القانون التجاري
تعريف القانون التجاري
تعد التجارة من أهم وجوه النشاط البشري نفعاً للجماعة، وهي بما تنطوي عليه من اتصال وتعامل بين أشخاص هذه الجماعة تثير مشكلات متعددة شأنها شأن أي تعامل بشري؛ من هنا بدت الحاجة إلى تنظيم قانوني يحكم العلاقات الناشئة عنها فكان هذا التنظيم القانون التجاري.
فالقانون التجاري droit commercial إذاً هو مجموعة القواعد الحقوقية التي تنطبق على الأعمال التجارية وتتولى تنظيم علاقات الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية بسبب احترافهم التجارة. وعلى هذا يتضمن القانون التجاري من جهة القواعد المختصة بالأعمال التجارية التي يقوم بها أي شخص مهما كانت صفته القانونية، ويتضمن من جهة أخرى الأحكام التي تنطبق على الأشخاص الذين اتخذوا من التجارة حرفة لهم.
التطور التاريخي للقانون التجاري
كان القانون التجاري ولا يزال من أكثر فروع القانون خضوعاً لسنِّة التطور لكونه قانوناً نابعاً من الحاجة، سريع التغير، دائب الحركة. هذا ويمكن تقسيم دراسة تاريخ القانون التجاري إلى ثلاثة عصور: العصور القديمة، العصور الوسطى، العصور الحديثة.
ـ العصور القديمة: إن عودة فاحصة إلى الوراء عبر التاريخ تبين أن الشعوب التي كانت تقطن حول حوض البحر المتوسط بزّت غيرها في النشاط التجاري؛ لأنها تحتل مواقع جغرافية مهمة في التبادل التجاري بين القارات الثلاث؛ ولذلك ترجع أصول العديد من الأحكام والقواعد القانونية التي ماتزال سارية التطبيق في القانون التجاري وقانون التجارة البحرية[ر] خاصة إلى ماتعارفت عليه هذه الشعوب في تعاملها التجاري. ومن أوائل شعوب العالم القديم التي عرف عنها الاشتغال بالتجارة والبراعة فيها البابليون الذين سكنوا بلاد الرافدين طوال القرن العشرين قبل الميلاد، إذ تركوا مجموعة من القواعد الخاصة بالتجارة معروفة في أهم وثيقة تشريعية أقدمها في العالم وهي قانون حمورابي، وقد نظم هذا القانون بعض العقود التجارية كالقرض بفائدة، والوديعة التجارية، والشركة، والوكالة بالعمولة. وتبع البابليين شعبٌ آخر ضرب سهماً وافراً في التجارة البرية والبحرية هم الفينيقيون الذين كانوا يسكنون السواحل الشرقية للبحر المتوسط إذ أنشؤوا أسطولاً ضخماً ومستودعات تجارية مهمة في مواضع مختلفة من موانئ هذا البحر كقبرص ورودوس وكريت وسواحل فرنسا الجنوبية وإسبانيا.
وقد أعقب أفول نجم الحضارة الفينيقية الإغريقيون الذين احتلوا مكانهم في التجارة البحرية. أما الرومان فلم يكن لهم دور كبير وأصيل في القانون التجاري لأنهم كانوا يعدون التجارة مهنة وضيعة لاتليق بالروماني الأصيل ويجب أن تترك للأجانب والعبيد.
ـ العصور الوسطى: بسقوط الامبراطورية الرومانية في القرن الثامن للميلاد ساد النشاط التجاري ركود هائل بسبب الفوضى التي عمّت أوربا إثر تفتيتها إلى دويلات ومقاطعات متنازعة ومتحاربة فيما بينها، واقتصر دور التجارة في هذه المرحلة على التبادل المحلي وبدأ نظام الاقتصاد المعلق بسبب انكماش المدن على نفسها وقيامها بإنتاج الحاجات الاستهلاكية الضرورية. لكن الحال لم تدم طويلاً على هذا النحو، فمنذ بداية القرن الحادي عشر الميلادي أخذت التجارة تنتعش شيئاً فشيئاً، وأدت الحروب الصليبية دوراً مهماً في قيام حركة تجارية واسعة النطاق بين الشرق والغرب، وخاصة بين سكان المدن الإيطالية كالبندقية وجنوة وفلورنسة والمرافئ الإسلامية الواقعة على الشواطئ الشرقية لحوض البحر المتوسط، وفي هذه الأثناء نشأت بين التجار عادات وتقاليد تعارفوا على احترامها والخضوع لأحكامها، ثم استتبع ذلك ظهور محاكم خاصة لطوائف التجار تسمى بالمحاكم القنصلية تؤلف برئاسة قنصل متخصص في معرفة القواعد التجارية يعاونه أحد الفقهاء واثنان من التجار. فوُجدت المحاكم القنصلية البرية للفصل في الخلافات التجارية البرية، والمحاكم القنصلية البحرية لتفصل في الخلافات التجارية البحرية.
