمعون الفاكهة السليمة، المُلقى بها في صناديق القمامة، يأخذونها معهم، ويصنعون منها المربى، لبيعها في كَافيِتيريا السفينة، لتحقيق دخلٍ ما، كمساهمة في النفقات المادية، وإعانة المؤسّسة.
ومن خلال مقاربة إنسانية أولاً، أكثر منها عقلية، يرتقي «فليبير» بفيلمه «على قارب آدامان»، فيصل إلى مستويات تضحكنا على أنفسنا وتثير فضولنا وتبثّ فينا جرعة من التفاؤل، رغم أن ما يتناوله مأساوي ويدفعنا إلى السؤال لم تحدث أمور مأساوية لهؤلاء الأشخاص الذين نرى الكثير من أنفسنا فيهم؟، بالطبع لا يقدم الفيلم إجابات أو إدانات، لأنه اختار منذ اللحظة الأولى طرحاً خارج عن المألوف.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك