يا لهؤلاء الكوريين "المتطفلين"!
===
كثر الحديث عن "كان"، القائم حالياً، ما ذكرني بآخر فائز بسعفته الذهبية شاهدته: فيلم "المتطفلون Parasite"، الذي نالها في 2019، فضلاً عن... 4 أوسكارات في 2020: أفضل فيلم في لغة أجنبية، أفضل فيلم دولي، أفضل سيناريو وأفضل إخراج.
يعني أكيد "تعقد" كثيرون بسبب تحفة المخرج "بونغ جُون هو Bong Joon-Ho".
فكرت وقتها: الكوريون لا يجيدون الصناعة وحسب، إنما "تطفلوا" أيضاُ على صناعة الأفلام، فأجادوها. وإن قوّمنا هذا الفيلم وفق تقويم السيارات الكورية، نجد أنه ليس "كيا"، إنما "هيونداي جينيسيس"!
أكيد أيضاً أن "المتطفلون" هذا لن يصبح في خبر كان. فهو من الأفلام التي لا تنسى: يجمع في آن الملهاة والمأساة (الكوميديا والتراجيديا)، التشويق البوليسي والرعب. لكنه رعب مدروس لا مجرد معجون طماطم يسيل عشوائياً على أساس أنه دماء، مثلما نراه في أفلام الرعب العادية.
الحبكة
------
بشديد الاختصار:
أسرة فقيرة إنما حاذقة وخبيثة: الوالدان وابنهما وابنتهما.
صديق الابن طالب يعطي دروساً خصوصية في الإنكليزية لطالبة ثانوية من أسرة بالغة الثراء، تسكن بيتاً حديثاً فارهاً. يضطر إلى السفر إلى الخارج، فيكلف صديقه بمواصلة الدروس الخصوصية.
لكن الصديق، ابن الأسرة الفقيرة، لا يملك أي شهادة، رغم مستواه المقبول بالإنكليزية. إنما لا بأس: أخته، التي تجيد التطبيقات المعلوماتية، تزور له دبلوماً لا ريب فيه.
تقتنع به ربة الأسرة الثرية، وهي امرأة طيبة وساذجة نوعاً ما. فيصبح أول "متطفل" كمدرس إنكليزي. ثم يُقحم أخته بدعوى تدريس الرسم لابن الأثرياء الصغير، الذي يعاني مشكلات نفسية. لا تمتلك الشابة أي إلمام بالرسم، لكنها لبقة وتجيد الكلام، فتطلب أجراً عالياً على أساس أنها خبيرة في "شفاء الأمراض النفسية عن طريق الرسم".
ثم تجلب الابنة أباهما كسائق لرب البيت الغني، بعدما تفتعل "مقلباً" للسائق الأصلي، يؤدي إلى طرده. يدخل الأب عالم الأسرة كمتطفل ثالث، مبرزاً شهادات مزورة أتقنتها ابنته.
بقيت الأم. لا بأس: وجدوا لها مكاناً "استراتيجياً". فمدبرة المنزل المعتمدة سيدة خمسينية تعرف المكان وأسراره أكثر من أصحابه عقب سنوات طويلة في خدمة ساكنيه السابقين والحاليين. هي أيضاً، تروح ضحية أسرة النصابين الخبيثة: عرفت الابنة أنها تعاني حساسية مفرطة من قشور الخوخ (البرقوق). فعملوا لها "تمثيلية" جعلتها تكح بقوة، وأقنعوا ربة البيت بأنها مصابة بالسل، فطردتها هذه خشية العدوى.
وطبعاً، تدبّر المتطفلون الثلاثة الأمر بحيث تحلّ أمُّهم محل المدبرة المطرودة، بشهادات مزورة كالعادة. فتكتمل السبحة.
تغادر أسرة الأثرياء في إجازة. فتقيم شلة النصابين في البيت الواسع ذي التصميم الرائع.
وهنا، تتفجر مفاجأة من العيار الثقيل: تأتي المدبرة المطرودة وتلتمس من خَلَفها أن تدعها تدخل لأنها نسيت شيئاً في القبو. فيتبين أن في المطبخ باباً سرياً، يفضي إلى قبو، يؤدي إلى ملجأ ضد الإشعاع النووي، بناه صاحب الدار السابق تحسباً لهجوم من كوريا الشمالية!
ليس وحسب: في ذلك الملجأ، يقبع منذ سنوات زوج المدبرة المطرودة، هرباً من دائنين.
ينشب نزاع حاد بين الطرفين، تكتنفه فكاهة وهزل، لكن أيضاً عنف وضرب... وأخيراً قتل. إذ تعود الأسرة الأصلية أدراجها بعد إلغاء الإجازة جراء حالة جوية مزرية.
نهاية الفيلم مأساة مروعة، تسيل فيها دماء كثيرة. فبعد موت مدبرة المنزل المطرودة، يصاب بالجنون زوجُها المختبئ منذ سنوات في الملجأ. يخرج، فيقتل ابن أسرة النصابين (لكن الأخير لم يمت، إنما يلمّ به مرض عصبي عقب تخلخل دماغي). ثم يقتل الابنة، الشابة الفطنة مزورة الشهادات، ويحاول قتل الأم في حدائق البيت، في عز الاحتفال بعيد ميلاد طفل أصحاب الدار، وسط هلع عشرات المدعوين الموسرين.
كما يعتري الأبَ المتطفلَ (السائق) مسٌّ مشابه، فيطعن ربَّ عمله ويرديه قتيلاً. فيأتي دوره للقبوع في الملجأ الذري هرباً من الشرطة... ويتحير الجميع: كيف توارى برمشة عين، مثل "فص ملح وذاب". زوجته، التي نجت، وابنه، الذي تعافى، هما الوحيدان اللذان يعرفان مخبأه.
