مراجعة MAESTRO | فيلم متنكر في صورة سيرة ذاتية
23
فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»
في مهرجان فينيسيا السينمائي العام الماضي، دخلت كيت بلانشيت المنافسة على الجوائز بأدائها المتميز كقائدة فرقة موسيقية كارهة للبشر في فيلم «تار»، وحصدت جائزة أفضل ممثلة. هذا العام، يمكنها – بالمعنى الحرفي والمجازي – أن تمرر العصا إلى برادلي كوبر، الذي يبدع أثناء أدائه دور ليونارد برنشتاين في فيلم «مايسترو ـ Maestro».
بالفعل، تطلب الأمر شجاعة لإخراج فيلم عن ملحن وقائد فرقة موسيقية مشهور عالميًا، وكان من المقرر أن يقوم بإخراجه، في أوقات مختلفة، ستيفن سبيلبرج أو مارتن سكورسيزي، وكلاهما ظلا منتجين. لكن «مايسترو» يؤكد طموحات كوبر العالية بعد أول ظهور له كمخرج في فيلم «ولادة نجم».
بالإضافة إلى دور البطولة في هذا العمل عن قائد الأوركسترا والملحن الموهوب الأسطورة، يعد كوبر أيضًا مخرجًا ومنتجًا وكاتبًا مشاركًا مع جوش سينجر، في سيناريو تجنب قالب من المهد إلى اللحد، وتنكر للسيرة الذاتية مركزاً أكثر على الحب الشرس والزواج غير التقليدي في قلب إبداع «برنشتاين» على مدى أربعة عقود.
يبدأ الفيلم بمقدمة، تم تصويرها بالألوان، حيث يعزف برنشتاين المسن قطعة بيانو بائسة في منزله الريفي في كونيتيكت، ثم يخضع لمقابلة تلفزيونية يعترف فيها بمدى افتقاده “لها” – فيليسيا، زوجته الراحلة وتوأم الروح.
ينتقل الفيلم بعد ذلك إلى لقطة رائعة بالأبيض والأسود لما نعتقد، للحظة، أنه ستارة لمسرح الحفلة الموسيقية. اتضح أنها نافذة غرفة النوم في شقة بيرنشتاين العلوية. إنه يوم 14 نوفمبر 1943، وهو اليوم الذي تم فيه استدعاءه باعتباره مساعد قائد أوركسترا نيويورك الفيلهارموني البالغ من العمر 25 عامًا، للصعود على خشبة المسرح، دون بروفة، ليحل محل قائد الأوركسترا، برونو والتر الذي شعر بالمرض المفاجيء.
يشعل برنشتاين، في صورة ظلية، سيجارة (وهو لا يخلو من سيجارة أبدًا تقريبًا طوال الفيلم) ويعرب عن أسفه على حالة والتر. لكنه بعد ذلك أغلق الهاتف جانبًا، وقفز من السرير الذي يتقاسمه مع حبيبه ديفيد (ماثيو بومر)، وركض عبر الشقة مباشرة إلى قاعة كارنيجي. ينتقل الفيلم إلى ما بعد الحفل: برنشتاين، على خشبة المسرح، يضحك من الفرح، لأنه أصبح بين ليلة وضحاها نجماً.
يعود الفيلم بعد ذلك بالزمن إلى الأسود والأبيض، حيث يلتقي برنشتاين في إحدى الحفلات بفيليسيا، وتحدث جاذبية تربط بينهما.
يتم سرد قصة ليونارد من خلال عدسة المرأة التي وقفت إلى جانبه في السراء والضراء. في بعض الأحيان على حساب حياتها الخاصة. ولا يوجد مكان يتجلى فيه ذلك أكثر من اللقطة التي تقف فيها وهي تستحم مع شريحة من الضوء، تتضاءل أمام الظل الضخم الذي يلقيه جسد زوجها.
وكما قالت ليديا تار، إحدى تلميذات برنشتاين، ذات مرة: “الوقت هو المهم”. كانت فيليسيا حقًا هي المنبه البشري لليونارد، لمحاولة إبقائه في تركيز وإبداع فني طوال حياته المهنية المزدحمة، مع العديد من حالات التفاؤل والتشاؤم في حياتهما معًا.
يعتبر كل من كوبر وموليجان ممتازين في أدوارهما، كما أن الكيمياء بينهما تتوهج ببساطة. لكن الشيء الوحيد الذي يميز موليجان هو برودة مشاعرها تجاه برنشتاين في السنوات اللاحقة.
