الـقـارئ The Reader
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : الفيلمُ غيرُ عائلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما صعدت الممثلةُ الإنگليزية " كيت وينسلت " خشبة المسرح ، عام 2009 ، و تسلمت جائزة الأوسكار كأفضلة ممثلة ، عن دورها الرئيس في فيلم ( القارئ ) ، قالت : ( الآن ، أستطيعُ أن أقف الى جانب " ميريل ستريپ " ) ، و كانت " ستريپ " قد ترشحت حتى ذلك العام خمسَ عشرة مرة ً للجائزة ، فازت بأثنتين منها . و أضافت " كيت وينسلت " : ( عندما كنتُ صغيرة ً ، كنتُ أمسكُ علبة الشامپو في الحمام و أرفعها ، متخيلة ً أنها جائزة الأوسكار .. و الآن تحقق لي ذلك التخيّل ) .
و الحقيقة ، أن " وينسلت " كانت تستحق الفوزَ بهذه الجائزة منذ العام 1997 ، عندما بزغ نجمُها و حققت شهرة ًعالمية ً مُطلـَـقة إثْرَ ظهورها بدور " روز " في فيلم ( تايتانكTitanic ) الشهير . ولكن كان عليها أن تترشح خمسَ مراتٍ و تنتظر 12 عاماً حتى يأتي المخرجُ البريطاني " ستيڤن دالدري " ليُسند اليها دورَ البطولة في فيلم ( القارئ ) الذي أوصلها الى الأوسكار كأفضل ممثلة في دورٍ رئيس . والواقع أن الممثلة الأسترالية " نيكول كيدمان " هي التي كانت مرشحة ً لهذا الدور ، غير أنها أشترطت أن تلعبه بعد أن تنتهي من تصوير دورها البطولي في فيلم ( أستراليا Australia ) ، ولكن ما أن انتهت من التصوير حتى ظهرت عليها بوادرُ الحَمل فأعتذرت عن تمثيل الدور فأسنده المخرجُ الى " كيت وينسلت " ، و لعل القدَرُ كان قد لعب دورَه في ذلك فوفّر فرصة ً لِحَظـّها في أن تفوز بالأوسكار . ولكن " كيت وينسلت " كانت تستحق هذا الفوز عن جدارة كما يؤكد ذلك سجلـُّها الحافلُ بالتألق .
فيلمُ ( القارئ ) مأخوذٌ عن روايةٍ بالعنوان ذاته للكاتب الآلماني " برنهارد شلينك " . تبدأُ أحداثه عام 1995 في العاصمة الآلمانية برلين ، عندما يعود المحامي " مايكل بيرگ " بذاكرته الى العام 1958 ( لعب دوره الممثل الإنگليزي " رالف فاينس " ـ حين تعرّف على " هانا " ، و هي امرأة ٌ تعيش وحيدة ً في شقةٍ فقيرة ، في عمارة سكنية قديمة ، و تعمل قاطعة َ تذاكر في الترام . في ذلك الوقت كان المحامي " مايكل بيرگ " في الخامسة عشرة من عمره عندما أصابته ، ذات يومٍ شتويٍ ماطر ، نزلةُ بردٍ شديدة دفعته لأن يلوذ بمدخل تلك العمارة و يتقيأ هناك ، في الأثناء تلجُ " هانا " مسرعةً و هي عائدةٌ من عملها لتجد الفتى في حالته المرضية السيئة تلك ، فتساعده ، ثم توصله الى بيته ، و عندما يكشف الطبيب على حالته الصحية يتبين أنه مصابٌ بالحُمّى القرمزية ، ما يُبقيه في الفراش لمدة ثلاثة شهور ، و عندما يخبر أُمَّهُ أن امرأةً ساعدته يومَ سقط مريضاً و أوصلته ، تقترح عليه الأمُ أن يحمل اليها باقة َ وردٍ و يشكرها ، ولكنها لم تكن لتدرك أن اقتراحَها سيُدخل ابنَها في دراما مأساوية ، بدأت بالجنس و انتهت بانتحار .. في لحظةٍ غير مناسبة .
و الواقع أن الممثل الآلماني الشاب " داڤيد كروس " ، الذي لعب دور الصبي " مايكل بيرگ " ذي الخامسة عشرة ببراعة عالية ، لم يكن أثناء التحضير للفيلم قد بلغ الثامنة عشرة من عمره كي يحق له قانوناً أن يظهر في مشاهد جنسية ، باعتباره قاصراً ، لذلك كان على فريق الفيلم الإنتظار حتى بلغ السِنَّ القانونية .. فبدأ التصوير .
