العنصر الاجتماعي ، طبيعة الهيجان
٣ - العنصر الاجتماعي
لقد مضى قولنا في العنصر الذهني والعنصر الفيسيولوجي ، ونحن ذاكرون الآن عنصراً جديداً لا تتضمنه العناصر السابقة ، لأنها فردية ، وهذا العنصر الجديد اجتماعي .
رأينا في مبحث اللذات والآلام أن في الإنسان ميولاً أكسبه اياها الاجتماع . وأن تعليلها على الطريقة الاجتماعية أقرب متناولا ( ص - ۲۲۱ ) . وما قلناه في أوليات الأحوال الانفعالية . يمكن أن يتمال أيضاً في الهيجان والعاطفة . لأن الهيئة الاجتماعية هي الوسط الطبيعي الذي تنبجس فيه العواطف . دع أن الهيجان ينتقل من شخص إلى آخر بالعدوى ، ولا يشتد إلا إذا انتشر واشترك فيه لفيف من الناس .
وعلى ذلك فالهيئة الإجتماعية تؤثر في الهيجانات والعواطف . وهي إما أن ترغمنا على كبح جماح النفس وإخفاء انفصالها أو تبريره - لأن الإنسان قلما اعترف بما يشعر به من الخوف والغضب والبغض ، والحسد - وإما أن تدفعنا إلى اظهار ما نشعر به وفقاً للمواقف الاجتماعية التي نمر بها . وقد تؤثر الهيئة الاجتماعية أيضاً في ظواهر الهيجانات والعواطف ، وفي كيفية التعبير عنها . وعلى الرغم من أن الهيجان متعلق بالجسد ، فإن الهيئة الاجتماعية تنظم ظواهره تنظيماً مشتركا يفضي إلى جمعها في أنماط عامة وأجناس كلية .
قال ( دولاكروا ) : ( ان لبعض الحضارات لغة حقيقية للتعبير عن العواطف ، وهي مجموع الحركات والأفعال التي يجب على الشخص أن يقوم بها ، كما أن لبعض الأحوال رسوماً ورموزاً يضعها المنظمون ويصححونها . فعلى الانسان أن يظهر عواطفه للآخرين وفق صور معينة مقيدة . وعليه أن يظهرها لنفسه بالتعبير عنها للآخرين وفي سبيل الآخرين . فمظاهر الحزن واشارات الألم ليست أعمالاً فيسيولوجية أو نفسية فقط ، وانما هي في الوقت نفسه رسوم اجتماعية منظمة ، وألفاظ أو قواعد لغة مؤلفة ( ١ ) .
فالهيئة الاجتماعية تؤثر اذن في كيفية التعبير عن الهيجان . ولما كان هذا التعبير مكملا للهيجان ( بحسب النظرية الفيسيولوجية ) كان للهيئة الاجتماعية تأثير في العواطف . ومهما يكن من أمر ، فإن عواطفنا وإن كانت ذاتية ، إلا أنها لا بد من أن تكون ذات حلية اجتماعية .
مثال ذلك الخجل ، فهو أحسن مثال يدل على تأثير الهيئة الاجتماعية في الهيجان . وهو بالجملة شعور مناف يصحبه خوف ، وضعف إرادة ، وهبوط ، وانحطاط . وهو اجتماعي بالذات لأن الانسان لا يخجل إلا من الانسان . وله صور عديدة تختلف باختلاف الطبع ، ودرجة الثقافة ، والوسط الاجتماعي ، لأن الانسان لا يخجل في كل محل ، بل يخجل في بعض المواقف دون غيرها ؛ كمثل من يخجل من السيدات في حفلة ساهرة ولا يخجل منهن في ندوة علمية . وكمثل من يعجز عن الكلام بين رجلين ، ولكنه يخطب يجرأة في جمهور من الناس حق يخضر عود المنبر من تحته . فعلة الخجل اذن اجتماعية ؛ وهي الشعور بالنقصان .
٤ - النتيجة
ينتج مما تقدم أن الهيجانات والعواطف ظواهر نفسية مركبة من عناصر كثيرة ، لا يمكن اهمال بعضها دون الوقوع في الخطأ .
١ - لا يمكن اهمال العنصر الذهني : لأن الهيجانات والعواطف كثيراً ما تحدث عن التصورات وتداعي الافكار ( دوماس . الحزن والسرور ، ص - ٤١١ ) ، لذلك أخطــا أصحاب النظرية الفيسيولوجية في قولهم ان الهيجانات المرضية المتولدة من أسباب جسدية مطابقة للهيجانات المتولدة من سبب ذهني . فليس الغضب ( المجاني ، شبيهاً بغضب ( دون ديه ج ) عندما لطم على وجهه - ومع ذلك فمن الصعب أن تنحل الهيجانات والعواطف إلى علاقات بين التصورات لا غير . لأن قوى النفس الفاعلة هي النزعات لا التصورات والتصورات لا تؤثر في حدوث الهيجان ، إلا إذا ايقظت ما وراءها من النزعات الخفية ان التصورات هي الأزهار ، أما النزعات فهي النسخ الخفي الذي يغذي أوراق الشجر وينعش الأزهار .