ولكن يبقي السؤال، هل استطاع كوبر أن يرقى إلى مستوى تأييد القوتين الإخراجيتين سكورسيزي وسبيلبرج؟، الحقيقة هي نعم ولا.
من الواضح أن كوبر استمر في تطوير وتحسين عينه الفنية. مثل لقطة علوية مذهلة من شقة برنشتاين إلى قاعة كارنيجي، أو مونتاج موسيقي أثناء بروفة On The Town التي تنبئ بمستقبل الزوجين. تم التقاط كل ذلك بدقة رائعة باللونين الأبيض والأسود من قبل المصور السينمائي ماثيو ليباتيك.
لكن مع أولئك الذين أزعجتهم عملية تكبير أنف برادلي، على الرغم من مباركة عائلة برنشتاين، قد يجدون صعوبة في تجاوز ذلك، كما أن هناك بعض المشاهدين سيشعرون أن كوبر أيضاَ، على الرغم من استخدامه لموسيقى برنشتاين المتنوعة في الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم، لا يوفر سياقًا مهنيًا كافيًا للتعرف حقًا على إنتاجه المذهل.
ومع ذلك، يبدع كوبر في تسليط الضوء على الأقواس الملتوية للزوج الذي يدرك حدود حياته الجنسية وعلاقاته المثلية والزوجة التي تدرك أنها قد وهبت حياتها لأسرته، حيث يتبدد بينهما الضحك مع مرور الوقت، ولا يبقى سوى الألم الصامت الذي يتم سرده ومع كل قفزة جديدة يرتدي كوبر وموليجان الإرهاق المتزايد للإخفاء على وجهيهما، ويعدان تنازليًا حتى اللحظة التي سينفجر فيها أحدهما أو كليهما.
الفيلم صادق بما فيه الكفاية ليُظهر أنه لا يوجد حل للتناقض الكامن في قلب زواجه من فيليسيا، والذي يبدأ بإخلاص، ثم يغازل الخيانة، ثم يستسلم لنوع من اليأس، ثم يعود إلى الإخلاص ويدور دائمًا حول الحب.
«المايسترو» لا يسعه إلا أن يهيمن عليه عظمة شغف برنشتاين، وعيوبه الهائلة، والحبل المشدود الذي سار به إلى العثور على معنى الجمال والرغبة في البقاء حرًا. ولكن الأهم، أن كوبر وموليجان يجعلان من الفيلم ثنائيًا لا يُنسى.
23
فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»
في مهرجان فينيسيا السينمائي العام الماضي، دخلت كيت بلانشيت المنافسة على الجوائز بأدائها المتميز كقائدة فرقة موسيقية كارهة للبشر في فيلم «تار»، وحصدت جائزة أفضل ممثلة. هذا العام، يمكنها – بالمعنى الحرفي والمجازي – أن تمرر العصا إلى برادلي كوبر، الذي يبدع أثناء أدائه دور ليونارد برنشتاين في فيلم «مايسترو ـ Maestro».
بالفعل، تطلب الأمر شجاعة لإخراج فيلم عن ملحن وقائد فرقة موسيقية مشهور عالميًا، وكان من المقرر أن يقوم بإخراجه، في أوقات مختلفة، ستيفن سبيلبرج أو مارتن سكورسيزي، وكلاهما ظلا منتجين. لكن «مايسترو» يؤكد طموحات كوبر العالية بعد أول ظهور له كمخرج في فيلم «ولادة نجم».
بالإضافة إلى دور البطولة في هذا العمل عن قائد الأوركسترا والملحن الموهوب الأسطورة، يعد كوبر أيضًا مخرجًا ومنتجًا وكاتبًا مشاركًا مع جوش سينجر، في سيناريو تجنب قالب من المهد إلى اللحد، وتنكر للسيرة الذاتية مركزاً أكثر على الحب الشرس والزواج غير التقليدي في قلب إبداع «برنشتاين» على مدى أربعة عقود.
يبدأ الفيلم بمقدمة، تم تصويرها بالألوان، حيث يعزف برنشتاين المسن قطعة بيانو بائسة في منزله الريفي في كونيتيكت، ثم يخضع لمقابلة تلفزيونية يعترف فيها بمدى افتقاده “لها” – فيليسيا، زوجته الراحلة وتوأم الروح.
ينتقل الفيلم بعد ذلك إلى لقطة رائعة بالأبيض والأسود لما نعتقد، للحظة، أنه ستارة لمسرح الحفلة الموسيقية. اتضح أنها نافذة غرفة النوم في شقة بيرنشتاين العلوية. إنه يوم 14 نوفمبر 1943، وهو اليوم الذي تم فيه استدعاءه باعتباره مساعد قائد أوركسترا نيويورك الفيلهارموني البالغ من العمر 25 عامًا، للصعود على خشبة المسرح، دون بروفة، ليحل محل قائد الأوركسترا، برونو والتر الذي شعر بالمرض المفاجيء.
