الوَعد The Promise
على الرغم من أن مساحة ارمينيا قد تقلصت بسبب حروب الكر و الفر الطويلة في آسيا و أوربا عبر حقب التاريخ ــ حيث تقع في الحيز الأوربي الآسيوي ــ إلا إنها بلادٌ عريقة ، و لها جذور تمدنية تضرب في عهود ما قبل الميلاد . ومنذ القرن الأول الميلادي ظهرت الديانة المسيحية الأرثوذكسية الأرمنية بجهود القديس " تداوس " والقديس " برثلماوس " و هما من التلاميذ الإثني عشر. و تُعتبر ارمينيا هي أول دولةٍ في التاريخ اعتمدت المسيحية كدين رسمي ، و تحديداً في القرن الرابع الميلادي ، فقد كان ( مرسوم ميلانو ) الذي صدر عام 313 الذي وضع الإمبراطورية الرومانية على الحياد من العبادات ، تثبياً مريحاً للمسيحية الأرمنية .
في ذلك الوقت كانت قوة أرمينيا بين مدٍّ و جزر ، و كانت لسيادتها على الأراضي توسّعاتٌ و تقلصات ، ففي عهد الملك " دكران " امتدت الدولة الأرمينية ما بين بحر قزوين و البحر الأسود شمالاً الى سوريا و فلسطين جنوباً . و في فترةٍ من الفترات كانت أراضيها مسرحاً للصراع الفارسي الروماني . كما كانت في إحدى الفترات نداً للدولة البيزنطية ولكن ما جمعهما هو العقيدة الدينية و ما فرقهما هو النزعة القومية ، و قد أظهر الأرمن بسالةً شديدة في حربهم بقيادة الأمير " فارتان ماميكونيان " ضد الفرس و حافظوا على عقيدتهم في معركةٍ شرسةٍ راح ضحيتها 200000 مقاتل من كل طرف . ولكن ، و في كل الأحوال فإن المسيحية الأرمنية كانت في انتشار مضطرد في البلدان ، و منها بلاد الأناضول التي تقعُ غرب أرمينيا ، و لذلك فإن الأرمن الذين في هذه البلاد هم سكان أصليون فيها ، منذ كانت القسطنطينية ( اسطنبول ) عاصمة للدولة الرومانية ثم الدولة البيزنطية ، و هما دولتان اعتنقتا المسيحية ، بالتتالي ، كدين رسمي منذ مطلع القرن الرابع الميلادي . ولكن هذه العاصمة التي تحول اسمها من ( بيزنطة ) الى ( القسطنطينية ) الى ( استانة ) الى ( استنبول ) التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية العثمانية للفترة بين العامين 1517 و 1924 ، كانت مدينة مسيحية أرمنية قبل أن يحكمها عثمانيون إسلاميون قساة عنصريون تعاملوا مع السكان الأصليين ، الأرمن ، كدخلاء . و هم الذين كانوا يمثلون الشريحة المتمدنة في المجتمع التركي.
بدأت البوادر الجلية لانهيار الدولة العثمانية مع نشوب الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـ 1918 ) حتى سقطت عام 1924 .
انطلقت شرارة هذه الحرب من اطلاقة مسدس عتيق اطلقها شابٌ صربيٌ ، قاصرٌ و قصير القامة ، على ولي عهد الإمبراطورية النمساوية و وريث عرشها الأرشيدوق " فرانز فيرناند " و زوجته " صوفي " ، هذا الشاب الذي أطلق الرصاصه إسمُه " غافريلو برينسيب " قام بهذه العملية رداً على أكثر من حركة قومية رفضت قبول عضويته بسبب قصر قامته ، ولكن قراءة أسباب هذه الحرب تقول أن عملية الإغتيال تلك لم تكن غير ابرة صغيرة فتقت جرحاً يكشف عن أسبابٍ تاريخية متراكمة تحت غلاف رقيق جاء ذلك الشاب المجهول ليفتقه .
هكذا دخلت تركيا العثمانية الحرب العالمية الأولى الى جانب الإمبراطورية النمساوية المجرية و آلمانيا ضد الحلفاء الروس و البريطانيين والفرنسيين.
تركيا العثمانية التي وجدت نفسها مهزوزة ً و منخورة بعد حكم نحو 500 سنة ، بحثت عن ذريعة داخلية لهزيمتها الخارجية ، فوجدت ضالتها الداخلية في الأرمن ، الذين يمثلون في سلوكهم و ملبسهم و ثقافتهم و فنونهم و حِرَفهم مقترباتٍ غربية ، فنظرت اليهم ــ في عز ضَعفها ــ باعتبارهم ( خوَنة ) ، لا ينتمون الى روح الشرق الآسيوي بل الى الغرب الأوروبي ، خصوصاً و أن مجموعة ً من الأرمن تطوعوا في فصيلٍ عسكريٍ انضمّ الى جيش الإمبراطورية الروسية العدوة .
من هنا بدأت ( إبادة الأرمن ) بطراز تركي وحشي . إبادةٌ لم يكن يعلمُ بها في ذلك الوقت إلا القليل من الناس ، ولم يكن يسمع بها العالم الخارجي إلا من خلال نتف قليلة من الأخبار ، حيث وسائل الإتصال و وسائل الإعلام حديثة التأسيس و غياب منظمات حقوق الإنسان و المجتمع المدني . و رغم أن العالم كله قد وقف على حقيقة تلك الإبادة المروعة إلا أن تركيا مازالت تنكرها و تعتبرها شأناً داخلياً في محاسبة ( الخونة ) و في أحسن الأحوال فإن " أردوغان " يتنصل من المسؤولية و يلقيها على عاتق ( العثمانيين ) و كأن العثمانيين ليسوا أتراكاً ، و يشكل إنكار هذه الجريمة و عدم الإعتذار للأرمن سبباً رئيسياً في عدم قبول تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي على الرغم من أنها عضو في حلف شمال الأطلسي ( نيتو ).
هذا الفيلم ( الوَعــد ) يلتقط واقعة من ( إبادة الأرمن ) ، إعتماداً على أحداث واقعية ، ولكن للأحداث الواقعية واقعها الصلب و للسينما ترجمتها المرنة لما حصل . و هذا الفيلم هو ليس الأول الذي يسلط الضوء على واقعة إبادة الأرمن على يد الأتراك ، فهناك أفلامٌ أخرى سبقته ، مثل فيلم ( آرارات Ararat ) الكندي ، بطولة المغني الارميني الفرنسي المعروف " شارل ازنافور " ( 1924 ــ 2018 ) ، و هو فيلم كان مسرحُ أحداثه جبل ( آرارات ) الشهير ، و فيلم ( 1915 ) الذي أُنتج عام 2015 بمناسبة مرور 100 عام على المجزرة ، و هو من سيناريو و اخراج " غارين هوفانيسيان " ، و غيرها من الأفلام فضلاً عن الأفلام الوثائقية و الأفلام التي صورت الأحداث ــ بالأبيض و الأسود ــ مباشرة ً. ولكن بالمقارنة مع الضخ الإعلامي و السينمائي حول إبادة اليهود على يد النازيين فإن هناك من يرى أن إبادة الأرمن هي ( هولوكوست منسي ) .
أول عرض لفيلم ( الوعد ) كان في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في 11 سبتمبر / أيلول 2016 ، أما العرض في الصالات السينمائية الأمريكية فكان في 21 نيسان / ابريل 2017 ، ولكن شباك التذاكر لم يأتِ بالمردود المتوقع ، حيث بلغ 12 مليون دولار فقط أمام ميزانية بلغت 100 مليون دولار تبرع بها رجل الأعمال الأمريكي الأرمني " كيرك كيركيان " الذي لم يكن قد وضع أي مردود ربحي للفيلم في حساباته ، بل كان هدفه وضع قضية ( إبادة الأرمن ) أمام العالم ، و قال مخرج الفيلم " تيري جورج " أن : استخدام وسيلة الفيلم أمرٌ بالغُ الأهمية لأن الأفلام السابقة قامت بتثقيف الجماهير حول أحداث الحياة الحقيقية ، و أن ( الجماهير تتعلم اليوم من الأفلام أكثر مما تتعلم من كتب التاريخ ) . و قد سافر " جورج " الى كلٍ من ارمينيا و تركيا ليكون في الصورة من الناحية الإجتماعية و الجغرافية .
و يبدو أن المخرج يتجه نحو التخصص بأفلام حقوق الإنسان و الإبادات الجماعية ، فهو نفسه مخرجُ فيلم ( فندق رواندا ) الذي تناول الإبادة الجماعية التي حصلت بين قبيلتي ( هوتو ) و ( توتسي ) في رواندا عام 1994.
و الى جانب كاتب السيناريو الأصلي للفيلم " روبن سويكورد " ساهم المخرج " تيري جورج " في كتابة السيناريو أيضاً ، و هو الذي أضاف شخصية الصحفي الأمريكي " كريس مايرز " ــ التي لعب دورها الممثل الأمريكي " كريستيان بـِل " ــ و ذلك لغرض إطالة القصة و اضافة المزيد من الأحداث على واقعة الإبادة . و كان اختيار المخرج للممثل الغواتيمالي " أوسكار إيساك " في دور البطل طالب الطب الأرمني " ميكيل بوغوصيان " اختياراً موفقاً ، كذلك اختياره الممثلة الكندية و مقدمة البرامج التلفزيونية " شارلوت لو بون " في دور " آنا خيسريان " ، الأرمنية التي نشأت في باريس و جاءت لتعطي دروساً في الرقص لبنات الأرمني التركي " ميسروب " الذي لعب دورَه الممثل الإسرائيلي من أصل عراقي " إيغال ناعور " ، و هو نفسه الممثل الذي لعب دور " صدام حسين " في مسلسل ( بيت صدام ) الذي أنتجته محطة BBC عام 2008 ، ولكننا لم نفهم لماذا يختار المخرجُ الممثلَ الفرنسي " جان رينو " ليظهر في مشهدين من فيلميه لا يتجاوز أحدهما الدقيقتين ، ففي فيلم ( فندق رواندا ) أظهره في لقطة واحدة كمدير لسلسلة فنادق ( ميل كولينز ) و هو يتحدث عبر الهاتف ، ويظهر في هذا الفيلم ( الوعد ) كقائد للطراد البحري الفرنسي Guichen ، حيث يأمر بانزال القوارب و انقاذ الهاربين من الإبادة .
فيلم ( The Promise الوَعــد ) ، الذي يستغرقُ ساعتين و 14 دقيقية ، هو أول فيلم أمريكي هوليوودي يتناول قضية إبادة الأرمن ، يعتمد الواقعة كحدث حصل على أرض الواقع ، ولكنه مطعّم بالدراما السينمائية ، كحكاية " آنا " التي ماتت والدتها في باريس و انتحر والدها و جاءت الى القسنطينة ( اسطنبول ) مدفوعة ً بالحنين الى أهلها الأرمن ، فتقعُ في حب " كريس " و " ميكيل " معاً ، و هو ما يذكرنا بالتطعيم الذي كرّسه فيلم ( تايتانك ) من خلال قصة الحب بين " جاك " و " روز " وسط حدثٍ درامي جسيم كغرق سفينة ( تايتانك ) الشهيرة .
لابد من التذكير بأن تلك الإبادة طالت ـ لاحقاً ـ الآشوريين و الكلدان و السريان و اليونانيين و غيرهم ، ما يعني أن الإبادة كانت دينية عنصرية و ما ( خيانة الأرمن ) إلا عنوان كاذب لجريمة عنصرية دينية ، أما المليون و نصف المليون أرمني فقد أبيدوا بطريقتين ، تمثلتا في :
* القتل المباشر .
* الترحيل القسري عبر مسافاتٍ طويلة ، من دون اية مؤونة أو وقاية ، ولذلك مات الكثيرون عبر هذه الرحلة القاسية . و لعل رحلة العذاب و الموت هذه وحدها تحتاج الى فيلم.
و بطبيعة الحال فإن تصوير فيلم ( الوعد ) لم يجر في تركيا المُبيدة ، و لا في سوريا التي استقبلت الأرمن ذلك الوقت ، لأن التصوير جرى خريف عام 2015 حيث أحداث سوريا في أوج سخونتها . إنما التصويرُ جرى في كلٍ من اسبانيا و مالطا و البرتغال ، و قد استغرق البحث عن أماكن شبيهة للأماكن في تركيا مدة َ شهرين و جرى تكتم شديد على أوقات و أماكن التصوير .. لدواعٍ أمنية .
