القلقشندي (أحمد بن علي ـ)
(756 ـ 821 هـ/1355 ـ 1418م)
شهاب الدين أبوالعباس، أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله بن سليمان ابن إسماعيل الفزاري القلقشندي الشافعي، الشهير بابن أبي غدة، الفقيه الأديب المصنف. عربي محض يرجع نسبه إلى فزارة بن ذبيان من غطفان، ولد في بلدة قلقشندة شمال القاهرة، ونشأ فيها فتلقى مبادئ العلوم وحفظ القرآن الكريم قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية للتحصيل، فسمع الحديث الشريف على شيوخها وتفقه بهم ودرس النحووالأدب على علمائها وأدبائها، فأجيز بالإفتاء ورواية الحديث الشريف.
اشتغل القلقشندي بالتدريس والتأليف ثلاث عشرة سنة، وتصدى للإفتاء وهوفي الحادية والعشرين من عمره، فأقبل عليه طلبة العلم يأخذون عنه الفقه وعلوم العربية ويسمعون منه الحديث الشريف وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمئة أسندت إليه الكتابة في ديوان الإنشاء في القاهرة، وظل يعمل في كتابة الإنشاء ويؤلف ويفيد الطلبة ويجيزهم ويباشر ديوان الأحباس وينوب في القضاء إلى أن توفي بالقاهرة.
كان القلقشندي ملماً بعلوم كثيرة، متقناً للفقه والحديث، بارعاً في علوم العربية، عارفاً بالفرائض وعلم الرياضة والطبيعة، متبحراً في التاريخ والجغرافياً أديباً كبيراً شاعراً ناثراً جامعاً لعدة الكتابة مجيداً لصناعتها، فاضلاً وقوراً متواضعاً صاحب مروءة وخير. ترك مؤلفات كثيرة مهمة أشهرها من الكتب «مآثر الإنافة في معالم الخلافة»، و«نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب»، و«سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب»، و«قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان»، و«صبح الأعشى في صناعة الإنشا»، و«ضوء الصبح المسفر وجنى الدوح المثمر» وهو مختصر لكتاب «صبح الأعشى» وكلها مطبوع.
وله شروح على كتب سابقة في الفقه وغيره، مثل كتاب «الغيوث الهوامع في شرح مختصرات الجوامع»، وهو شرح لجامع المختصرات في فروع الشافعية لكمال الدين النشائي، و«شرح كتاب الحاوي الصغير» في الفروع لنجم الدين القزويني، وكتاب «كنه المراد في شرح بانت سعاد»، وهو«شرح للامية كعب بن زهير» المشهورة، وله أيضاً رسائل ديوانية وإخوانية وأدبية وإجازات وتقاريظ كثيرة تبادلها مع علماء عصره وأدبائه، ونظم لبعض أصول الفقه و«مقامة الكواكب الدرية في المناقب البدرية» التي أنشأها في مدح بدر الدين بن فضل الله العمري رئيس ديوان الإنشاء في أيامه، وضمنها التعريف بكتابة الإنشاء وبيان أهميتها وشرحها بكتابه الموسوعي «صبح الأعشى».
ويعد كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» أهم كتبه على الإطلاق لغزارة مادته وتنوعها، تناول فيه صنعة الكتابة وفضلها، وصفات كاتب الإنشاء ومؤهلاته، وأدوات الكتابة وتاريخ ديوان الإنشاء في البلدان العربية، وفنون الكتابة وأساليبها، وأوضح في الكتاب الجوانب السياسية والإدارية في مصر وبلاد الشام والدول المجاورة لها، وأحوال إدارة الدولة وما يعرض لها وأورد أمثلة ضافية على هذا كله، وأثبت وثائق مهمة عن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإدارية والجغرافية في عصره فضلاً عن أهميته الأدبية، مستوعباً التراث العربي المتعلق بموضوع الكتاب وجميع الكتب والرسائل المؤلفة في هذا الباب، فجاء الكتاب موسوعة في فن الكتابة للدولة وفن الترسل وما يتعلق بهما، لذلك لاقى عناية فائقة من الدارسين فكثرت الدراسات التي تناولته، وترجمت بعض أجزائه إلى اللغات الأجنبية.