عندما دخل " مايكل " شقة " هانا شميتز " ، و هو يحمل باقة الورد ، كانت هي منشغلة ً بكيِّ ملابسها الداخلية ، و لم تستقبله بالإهتمام الذي كان يتوقع ، حين طلبت منه بنبرة باردة أن يضع باقة الورد جانباً و يجلس ، و فيما استمرت هي بالكي فكر أن يكسر الفراغ الذي ألقته فيه ، ففلتت منه عبارة ٌ تفيد بأنه لا يملُّ من القراءة ، فاندهشت و سرحت نظرتُها في اللامكان حالاً ، و عندما أدرك عدم الجدوى من بقائه في شقتها و هي منشغلة ٌ عنه بكيِّ ملابسها و أخبرها أنه سيغادر فأنها تطلب منه البقاء كي يخرجا معاً لأنها ذاهبة ٌ الى عملها ، في هذه الأثناء تقوم بحركة اغواء تبهر الفتى البريء الذي كان ماءُ الشهوة الجنسية قد دبّ في جسده حديثاً .
لا يُدرك المُشاهِدُ معنى حركة " هانا " عندما تطرق " مايكل " الى موضوعة القراءة ، بل هو نفسه كان غافلاً عنها . بالمقابل قامت هي بحركة إغواءٍ مُقايضة حين كانت ترتدي جوربها ، و هذه الحركة كانت سرية ً للغاية ، مرة ً أخرى لم يدركها لا " مايكل " و لا المُشاهد . و هاتان الحركتان ستشكلان قاعدة العلاقة الدرامية التي تربط بين " مايكل " و " هانا " ، بل أن الأمر الغامض ــ الذي بدا سَلِساً في ظاهره ــ هو اشتراط " هانا " على " مايكل " أن لا يمارسا الجنس قبل أن يقرأ لها من كتاب ، إنها مقايضة الجنس بالقراءة ، و ما كان يزيد " مايكل " حيرة ً هو انحدار دموع " هانا " أثناء قراءته النصوص لها .
بقدر ما كان " مايكل " فتىً بريئاً بلا ماضٍ ، كانت " هانا " تتصف بالحذر و المكر و تنطوي على ماضٍ ظل غامضاً حتى يكبر و يدخل الجامعة لدراسة المحاماة و يكتشفُ هذا الماضي فجأة ً في المحكمة و يكتشفه المشاهدُ معه في اللحظة ذاتها ، فتتخذ أحداثُ الفيلم مساراً جديداً و تتجه الدراما نحو مأساةٍ لم تكن في الحسبان .
منذ رأى الفتى فخذها العاري تفجرت غريزتهُ ، لذا عمد الى زيارتها مرة ً ثانية ، و بدون سبب ، ولكنها أوجدت له سبباً بأن يملأ لها دلوَين بالفحم ، و تلوّثـُهُ بالفحم سيكون مفتاحَها لإغوائه بطريقة مقنعة من قبل السيناريو ، لتعوّض هي عن عطشها الجنسي و يروي هو غريزته المتفتحة َ توّاً ، فراح يهرب من حصص المدرسة من أجل هذا الإرواء اليومي الذي أدمن عليه ، ولكنها لم تكن لتستحلبِ شهوته إلا لتدفعه الى قراءة النصوص لها ، و عندما يطلب منها أن تقرأ هي تخبره بأنها تفضل الإستماع على القراءة ، ولم يكن لا " مايكل " و لا المشاهد يدركان سر ذلك التحجج . و كانت " هانا " مصرّة على الإحتفاظ بهذا السر و كأنه سرُّ كرامتها ، و راحت تكابر و تتكتم على هذا السر حتى دفعت حُريتها ثمناً له .. و بالتالي حياتها .