٢ - ولا يمكننا كذلك أن ننكر النظرية الفيسيولوجية انكاراً تاماً . لأن الهيجانات والعواطف لا تقوم إلا على أساس جسدي . لقد زال الخلاف الذي قام بين المذهب الذهني والمذهب الفيسيولوجي ، وانقلب إلى خلاف بين النظرية التي ترجع الهيجان إلى تبدلات في النواحي السطحية المحيطة ، والنظرية الدماغية ( ۱ ) التي ترجع الهيجان إلى التبدلات المركزية . وقد بينا أن النظرية الاولى تبرز اثر العوامل السطحية في توليد الهيجان ، ولكنها تعجز عن ايضاح الهيجانات بهذه العوامل وحدها . ولذلك زعم بعض العلماء أن للهيجانات صلة بالدماغ ، وان لهذه الصلة علاقة بالتفريق بين الملائم والمنافي من الأحوال الانفعالية المركبة . ولعل للهيجان الحسي أيضاً صلة بالدماغ ، لأن العوامل السطحية والظواهر الخارجية تعجز عن إيضاحه .
٣ - ولا يمكن أخيراً إيضاح بعض الصور المتشخصة التي تتصف بها الهيجانات والعواطف إلا بالعوامل الاجتماعية . لأن التصورات التي تحدث بعض الهيجانات تصورات مشتركة كفكرة الواجب والشرف والمحبة وغير ذلك .
وقصارى القول أن هذه العناصر الثلاثة تشترك كلها في احداث الهيجان ، ولكن نسبة كل منها إلى الآخر تختلف باختلاف الأحوال ، فقد يكون العنصر الذهني في بعض الهيجانات أعظم تأثيراً من العنصر الجدي . والعكس بالعكس . وهذا يصدق على انقسام الهيجان إلى مصادم وحسي . فالعنصر الفيسيولوجي يغلب في الهيجان المصادم ، والعنصر الذهني والإجتماعي يغلبان في الهيجان الحسي . ولذلك كانت النظرية الفيسيولوجية صالحة اجمالاً لتعليل الهيجان المصادم ، لا لتعليل الهيجان الحسي الذي لا يمكن تعليله تعليلا كافيا إلا بالعنصر الذهني والاجتماعي .
٣ - العنصر الاجتماعي
لقد مضى قولنا في العنصر الذهني والعنصر الفيسيولوجي ، ونحن ذاكرون الآن عنصراً جديداً لا تتضمنه العناصر السابقة ، لأنها فردية ، وهذا العنصر الجديد اجتماعي .
رأينا في مبحث اللذات والآلام أن في الإنسان ميولاً أكسبه اياها الاجتماع . وأن تعليلها على الطريقة الاجتماعية أقرب متناولا ( ص - ۲۲۱ ) . وما قلناه في أوليات الأحوال الانفعالية . يمكن أن يتمال أيضاً في الهيجان والعاطفة . لأن الهيئة الاجتماعية هي الوسط الطبيعي الذي تنبجس فيه العواطف . دع أن الهيجان ينتقل من شخص إلى آخر بالعدوى ، ولا يشتد إلا إذا انتشر واشترك فيه لفيف من الناس .
وعلى ذلك فالهيئة الإجتماعية تؤثر في الهيجانات والعواطف . وهي إما أن ترغمنا على كبح جماح النفس وإخفاء انفصالها أو تبريره - لأن الإنسان قلما اعترف بما يشعر به من الخوف والغضب والبغض ، والحسد - وإما أن تدفعنا إلى اظهار ما نشعر به وفقاً للمواقف الاجتماعية التي نمر بها . وقد تؤثر الهيئة الاجتماعية أيضاً في ظواهر الهيجانات والعواطف ، وفي كيفية التعبير عنها . وعلى الرغم من أن الهيجان متعلق بالجسد ، فإن الهيئة الاجتماعية تنظم ظواهره تنظيماً مشتركا يفضي إلى جمعها في أنماط عامة وأجناس كلية .
قال ( دولاكروا ) : ( ان لبعض الحضارات لغة حقيقية للتعبير عن العواطف ، وهي مجموع الحركات والأفعال التي يجب على الشخص أن يقوم بها ، كما أن لبعض الأحوال رسوماً ورموزاً يضعها المنظمون ويصححونها . فعلى الانسان أن يظهر عواطفه للآخرين وفق صور معينة مقيدة . وعليه أن يظهرها لنفسه بالتعبير عنها للآخرين وفي سبيل الآخرين . فمظاهر الحزن واشارات الألم ليست أعمالاً فيسيولوجية أو نفسية فقط ، وانما هي في الوقت نفسه رسوم اجتماعية منظمة ، وألفاظ أو قواعد لغة مؤلفة ( ١ ) .