جديرٌ بالذكر إن الأتراك أنتجوا ، في نفس الوقت ، فيلماً بعنوان ( الملازم العثماني ) ، أرادوه أن يكون موازياً لفيلم ( الوعد ) .. ولكنه لم يكن كذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
على الرغم من أن مساحة ارمينيا قد تقلصت بسبب حروب الكر و الفر الطويلة في آسيا و أوربا عبر حقب التاريخ ــ حيث تقع في الحيز الأوربي الآسيوي ــ إلا إنها بلادٌ عريقة ، و لها جذور تمدنية تضرب في عهود ما قبل الميلاد . ومنذ القرن الأول الميلادي ظهرت الديانة المسيحية الأرثوذكسية الأرمنية بجهود القديس " تداوس " والقديس " برثلماوس " و هما من التلاميذ الإثني عشر. و تُعتبر ارمينيا هي أول دولةٍ في التاريخ اعتمدت المسيحية كدين رسمي ، و تحديداً في القرن الرابع الميلادي ، فقد كان ( مرسوم ميلانو ) الذي صدر عام 313 الذي وضع الإمبراطورية الرومانية على الحياد من العبادات ، تثبياً مريحاً للمسيحية الأرمنية .
في ذلك الوقت كانت قوة أرمينيا بين مدٍّ و جزر ، و كانت لسيادتها على الأراضي توسّعاتٌ و تقلصات ، ففي عهد الملك " دكران " امتدت الدولة الأرمينية ما بين بحر قزوين و البحر الأسود شمالاً الى سوريا و فلسطين جنوباً . و في فترةٍ من الفترات كانت أراضيها مسرحاً للصراع الفارسي الروماني . كما كانت في إحدى الفترات نداً للدولة البيزنطية ولكن ما جمعهما هو العقيدة الدينية و ما فرقهما هو النزعة القومية ، و قد أظهر الأرمن بسالةً شديدة في حربهم بقيادة الأمير " فارتان ماميكونيان " ضد الفرس و حافظوا على عقيدتهم في معركةٍ شرسةٍ راح ضحيتها 200000 مقاتل من كل طرف . ولكن ، و في كل الأحوال فإن المسيحية الأرمنية كانت في انتشار مضطرد في البلدان ، و منها بلاد الأناضول التي تقعُ غرب أرمينيا ، و لذلك فإن الأرمن الذين في هذه البلاد هم سكان أصليون فيها ، منذ كانت القسطنطينية ( اسطنبول ) عاصمة للدولة الرومانية ثم الدولة البيزنطية ، و هما دولتان اعتنقتا المسيحية ، بالتتالي ، كدين رسمي منذ مطلع القرن الرابع الميلادي . ولكن هذه العاصمة التي تحول اسمها من ( بيزنطة ) الى ( القسطنطينية ) الى ( استانة ) الى ( استنبول ) التي أصبحت عاصمة للدولة الإسلامية العثمانية للفترة بين العامين 1517 و 1924 ، كانت مدينة مسيحية أرمنية قبل أن يحكمها عثمانيون إسلاميون قساة عنصريون تعاملوا مع السكان الأصليين ، الأرمن ، كدخلاء . و هم الذين كانوا يمثلون الشريحة المتمدنة في المجتمع التركي.
بدأت البوادر الجلية لانهيار الدولة العثمانية مع نشوب الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـ 1918 ) حتى سقطت عام 1924 .
انطلقت شرارة هذه الحرب من اطلاقة مسدس عتيق اطلقها شابٌ صربيٌ ، قاصرٌ و قصير القامة ، على ولي عهد الإمبراطورية النمساوية و وريث عرشها الأرشيدوق " فرانز فيرناند " و زوجته " صوفي " ، هذا الشاب الذي أطلق الرصاصه إسمُه " غافريلو برينسيب " قام بهذه العملية رداً على أكثر من حركة قومية رفضت قبول عضويته بسبب قصر قامته ، ولكن قراءة أسباب هذه الحرب تقول أن عملية الإغتيال تلك لم تكن غير ابرة صغيرة فتقت جرحاً يكشف عن أسبابٍ تاريخية متراكمة تحت غلاف رقيق جاء ذلك الشاب المجهول ليفتقه .
هكذا دخلت تركيا العثمانية الحرب العالمية الأولى الى جانب الإمبراطورية النمساوية المجرية و آلمانيا ضد الحلفاء الروس و البريطانيين والفرنسيين.
