المخرج السوري فراس محمد لـ"العرب": مقاربة الواقع تعزز الجوانب الفنية للفيلم
"عتمة مؤقتة" يفكك العلاقات في قاع المجتمع السوري.
السبت 2024/01/06
ShareWhatsAppTwitterFacebook
استعارة لملامح شخوص فيلم "الناس إلي فوق"
على هامش تصويره لفيلمه الروائي الطويل الأول جمعنا حوار مع المخرج السوري الشاب فراس محمد، الذي كشف لـ”العرب” عن موضوع فيلمه، وأسلوبه الإخراجي وأي تجارب عالمية أثّرت في مشروعه السينمائي.
في خطوة تعزز حضوره على الساحة السينمائية في سوريا والمنطقة العربية أخرج فراس محمد فيلمه الروائي الطويل الأول الذي يحمل عنوان “عتمة مؤقتة”، الذي ينتجه بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما.
ويستعرض الفيلم قصة حياة شخصيتين في فترة جديدة من حياتهما، يقع لقاؤهما في هذه اللحظة في مواجهة تجبرهما على إعادة التفكير في واقعهما واتجاهاتهما. وهو من بطولة آية محمود، علاء زهرالدين، محمد زرزور، كساندرا ديوب، وأمير برازي، بالإضافة إلى مشاركة نجوم آخرين مثل زهير عبدالكريم، أمانة والي، رنا جمول، وعلي القاسم.
وتكونت مسيرة فراس محمد من خلال شغفه بالسينما وتذوقه لإنتاجاتها، حيث بدأ بكتابة النقد السينمائي، وأسهم في مشروع النادي السينمائي في دمشق، حاز دبلوم الإخراج السينمائي، وانطلق في مشروعه الفني من خلال إخراج فيلم قصير بعنوان “الدائرة السحرية”، الذي تم إنتاجه بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، ومن ثم قدم فيلمًا آخر بعنوان “العالم إلّي فوق” من إنتاج خاص، ضمن سياق السينما المستقلة التي تبناها في كتاباته.
وفي حوار مع “العرب” عن المصادر الملهمة التي دفعته لإخراج فيلمه الطويل الأول “عتمة مؤقتة” يقول “هناك مرجعيتان واضحتان بالنسبة إليّ أثرتا بشدة في معالجة وصياغة ‘عتمة مؤقتة’ سواء في مرحلة كتابة النص أو خلال التصوير، الأولى هي الواقع بكل ما يحمل من طبقات ودراما وأسلوب فعل ورد فعل، وأسهم ذلك بشدة في رسم ملامح الشخصيات وأزماتها، أما المرجعية الثانية فكانت في فيلمي الوثائقي القصير ‘الناس إلّي فوق’ الذي حاز التانيت الذهبي لأفضل فيلم وثائقي عام 2022 ضمن منافسات مهرجان أيام قرطاج السينمائية، ويُمكن اعتبار هذا الفيلم نقطة استناد غير مباشرة لـ’عتمة مؤقتة’، فشخصيات الفيلم الأساسية (الراقصة والجزار) هي شخصيات وثائقية حقيقية ظهرت في ‘الناس إلّي فوق’، ويمكن الأخذ بالاعتبار أنني استعرت منها ملامحها، وأعدت تدوير قصصها وكتابتها لتتناسب مع حالة الفيلم الروائي”.
الفيلم لا يقدم أي دلالة على الحرب، ولكنه يكتفي بتقديم أثرها على الصعيد النفسي والبصري للسوريين
ويضيف عن تناوله قصة راقصة وجزار وكيفية اختيار الحي العشوائي في دمشق كمكان للأحداث، فيقول “هي شخصيات تنتمي إلى قاع المجتمع الدمشقي، وهذا القاع بعد حرب 12 عاما بات غنيا بالأزمات المتراكمة والدراما، وغنيا أيضا بمحاولات التأقلم والانسجام وأحيانا الهرب من هذا القاع، فهي شخصيات غير مستقرة، في حالة بحث دائم عن مساحات آمنة، فضلا عن أنها تعيش على حواف الحرب، وهذا قادر على رسم خارطة حسية خاصة واستثنائية للشخصيات على اختلاف مساحاتها، بقسوتها وجفائها وأنانيتها وفضولها للاكتشاف. من جهة، أخرى هو قاع متعدد العوالم، ومساحات التناقض فيه كبيرة، كتناقض اجتماع راقصة منبوذة في بيئتها، مع جزار عائد من جبهة الحرب”.