فالهيئة الاجتماعية تؤثر اذن في كيفية التعبير عن الهيجان . ولما كان هذا التعبير مكملا للهيجان ( بحسب النظرية الفيسيولوجية ) كان للهيئة الاجتماعية تأثير في العواطف . ومهما يكن من أمر ، فإن عواطفنا وإن كانت ذاتية ، إلا أنها لا بد من أن تكون ذات حلية اجتماعية .
مثال ذلك الخجل ، فهو أحسن مثال يدل على تأثير الهيئة الاجتماعية في الهيجان . وهو بالجملة شعور مناف يصحبه خوف ، وضعف إرادة ، وهبوط ، وانحطاط . وهو اجتماعي بالذات لأن الانسان لا يخجل إلا من الانسان . وله صور عديدة تختلف باختلاف الطبع ، ودرجة الثقافة ، والوسط الاجتماعي ، لأن الانسان لا يخجل في كل محل ، بل يخجل في بعض المواقف دون غيرها ؛ كمثل من يخجل من السيدات في حفلة ساهرة ولا يخجل منهن في ندوة علمية . وكمثل من يعجز عن الكلام بين رجلين ، ولكنه يخطب يجرأة في جمهور من الناس حق يخضر عود المنبر من تحته . فعلة الخجل اذن اجتماعية ؛ وهي الشعور بالنقصان .
٤ - النتيجة
ينتج مما تقدم أن الهيجانات والعواطف ظواهر نفسية مركبة من عناصر كثيرة ، لا يمكن اهمال بعضها دون الوقوع في الخطأ .
١ - لا يمكن اهمال العنصر الذهني : لأن الهيجانات والعواطف كثيراً ما تحدث عن التصورات وتداعي الافكار ( دوماس . الحزن والسرور ، ص - ٤١١ ) ، لذلك أخطــا أصحاب النظرية الفيسيولوجية في قولهم ان الهيجانات المرضية المتولدة من أسباب جسدية مطابقة للهيجانات المتولدة من سبب ذهني . فليس الغضب ( المجاني ، شبيهاً بغضب ( دون ديه ج ) عندما لطم على وجهه - ومع ذلك فمن الصعب أن تنحل الهيجانات والعواطف إلى علاقات بين التصورات لا غير . لأن قوى النفس الفاعلة هي النزعات لا التصورات والتصورات لا تؤثر في حدوث الهيجان ، إلا إذا ايقظت ما وراءها من النزعات الخفية ان التصورات هي الأزهار ، أما النزعات فهي النسخ الخفي الذي يغذي أوراق الشجر وينعش الأزهار .
٢ - ولا يمكننا كذلك أن ننكر النظرية الفيسيولوجية انكاراً تاماً . لأن الهيجانات والعواطف لا تقوم إلا على أساس جسدي . لقد زال الخلاف الذي قام بين المذهب الذهني والمذهب الفيسيولوجي ، وانقلب إلى خلاف بين النظرية التي ترجع الهيجان إلى تبدلات في النواحي السطحية المحيطة ، والنظرية الدماغية ( ۱ ) التي ترجع الهيجان إلى التبدلات المركزية . وقد بينا أن النظرية الاولى تبرز اثر العوامل السطحية في توليد الهيجان ، ولكنها تعجز عن ايضاح الهيجانات بهذه العوامل وحدها . ولذلك زعم بعض العلماء أن للهيجانات صلة بالدماغ ، وان لهذه الصلة علاقة بالتفريق بين الملائم والمنافي من الأحوال الانفعالية المركبة . ولعل للهيجان الحسي أيضاً صلة بالدماغ ، لأن العوامل السطحية والظواهر الخارجية تعجز عن إيضاحه .
٣ - ولا يمكن أخيراً إيضاح بعض الصور المتشخصة التي تتصف بها الهيجانات والعواطف إلا بالعوامل الاجتماعية . لأن التصورات التي تحدث بعض الهيجانات تصورات مشتركة كفكرة الواجب والشرف والمحبة وغير ذلك .
وقصارى القول أن هذه العناصر الثلاثة تشترك كلها في احداث الهيجان ، ولكن نسبة كل منها إلى الآخر تختلف باختلاف الأحوال ، فقد يكون العنصر الذهني في بعض الهيجانات أعظم تأثيراً من العنصر الجدي . والعكس بالعكس . وهذا يصدق على انقسام الهيجان إلى مصادم وحسي . فالعنصر الفيسيولوجي يغلب في الهيجان المصادم ، والعنصر الذهني والإجتماعي يغلبان في الهيجان الحسي . ولذلك كانت النظرية الفيسيولوجية صالحة اجمالاً لتعليل الهيجان المصادم ، لا لتعليل الهيجان الحسي الذي لا يمكن تعليله تعليلا كافيا إلا بالعنصر الذهني والاجتماعي .
تعليق