يشعل برنشتاين، في صورة ظلية، سيجارة (وهو لا يخلو من سيجارة أبدًا تقريبًا طوال الفيلم) ويعرب عن أسفه على حالة والتر. لكنه بعد ذلك أغلق الهاتف جانبًا، وقفز من السرير الذي يتقاسمه مع حبيبه ديفيد (ماثيو بومر)، وركض عبر الشقة مباشرة إلى قاعة كارنيجي. ينتقل الفيلم إلى ما بعد الحفل: برنشتاين، على خشبة المسرح، يضحك من الفرح، لأنه أصبح بين ليلة وضحاها نجماً.
يعود الفيلم بعد ذلك بالزمن إلى الأسود والأبيض، حيث يلتقي برنشتاين في إحدى الحفلات بفيليسيا، وتحدث جاذبية تربط بينهما.
يتم سرد قصة ليونارد من خلال عدسة المرأة التي وقفت إلى جانبه في السراء والضراء. في بعض الأحيان على حساب حياتها الخاصة. ولا يوجد مكان يتجلى فيه ذلك أكثر من اللقطة التي تقف فيها وهي تستحم مع شريحة من الضوء، تتضاءل أمام الظل الضخم الذي يلقيه جسد زوجها.
وكما قالت ليديا تار، إحدى تلميذات برنشتاين، ذات مرة: “الوقت هو المهم”. كانت فيليسيا حقًا هي المنبه البشري لليونارد، لمحاولة إبقائه في تركيز وإبداع فني طوال حياته المهنية المزدحمة، مع العديد من حالات التفاؤل والتشاؤم في حياتهما معًا.
يعتبر كل من كوبر وموليجان ممتازين في أدوارهما، كما أن الكيمياء بينهما تتوهج ببساطة. لكن الشيء الوحيد الذي يميز موليجان هو برودة مشاعرها تجاه برنشتاين في السنوات اللاحقة.
ولكن يبقي السؤال، هل استطاع كوبر أن يرقى إلى مستوى تأييد القوتين الإخراجيتين سكورسيزي وسبيلبرج؟، الحقيقة هي نعم ولا.
من الواضح أن كوبر استمر في تطوير وتحسين عينه الفنية. مثل لقطة علوية مذهلة من شقة برنشتاين إلى قاعة كارنيجي، أو مونتاج موسيقي أثناء بروفة On The Town التي تنبئ بمستقبل الزوجين. تم التقاط كل ذلك بدقة رائعة باللونين الأبيض والأسود من قبل المصور السينمائي ماثيو ليباتيك.
لكن مع أولئك الذين أزعجتهم عملية تكبير أنف برادلي، على الرغم من مباركة عائلة برنشتاين، قد يجدون صعوبة في تجاوز ذلك، كما أن هناك بعض المشاهدين سيشعرون أن كوبر أيضاَ، على الرغم من استخدامه لموسيقى برنشتاين المتنوعة في الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم، لا يوفر سياقًا مهنيًا كافيًا للتعرف حقًا على إنتاجه المذهل.
ومع ذلك، يبدع كوبر في تسليط الضوء على الأقواس الملتوية للزوج الذي يدرك حدود حياته الجنسية وعلاقاته المثلية والزوجة التي تدرك أنها قد وهبت حياتها لأسرته، حيث يتبدد بينهما الضحك مع مرور الوقت، ولا يبقى سوى الألم الصامت الذي يتم سرده ومع كل قفزة جديدة يرتدي كوبر وموليجان الإرهاق المتزايد للإخفاء على وجهيهما، ويعدان تنازليًا حتى اللحظة التي سينفجر فيها أحدهما أو كليهما.
الفيلم صادق بما فيه الكفاية ليُظهر أنه لا يوجد حل للتناقض الكامن في قلب زواجه من فيليسيا، والذي يبدأ بإخلاص، ثم يغازل الخيانة، ثم يستسلم لنوع من اليأس، ثم يعود إلى الإخلاص ويدور دائمًا حول الحب.
«المايسترو» لا يسعه إلا أن يهيمن عليه عظمة شغف برنشتاين، وعيوبه الهائلة، والحبل المشدود الذي سار به إلى العثور على معنى الجمال والرغبة في البقاء حرًا. ولكن الأهم، أن كوبر وموليجان يجعلان من الفيلم ثنائيًا لا يُنسى.