"باريس- الحداثة": من 1915 وحتى 1925
أسعد عرابي 2 يناير 2024
تشكيل
من المعرض: سيارة بيجو، 1913، رمز الحداثة الصناعية
شارك هذا المقال
حجم الخط
لا يمكن تجاوز أهمية المعرض الموسوعي- البانورامي الراهن (والمستمر حتى منتصف نيسان/ أبريل المقبل 2024م) في القصر الصغير بالحي المركزي في العاصمة الباريسية (وهي موضوعنا اليوم). تتعرض سينوغرافية العرض الهائلة لـ400 عمل فني تمثل أسباب ووجوه انبثاقة مفهوم الحداثة الثقافية (خاصة الفنية) والتقنية في العاصمة الشمولية، لا يزال الفنانون يقصدونها من كل حدب وصوب منذ ذلك التاريخ.
يمثل المعرض الحلقة الثالثة من مجموعة تظاهرات ثقافية حاشدة جرت سابقًا في نفس الموقع: "باريس الرومانسية 1815-1858م" ثم "باريس 1900 مدينة العروض الفنية"؛ وها نحن اليوم: "باريس الحداثة 1905 - 1925". وتم اختيار لوحة الإعلان للفنان روبير دولونيه البليغة "برج إيفل". تقع هذه المرحلة بين فترة العصر الجميل وسنوات الجنون الفني، رغم احتوائها على الفترة المظلمة من الحرب العالمية الأولى منذ بدايتها وحتى عام 1918 م حيث تمت عقود الصلح في باريس عام 1919 م.
يتجنب المعرض الفني الخوض في هذا الموضوع لأن الخلافات الاستعمارية وتنافساتها خارج حدود موضوعه المركزي. يقصد العاصمة الفرنسية الفنانون منذ ذلك التاريخ من كل أنحاء العالم (بعد أفول نجم ريادة إيطاليا واعتبار باريس البديل الحداثي المقدام والجريء)، تجمعت فيها أجرأ الاتجاهات فتأسست الدادائية والسوريالية والتعبيرية الفرنسية وخاصة تكعيبية بيكاسو، وبراك (الذي أصيب بجرح بليغ في رأسه أثناء الحرب فنسب بيكاسو ملصقاته إلى نفسه حتى تحرر من الخدمة العسكرية فأعاد إليه صاغرًا حقه في الاختراع والمبادرة). كما نعثر في المعرض على تجارب التكعيبي فرناند ليجيه الميكانيكية المتفائلة بالتقدم التقني (مثل مستقبلية إيطاليا). ناهيك عن "الوحشية" اللونية بمبادرة كل من هنري ماتيس وأندريه ديران وجاك فلامينك وجورج براك (تأسيس التيار عام 1905م في خضم صالون المرفوضين الذي أسسه نابليون الثالث).
نعثر أيضًا في المعرض على ممثل الفن البكر الشهير الجمركي هنري روسو الذي اكتشفه إدغار ديغا، واكب هذا الأخير نشاط موسيقى الباليه (فرقة دياغيليف الروسية)، وموسيقى إيغور سترافينسكي أكبر محدث في مشاهد الباليه خاصة عروض بتروشكا (كسارة البندق) و (تتويج الربيع)، كلف بابلو بيكاسو برسم ديكورات واحدة منها، لذلك سميت باريس "عاصمة العروض" في تلك الحقبة الديناميكية.
يعلَّق على "سيميز" العرض أيضًا أمثال ڤان دونجين وحاييم سوتين وأميديو موديلياني ومارين لورنسون كأنماط من التعبيرية اللونية أو الفرنسية بنموذجها "جورج روو" السابق.
دون أن ننسى سوريالية ماكس إرنست أو دادائية مارسيل دوشامب أو مستقبلية جينو سيفريني المتواجد في متاحف باريس أكثر من مدينتي ميلانو ونابولي.
لا يقتصر العرض في موضوع الحداثة على الفنون الأوروبية التشكيلية والموسيقى والرقص بل يتعداها إلى الفنون الأفريقية من الأقنعة خاصة التي استثمرها بابلو بيكاسو إلى الفرق الموسيقية الممهدة للجاز مثل إعلان حفلة بولين كولين في حي الشانزليزيه لوجود المسرح الشهير فيها والذي استقبل دياغيليف الروسي للباليه وسواه.
ثم عروض "الديزاينر" بكل أصنافها؛ مثل تصاميم الأزياء على غرار بول بواري وصولًا إلى عروض السيارات المزدهرة، خاصة الماركات الشائعة مثل "بيجو - موديل 1913" وعروض الطائرات والمطارات (مثل مطار بورجيه) الحديثة في تلك الفترة. وهذا ناهيك عن التأكيد على تحرير المرأة ومساواة مبدعاتهن بنظائرهم من الذكور، من أبلغ أمثلتهن سارة دولونوي، زوجة روبير دولونوي واستخدامها مادة الحياكة بأنواعها مع مادة اللوحة خاصة في عروضهما المشتركة الخارجية. كذلك شراكة ماري ماسيلييف في اللوحات التكعيبية. وتمجيد بيكاسو للأنثى الأفريقية والأوروبية في أقنعته المصورة السحرية.
أضف إلى ذلك فن التصميم الخاص بالحلي وسواها من الفنون الصناعية المتقدمة على نموذج ساعات "كارتييه" المعروضة.
ويترصع المعرض بلوحات لرواد الحداثة أُنجزت في تلك الفترة على مثال لوحة بابلو بيكاسو "بورتريه أولغا عام 1918 م" وسواها.
إنه معرض يبحث عن وجوه المبادرة الحداثية الباريسية في تلك الفترة التي تمنحها الشهرة العالمية الفنية خاصة.
أسعد عرابي 2 يناير 2024
تشكيل
من المعرض: سيارة بيجو، 1913، رمز الحداثة الصناعية
شارك هذا المقال
حجم الخط
لا يمكن تجاوز أهمية المعرض الموسوعي- البانورامي الراهن (والمستمر حتى منتصف نيسان/ أبريل المقبل 2024م) في القصر الصغير بالحي المركزي في العاصمة الباريسية (وهي موضوعنا اليوم). تتعرض سينوغرافية العرض الهائلة لـ400 عمل فني تمثل أسباب ووجوه انبثاقة مفهوم الحداثة الثقافية (خاصة الفنية) والتقنية في العاصمة الشمولية، لا يزال الفنانون يقصدونها من كل حدب وصوب منذ ذلك التاريخ.
يمثل المعرض الحلقة الثالثة من مجموعة تظاهرات ثقافية حاشدة جرت سابقًا في نفس الموقع: "باريس الرومانسية 1815-1858م" ثم "باريس 1900 مدينة العروض الفنية"؛ وها نحن اليوم: "باريس الحداثة 1905 - 1925". وتم اختيار لوحة الإعلان للفنان روبير دولونيه البليغة "برج إيفل". تقع هذه المرحلة بين فترة العصر الجميل وسنوات الجنون الفني، رغم احتوائها على الفترة المظلمة من الحرب العالمية الأولى منذ بدايتها وحتى عام 1918 م حيث تمت عقود الصلح في باريس عام 1919 م.
يتجنب المعرض الفني الخوض في هذا الموضوع لأن الخلافات الاستعمارية وتنافساتها خارج حدود موضوعه المركزي. يقصد العاصمة الفرنسية الفنانون منذ ذلك التاريخ من كل أنحاء العالم (بعد أفول نجم ريادة إيطاليا واعتبار باريس البديل الحداثي المقدام والجريء)، تجمعت فيها أجرأ الاتجاهات فتأسست الدادائية والسوريالية والتعبيرية الفرنسية وخاصة تكعيبية بيكاسو، وبراك (الذي أصيب بجرح بليغ في رأسه أثناء الحرب فنسب بيكاسو ملصقاته إلى نفسه حتى تحرر من الخدمة العسكرية فأعاد إليه صاغرًا حقه في الاختراع والمبادرة). كما نعثر في المعرض على تجارب التكعيبي فرناند ليجيه الميكانيكية المتفائلة بالتقدم التقني (مثل مستقبلية إيطاليا). ناهيك عن "الوحشية" اللونية بمبادرة كل من هنري ماتيس وأندريه ديران وجاك فلامينك وجورج براك (تأسيس التيار عام 1905م في خضم صالون المرفوضين الذي أسسه نابليون الثالث).
نعثر أيضًا في المعرض على ممثل الفن البكر الشهير الجمركي هنري روسو الذي اكتشفه إدغار ديغا، واكب هذا الأخير نشاط موسيقى الباليه (فرقة دياغيليف الروسية)، وموسيقى إيغور سترافينسكي أكبر محدث في مشاهد الباليه خاصة عروض بتروشكا (كسارة البندق) و (تتويج الربيع)، كلف بابلو بيكاسو برسم ديكورات واحدة منها، لذلك سميت باريس "عاصمة العروض" في تلك الحقبة الديناميكية.
يعلَّق على "سيميز" العرض أيضًا أمثال ڤان دونجين وحاييم سوتين وأميديو موديلياني ومارين لورنسون كأنماط من التعبيرية اللونية أو الفرنسية بنموذجها "جورج روو" السابق.
دون أن ننسى سوريالية ماكس إرنست أو دادائية مارسيل دوشامب أو مستقبلية جينو سيفريني المتواجد في متاحف باريس أكثر من مدينتي ميلانو ونابولي.
بول كيلان: إعلان عن حفلة موسيقية للزنوج (مسرح الشانزليزيه) 1925 / فيرناند ليجيه: رجل يحمل الغليون، 1920 |
ثم عروض "الديزاينر" بكل أصنافها؛ مثل تصاميم الأزياء على غرار بول بواري وصولًا إلى عروض السيارات المزدهرة، خاصة الماركات الشائعة مثل "بيجو - موديل 1913" وعروض الطائرات والمطارات (مثل مطار بورجيه) الحديثة في تلك الفترة. وهذا ناهيك عن التأكيد على تحرير المرأة ومساواة مبدعاتهن بنظائرهم من الذكور، من أبلغ أمثلتهن سارة دولونوي، زوجة روبير دولونوي واستخدامها مادة الحياكة بأنواعها مع مادة اللوحة خاصة في عروضهما المشتركة الخارجية. كذلك شراكة ماري ماسيلييف في اللوحات التكعيبية. وتمجيد بيكاسو للأنثى الأفريقية والأوروبية في أقنعته المصورة السحرية.
أضف إلى ذلك فن التصميم الخاص بالحلي وسواها من الفنون الصناعية المتقدمة على نموذج ساعات "كارتييه" المعروضة.
ويترصع المعرض بلوحات لرواد الحداثة أُنجزت في تلك الفترة على مثال لوحة بابلو بيكاسو "بورتريه أولغا عام 1918 م" وسواها.
إنه معرض يبحث عن وجوه المبادرة الحداثية الباريسية في تلك الفترة التي تمنحها الشهرة العالمية الفنية خاصة.