القَزْوِيْني (محمد بن عبد الرحمن ـ)
(666 ـ 739هـ/1267 ـ 1338م)
جلال الدين محمّد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي، ونسبته إلى قزوين ترجع إلى أن بعض أجداده سكنها، وهو رجل عربي المحتد، يعود إلى أبي دلف العجليّ قائد المأمون. ولد في الموصل، ولمّا شبَّ تفقّه على أبيه وعلماء بلده. ثم قدم دمشق، فكان ينوب عن أخيه إمام الدين قاضي القضاة فيها، ثم ولي خطابتها وذلك في الجامع الأموي الكبير، فلمع اسمه، وذاع صيته، وانتشرت شهرته حتّى طلبه السلطان الناصر محمّد بن قلاوون إلى القاهرة، فقدم عليه سنة أربع وعشرين وسبعمائة، فأعجب به السلطان، وولاه إلى جانب الخطابة في دمشق القضاء، ثمَّ قضاء مصر، وعاد بعدئذ إلى دمشق، وأصيب بالفالج، فمات فيها.
كان القزويني لطيف الذات حسن المحاضرة مفوَّهاً حسن الإيراد كريم النفس فصيحاً حلو العبارة سمحاً جواداً حليماً، جمّ الفضائل كثير التحمل لطيف السفارة… مليح الصورة موطأ الأكناف حادّ الذهن يراعي قواعد البحث تقيّاً ورعاً. وكان عالماً بارعاً متفنناً في علوم كثيرة، ويذكر مِنْ ترجم له أنه فقيه خطيب أصولي محدّث أديب عالم في العربيّة والمعاني والبيان، قال فيه ابن نباتة:
بَحْرُ فقهٍ وإنْ تَشَا فابنُ بحرٍ
في ضروبِ البيان والتَّبيينِ
وخطيبٌ يكفي الخطوبَ بلفظٍ
يستميلُ الصُّخورَ بالتَّليينِ
فهو على درجة عالية من الثقافة والمعرفة، وإلا ما استطاع أن يتولى التدريس والخطابة والقضاء كما ذكر، وكان له ثقافة أدبية واسعة في الشعر والنثر والبلاغة، وقد انعكست هذه الثقافة في كتبه وخطبه التي كان يلقيها في مساجد دمشق والقاهرة. وكان من أساتذته عزّ الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفاروتي المقرئ والخطيب (ت694هـ)، وشمس الدين محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي (ت 697هـ)، وعمر بن إلياس بن يونس المراغي أبو القاسم الصوفي كمال الدين الذي قدم دمشق سنة 729هـ. وكان من تلامذته عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيق النحوي المشهور (ت769 هـ)، وبهاء الدين أحمد بن علي السبكي (ت763هـ) الذي روى عنه التلخيص وشَرَحه.
وقد خلّف القزويني عدداً من المؤلفات، أشهرها «الشذر المرجاني في شعر الأرجانيّ» وهو اختصار لديوان الشاعر الأعجمي الأرجاني الذي كان القزويني معجباً به.
وكتاب «التلخيص» وهو تلخيص للقسم الثالث من كتاب «مفتاح العلوم» لأبي يعقوب السكّاكيّ (ت626هـ) والتلخيص كتاب ذاعت شهرته، وغطى به صاحبه كل من لخصوا المفتاح قبله وبعده، مثل بدر الدين بن مالك وعبد الرحمن الشيرازي. هذّب القزويني بهذا الكتاب ما وصفه السكّاكّي، وضمّ إليه نتفاً مما كتبه عبد القاهر الجرجاني في كتابيه «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة»، وأخرجه للناس كتاباً هشّت له نفوس القراء والمعلمين، وأصاب منها مواقع الماء من ذي الغلة الصادي. وتناول فيه المؤلف البلاغة العربية في فنونها من ذكر المقدمة في الفصاحة والبلاغة وما تحوي هذه المقدمة من حديث عن الصلة بينهما، وعن البليغ والذوق والثقافة وعيوب المفردات وتفاوت الكلام، وعن محور البلاغة القائم على وجوب مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ثم تحدث عن فنون البلاغة، فبدأ بعلم المعاني، وثنى بالبيان، وأنهى بالبديع.
ولم يقف القزويني من كتاب «مفتاح العلوم» موقف الملخِّص المختصِر، بل تصرف فيه وأضاف، واستبعد تعقيدات السكاكي وحشوه وتطويله، ووضَّح غامضه بالشرح والأمثلة، ورتّب مباحثه ترتيباً قريباً يجعلها أيسر تناولاً، وأضاف إليه فوائد وزوائد كما ذكر في المقدمة التي قال فيها: «لما كان علم البلاغة وتوابعها من أجلِّ العلوم قدراً وأدقها سراً إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها… وكان القسم الثالث من مفتاح العلوم الذي صنفه الفاضل أبو يعقوب السكاكي أعظم ما صنف فيه… ألفت مختصراً يتضمن ما فيه من القواعد…».
ولما كان لهذا الكتاب «التلخيص» الشهرة التي أشير إليها قبل قليل أقبل كثير من العلماء على شرحه واختصاره ونظمه شعراً. فمن الشرّاح السبكي في «عروس الأفراح» والتفتازاني في «المطول» والمغربي في «مواهب الفتاح». ومن المختصرين أبو يحيى الأنصاريّ في «أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني». وممن نظمه شعراً السيوطي في «عقود الجمان في علم المعاني والبيان»، وعبد الرحمن الأخضري في «الجوهر المكنون في الثلاثة فنون».
وكتابه الثالث هو «الإيضاح» شرحَ فيه التلخيص، وهو عمل جليل من حيث الترتيب والتقسيم وتنظيم البحوث والاستيعاب والاستقصاء والتحليل والجمع والأسلوب الأدبي وكثرة التطبيقات.
محمد هيثم غّرة
(666 ـ 739هـ/1267 ـ 1338م)
جلال الدين محمّد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي، ونسبته إلى قزوين ترجع إلى أن بعض أجداده سكنها، وهو رجل عربي المحتد، يعود إلى أبي دلف العجليّ قائد المأمون. ولد في الموصل، ولمّا شبَّ تفقّه على أبيه وعلماء بلده. ثم قدم دمشق، فكان ينوب عن أخيه إمام الدين قاضي القضاة فيها، ثم ولي خطابتها وذلك في الجامع الأموي الكبير، فلمع اسمه، وذاع صيته، وانتشرت شهرته حتّى طلبه السلطان الناصر محمّد بن قلاوون إلى القاهرة، فقدم عليه سنة أربع وعشرين وسبعمائة، فأعجب به السلطان، وولاه إلى جانب الخطابة في دمشق القضاء، ثمَّ قضاء مصر، وعاد بعدئذ إلى دمشق، وأصيب بالفالج، فمات فيها.
كان القزويني لطيف الذات حسن المحاضرة مفوَّهاً حسن الإيراد كريم النفس فصيحاً حلو العبارة سمحاً جواداً حليماً، جمّ الفضائل كثير التحمل لطيف السفارة… مليح الصورة موطأ الأكناف حادّ الذهن يراعي قواعد البحث تقيّاً ورعاً. وكان عالماً بارعاً متفنناً في علوم كثيرة، ويذكر مِنْ ترجم له أنه فقيه خطيب أصولي محدّث أديب عالم في العربيّة والمعاني والبيان، قال فيه ابن نباتة:
بَحْرُ فقهٍ وإنْ تَشَا فابنُ بحرٍ
في ضروبِ البيان والتَّبيينِ
وخطيبٌ يكفي الخطوبَ بلفظٍ
يستميلُ الصُّخورَ بالتَّليينِ
فهو على درجة عالية من الثقافة والمعرفة، وإلا ما استطاع أن يتولى التدريس والخطابة والقضاء كما ذكر، وكان له ثقافة أدبية واسعة في الشعر والنثر والبلاغة، وقد انعكست هذه الثقافة في كتبه وخطبه التي كان يلقيها في مساجد دمشق والقاهرة. وكان من أساتذته عزّ الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفاروتي المقرئ والخطيب (ت694هـ)، وشمس الدين محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي (ت 697هـ)، وعمر بن إلياس بن يونس المراغي أبو القاسم الصوفي كمال الدين الذي قدم دمشق سنة 729هـ. وكان من تلامذته عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيق النحوي المشهور (ت769 هـ)، وبهاء الدين أحمد بن علي السبكي (ت763هـ) الذي روى عنه التلخيص وشَرَحه.
وقد خلّف القزويني عدداً من المؤلفات، أشهرها «الشذر المرجاني في شعر الأرجانيّ» وهو اختصار لديوان الشاعر الأعجمي الأرجاني الذي كان القزويني معجباً به.
وكتاب «التلخيص» وهو تلخيص للقسم الثالث من كتاب «مفتاح العلوم» لأبي يعقوب السكّاكيّ (ت626هـ) والتلخيص كتاب ذاعت شهرته، وغطى به صاحبه كل من لخصوا المفتاح قبله وبعده، مثل بدر الدين بن مالك وعبد الرحمن الشيرازي. هذّب القزويني بهذا الكتاب ما وصفه السكّاكّي، وضمّ إليه نتفاً مما كتبه عبد القاهر الجرجاني في كتابيه «دلائل الإعجاز» و«أسرار البلاغة»، وأخرجه للناس كتاباً هشّت له نفوس القراء والمعلمين، وأصاب منها مواقع الماء من ذي الغلة الصادي. وتناول فيه المؤلف البلاغة العربية في فنونها من ذكر المقدمة في الفصاحة والبلاغة وما تحوي هذه المقدمة من حديث عن الصلة بينهما، وعن البليغ والذوق والثقافة وعيوب المفردات وتفاوت الكلام، وعن محور البلاغة القائم على وجوب مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ثم تحدث عن فنون البلاغة، فبدأ بعلم المعاني، وثنى بالبيان، وأنهى بالبديع.
ولم يقف القزويني من كتاب «مفتاح العلوم» موقف الملخِّص المختصِر، بل تصرف فيه وأضاف، واستبعد تعقيدات السكاكي وحشوه وتطويله، ووضَّح غامضه بالشرح والأمثلة، ورتّب مباحثه ترتيباً قريباً يجعلها أيسر تناولاً، وأضاف إليه فوائد وزوائد كما ذكر في المقدمة التي قال فيها: «لما كان علم البلاغة وتوابعها من أجلِّ العلوم قدراً وأدقها سراً إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها… وكان القسم الثالث من مفتاح العلوم الذي صنفه الفاضل أبو يعقوب السكاكي أعظم ما صنف فيه… ألفت مختصراً يتضمن ما فيه من القواعد…».
ولما كان لهذا الكتاب «التلخيص» الشهرة التي أشير إليها قبل قليل أقبل كثير من العلماء على شرحه واختصاره ونظمه شعراً. فمن الشرّاح السبكي في «عروس الأفراح» والتفتازاني في «المطول» والمغربي في «مواهب الفتاح». ومن المختصرين أبو يحيى الأنصاريّ في «أقصى الأماني في علم البيان والبديع والمعاني». وممن نظمه شعراً السيوطي في «عقود الجمان في علم المعاني والبيان»، وعبد الرحمن الأخضري في «الجوهر المكنون في الثلاثة فنون».
وكتابه الثالث هو «الإيضاح» شرحَ فيه التلخيص، وهو عمل جليل من حيث الترتيب والتقسيم وتنظيم البحوث والاستيعاب والاستقصاء والتحليل والجمع والأسلوب الأدبي وكثرة التطبيقات.
محمد هيثم غّرة