في أوج ذلك الشبق و الإدمان الجنسي اليومي ، يصطدم الفتى الغض باختفاء " هانا شميتز " المفاجئ دون أن تترك أي أثر في شقتها ، حتى تظهر عام 1966 كمُتــَّهمة رئيسية في محكمةِ محاكمة النازيين ، و قد أصبح " مايكل " طالباً جامعياً في كلية الحقوق و جاء مع فريق الطلبة ليحضر درساً تطبيقياً في المحكمة . كان الأمرُ مفاجأة ً و صدمة ً كبيرة له حين عرف ماضيها كونها كانت تعمل في منظمة SS التابعة لهتلر كحارسة في معسكر " أوشفيتز " الذي اقامه النازيون في پولندا ، و فيه جرت محارق اليهود الشهيرة ، كما صُدم " مايكل " بالتهمة الموجهة الى " هانا " كونها قد تسببت بحرق 300 إمرأة داخل كنيسة ، و قد شهدت على ذلك سيدة ٌ ناجية ٌ من ذلك الحريق . غير أن الصدمة الكبرى جاءت عندما عرض عليها الحاكمُ تقريراً و سألها إن كانت هي التي كتبته ، دون أن يلتفت أو ينتبه الى قول الشاهدة الشابة ابنة السيدة الناجية ، و التي ألفت كتاباً عن وقائع ما جرى لهما ، حين ذكرت أن " هانا شميتز " كانت تطلب من الأخريات أن يقرأنَ لها . " هانا " أنكرت كتابتها التقرير بغضب ، ولكن عندما يطلب منها الحاكم أن تكتب شيئاً على ورقةٍ قدمها اليها ، صُدمت أول الأمر ، ثم ترددت ، ثم أعلنت أن لا داعي لذلك ، ما يعني اعترافاً صريحاً بكتابتها التقرير ، في حين إنها أمية ٌ تماماً . هنا ، تتداعى الصور في ذاكرة " مايكل " و هو يراقبُ وقائع المحكمة ، فيتذكر بعض التفاصيل التي حصلت بينهما و التي تؤكد أنها لا تقرأ و لا تكتب ، ولكنه ما كان قد أعار تلك التفاصيلَ اهتماماً حينَها .
لقد ضحت " هانا " بحُريتِها فحَكمَتْ على نفسِها بالسَجنِ مدى الحياة مقابلَ أن لا تُجرَحَ نرجسيتُها . و في هذه الأثناء كان " مايكل " يتحرق ألماً على مصيرها ، ولكنه لم يُقدِم على كشف الحقيقة لينقذها اذا كانت هي نفسها قد اختارت مصيرها .. ولكنه لم يتخلَّ عنها بعد صدور الحُكم عليها .
فيلمُ ( القارئ ) فيلمٌ مُتقن الصنع من جميع نواحيه ، لذلك لا تُمَلُ مشاهدتُهُ ، و " كيت وينسلت " خطفت الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم باستحقاق و جدارة .
ا د
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : الفيلمُ غيرُ عائلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما صعدت الممثلةُ الإنگليزية " كيت وينسلت " خشبة المسرح ، عام 2009 ، و تسلمت جائزة الأوسكار كأفضلة ممثلة ، عن دورها الرئيس في فيلم ( القارئ ) ، قالت : ( الآن ، أستطيعُ أن أقف الى جانب " ميريل ستريپ " ) ، و كانت " ستريپ " قد ترشحت حتى ذلك العام خمسَ عشرة مرة ً للجائزة ، فازت بأثنتين منها . و أضافت " كيت وينسلت " : ( عندما كنتُ صغيرة ً ، كنتُ أمسكُ علبة الشامپو في الحمام و أرفعها ، متخيلة ً أنها جائزة الأوسكار .. و الآن تحقق لي ذلك التخيّل ) .
و الحقيقة ، أن " وينسلت " كانت تستحق الفوزَ بهذه الجائزة منذ العام 1997 ، عندما بزغ نجمُها و حققت شهرة ًعالمية ً مُطلـَـقة إثْرَ ظهورها بدور " روز " في فيلم ( تايتانكTitanic ) الشهير . ولكن كان عليها أن تترشح خمسَ مراتٍ و تنتظر 12 عاماً حتى يأتي المخرجُ البريطاني " ستيڤن دالدري " ليُسند اليها دورَ البطولة في فيلم ( القارئ ) الذي أوصلها الى الأوسكار كأفضل ممثلة في دورٍ رئيس . والواقع أن الممثلة الأسترالية " نيكول كيدمان " هي التي كانت مرشحة ً لهذا الدور ، غير أنها أشترطت أن تلعبه بعد أن تنتهي من تصوير دورها البطولي في فيلم ( أستراليا Australia ) ، ولكن ما أن انتهت من التصوير حتى ظهرت عليها بوادرُ الحَمل فأعتذرت عن تمثيل الدور فأسنده المخرجُ الى " كيت وينسلت " ، و لعل القدَرُ كان قد لعب دورَه في ذلك فوفّر فرصة ً لِحَظـّها في أن تفوز بالأوسكار . ولكن " كيت وينسلت " كانت تستحق هذا الفوز عن جدارة كما يؤكد ذلك سجلـُّها الحافلُ بالتألق .