ويوضح أن “الفيلم برمّته جاء ليخلق رابطا بين هذه المتناقضات، بين اللحم الأبيض واللحم الأحمر، وتم اختيار المنطقة التي جرى تصوير الأحداث فيها بحيث أنه ليست هناك حدود واضحة بين الريف والمدينة، وهذا يُشكل تناقضاً آخر. يبدو الفيلم أنه ينتمي إلى نوع أو جنس سينمائي بات يُعرف حاليا بأفلام ما بعد الحرب (بوست وور موفيز)، جاء هادفا لرسم شكل التغييرات لانحسار الحرب أو إعادة تشكلها”.
لكنه يستدرك فيقول إن “الفيلم لا يقدم أيّ دلالة على هذه الحرب، ولكنه يكتفي بتقديم أثرها على الصعيد النفسي والبصري للسوريين. لم تُذكر كلمة حرب في الفيلم، ولا مرة واحدة، ولكن هذه الحرب استولت على ماضي هذه الشخصيات، وعلى حياة ما قبل الفيلم بالكامل، وأسهمت في رسم تصرّفاتهم وهوسهم بالهرب نحو حالات مستقرة”.
في حديث عن التصوير السينمائي لتعزيز الحوار الداخلي للشخصيات ونقل القصة يقول المخرج فراس محمد “جرى ذلك بالاتفاق مع مدير الإضاءة والتصوير باسل سراولجي، وخصوصا أن 70 في المئة من تصوير أحداث الفيلم كان ليليا، فتم اعتماد استخدام الإضاءة الحقيقية ما أمكن، أو الإيهام باستخدامها، لتعزيز الحس الوثائقي في الفيلم، فضلا عن التصوير في الأماكن الحقيقية أي خارج الأستوديوهات، كما تم اعتماد الكاميرا المحمولة كافة دقائق الفيلم، فالثبات و’الفريمينغ’ لا يتلاءم دراميا مع شخصيات قلقة، وتخشى من المستقبل”.
ويتابع “على صعيد آخر، هذا الستايل تم تعزيزه لاحقا في مرحلة تصحيح اللون مع الكولوريست رؤوف ظاظا، وأيضا على صعيد تصميم شريط الصوت، كانت هناك قاعدة اتبعناها جميعا سواء خلال التصوير أو خلال مرحلة تصحيح اللون أو تصميم صوت الفيلم، تقول هذه القاعدة، كل ما يخدم واقعية الفيلم، يساعد على إيصال الفيلم إلى هدفه”.
ويوضح المخرج السوري الاختيارات الإخراجية التي اتخذها لتحقيق توازن بين الواقعية والجوانب الفنية في الفيلم قائلا “حقيقةً في هذا الفيلم، لم يكن الموضوعان منفصلين، كلما اقتربنا من تحقيق رؤية بصرية مقاربة للواقع كلما تجلت النواحي الفنية بصورة أوضح، وبدأت أساسا من آلية التعامل مع الممثلين خلال البروفات، لاسيما أن الفيلم يتعامل مع شخصيات لها مهن خاصة لها تقاليدها، وتكثف العمل على هذا الصعيد مع كل من آية محمود وعلاء زهرالدين الممثلين اللذين أديا شخصيات الفيلم الأساسية، ساعد على ذلك الموهبة الواضحة لممثلي الفيلم، وهم ممثلين ينتمون إلى أجيال مختلفة، ولكن اختيار نمط أداء واقعي أسهم في خلق مناخ واحد للفيلم وبيئة صنعت هذه الشخصيات”.
