"كأس المحبة" يضع الصداقة وجها لوجه أمام الدهاء السياسي
اقتباس مرتبك لقصة "يوم صعب" للأديب محمد الأشعري.
التحول الجنسي فكرة محورية في الفيلم
يضع المخرج المغربي نوفل بيراوي في فيلمه الروائي الثاني الصداقة والحب أمام تحديات كبيرة، أهمها الدهاء السياسي والمصالح السياسية التي تكشف حقائق الشخصيات وتؤكد أن العلاقات الإنسانية تفشل أحيانا كثيرة في أن تكون حقيقية وتصمد أمام لعبة المصلحة والنفوذ.
الرباط - بعد تجربته الأولى المتمثلة في فيلم “يوم وليلة”، وبعد مجموعة من الأفلام السينمائية القصيرة، أصدر المخرج المغربي نوفل بيراوي منذ أسابيع قليلة فيلمه الروائي الطويل الثاني “كأس المحبة” الذي اقتبسه من قصة “يوم صعب” للأديب المغربي محمد الأشعري.
الفيلم كتب السيناريو الخاص به يوسف فاضل. ويضم طاقم الممثلين محمد خيي وثريا العلوي وعادل أبا تراب ومسعود بوحسين، بالإضافة إلى الممثل القدير إدريس كريمي، المعروف بلقب عمي إدريس.
في قلب فيلم “كأس المحبة” تُكشف أمامنا حكاية مثيرة ترصد قصة زوجين قررا السفر رفقة صديقهما المشترك في رحلة إلى شمال المغرب. يتخذ الثلاثة قرارا يقضي بقضاء بعض الوقت معًا، وخلال هذه الرحلة يأخذهم تدفق الذكريات في رحلة استكشاف إلى أعماق الماضي. ويتوقفون عند تجاربهم الشخصية التي مروا بها أثناء مشاركتهم في العمل السياسي.
وتتكشف أحداث الفيلم بأسلوب سلس، حيث يُظهر كيف دفع كل فرد من هؤلاء الأصدقاء ثمنًا باهظًا من أجل حريته في سنوات الرصاص (1960 – 1990). ويتميز العمل بمزيج فريد من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، حيث يسلط الضوء على التضحيات التي قدمها هؤلاء الثلاثة في سبيل مبادئهم.
أحداث بطيئة
"كأس المحبة" حكاية مثيرة ترصد قصة زوجين قررا السفر رفقة صديقهما في رحلة إلى شمال المغرب
تنطلق افتتاحية الفيلم بشكل مبهم ومشوش، كمحاولة جذب انتباه فاشلة في السرد الفيلمي الأول، وخاصة في المشهد الذي تجري أحداثه في السيارة القادمة من بعيد، والتي تمر بمنعطفات ومسارات مرهقة في جبالها، لتقود الشخصيات إلى قرية هادئة تقع على سواحل البحر.
وتبرز المشاهد اللاحقة تشابك الأحداث، خاصة في الحوارات الغامضة بين الشخصيات الرئيسية في العمل. واستغنى المخرج عن تقنية الفلاش باك في تصوير الماضي ومزجه بالحاضر ليكشف عن أسرار تلك المشاحنات التي تظهر للمشاهد دون أن يفهم سببها، وهذا من شأنه أن يسبب نوعا من الإحباط وخاصة في العشرين دقيقة الأولى.
وأبرزت الأحداث التالية أربعة أصدقاء من النشطاء السياسيين أو الكتاب المتمردين خلال فترة الصراعات السياسية في المغرب، دون أن يشير المخرج إلى تلك الأحداث بشكل تفصيلي. الغموض هنا قد يتسبب في ملل للمشاهدين، لأن الإيقاع الزمني للأحداث بطيء ويحمل في طياته ثغرات على مستوى تبادل الخطابات بين الشخصيات.
والتقطت معظم اللقطات من زوايا بعيدة في بعض الأحيان، مثل المشاهد التي تظهر الشخصيات في عمق البحر، وقريبة في أحيان أخرى، مثل المشاهد التي تحاول فيها الشخصيات التعبير عن آرائها، فتصوير الأحداث كان مركزًا في مكان واحد ولكن بزوايا تصوير مختلفة، حيث تنبثق مناورات الماضي والحسابات المعلقة بين زملاء الدراسة السابقين، الذين يواجهون بعضهم البعض بعد سنوات طويلة، فتُفْضَح أسرارهم وتوجهاتهم السياسية، ويتبين تناقض الأفكار والقيم بين دهاليز الماضي ومرارة الواقع، مما يسبب للمشاهدين بلبلة في وجهات نظرهم تجاه الصداقة والعمل وحب الوطن.