فيلمُ ( القارئ ) مأخوذٌ عن روايةٍ بالعنوان ذاته للكاتب الآلماني " برنهارد شلينك " . تبدأُ أحداثه عام 1995 في العاصمة الآلمانية برلين ، عندما يعود المحامي " مايكل بيرگ " بذاكرته الى العام 1958 ( لعب دوره الممثل الإنگليزي " رالف فاينس " ـ حين تعرّف على " هانا " ، و هي امرأة ٌ تعيش وحيدة ً في شقةٍ فقيرة ، في عمارة سكنية قديمة ، و تعمل قاطعة َ تذاكر في الترام . في ذلك الوقت كان المحامي " مايكل بيرگ " في الخامسة عشرة من عمره عندما أصابته ، ذات يومٍ شتويٍ ماطر ، نزلةُ بردٍ شديدة دفعته لأن يلوذ بمدخل تلك العمارة و يتقيأ هناك ، في الأثناء تلجُ " هانا " مسرعةً و هي عائدةٌ من عملها لتجد الفتى في حالته المرضية السيئة تلك ، فتساعده ، ثم توصله الى بيته ، و عندما يكشف الطبيب على حالته الصحية يتبين أنه مصابٌ بالحُمّى القرمزية ، ما يُبقيه في الفراش لمدة ثلاثة شهور ، و عندما يخبر أُمَّهُ أن امرأةً ساعدته يومَ سقط مريضاً و أوصلته ، تقترح عليه الأمُ أن يحمل اليها باقة َ وردٍ و يشكرها ، ولكنها لم تكن لتدرك أن اقتراحَها سيُدخل ابنَها في دراما مأساوية ، بدأت بالجنس و انتهت بانتحار .. في لحظةٍ غير مناسبة .
و الواقع أن الممثل الآلماني الشاب " داڤيد كروس " ، الذي لعب دور الصبي " مايكل بيرگ " ذي الخامسة عشرة ببراعة عالية ، لم يكن أثناء التحضير للفيلم قد بلغ الثامنة عشرة من عمره كي يحق له قانوناً أن يظهر في مشاهد جنسية ، باعتباره قاصراً ، لذلك كان على فريق الفيلم الإنتظار حتى بلغ السِنَّ القانونية .. فبدأ التصوير .
عندما دخل " مايكل " شقة " هانا شميتز " ، و هو يحمل باقة الورد ، كانت هي منشغلة ً بكيِّ ملابسها الداخلية ، و لم تستقبله بالإهتمام الذي كان يتوقع ، حين طلبت منه بنبرة باردة أن يضع باقة الورد جانباً و يجلس ، و فيما استمرت هي بالكي فكر أن يكسر الفراغ الذي ألقته فيه ، ففلتت منه عبارة ٌ تفيد بأنه لا يملُّ من القراءة ، فاندهشت و سرحت نظرتُها في اللامكان حالاً ، و عندما أدرك عدم الجدوى من بقائه في شقتها و هي منشغلة ٌ عنه بكيِّ ملابسها و أخبرها أنه سيغادر فأنها تطلب منه البقاء كي يخرجا معاً لأنها ذاهبة ٌ الى عملها ، في هذه الأثناء تقوم بحركة اغواء تبهر الفتى البريء الذي كان ماءُ الشهوة الجنسية قد دبّ في جسده حديثاً .
لا يُدرك المُشاهِدُ معنى حركة " هانا " عندما تطرق " مايكل " الى موضوعة القراءة ، بل هو نفسه كان غافلاً عنها . بالمقابل قامت هي بحركة إغواءٍ مُقايضة حين كانت ترتدي جوربها ، و هذه الحركة كانت سرية ً للغاية ، مرة ً أخرى لم يدركها لا " مايكل " و لا المُشاهد . و هاتان الحركتان ستشكلان قاعدة العلاقة الدرامية التي تربط بين " مايكل " و " هانا " ، بل أن الأمر الغامض ــ الذي بدا سَلِساً في ظاهره ــ هو اشتراط " هانا " على " مايكل " أن لا يمارسا الجنس قبل أن يقرأ لها من كتاب ، إنها مقايضة الجنس بالقراءة ، و ما كان يزيد " مايكل " حيرة ً هو انحدار دموع " هانا " أثناء قراءته النصوص لها .