ـ العصور الحديثة: تركت الأحداث السياسية والجغرافية والاقتصادية التي بدأت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أثراً كبيراً في تطور القانون التجاري، فَفَتح العثمانيين القسطنطينية واكتشاف القارتين الأمريكيتين وطريق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الهند كل ذلك أدى إلى انتقال مركز الثقل في النشاط التجاري من البلاد الواقعة على البحر المتوسط إلى البلدان المحاذية لشواطئ المحيط الأطلسي كإسبانيا والبرتغال وإنكلترا وفرنسا وهولندا. وأدّى التوسع الاستعماري الذي حدث في هذه الفترة إلى نشوء الرأسمالية [ر] فتكونت الشركات الرأسمالية الكبيرة كشركة الهند الشرقية والغربية التي أصبحت تتمتع بنفوذ مالي وسياسي كبير، الأمر الذي حدا بالمشرِّع إلى التدخل للحد من سيطرة هذه الشركات ووضع حد للفوضى الناشئة عن تعدد العادات في المدن المختلفة. وكان منطقياً أن تبدأ في دول أوربا حركة تقنين واسع، ولا غرابة في أن يكون الاهتمام الأكبر موجهاً إلى النشاط التجاري الذي يحتل الصدارة في الاقتصاد القومي لهذه الدول وبدأت حركة التقنين في فرنسا قبل غيرها من الدول حيث صدر قانون التجارة لديها في عام 1807 المعمول به إلى هذا اليوم مع تعديلات عدة أدخلت عليه. وفي بلادنا بقيت أحكام الشريعة الإسلامية مطبقة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية حين أصدر السلطان عبد الحميد قانون التجارة العثماني عام 1850 المقتبس من قانون التجارة الفرنسي، وطبقه على البلاد الخاضعة لامبراطوريته ومنها سورية ولبنان والعراق وغيرها، وبقيت أحكام هذا القانون معمولاً بها في سورية حتى صدور المرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 المتعلق بقانون التجارة الحالي.
مكانة القانون التجاري بين فروع القانون الأخرى
من التقسيمات التي جرى الفقه التقليدي على اتباعها هي تقسيم القانون بوجه عام إلى قسمين رئيسين: القانون العام والقانون الخاص[ر]. والقانون العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تتناول تنظيم العلاقات التي تدخل السلطة العامة طرفاً فيها. أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد القانونية التي تتولى تنظيم علاقة الفرد بغيره أو بالدولة حينما تتخلى بتعاملها معه عن صفة السيادة. ومن أهم فروع القانون الخاص: القانون المدني[ر] والقانون التجاري[ر] بشقيه البري والبحري، وحديثاً القانون الجوي[ر].
ذاتية القانون التجاري
إذا كان القانون التجاري يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تبحث في الأعمال التجارية والتجار، فهومن هذه الناحية أضيق نطاقاً من القانون المدني الذي يشمل جميع القواعد الحقوقية التي تتولى تنظيم علاقات الأشخاص فيما بينهم بغض النظر عن طبيعة المهن أو نوع المعاملات التي يقومون بها.
من هنا يتبادر السؤال فيما إذا كان هناك مبررات كافية لوجود قانونين أحدهما ينظم أعمال وعلاقات الأفراد المدنية، والثاني ينظم أعمالهم وعلاقاتهم التجارية. وفي الواقع فإن لكل من القانون المدني والقانون التجاري ميداناً خاصاً به لاختلاف طبيعة المعاملات المدنية عن طبيعة المعاملات التجارية في ناحيتين أساسيتين هما: تبسيط الإجراءات القانونية لإبرام هذه المعاملات أو تنفيذها بسرعة، وتيسير الائتمان اللذان يعدّان من قوام الأعمال التجارية.