تركيا العثمانية التي وجدت نفسها مهزوزة ً و منخورة بعد حكم نحو 500 سنة ، بحثت عن ذريعة داخلية لهزيمتها الخارجية ، فوجدت ضالتها الداخلية في الأرمن ، الذين يمثلون في سلوكهم و ملبسهم و ثقافتهم و فنونهم و حِرَفهم مقترباتٍ غربية ، فنظرت اليهم ــ في عز ضَعفها ــ باعتبارهم ( خوَنة ) ، لا ينتمون الى روح الشرق الآسيوي بل الى الغرب الأوروبي ، خصوصاً و أن مجموعة ً من الأرمن تطوعوا في فصيلٍ عسكريٍ انضمّ الى جيش الإمبراطورية الروسية العدوة .
من هنا بدأت ( إبادة الأرمن ) بطراز تركي وحشي . إبادةٌ لم يكن يعلمُ بها في ذلك الوقت إلا القليل من الناس ، ولم يكن يسمع بها العالم الخارجي إلا من خلال نتف قليلة من الأخبار ، حيث وسائل الإتصال و وسائل الإعلام حديثة التأسيس و غياب منظمات حقوق الإنسان و المجتمع المدني . و رغم أن العالم كله قد وقف على حقيقة تلك الإبادة المروعة إلا أن تركيا مازالت تنكرها و تعتبرها شأناً داخلياً في محاسبة ( الخونة ) و في أحسن الأحوال فإن " أردوغان " يتنصل من المسؤولية و يلقيها على عاتق ( العثمانيين ) و كأن العثمانيين ليسوا أتراكاً ، و يشكل إنكار هذه الجريمة و عدم الإعتذار للأرمن سبباً رئيسياً في عدم قبول تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي على الرغم من أنها عضو في حلف شمال الأطلسي ( نيتو ).
هذا الفيلم ( الوَعــد ) يلتقط واقعة من ( إبادة الأرمن ) ، إعتماداً على أحداث واقعية ، ولكن للأحداث الواقعية واقعها الصلب و للسينما ترجمتها المرنة لما حصل . و هذا الفيلم هو ليس الأول الذي يسلط الضوء على واقعة إبادة الأرمن على يد الأتراك ، فهناك أفلامٌ أخرى سبقته ، مثل فيلم ( آرارات Ararat ) الكندي ، بطولة المغني الارميني الفرنسي المعروف " شارل ازنافور " ( 1924 ــ 2018 ) ، و هو فيلم كان مسرحُ أحداثه جبل ( آرارات ) الشهير ، و فيلم ( 1915 ) الذي أُنتج عام 2015 بمناسبة مرور 100 عام على المجزرة ، و هو من سيناريو و اخراج " غارين هوفانيسيان " ، و غيرها من الأفلام فضلاً عن الأفلام الوثائقية و الأفلام التي صورت الأحداث ــ بالأبيض و الأسود ــ مباشرة ً. ولكن بالمقارنة مع الضخ الإعلامي و السينمائي حول إبادة اليهود على يد النازيين فإن هناك من يرى أن إبادة الأرمن هي ( هولوكوست منسي ) .
أول عرض لفيلم ( الوعد ) كان في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في 11 سبتمبر / أيلول 2016 ، أما العرض في الصالات السينمائية الأمريكية فكان في 21 نيسان / ابريل 2017 ، ولكن شباك التذاكر لم يأتِ بالمردود المتوقع ، حيث بلغ 12 مليون دولار فقط أمام ميزانية بلغت 100 مليون دولار تبرع بها رجل الأعمال الأمريكي الأرمني " كيرك كيركيان " الذي لم يكن قد وضع أي مردود ربحي للفيلم في حساباته ، بل كان هدفه وضع قضية ( إبادة الأرمن ) أمام العالم ، و قال مخرج الفيلم " تيري جورج " أن : استخدام وسيلة الفيلم أمرٌ بالغُ الأهمية لأن الأفلام السابقة قامت بتثقيف الجماهير حول أحداث الحياة الحقيقية ، و أن ( الجماهير تتعلم اليوم من الأفلام أكثر مما تتعلم من كتب التاريخ ) . و قد سافر " جورج " الى كلٍ من ارمينيا و تركيا ليكون في الصورة من الناحية الإجتماعية و الجغرافية .
و يبدو أن المخرج يتجه نحو التخصص بأفلام حقوق الإنسان و الإبادات الجماعية ، فهو نفسه مخرجُ فيلم ( فندق رواندا ) الذي تناول الإبادة الجماعية التي حصلت بين قبيلتي ( هوتو ) و ( توتسي ) في رواندا عام 1994.