يوسف فاضل لم ينجح كثيرا في التعامل مع تحويل قصة “يوم صعب” إلى سيناريو سينمائي محبوك
وتظهر شخصية الشاعر رشيد الذي أدى دوره مسعود بوحسين بأسلوب غامض يجعل المشاهد يدور في متاهة صمته، والذي يستمر في إظهار نفسه كمؤمن بأفكاره ومدافع عنها، إذ إنه قضى 15 عامًا في السجن من أجلها. على النقيض من ذلك تظهر شخصية سعاد التي أدت دورها الممثلة ثريا العلوي، عشيقة رشيد السابقة، كشخصية مضطربة ومتناقضة تميل هنا وهناك، لكنْ لها مبدأ شاهدناه في رفضها لبيع الأرض التي ورثتها رغم وجودها أمام فرصة كبيرة للربح، خوفًا من تهجير الفقراء الذين بنوا منازلهم على هذه الأرض. لكنّ أداءها كان مصطنعًا، ومكياجها ظهر مبالغا فيه.
ويأتي المشهد الذي يبين شخصية نعيمة أو عبدالسلام (وهو رجل مثلي)، أدى دوره الممثل عادل أباثراب، بأدائه المذهل وبأسلوب حواره المتداخل، واللقطة التي تستغرق ثواني عند ظهوره، لها أصولها في حركة الكاميرا مع تحركاته، تشعل الأحداث وتشد المشاهدين، إذ بدأت تتوالى العقد مع فتح باب لكشف الأسرار المدفونة بسبب ظهوره كشخصية كانت تخوض نضالًا سابقًا ولكن تغيرت ظروفها، وتحولت إلى راقصة وعاشقة لشخص جاهل.
ويعتبر التحول الجنسي في شخصية عبدالسلام إلى نعيمة من الأفكار المحورية في الفيلم الذي يستمد مادته من نصوص قصصية تحمل في طياتها أيديولوجيات سياسية مقصودة، إذ ألهم السرد وكشف مجرى الأحداث، وخاصة الأهم منه الذي ارتكب فيه عبدالسلام جريمة قتل كانت متوقعة وهروبه من مطاردة الدرك (الشرطة) له. نرى أيضا رشيد يثور غضبًا نتيجة تراكم الانتكاسات ضد الدكتور أحمد الذي أدى دوره الممثل محمد خي الذي ارتكب خيانة في الوشاية المخزنية ضد زملائه، إذ تنكشف حقيقته فتتركه زوجته سعاد وتهرب.
أسلوب يتطور
اقتبس الفيلم من قصة “يوم صعب” للأديب المغربي محمد الأشعري، ومع ذلك يظهر أن يوسف فاضل لم ينجح كفاية في التعامل مع تحويل القصة إلى سيناريو سينمائي محبوك، حيث لا تبدو حبكته كثيرا لتقديم تجربة سينمائية مميزة. ويتألق المخرج في بعض الجوانب الفنية، لكنه يتخاذل في إيصال التفاصيل والأفكار العميقة التي تميز النص الأصلي، مما يضعف جوهر القصة.
وتستند بعض اللحظات إلى هفوات وتفاصيل غير منطقية، كما يظهر في وُجود شخصية رشيد خلال رحلة الزوجين دون تبرير مقنع، مما يثير الارتباك ويفقد الأحداث بعض المصداقية، كما أن المبالغة في مطاردة نعيمة ووصول الدرك بعد ركض طويل تظهر عدم اهتمام كاف بالواقعية، مما يؤثر سلبًا على تجسيد الأحداث.
فيلم “كأس المحبة” هو قصة فيها ثغرات على مستوى المداخلات الحوارية، بحبكة درامية مملة، لكنه محاولة سينمائية تستحق الإشادة إذ نلاحظ تغيرًا وتقدمًا كثيرًا في أسلوب تصوير المخرج نوفل بيراوي مقارنة مع أفلامه السابقة كفيلم “يوم وليلة”.
كان استخدام الصوت في “كأس المحبة” مقتصدا والمونتاج رفيع المستوى، إذ يعتمد على القطع المتبادل والمتكرر مع تكوينات بصرية جميلة، خاصة في اللقطات المصورة للطبيعة والبحر، والتي تكون أحيانًا مفصلة ومثيرة للمشاعر. وبسبب هذه العناصر نجح الفيلم من ناحية الإخراج، أما الاقتباس من القصة فقد كان يعاني ثغرات في تبادل الحوارات والإيقاع البطيء لمجرى الأحداث. هذه الثنائية إذا اجتمعت تسبب للمشاهد مللا وتمنعه من متابعة العمل السينمائي حتى آخره.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
اقتباس مرتبك لقصة "يوم صعب" للأديب محمد الأشعري.