يتألف الكتاب من مقدمة طويلة وعشر مقالات، تحدث في المقدمة عن مدلول الكتابة وفضلها وبيان معنى الإنشاء وتفضيل النثر على الشعر وصفات كتّاب الإنشاء وآدابهم وحقيقة ديوان الإنشاء ومهامه وقوانينه. ثم تناول في المقالة الأولى من الكتاب ثقافة كاتب الإنشاء، وما يحتاجه من معارف وأدوات متصلة بصناعة الكتابة كالخط والنحو والبلاغة، وإلمام بعلوم الدين والتراث العربي ونظام الدول وألقاب أصحابها والعاملين فيها، وغير ذلك من العلوم المختلفة. وأوضح في المقالة الثانية المعارف التاريخية والجغرافية اللازمة لكتابة الإنشاء، فاستعرض المسالك والممالك وأورد معلومات جغرافية وتاريخية عن مصر منذ دخولها في الإسلام إلى أيامه، ثم بلاد الشام والدول التي لها علاقة بالدولة المملوكية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وشفع ذلك بمعلومات تاريخية عن الخلافة الإسلامية وأحوالها من أيام الخلفاء الراشدين إلى أيامه. وبين في المقالة الثالثة ثقافة الكاتب الديوانية؛ فعرض قوانين ديوان الإنشاء وأنواع المكاتبات الصادرة عنه، وكنى أصحاب السيوف والأقلام والأعمال والخلفاء والملوك وألقابهم، وتحدث عن الورق المستخدم في الكتابة وأنواعه وأدوات الكتابة وصنوف الخطوط وطرائق الكتابة. وأوضح في المقالة الرابعة أصول تحرير المكاتبات الصادرة عن ملوك مصر وغيرهم، ومصطلحات الكتابة الديوانية والكتابة الإخوانية. وخصص المقالة الخامسة للولايات ووظائف الدولة الكبرى، وأورد أمثلة كثيرة من البيعات والعهود والتقاليد والمراسيم والتفاويض والتواقيع. وجعل المقالة السادسة في أنواع مختلفة من الكتب الديوانية، كالوصايا والإطلاقات والمراسيم والإقطاعات والأيمان وعقود الصلح والأمانات والمهادنات، وأضاف إليها شيئاً من التقاليد والتقاريظ والإجازات والمفاخرات والرسائل والمقامات, وألحق بها حديثاً عن البريد وشؤون المواصلات والاتصالات بين مصر والبلدان الإسلامية. وأورد في المقالة السابعة كتب الإقطاع والقطائع، وقصر المقالة الثامنة على كتب الأيمان، والمقالة التاسعة على كتب الأمان والعقود، وعرض في المقالة العاشرة رسائل أدبية مختلفة، إخوانية وتأليفية.
ويختلف أسلوب القلقشندي بين إنشاء الرسائل وعرض مادة الكتاب، فحين يعرض مادة كتبه ويعقب ويشرح، يكون أسلوبه حراً متدفقاً خالياً من الصنعة البديعية، وحين ينشئ رسائل ديوانية أو أدبية يستخدم فنون البديع في كتابته، فيكثر من الطباق والتورية والمحسنات اللفظية والمعنوية، لكنه لا يكثر من التقطيع والموازنة، ويغير السجعة بين كل عبارتين. وقد طوع هذه الطريقة في الكتابة للوصول إلى مراده ولأداء مقاصده من غير ثقل أو استكراه على الرغم من استخدامه ثقافته في إنشائه، فيأخذ من التراث ما يعينه على بناء معانيه وصياغة عباراته، فقد كان عارفاً بأساليب الكتابة وفنونها، يضع كل أسلوب في موضعه.