بقدر ما كان " مايكل " فتىً بريئاً بلا ماضٍ ، كانت " هانا " تتصف بالحذر و المكر و تنطوي على ماضٍ ظل غامضاً حتى يكبر و يدخل الجامعة لدراسة المحاماة و يكتشفُ هذا الماضي فجأة ً في المحكمة و يكتشفه المشاهدُ معه في اللحظة ذاتها ، فتتخذ أحداثُ الفيلم مساراً جديداً و تتجه الدراما نحو مأساةٍ لم تكن في الحسبان .
منذ رأى الفتى فخذها العاري تفجرت غريزتهُ ، لذا عمد الى زيارتها مرة ً ثانية ، و بدون سبب ، ولكنها أوجدت له سبباً بأن يملأ لها دلوَين بالفحم ، و تلوّثـُهُ بالفحم سيكون مفتاحَها لإغوائه بطريقة مقنعة من قبل السيناريو ، لتعوّض هي عن عطشها الجنسي و يروي هو غريزته المتفتحة َ توّاً ، فراح يهرب من حصص المدرسة من أجل هذا الإرواء اليومي الذي أدمن عليه ، ولكنها لم تكن لتستحلبِ شهوته إلا لتدفعه الى قراءة النصوص لها ، و عندما يطلب منها أن تقرأ هي تخبره بأنها تفضل الإستماع على القراءة ، ولم يكن لا " مايكل " و لا المشاهد يدركان سر ذلك التحجج . و كانت " هانا " مصرّة على الإحتفاظ بهذا السر و كأنه سرُّ كرامتها ، و راحت تكابر و تتكتم على هذا السر حتى دفعت حُريتها ثمناً له .. و بالتالي حياتها .
في أوج ذلك الشبق و الإدمان الجنسي اليومي ، يصطدم الفتى الغض باختفاء " هانا شميتز " المفاجئ دون أن تترك أي أثر في شقتها ، حتى تظهر عام 1966 كمُتــَّهمة رئيسية في محكمةِ محاكمة النازيين ، و قد أصبح " مايكل " طالباً جامعياً في كلية الحقوق و جاء مع فريق الطلبة ليحضر درساً تطبيقياً في المحكمة . كان الأمرُ مفاجأة ً و صدمة ً كبيرة له حين عرف ماضيها كونها كانت تعمل في منظمة SS التابعة لهتلر كحارسة في معسكر " أوشفيتز " الذي اقامه النازيون في پولندا ، و فيه جرت محارق اليهود الشهيرة ، كما صُدم " مايكل " بالتهمة الموجهة الى " هانا " كونها قد تسببت بحرق 300 إمرأة داخل كنيسة ، و قد شهدت على ذلك سيدة ٌ ناجية ٌ من ذلك الحريق . غير أن الصدمة الكبرى جاءت عندما عرض عليها الحاكمُ تقريراً و سألها إن كانت هي التي كتبته ، دون أن يلتفت أو ينتبه الى قول الشاهدة الشابة ابنة السيدة الناجية ، و التي ألفت كتاباً عن وقائع ما جرى لهما ، حين ذكرت أن " هانا شميتز " كانت تطلب من الأخريات أن يقرأنَ لها . " هانا " أنكرت كتابتها التقرير بغضب ، ولكن عندما يطلب منها الحاكم أن تكتب شيئاً على ورقةٍ قدمها اليها ، صُدمت أول الأمر ، ثم ترددت ، ثم أعلنت أن لا داعي لذلك ، ما يعني اعترافاً صريحاً بكتابتها التقرير ، في حين إنها أمية ٌ تماماً . هنا ، تتداعى الصور في ذاكرة " مايكل " و هو يراقبُ وقائع المحكمة ، فيتذكر بعض التفاصيل التي حصلت بينهما و التي تؤكد أنها لا تقرأ و لا تكتب ، ولكنه ما كان قد أعار تلك التفاصيلَ اهتماماً حينَها .
لقد ضحت " هانا " بحُريتِها فحَكمَتْ على نفسِها بالسَجنِ مدى الحياة مقابلَ أن لا تُجرَحَ نرجسيتُها . و في هذه الأثناء كان " مايكل " يتحرق ألماً على مصيرها ، ولكنه لم يُقدِم على كشف الحقيقة لينقذها اذا كانت هي نفسها قد اختارت مصيرها .. ولكنه لم يتخلَّ عنها بعد صدور الحُكم عليها .
فيلمُ ( القارئ ) فيلمٌ مُتقن الصنع من جميع نواحيه ، لذلك لا تُمَلُ مشاهدتُهُ ، و " كيت وينسلت " خطفت الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم باستحقاق و جدارة .
ا د