و الى جانب كاتب السيناريو الأصلي للفيلم " روبن سويكورد " ساهم المخرج " تيري جورج " في كتابة السيناريو أيضاً ، و هو الذي أضاف شخصية الصحفي الأمريكي " كريس مايرز " ــ التي لعب دورها الممثل الأمريكي " كريستيان بـِل " ــ و ذلك لغرض إطالة القصة و اضافة المزيد من الأحداث على واقعة الإبادة . و كان اختيار المخرج للممثل الغواتيمالي " أوسكار إيساك " في دور البطل طالب الطب الأرمني " ميكيل بوغوصيان " اختياراً موفقاً ، كذلك اختياره الممثلة الكندية و مقدمة البرامج التلفزيونية " شارلوت لو بون " في دور " آنا خيسريان " ، الأرمنية التي نشأت في باريس و جاءت لتعطي دروساً في الرقص لبنات الأرمني التركي " ميسروب " الذي لعب دورَه الممثل الإسرائيلي من أصل عراقي " إيغال ناعور " ، و هو نفسه الممثل الذي لعب دور " صدام حسين " في مسلسل ( بيت صدام ) الذي أنتجته محطة BBC عام 2008 ، ولكننا لم نفهم لماذا يختار المخرجُ الممثلَ الفرنسي " جان رينو " ليظهر في مشهدين من فيلميه لا يتجاوز أحدهما الدقيقتين ، ففي فيلم ( فندق رواندا ) أظهره في لقطة واحدة كمدير لسلسلة فنادق ( ميل كولينز ) و هو يتحدث عبر الهاتف ، ويظهر في هذا الفيلم ( الوعد ) كقائد للطراد البحري الفرنسي Guichen ، حيث يأمر بانزال القوارب و انقاذ الهاربين من الإبادة .
فيلم ( The Promise الوَعــد ) ، الذي يستغرقُ ساعتين و 14 دقيقية ، هو أول فيلم أمريكي هوليوودي يتناول قضية إبادة الأرمن ، يعتمد الواقعة كحدث حصل على أرض الواقع ، ولكنه مطعّم بالدراما السينمائية ، كحكاية " آنا " التي ماتت والدتها في باريس و انتحر والدها و جاءت الى القسنطينة ( اسطنبول ) مدفوعة ً بالحنين الى أهلها الأرمن ، فتقعُ في حب " كريس " و " ميكيل " معاً ، و هو ما يذكرنا بالتطعيم الذي كرّسه فيلم ( تايتانك ) من خلال قصة الحب بين " جاك " و " روز " وسط حدثٍ درامي جسيم كغرق سفينة ( تايتانك ) الشهيرة .
لابد من التذكير بأن تلك الإبادة طالت ـ لاحقاً ـ الآشوريين و الكلدان و السريان و اليونانيين و غيرهم ، ما يعني أن الإبادة كانت دينية عنصرية و ما ( خيانة الأرمن ) إلا عنوان كاذب لجريمة عنصرية دينية ، أما المليون و نصف المليون أرمني فقد أبيدوا بطريقتين ، تمثلتا في :
* القتل المباشر .
* الترحيل القسري عبر مسافاتٍ طويلة ، من دون اية مؤونة أو وقاية ، ولذلك مات الكثيرون عبر هذه الرحلة القاسية . و لعل رحلة العذاب و الموت هذه وحدها تحتاج الى فيلم.
و بطبيعة الحال فإن تصوير فيلم ( الوعد ) لم يجر في تركيا المُبيدة ، و لا في سوريا التي استقبلت الأرمن ذلك الوقت ، لأن التصوير جرى خريف عام 2015 حيث أحداث سوريا في أوج سخونتها . إنما التصويرُ جرى في كلٍ من اسبانيا و مالطا و البرتغال ، و قد استغرق البحث عن أماكن شبيهة للأماكن في تركيا مدة َ شهرين و جرى تكتم شديد على أوقات و أماكن التصوير .. لدواعٍ أمنية .
جديرٌ بالذكر إن الأتراك أنتجوا ، في نفس الوقت ، فيلماً بعنوان ( الملازم العثماني ) ، أرادوه أن يكون موازياً لفيلم ( الوعد ) .. ولكنه لم يكن كذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