محمود سالم محمد
(756 ـ 821 هـ/1355 ـ 1418م)
شهاب الدين أبوالعباس، أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله بن سليمان ابن إسماعيل الفزاري القلقشندي الشافعي، الشهير بابن أبي غدة، الفقيه الأديب المصنف. عربي محض يرجع نسبه إلى فزارة بن ذبيان من غطفان، ولد في بلدة قلقشندة شمال القاهرة، ونشأ فيها فتلقى مبادئ العلوم وحفظ القرآن الكريم قبل أن ينتقل إلى الإسكندرية للتحصيل، فسمع الحديث الشريف على شيوخها وتفقه بهم ودرس النحووالأدب على علمائها وأدبائها، فأجيز بالإفتاء ورواية الحديث الشريف.
اشتغل القلقشندي بالتدريس والتأليف ثلاث عشرة سنة، وتصدى للإفتاء وهوفي الحادية والعشرين من عمره، فأقبل عليه طلبة العلم يأخذون عنه الفقه وعلوم العربية ويسمعون منه الحديث الشريف وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمئة أسندت إليه الكتابة في ديوان الإنشاء في القاهرة، وظل يعمل في كتابة الإنشاء ويؤلف ويفيد الطلبة ويجيزهم ويباشر ديوان الأحباس وينوب في القضاء إلى أن توفي بالقاهرة.
كان القلقشندي ملماً بعلوم كثيرة، متقناً للفقه والحديث، بارعاً في علوم العربية، عارفاً بالفرائض وعلم الرياضة والطبيعة، متبحراً في التاريخ والجغرافياً أديباً كبيراً شاعراً ناثراً جامعاً لعدة الكتابة مجيداً لصناعتها، فاضلاً وقوراً متواضعاً صاحب مروءة وخير. ترك مؤلفات كثيرة مهمة أشهرها من الكتب «مآثر الإنافة في معالم الخلافة»، و«نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب»، و«سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب»، و«قلائد الجمان في التعريف بقبائل الزمان»، و«صبح الأعشى في صناعة الإنشا»، و«ضوء الصبح المسفر وجنى الدوح المثمر» وهو مختصر لكتاب «صبح الأعشى» وكلها مطبوع.
وله شروح على كتب سابقة في الفقه وغيره، مثل كتاب «الغيوث الهوامع في شرح مختصرات الجوامع»، وهو شرح لجامع المختصرات في فروع الشافعية لكمال الدين النشائي، و«شرح كتاب الحاوي الصغير» في الفروع لنجم الدين القزويني، وكتاب «كنه المراد في شرح بانت سعاد»، وهو«شرح للامية كعب بن زهير» المشهورة، وله أيضاً رسائل ديوانية وإخوانية وأدبية وإجازات وتقاريظ كثيرة تبادلها مع علماء عصره وأدبائه، ونظم لبعض أصول الفقه و«مقامة الكواكب الدرية في المناقب البدرية» التي أنشأها في مدح بدر الدين بن فضل الله العمري رئيس ديوان الإنشاء في أيامه، وضمنها التعريف بكتابة الإنشاء وبيان أهميتها وشرحها بكتابه الموسوعي «صبح الأعشى».
ويعد كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» أهم كتبه على الإطلاق لغزارة مادته وتنوعها، تناول فيه صنعة الكتابة وفضلها، وصفات كاتب الإنشاء ومؤهلاته، وأدوات الكتابة وتاريخ ديوان الإنشاء في البلدان العربية، وفنون الكتابة وأساليبها، وأوضح في الكتاب الجوانب السياسية والإدارية في مصر وبلاد الشام والدول المجاورة لها، وأحوال إدارة الدولة وما يعرض لها وأورد أمثلة ضافية على هذا كله، وأثبت وثائق مهمة عن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإدارية والجغرافية في عصره فضلاً عن أهميته الأدبية، مستوعباً التراث العربي المتعلق بموضوع الكتاب وجميع الكتب والرسائل المؤلفة في هذا الباب، فجاء الكتاب موسوعة في فن الكتابة للدولة وفن الترسل وما يتعلق بهما، لذلك لاقى عناية فائقة من الدارسين فكثرت الدراسات التي تناولته، وترجمت بعض أجزائه إلى اللغات الأجنبية.