التحول الجنسي فكرة محورية في الفيلم
يضع المخرج المغربي نوفل بيراوي في فيلمه الروائي الثاني الصداقة والحب أمام تحديات كبيرة، أهمها الدهاء السياسي والمصالح السياسية التي تكشف حقائق الشخصيات وتؤكد أن العلاقات الإنسانية تفشل أحيانا كثيرة في أن تكون حقيقية وتصمد أمام لعبة المصلحة والنفوذ.
الرباط - بعد تجربته الأولى المتمثلة في فيلم “يوم وليلة”، وبعد مجموعة من الأفلام السينمائية القصيرة، أصدر المخرج المغربي نوفل بيراوي منذ أسابيع قليلة فيلمه الروائي الطويل الثاني “كأس المحبة” الذي اقتبسه من قصة “يوم صعب” للأديب المغربي محمد الأشعري.
الفيلم كتب السيناريو الخاص به يوسف فاضل. ويضم طاقم الممثلين محمد خيي وثريا العلوي وعادل أبا تراب ومسعود بوحسين، بالإضافة إلى الممثل القدير إدريس كريمي، المعروف بلقب عمي إدريس.
في قلب فيلم “كأس المحبة” تُكشف أمامنا حكاية مثيرة ترصد قصة زوجين قررا السفر رفقة صديقهما المشترك في رحلة إلى شمال المغرب. يتخذ الثلاثة قرارا يقضي بقضاء بعض الوقت معًا، وخلال هذه الرحلة يأخذهم تدفق الذكريات في رحلة استكشاف إلى أعماق الماضي. ويتوقفون عند تجاربهم الشخصية التي مروا بها أثناء مشاركتهم في العمل السياسي.
وتتكشف أحداث الفيلم بأسلوب سلس، حيث يُظهر كيف دفع كل فرد من هؤلاء الأصدقاء ثمنًا باهظًا من أجل حريته في سنوات الرصاص (1960 – 1990). ويتميز العمل بمزيج فريد من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، حيث يسلط الضوء على التضحيات التي قدمها هؤلاء الثلاثة في سبيل مبادئهم.
أحداث بطيئة
"كأس المحبة" حكاية مثيرة ترصد قصة زوجين قررا السفر رفقة صديقهما في رحلة إلى شمال المغرب
تنطلق افتتاحية الفيلم بشكل مبهم ومشوش، كمحاولة جذب انتباه فاشلة في السرد الفيلمي الأول، وخاصة في المشهد الذي تجري أحداثه في السيارة القادمة من بعيد، والتي تمر بمنعطفات ومسارات مرهقة في جبالها، لتقود الشخصيات إلى قرية هادئة تقع على سواحل البحر.
وتبرز المشاهد اللاحقة تشابك الأحداث، خاصة في الحوارات الغامضة بين الشخصيات الرئيسية في العمل. واستغنى المخرج عن تقنية الفلاش باك في تصوير الماضي ومزجه بالحاضر ليكشف عن أسرار تلك المشاحنات التي تظهر للمشاهد دون أن يفهم سببها، وهذا من شأنه أن يسبب نوعا من الإحباط وخاصة في العشرين دقيقة الأولى.
وأبرزت الأحداث التالية أربعة أصدقاء من النشطاء السياسيين أو الكتاب المتمردين خلال فترة الصراعات السياسية في المغرب، دون أن يشير المخرج إلى تلك الأحداث بشكل تفصيلي. الغموض هنا قد يتسبب في ملل للمشاهدين، لأن الإيقاع الزمني للأحداث بطيء ويحمل في طياته ثغرات على مستوى تبادل الخطابات بين الشخصيات.
والتقطت معظم اللقطات من زوايا بعيدة في بعض الأحيان، مثل المشاهد التي تظهر الشخصيات في عمق البحر، وقريبة في أحيان أخرى، مثل المشاهد التي تحاول فيها الشخصيات التعبير عن آرائها، فتصوير الأحداث كان مركزًا في مكان واحد ولكن بزوايا تصوير مختلفة، حيث تنبثق مناورات الماضي والحسابات المعلقة بين زملاء الدراسة السابقين، الذين يواجهون بعضهم البعض بعد سنوات طويلة، فتُفْضَح أسرارهم وتوجهاتهم السياسية، ويتبين تناقض الأفكار والقيم بين دهاليز الماضي ومرارة الواقع، مما يسبب للمشاهدين بلبلة في وجهات نظرهم تجاه الصداقة والعمل وحب الوطن.
