الأخضر والأسْوَد
وصف العنصرية في أميركا عبر قصة حقيقية
=.=.=
كغيري، حين أشاهد فيلماً أنشد المتعة قبل كل شيء.
آخر متعة كبيرة كانت مع Green Book "الكتيّب الأخضر"، أوسكار أفضل فيلم 2019 - إخراج: پيتر فاريلي P. Farelly.
أقول "كتيّب" وليس كتاب لأنه فعلاً كتاب صغير (وأيضاً لتفادي اللبس مع "الكتاب الأخضر" للزعيم الليبي الراحل). ذلك المطبوع، الذي يوضح عنوانه الثانوي أنه موجّه "للمسافرين الز نوج"، كان ضرورياً لسفرهم براً في تلك الفترة. إذ يشير إلى الطرقات والنواحي والمدن والأماكن الممنوعة عليهم.
من هنا تبدأ قصة صداقة، تبدو "مستحيلة" لأول وهلة، بين رجلين مختلفين تماماً، أحدهما نقيض الآخر، لوناً وفكراً وكلاماً وسلوكاً وثقافة.
حصلت القصة في أميركا في مطلع سنوات 1960. لذا، وضع السيناريو Nick Vallelonga، نجل إحدى شخصيتي الفيلم، بمشاركة المخرج وسيناريست ثالث.
---
الأسود العبقري
الشخصية الأولى: الدكتور دونالد شيرلي Dr Don Shirley، الذي ولد في 1927 لأبوين من جامايكا (توفي في 2013). لم يكن طبيباً، إنما حامل عدة شهادات دكتوراه.
أجاد الدور ماهِرشالا علي Mahershala Ali، ونال عنه أوسكار أفضل ممثل في دور ثانوي. فكان أول ممثل مسلم يحوز الأوسكار. في الواقع، تقاسم الدور الأساسي "ففتي/ففتي" مع الممثل الآخر، مثلما سنرى.
حظي شيرلي بموهبة موسيقية استثنائية منذ كان طفلاً بالكاد خارجاً من الرضاعة، ما أهلّه لأن يكون أول أسود يُقبل في كونسيرڤاتوار لينينگراد (حالياً سان پيتيرسبورغ).
أتاح تألقه في البيانو امتلاك شقة فارهة في نيويورك، تزخر بأغلى التحف، وخادم شخصي إيراني الأصل (الممثل الپاكستاني إقبال ذيبا Iqbal Theba) والتعرف إلى "علية القوم"، منهم مسؤول حكومي مؤثر جداً آنذاك.
---
الإيطالي الفظ طيب القلب
الشخصية الثانية: توني لِپ Tony Lip. لُقبَ "لِپ" لأنه يكثر الحديث ويجيد التخاطب، إنما يستخدم ألفاظاً نابية ولغة شعبية. فاسمه الحقيقي هو أنطوني ڤاليلونگا Anthony Vallelonga
ولد لأبوين مهاجرين إيطاليين في 1930 وتوفي في 2013. ومارس "صنايع" مختلفة، منها مراقب أمن في العلب الليلية لبنيته القوية ومقدرته على التصدي للمشاكسين، وسائق للدكتور شيرلي (وهو موضوع الفيلم)، ثم كومپارس وممثل أدوار ثانوية.
أجاد دوره الممثل دنماركي الأصل ڤيگو مورتنسن Viggo Mortensen.
---
رحلة إلى ولايات الجنوب
في سنوات 1960، كانت العنصرية ضد "الملونين" على أشدّها في أميركا، لاسيما في الولايات الجنوبية.
حصل وأن تمّ تنظيم جولة موسيقية لدونالد شيرلي في تلك الولايات، ما استلزم توظيف سائق شخصي. فاختار توني لپ لتميزه بمؤهلات موائمة: الشدة وإجادة الكلام المعسول ومواجهة المشكلات وحلّها.
لمن رآهما في الطرقات، بدا غريباً أن يكون السائق أبيض ومخدومه أسود جالساً في الخلف جهة اليمين. يروي الفيلم تلك السفرة بمشاهد لا تخلو من الفكاهة أحياناً والدراما في أحيان.
شيئاً فشيء، بدأ السائق يتعاطف مع ربّ عمله بعدما لمس بنفسه معاناته بسبب العنصرية رغم تألقه كفنان. حالما يغادر منصات المسارح، يلقى معاملة استعلائية بغيضة، كأي أميركي من أصول أفريقية.
المشهد الأكثر تعبيراً: ينفجر شيرلي حزناً وإحباطاً، فيعترف لسائقه-صديقه الجديد، وهو على شفير البكاء: "لست أبيض كفاية لكي يعترف بي البيض، ولا أسود كفاية لكي يتقبلني السود".
بعد انتهاء شهرَي الجولة الفنية، يدعو السائق ربّ عمله إلى تمضية ليلة عيد الميلاد مع أسرته وأقاربه وأصدقائه، وكلهم إيطاليون. يرفض شيرلي خشية أن يُجابَه بالجفاء. لكن، بعدما يجد نفسه وحيداً مكتئباً في شقته الفارهة، يقرر الانضمام إليهم، فيلقى الترحيب الذي طالما افتقر إليه.
وصف العنصرية في أميركا عبر قصة حقيقية
=.=.=
كغيري، حين أشاهد فيلماً أنشد المتعة قبل كل شيء.
آخر متعة كبيرة كانت مع Green Book "الكتيّب الأخضر"، أوسكار أفضل فيلم 2019 - إخراج: پيتر فاريلي P. Farelly.
أقول "كتيّب" وليس كتاب لأنه فعلاً كتاب صغير (وأيضاً لتفادي اللبس مع "الكتاب الأخضر" للزعيم الليبي الراحل). ذلك المطبوع، الذي يوضح عنوانه الثانوي أنه موجّه "للمسافرين الز نوج"، كان ضرورياً لسفرهم براً في تلك الفترة. إذ يشير إلى الطرقات والنواحي والمدن والأماكن الممنوعة عليهم.
من هنا تبدأ قصة صداقة، تبدو "مستحيلة" لأول وهلة، بين رجلين مختلفين تماماً، أحدهما نقيض الآخر، لوناً وفكراً وكلاماً وسلوكاً وثقافة.
حصلت القصة في أميركا في مطلع سنوات 1960. لذا، وضع السيناريو Nick Vallelonga، نجل إحدى شخصيتي الفيلم، بمشاركة المخرج وسيناريست ثالث.
---
الأسود العبقري
الشخصية الأولى: الدكتور دونالد شيرلي Dr Don Shirley، الذي ولد في 1927 لأبوين من جامايكا (توفي في 2013). لم يكن طبيباً، إنما حامل عدة شهادات دكتوراه.
أجاد الدور ماهِرشالا علي Mahershala Ali، ونال عنه أوسكار أفضل ممثل في دور ثانوي. فكان أول ممثل مسلم يحوز الأوسكار. في الواقع، تقاسم الدور الأساسي "ففتي/ففتي" مع الممثل الآخر، مثلما سنرى.
حظي شيرلي بموهبة موسيقية استثنائية منذ كان طفلاً بالكاد خارجاً من الرضاعة، ما أهلّه لأن يكون أول أسود يُقبل في كونسيرڤاتوار لينينگراد (حالياً سان پيتيرسبورغ).
أتاح تألقه في البيانو امتلاك شقة فارهة في نيويورك، تزخر بأغلى التحف، وخادم شخصي إيراني الأصل (الممثل الپاكستاني إقبال ذيبا Iqbal Theba) والتعرف إلى "علية القوم"، منهم مسؤول حكومي مؤثر جداً آنذاك.
---
الإيطالي الفظ طيب القلب
الشخصية الثانية: توني لِپ Tony Lip. لُقبَ "لِپ" لأنه يكثر الحديث ويجيد التخاطب، إنما يستخدم ألفاظاً نابية ولغة شعبية. فاسمه الحقيقي هو أنطوني ڤاليلونگا Anthony Vallelonga
ولد لأبوين مهاجرين إيطاليين في 1930 وتوفي في 2013. ومارس "صنايع" مختلفة، منها مراقب أمن في العلب الليلية لبنيته القوية ومقدرته على التصدي للمشاكسين، وسائق للدكتور شيرلي (وهو موضوع الفيلم)، ثم كومپارس وممثل أدوار ثانوية.
أجاد دوره الممثل دنماركي الأصل ڤيگو مورتنسن Viggo Mortensen.
---
رحلة إلى ولايات الجنوب
في سنوات 1960، كانت العنصرية ضد "الملونين" على أشدّها في أميركا، لاسيما في الولايات الجنوبية.
حصل وأن تمّ تنظيم جولة موسيقية لدونالد شيرلي في تلك الولايات، ما استلزم توظيف سائق شخصي. فاختار توني لپ لتميزه بمؤهلات موائمة: الشدة وإجادة الكلام المعسول ومواجهة المشكلات وحلّها.
لمن رآهما في الطرقات، بدا غريباً أن يكون السائق أبيض ومخدومه أسود جالساً في الخلف جهة اليمين. يروي الفيلم تلك السفرة بمشاهد لا تخلو من الفكاهة أحياناً والدراما في أحيان.
شيئاً فشيء، بدأ السائق يتعاطف مع ربّ عمله بعدما لمس بنفسه معاناته بسبب العنصرية رغم تألقه كفنان. حالما يغادر منصات المسارح، يلقى معاملة استعلائية بغيضة، كأي أميركي من أصول أفريقية.
المشهد الأكثر تعبيراً: ينفجر شيرلي حزناً وإحباطاً، فيعترف لسائقه-صديقه الجديد، وهو على شفير البكاء: "لست أبيض كفاية لكي يعترف بي البيض، ولا أسود كفاية لكي يتقبلني السود".
بعد انتهاء شهرَي الجولة الفنية، يدعو السائق ربّ عمله إلى تمضية ليلة عيد الميلاد مع أسرته وأقاربه وأصدقائه، وكلهم إيطاليون. يرفض شيرلي خشية أن يُجابَه بالجفاء. لكن، بعدما يجد نفسه وحيداً مكتئباً في شقته الفارهة، يقرر الانضمام إليهم، فيلقى الترحيب الذي طالما افتقر إليه.