حضور أنثوي بامتياز
ويكشف أن الفيلم باعتباره “يتعامل مع شخصيتين أساسيتين، فهو لم يحقق البناء الكلاسيكي، بل تم اللجوء إلى رواية القصتين عبر تقنية المونتاج المتوازي قبل أن تلتقي شخصيتا الراقصة والجزار، ويتحول الفيلم نحو دراسة هذه العلاقة، ولكن في كلتا الحالتين، وباعتبار أننا أخلصنا للواقع في كافة التفاصيل الفنية، فقد تدفق الزمن على نحو خطي، تدفق لا يحتوي على قفزات زمنية، أو تغييرات شديدة في بنية الزمن، بدأ الفيلم بذروة، انتقل بعدها زمنياً لرصد ما أحدثته تلك الذروة من تداعيات”.
وفي نقاش عن الرموز المعتمدة في الفيلم يقول فراس محمد “الاعتقاد بأن الإخلاص للواقع، والترميز أمران متناقضان، بالنسبة إليّ هو اعتقاد غير دقيق، فالسياق قادر دوما على منح العناصر أبعادا ومعاني مختلفة، والسياق هو الذي يحدد فيما لو كان هذا الواقع أو هذا الغوص في وحل الواقع قادر على منح تأويلات رمزية أم لا. فشخصيات الفيلم برمتها تعاني السيطرة، سواء بأن تكون مهووسة بالتحكم، أو تمّت السيطرة عليها بشكل فقدت معه القدرة على اتخاذ القرار. ففي الفيلم هناك شخصية ثانوية اسمها أبويوسف تقوم بالاعتناء بفأرة تكسر وحدتها، وتساعدها على تعويض غياب أولادها الذين هاجروا خارج البلاد، علاقة أبويوسف بحيوانه غير الأليف تشبه كل العلاقات المبنية داخل الفيلم بشكل أو بآخر، فكان لهذه العلاقة بين أبويوسف وفأرته بعد رمزي، ولكنه لم يكسر الإحساس بواقعية ما يجري”.
ويقول عن شخصيات الفيلم “كنتُ محظوظاً بأنني تشاركت في هذا الفيلم مع مجموعة من الممثلين الموهوبين على اختلاف الجيل الذي ينتمون إليه، استطاع الفيلم أن يجمع بين الممثل المخضرم زهير عبدالكريم وأمانة والي ورنا جمول وعلي القاسم، والمواهب الشابة آية محمود وعلاء زهرالدين ودلع نادر ومحمد زرزور وكساندرا دياب، هذه التركيبة حكمها عاملان، الأول هو المعرفة الشخصية للممثلين ببيئة العمل ونماذجها، والثاني هو الاتفاق على نمط الأداء، بالبحث الدائم عن مبررات الشخصية للحركة أو الفعل، وهذا ما جعل مرحلة التحضير للفيلم قائمة حول البحث عن أجوبة تتعلق بالشخصيات وأفعالها”.
ويشاركنا المخرج رأيه في ما يتعلق بتأثير أفلام سينمائية أخرى في أسلوبه الإخراجي أو تأثيرها في إنتاج هذا الفيلم على نحو خاص قائلا “بشكل مباشر، تبدو الإجابة على هذا السؤال مُربكة، ولكن لا يمكنني مراوغة ظل المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو خلال مرحلة المونتاج”.
وتحدث فراس محمد لـ”العرب” عن مشاريعه المستقبلية منوها بأنه “مبدئيا وخصوصا مع وصول فيلم ‘عتمة مؤقتة’ إلى مراحله النهائية بوضع موسيقى الفنان خالد رزق على الفيلم، يبدو أنها ستبدأ مرحلة الترويج للفيلم وعرضه كمشروع أساسي في الفترة القادمة”.