يوسف فاضل لم ينجح كثيرا في التعامل مع تحويل قصة “يوم صعب” إلى سيناريو سينمائي محبوك
وتظهر شخصية الشاعر رشيد الذي أدى دوره مسعود بوحسين بأسلوب غامض يجعل المشاهد يدور في متاهة صمته، والذي يستمر في إظهار نفسه كمؤمن بأفكاره ومدافع عنها، إذ إنه قضى 15 عامًا في السجن من أجلها. على النقيض من ذلك تظهر شخصية سعاد التي أدت دورها الممثلة ثريا العلوي، عشيقة رشيد السابقة، كشخصية مضطربة ومتناقضة تميل هنا وهناك، لكنْ لها مبدأ شاهدناه في رفضها لبيع الأرض التي ورثتها رغم وجودها أمام فرصة كبيرة للربح، خوفًا من تهجير الفقراء الذين بنوا منازلهم على هذه الأرض. لكنّ أداءها كان مصطنعًا، ومكياجها ظهر مبالغا فيه.
ويأتي المشهد الذي يبين شخصية نعيمة أو عبدالسلام (وهو رجل مثلي)، أدى دوره الممثل عادل أباثراب، بأدائه المذهل وبأسلوب حواره المتداخل، واللقطة التي تستغرق ثواني عند ظهوره، لها أصولها في حركة الكاميرا مع تحركاته، تشعل الأحداث وتشد المشاهدين، إذ بدأت تتوالى العقد مع فتح باب لكشف الأسرار المدفونة بسبب ظهوره كشخصية كانت تخوض نضالًا سابقًا ولكن تغيرت ظروفها، وتحولت إلى راقصة وعاشقة لشخص جاهل.
ويعتبر التحول الجنسي في شخصية عبدالسلام إلى نعيمة من الأفكار المحورية في الفيلم الذي يستمد مادته من نصوص قصصية تحمل في طياتها أيديولوجيات سياسية مقصودة، إذ ألهم السرد وكشف مجرى الأحداث، وخاصة الأهم منه الذي ارتكب فيه عبدالسلام جريمة قتل كانت متوقعة وهروبه من مطاردة الدرك (الشرطة) له. نرى أيضا رشيد يثور غضبًا نتيجة تراكم الانتكاسات ضد الدكتور أحمد الذي أدى دوره الممثل محمد خي الذي ارتكب خيانة في الوشاية المخزنية ضد زملائه، إذ تنكشف حقيقته فتتركه زوجته سعاد وتهرب.
أسلوب يتطور
اقتبس الفيلم من قصة “يوم صعب” للأديب المغربي محمد الأشعري، ومع ذلك يظهر أن يوسف فاضل لم ينجح كفاية في التعامل مع تحويل القصة إلى سيناريو سينمائي محبوك، حيث لا تبدو حبكته كثيرا لتقديم تجربة سينمائية مميزة. ويتألق المخرج في بعض الجوانب الفنية، لكنه يتخاذل في إيصال التفاصيل والأفكار العميقة التي تميز النص الأصلي، مما يضعف جوهر القصة.
وتستند بعض اللحظات إلى هفوات وتفاصيل غير منطقية، كما يظهر في وُجود شخصية رشيد خلال رحلة الزوجين دون تبرير مقنع، مما يثير الارتباك ويفقد الأحداث بعض المصداقية، كما أن المبالغة في مطاردة نعيمة ووصول الدرك بعد ركض طويل تظهر عدم اهتمام كاف بالواقعية، مما يؤثر سلبًا على تجسيد الأحداث.
فيلم “كأس المحبة” هو قصة فيها ثغرات على مستوى المداخلات الحوارية، بحبكة درامية مملة، لكنه محاولة سينمائية تستحق الإشادة إذ نلاحظ تغيرًا وتقدمًا كثيرًا في أسلوب تصوير المخرج نوفل بيراوي مقارنة مع أفلامه السابقة كفيلم “يوم وليلة”.
كان استخدام الصوت في “كأس المحبة” مقتصدا والمونتاج رفيع المستوى، إذ يعتمد على القطع المتبادل والمتكرر مع تكوينات بصرية جميلة، خاصة في اللقطات المصورة للطبيعة والبحر، والتي تكون أحيانًا مفصلة ومثيرة للمشاعر. وبسبب هذه العناصر نجح الفيلم من ناحية الإخراج، أما الاقتباس من القصة فقد كان يعاني ثغرات في تبادل الحوارات والإيقاع البطيء لمجرى الأحداث. هذه الثنائية إذا اجتمعت تسبب للمشاهد مللا وتمنعه من متابعة العمل السينمائي حتى آخره.
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي