سماع تقليدي بمهرجان "بيت الزبير للموسيقى الصوفية" بسلطنة عُمان (الجزيرة)إيناس محروس بوبس
3/1/2024
تعلم اللغات.. لماذا يتقدم الاستماع على الكلام؟
عند الحديث عن أهمية السمع في تعلم اللغة وتأثيره في تقويم اللسان يواجهنا السؤال الأكثر شيوعا بين صفوف معلمي اللغة لغير الناطقين بها ومتعلميها، وهو سؤال يؤكد أهمية السمع في تعلم اللغة وتأثيره في تقويم اللسان؛ ومفاده: ما الذي يجعل الاستماع مقدما على الكلام؟
مما وصل إلينا على لسان قدماء العرب أنهم قالوا: "تعلم حسن الاستماع قبل أن تتعلم حسن الكلام، فإنك إلى أن تسمع وتعي أحوج منك إلى أن تتكلم"، إذ كيف يمكن للسان أن ينطق دون أن يكتنز مما يسمع ويقرأ؟ وقد أكد علماء اللسانيات أن عملية النطق لدى الأطفال تعتمد على المحاكاة ابتداء؛ أي محاكاتهم لذويهم ومحيطهم وتقليدهم لكل ما يسمعون بإصدار الأصوات وتناغمها وترتيبها رويدا رويدا لتصبح كلمات مفهومة ثم جملا ذات معنى وقصد.
ومما ألفنا سماعه حين كنا صغارا إذا ما انبرى لسان أحد الأطفال بالحديث دون توقف، وأراد الكبار إسكاته بلطف وتحبب؛ أن يسأل: "أتعلم لماذا خلق الله لنا أذنين اثنتين وفما واحدا؟"، فيتفكر الطفل مليا حتى يفاجئه الجواب بأن سبب ذلك هو أن حاجتنا للسمع ضعف حاجتنا للكلام!
وفي مجال تعلم اللغات وتعليمها يؤكد الباحثون والدارسون أهمية السماع عند اكتساب لغة جديدة، ويؤكدون في الوقت نفسه تفاوت المتعلمين فيما بينهم وفقا لقدراتهم على الاستماع والتقاط الأصوات المختلفة وتقليدها، ووفقا لقدراتهم المتفاوتة على الحفظ، ثم يقولون إن "السبب الرئيس والأساسي في الاختلاف بين متعلمي اللغة الأكثر نجاحا ومن هم دونهم، هو قدرتهم على استخدام الاستماع وسيلة لاكتساب اللغة".
ويساق الأمر نفسه نحو قدرة بعض الأشخاص على التقاط كلمات قصيدة شعرية أو أغنية ما وحفظها عند سماعها من المرة الأولى أو الثانية، مع القدرة على تقليد اللحن بحرفية عالية، في حين ينجح بعض الناس بتذكر الكلمات لكن يخفقون في اكتساب اللحن، أو العكس تماما، ومناط ذلك كله تفاوت البشر فيما بينهم من صفات ومواهب وقدرات، على أن من يمتلك هذه المقدرة على حسن الاستماع ودقة التقليد إلى جانب قوة الذاكرة، فقد حاز نصيب الأسد في مجال تعلم اللغات الجديدة.
كيف تتجلى أهمية الاستماع في تعلم اللغة العربية للناطقين بها أو بغيرها؟
إن الاستماع هو المفتاح الأول والمدخل الرئيس لتعلم أي لغة مهما كانت، وهو العتبة الأولى التي يجب أن يتخطاها المتعلم في رحلته نحو تعلم لغة ما وإتقانها، فالحروف أشكال ورموز ما لم تنطق، وينبغي أن تسمع من أهل اللغة أنفسهم حتى يتحقق النطق الصحيح لها، فالسماع هو تأشيرة الدخول نحو تعلم اللغات، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات اللغوية أن التقدم في مهارة الاستماع يؤدي بالضرورة إلى تقدم في مهارات اللغة الأخرى من قراءة ومحادثة وكتابة، لأنها تقوم على أساس التعرف والفهم والقدرة على التفاعل، والنقد، والاستخدام في مساقات الحياة المختلفة.
تعليق