يتألف الكتاب من مقدمة طويلة وعشر مقالات، تحدث في المقدمة عن مدلول الكتابة وفضلها وبيان معنى الإنشاء وتفضيل النثر على الشعر وصفات كتّاب الإنشاء وآدابهم وحقيقة ديوان الإنشاء ومهامه وقوانينه. ثم تناول في المقالة الأولى من الكتاب ثقافة كاتب الإنشاء، وما يحتاجه من معارف وأدوات متصلة بصناعة الكتابة كالخط والنحو والبلاغة، وإلمام بعلوم الدين والتراث العربي ونظام الدول وألقاب أصحابها والعاملين فيها، وغير ذلك من العلوم المختلفة. وأوضح في المقالة الثانية المعارف التاريخية والجغرافية اللازمة لكتابة الإنشاء، فاستعرض المسالك والممالك وأورد معلومات جغرافية وتاريخية عن مصر منذ دخولها في الإسلام إلى أيامه، ثم بلاد الشام والدول التي لها علاقة بالدولة المملوكية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وشفع ذلك بمعلومات تاريخية عن الخلافة الإسلامية وأحوالها من أيام الخلفاء الراشدين إلى أيامه. وبين في المقالة الثالثة ثقافة الكاتب الديوانية؛ فعرض قوانين ديوان الإنشاء وأنواع المكاتبات الصادرة عنه، وكنى أصحاب السيوف والأقلام والأعمال والخلفاء والملوك وألقابهم، وتحدث عن الورق المستخدم في الكتابة وأنواعه وأدوات الكتابة وصنوف الخطوط وطرائق الكتابة. وأوضح في المقالة الرابعة أصول تحرير المكاتبات الصادرة عن ملوك مصر وغيرهم، ومصطلحات الكتابة الديوانية والكتابة الإخوانية. وخصص المقالة الخامسة للولايات ووظائف الدولة الكبرى، وأورد أمثلة كثيرة من البيعات والعهود والتقاليد والمراسيم والتفاويض والتواقيع. وجعل المقالة السادسة في أنواع مختلفة من الكتب الديوانية، كالوصايا والإطلاقات والمراسيم والإقطاعات والأيمان وعقود الصلح والأمانات والمهادنات، وأضاف إليها شيئاً من التقاليد والتقاريظ والإجازات والمفاخرات والرسائل والمقامات, وألحق بها حديثاً عن البريد وشؤون المواصلات والاتصالات بين مصر والبلدان الإسلامية. وأورد في المقالة السابعة كتب الإقطاع والقطائع، وقصر المقالة الثامنة على كتب الأيمان، والمقالة التاسعة على كتب الأمان والعقود، وعرض في المقالة العاشرة رسائل أدبية مختلفة، إخوانية وتأليفية.
ويختلف أسلوب القلقشندي بين إنشاء الرسائل وعرض مادة الكتاب، فحين يعرض مادة كتبه ويعقب ويشرح، يكون أسلوبه حراً متدفقاً خالياً من الصنعة البديعية، وحين ينشئ رسائل ديوانية أو أدبية يستخدم فنون البديع في كتابته، فيكثر من الطباق والتورية والمحسنات اللفظية والمعنوية، لكنه لا يكثر من التقطيع والموازنة، ويغير السجعة بين كل عبارتين. وقد طوع هذه الطريقة في الكتابة للوصول إلى مراده ولأداء مقاصده من غير ثقل أو استكراه على الرغم من استخدامه ثقافته في إنشائه، فيأخذ من التراث ما يعينه على بناء معانيه وصياغة عباراته، فقد كان عارفاً بأساليب الكتابة وفنونها، يضع كل أسلوب في موضعه.
محمود سالم محمد