===
===
كثر الحديث عن "كان"، القائم حالياً، ما ذكرني بآخر فائز بسعفته الذهبية شاهدته: فيلم "المتطفلون Parasite"، الذي نالها في 2019، فضلاً عن... 4 أوسكارات في 2020: أفضل فيلم في لغة أجنبية، أفضل فيلم دولي، أفضل سيناريو وأفضل إخراج.
يعني أكيد "تعقد" كثيرون بسبب تحفة المخرج "بونغ جُون هو Bong Joon-Ho".
فكرت وقتها: الكوريون لا يجيدون الصناعة وحسب، إنما "تطفلوا" أيضاُ على صناعة الأفلام، فأجادوها. وإن قوّمنا هذا الفيلم وفق تقويم السيارات الكورية، نجد أنه ليس "كيا"، إنما "هيونداي جينيسيس"!
أكيد أيضاً أن "المتطفلون" هذا لن يصبح في خبر كان. فهو من الأفلام التي لا تنسى: يجمع في آن الملهاة والمأساة (الكوميديا والتراجيديا)، التشويق البوليسي والرعب. لكنه رعب مدروس لا مجرد معجون طماطم يسيل عشوائياً على أساس أنه دماء، مثلما نراه في أفلام الرعب العادية.
الحبكة
------
بشديد الاختصار:
أسرة فقيرة إنما حاذقة وخبيثة: الوالدان وابنهما وابنتهما.
صديق الابن طالب يعطي دروساً خصوصية في الإنكليزية لطالبة ثانوية من أسرة بالغة الثراء، تسكن بيتاً حديثاً فارهاً. يضطر إلى السفر إلى الخارج، فيكلف صديقه بمواصلة الدروس الخصوصية.
لكن الصديق، ابن الأسرة الفقيرة، لا يملك أي شهادة، رغم مستواه المقبول بالإنكليزية. إنما لا بأس: أخته، التي تجيد التطبيقات المعلوماتية، تزور له دبلوماً لا ريب فيه.
تقتنع به ربة الأسرة الثرية، وهي امرأة طيبة وساذجة نوعاً ما. فيصبح أول "متطفل" كمدرس إنكليزي. ثم يُقحم أخته بدعوى تدريس الرسم لابن الأثرياء الصغير، الذي يعاني مشكلات نفسية. لا تمتلك الشابة أي إلمام بالرسم، لكنها لبقة وتجيد الكلام، فتطلب أجراً عالياً على أساس أنها خبيرة في "شفاء الأمراض النفسية عن طريق الرسم".
ثم تجلب الابنة أباهما كسائق لرب البيت الغني، بعدما تفتعل "مقلباً" للسائق الأصلي، يؤدي إلى طرده. يدخل الأب عالم الأسرة كمتطفل ثالث، مبرزاً شهادات مزورة أتقنتها ابنته.
بقيت الأم. لا بأس: وجدوا لها مكاناً "استراتيجياً". فمدبرة المنزل المعتمدة سيدة خمسينية تعرف المكان وأسراره أكثر من أصحابه عقب سنوات طويلة في خدمة ساكنيه السابقين والحاليين. هي أيضاً، تروح ضحية أسرة النصابين الخبيثة: عرفت الابنة أنها تعاني حساسية مفرطة من قشور الخوخ (البرقوق). فعملوا لها "تمثيلية" جعلتها تكح بقوة، وأقنعوا ربة البيت بأنها مصابة بالسل، فطردتها هذه خشية العدوى.
وطبعاً، تدبّر المتطفلون الثلاثة الأمر بحيث تحلّ أمُّهم محل المدبرة المطرودة، بشهادات مزورة كالعادة. فتكتمل السبحة.
تغادر أسرة الأثرياء في إجازة. فتقيم شلة النصابين في البيت الواسع ذي التصميم الرائع.
وهنا، تتفجر مفاجأة من العيار الثقيل: تأتي المدبرة المطرودة وتلتمس من خَلَفها أن تدعها تدخل لأنها نسيت شيئاً في القبو. فيتبين أن في المطبخ باباً سرياً، يفضي إلى قبو، يؤدي إلى ملجأ ضد الإشعاع النووي، بناه صاحب الدار السابق تحسباً لهجوم من كوريا الشمالية!
ليس وحسب: في ذلك الملجأ، يقبع منذ سنوات زوج المدبرة المطرودة، هرباً من دائنين.
ينشب نزاع حاد بين الطرفين، تكتنفه فكاهة وهزل، لكن أيضاً عنف وضرب... وأخيراً قتل. إذ تعود الأسرة الأصلية أدراجها بعد إلغاء الإجازة جراء حالة جوية مزرية.
نهاية الفيلم مأساة مروعة، تسيل فيها دماء كثيرة. فبعد موت مدبرة المنزل المطرودة، يصاب بالجنون زوجُها المختبئ منذ سنوات في الملجأ. يخرج، فيقتل ابن أسرة النصابين (لكن الأخير لم يمت، إنما يلمّ به مرض عصبي عقب تخلخل دماغي). ثم يقتل الابنة، الشابة الفطنة مزورة الشهادات، ويحاول قتل الأم في حدائق البيت، في عز الاحتفال بعيد ميلاد طفل أصحاب الدار، وسط هلع عشرات المدعوين الموسرين.
كما يعتري الأبَ المتطفلَ (السائق) مسٌّ مشابه، فيطعن ربَّ عمله ويرديه قتيلاً. فيأتي دوره للقبوع في الملجأ الذري هرباً من الشرطة... ويتحير الجميع: كيف توارى برمشة عين، مثل "فص ملح وذاب". زوجته، التي نجت، وابنه، الذي تعافى، هما الوحيدان اللذان يعرفان مخبأه.
===