فعامل السرعة الذي يقتضيه إتمام المعاملات التجارية يستلزم بالضرورة إيجاد قواعد قانونية خاصة تختلف عن تلك التي تطبق على المعاملات المدنية، والقانون التجاري مراعاة لمقتضيات التجارة المذكورة قد يسّر تحقيق هذا الهدف من سبل عدة أهمها مثلاً: حرية الإثبات في المواد التجارية، وتيسير تداول الحقوق الثابتة بالأسناد التجارية[ر].
أما السبب الثاني الذي يبرر استقلال القانون التجاري عن القانون المدني فهو أن التجارة لاتقوم إلا على الثقة والائتمان. فالتاجر لايمكنه الاستغناء عن الائتمان، إما مديناً أو دائناً. فهو مضطر غالباً إلى شراء بضائعه نسيئة، وهو مضطر من جهة أخرى في سبيل تصريف هذه البضاعة إلى أن يمنح بدوره آجالاً لمدينيه. فإذا لم تكن لدى هؤلاء التجار الثقة المتبادلة المؤيدة بالضمانات التي تكفل لهم استيفاء حقوقهم حين حلول أجل الدين لاِمتنع كل منهم من منح الائتمان للآخر. وأبرز الضمانات التي منحها القانون التجاري للدائن بهدف دعم الائتمان وتقويته تكمن في إخضاع التاجر لنظام الإفلاس[ر] الصارم في حال توقفه عن دفع ديونه التجارية، وكذلك قيام نظام التضامن بين المدينين بديون تجارية حيث يتمكن الدائن من ملاحقة أي مدين واستيفاء كامل الدين منه.
موضوعات القانون التجاري
صدر القانون التجاري السوري بالمرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 ومازال ساري النفاذ حتى 2004. وقد جاء بـ (774) مادة موزعة على خمسة كتب:
الكتاب الأول يبحث في: التجارة بوجه عام والتجار والمؤسسات التجارية [ر. المتجر].
الكتاب الثاني يبحث في: الشركات التجارية[ر].
الكتاب الثالث يبحث في: العقود التجارية[ر].
الكتاب الرابع يبحث في: الأسناد التجارية[ر].
الكتاب الخامس يبحث في: الصلح الواقي والإفلاس[ر].
إلياس حداد
تعريف القانون التجاري
تعد التجارة من أهم وجوه النشاط البشري نفعاً للجماعة، وهي بما تنطوي عليه من اتصال وتعامل بين أشخاص هذه الجماعة تثير مشكلات متعددة شأنها شأن أي تعامل بشري؛ من هنا بدت الحاجة إلى تنظيم قانوني يحكم العلاقات الناشئة عنها فكان هذا التنظيم القانون التجاري.
فالقانون التجاري droit commercial إذاً هو مجموعة القواعد الحقوقية التي تنطبق على الأعمال التجارية وتتولى تنظيم علاقات الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية بسبب احترافهم التجارة. وعلى هذا يتضمن القانون التجاري من جهة القواعد المختصة بالأعمال التجارية التي يقوم بها أي شخص مهما كانت صفته القانونية، ويتضمن من جهة أخرى الأحكام التي تنطبق على الأشخاص الذين اتخذوا من التجارة حرفة لهم.
التطور التاريخي للقانون التجاري
كان القانون التجاري ولا يزال من أكثر فروع القانون خضوعاً لسنِّة التطور لكونه قانوناً نابعاً من الحاجة، سريع التغير، دائب الحركة. هذا ويمكن تقسيم دراسة تاريخ القانون التجاري إلى ثلاثة عصور: العصور القديمة، العصور الوسطى، العصور الحديثة.
ـ العصور القديمة: إن عودة فاحصة إلى الوراء عبر التاريخ تبين أن الشعوب التي كانت تقطن حول حوض البحر المتوسط بزّت غيرها في النشاط التجاري؛ لأنها تحتل مواقع جغرافية مهمة في التبادل التجاري بين القارات الثلاث؛ ولذلك ترجع أصول العديد من الأحكام والقواعد القانونية التي ماتزال سارية التطبيق في القانون التجاري وقانون التجارة البحرية[ر] خاصة إلى ماتعارفت عليه هذه الشعوب في تعاملها التجاري. ومن أوائل شعوب العالم القديم التي عرف عنها الاشتغال بالتجارة والبراعة فيها البابليون الذين سكنوا بلاد الرافدين طوال القرن العشرين قبل الميلاد، إذ تركوا مجموعة من القواعد الخاصة بالتجارة معروفة في أهم وثيقة تشريعية أقدمها في العالم وهي قانون حمورابي، وقد نظم هذا القانون بعض العقود التجارية كالقرض بفائدة، والوديعة التجارية، والشركة، والوكالة بالعمولة. وتبع البابليين شعبٌ آخر ضرب سهماً وافراً في التجارة البرية والبحرية هم الفينيقيون الذين كانوا يسكنون السواحل الشرقية للبحر المتوسط إذ أنشؤوا أسطولاً ضخماً ومستودعات تجارية مهمة في مواضع مختلفة من موانئ هذا البحر كقبرص ورودوس وكريت وسواحل فرنسا الجنوبية وإسبانيا.
وقد أعقب أفول نجم الحضارة الفينيقية الإغريقيون الذين احتلوا مكانهم في التجارة البحرية. أما الرومان فلم يكن لهم دور كبير وأصيل في القانون التجاري لأنهم كانوا يعدون التجارة مهنة وضيعة لاتليق بالروماني الأصيل ويجب أن تترك للأجانب والعبيد.
ـ العصور الوسطى: بسقوط الامبراطورية الرومانية في القرن الثامن للميلاد ساد النشاط التجاري ركود هائل بسبب الفوضى التي عمّت أوربا إثر تفتيتها إلى دويلات ومقاطعات متنازعة ومتحاربة فيما بينها، واقتصر دور التجارة في هذه المرحلة على التبادل المحلي وبدأ نظام الاقتصاد المعلق بسبب انكماش المدن على نفسها وقيامها بإنتاج الحاجات الاستهلاكية الضرورية. لكن الحال لم تدم طويلاً على هذا النحو، فمنذ بداية القرن الحادي عشر الميلادي أخذت التجارة تنتعش شيئاً فشيئاً، وأدت الحروب الصليبية دوراً مهماً في قيام حركة تجارية واسعة النطاق بين الشرق والغرب، وخاصة بين سكان المدن الإيطالية كالبندقية وجنوة وفلورنسة والمرافئ الإسلامية الواقعة على الشواطئ الشرقية لحوض البحر المتوسط، وفي هذه الأثناء نشأت بين التجار عادات وتقاليد تعارفوا على احترامها والخضوع لأحكامها، ثم استتبع ذلك ظهور محاكم خاصة لطوائف التجار تسمى بالمحاكم القنصلية تؤلف برئاسة قنصل متخصص في معرفة القواعد التجارية يعاونه أحد الفقهاء واثنان من التجار. فوُجدت المحاكم القنصلية البرية للفصل في الخلافات التجارية البرية، والمحاكم القنصلية البحرية لتفصل في الخلافات التجارية البحرية.
ـ العصور الحديثة: تركت الأحداث السياسية والجغرافية والاقتصادية التي بدأت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أثراً كبيراً في تطور القانون التجاري، فَفَتح العثمانيين القسطنطينية واكتشاف القارتين الأمريكيتين وطريق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الهند كل ذلك أدى إلى انتقال مركز الثقل في النشاط التجاري من البلاد الواقعة على البحر المتوسط إلى البلدان المحاذية لشواطئ المحيط الأطلسي كإسبانيا والبرتغال وإنكلترا وفرنسا وهولندا. وأدّى التوسع الاستعماري الذي حدث في هذه الفترة إلى نشوء الرأسمالية [ر] فتكونت الشركات الرأسمالية الكبيرة كشركة الهند الشرقية والغربية التي أصبحت تتمتع بنفوذ مالي وسياسي كبير، الأمر الذي حدا بالمشرِّع إلى التدخل للحد من سيطرة هذه الشركات ووضع حد للفوضى الناشئة عن تعدد العادات في المدن المختلفة. وكان منطقياً أن تبدأ في دول أوربا حركة تقنين واسع، ولا غرابة في أن يكون الاهتمام الأكبر موجهاً إلى النشاط التجاري الذي يحتل الصدارة في الاقتصاد القومي لهذه الدول وبدأت حركة التقنين في فرنسا قبل غيرها من الدول حيث صدر قانون التجارة لديها في عام 1807 المعمول به إلى هذا اليوم مع تعديلات عدة أدخلت عليه. وفي بلادنا بقيت أحكام الشريعة الإسلامية مطبقة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية حين أصدر السلطان عبد الحميد قانون التجارة العثماني عام 1850 المقتبس من قانون التجارة الفرنسي، وطبقه على البلاد الخاضعة لامبراطوريته ومنها سورية ولبنان والعراق وغيرها، وبقيت أحكام هذا القانون معمولاً بها في سورية حتى صدور المرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 المتعلق بقانون التجارة الحالي.
مكانة القانون التجاري بين فروع القانون الأخرى
من التقسيمات التي جرى الفقه التقليدي على اتباعها هي تقسيم القانون بوجه عام إلى قسمين رئيسين: القانون العام والقانون الخاص[ر]. والقانون العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تتناول تنظيم العلاقات التي تدخل السلطة العامة طرفاً فيها. أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد القانونية التي تتولى تنظيم علاقة الفرد بغيره أو بالدولة حينما تتخلى بتعاملها معه عن صفة السيادة. ومن أهم فروع القانون الخاص: القانون المدني[ر] والقانون التجاري[ر] بشقيه البري والبحري، وحديثاً القانون الجوي[ر].
ذاتية القانون التجاري
إذا كان القانون التجاري يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تبحث في الأعمال التجارية والتجار، فهومن هذه الناحية أضيق نطاقاً من القانون المدني الذي يشمل جميع القواعد الحقوقية التي تتولى تنظيم علاقات الأشخاص فيما بينهم بغض النظر عن طبيعة المهن أو نوع المعاملات التي يقومون بها.
من هنا يتبادر السؤال فيما إذا كان هناك مبررات كافية لوجود قانونين أحدهما ينظم أعمال وعلاقات الأفراد المدنية، والثاني ينظم أعمالهم وعلاقاتهم التجارية. وفي الواقع فإن لكل من القانون المدني والقانون التجاري ميداناً خاصاً به لاختلاف طبيعة المعاملات المدنية عن طبيعة المعاملات التجارية في ناحيتين أساسيتين هما: تبسيط الإجراءات القانونية لإبرام هذه المعاملات أو تنفيذها بسرعة، وتيسير الائتمان اللذان يعدّان من قوام الأعمال التجارية.
فعامل السرعة الذي يقتضيه إتمام المعاملات التجارية يستلزم بالضرورة إيجاد قواعد قانونية خاصة تختلف عن تلك التي تطبق على المعاملات المدنية، والقانون التجاري مراعاة لمقتضيات التجارة المذكورة قد يسّر تحقيق هذا الهدف من سبل عدة أهمها مثلاً: حرية الإثبات في المواد التجارية، وتيسير تداول الحقوق الثابتة بالأسناد التجارية[ر].
أما السبب الثاني الذي يبرر استقلال القانون التجاري عن القانون المدني فهو أن التجارة لاتقوم إلا على الثقة والائتمان. فالتاجر لايمكنه الاستغناء عن الائتمان، إما مديناً أو دائناً. فهو مضطر غالباً إلى شراء بضائعه نسيئة، وهو مضطر من جهة أخرى في سبيل تصريف هذه البضاعة إلى أن يمنح بدوره آجالاً لمدينيه. فإذا لم تكن لدى هؤلاء التجار الثقة المتبادلة المؤيدة بالضمانات التي تكفل لهم استيفاء حقوقهم حين حلول أجل الدين لاِمتنع كل منهم من منح الائتمان للآخر. وأبرز الضمانات التي منحها القانون التجاري للدائن بهدف دعم الائتمان وتقويته تكمن في إخضاع التاجر لنظام الإفلاس[ر] الصارم في حال توقفه عن دفع ديونه التجارية، وكذلك قيام نظام التضامن بين المدينين بديون تجارية حيث يتمكن الدائن من ملاحقة أي مدين واستيفاء كامل الدين منه.
موضوعات القانون التجاري
صدر القانون التجاري السوري بالمرسوم التشريعي رقم 149 لعام 1949 ومازال ساري النفاذ حتى 2004. وقد جاء بـ (774) مادة موزعة على خمسة كتب:
الكتاب الأول يبحث في: التجارة بوجه عام والتجار والمؤسسات التجارية [ر. المتجر].
الكتاب الثاني يبحث في: الشركات التجارية[ر].
الكتاب الثالث يبحث في: العقود التجارية[ر].
الكتاب الرابع يبحث في: الأسناد التجارية[ر].
الكتاب الخامس يبحث في: الصلح الواقي والإفلاس[ر].
إلياس حداد