العنصر الفيسيولوجي ، طبيعة الهيجان
۲ - العنصر الفيسيولوجي
ما زال الفيسيولوجيون يبينون خطورة العوامل الفيسيولوجية ، حتى جعلوها أساس الهيجان ، وعلته الأولى . ولنذكر الآن بعض هذه العوامل .
آ - ظواهر التعبير عن الهيجان
تقسم ظواهر التعبير عن الهيجان إلى قسمين : ( ۱ ) الظواهر المبعثرة ، ( ۲ ) الظواهر المنظمة .
١ . الظواهر المبعثرة : - بعض هذه الظواهر ينتشر في الجسد على غير نظام ظاهر كتبدلات التنفس ، والدورة الدموية ، والأعصاب ، والافراز ، والإرتجاف ، والضحك العصبي . وهي مقارنة لكل تهيج خفيفاً كان أو شديداً . فقد يبكي الإنسان من الحزن ، كما يبكي من السرور ، وقد يرتجف من الخوف كما يرتجف من الغضب .
( شکل - ۲۰ ) ( نقلا عن غليوم )
( Sphygmographe )
السفيغموغراف ، وهو يسجل ضربات الشرايين كما يسجل الكارديوغراف دقات القلب .
وذلك أن الساق T تضغط الشريان ، فتنقل ضرباته إلى القراب A .
شکل ( ۲۱ )
( Plethysmographe )
البلتيسموغراف ، و هو يسجل تغيرات حجم الأعضاء . تدخل اليدمن فوهة 0 وتقبض على مقبض P ، فإذا تغير حجم الساعد تغير استواء السائل في الأنبوب T
شکل ( ۲۲ )
( Pneumographe )
حجم البنو موغراف ، وهو يسجل تغيرات الصدر خلال التنفس . تعلق هذه الآلة بالعنق ، ويوضع الزناري على الصدر فإذا اتسع الصدر تمدد المطاط R وانتقل انبساطه إلى محل التسجيل A
شکل ( ۲۳ )
( ١ ) التنفس في حالة الخوف ،
( ۲ ) التنفس في حالة الغضب ( نقلا . عن دوماس )
وليست علاقة هذه التبدلات بالهيجان كعلاقة الوسيلة بالغاية ، لأنها كثيراً ما تكون على خلاف ما تقتضيه الغاية . فالخوف يقتضي الحرب ، إلا أن الجبان كثيراً ما يخور عوده ، وتصطك ركبتاه ، فيسقط إلى الأرض من شدة الرعب .
( شكل - ٢٤ الرعب )
وقد وضع ( سبنسر ) قانوناً لانتشار التفريغ العصبي ، قال فيه أن كل هيجان مصحوب بتفريغ عصبي ينتشر في الجسد كله متبعا خطوط المقاومة الضعيفة . فالصدمة العصبية تنتشر قبل كل شيء في عضلات الوجه ، والصوت ، والأطراف ، لأن هذه العضلات صغيرة الحجم ، قليلة المقاومة ، سهلة الحركة والحيوان يحرك أولاً ذنبه ، وأذنيه ، وقوادمه ، لأنها أخف من غيرها . ولكن العلماء يقولون أن التهيج ، وإن بعث على ترخيص الجسد للقدرة المحبوسة وإنتشارها ، إلا أن هذه القدرة تتبع في تبددها قنوات مختلفة ، فلا يمكن ضبط مجاريها على الوجه الذي ذكره ) سبنسر ) ، لأن هنالك في العضلات ، والدورة الدموية ، والتنفس ، والأعصاب تبدلات خاصة لا ينطبق مبدأ ( سبنسر ) عليها .
٢ - الظواهر المنظمة . - كل ظاهرة من الظواهر المنظمة وسيلة لغاية ، فكأنها اشارات طبيعية يعبر بها الحيوان عن الحاجة التي يشعر بها . ونريد الآن أن نجمل الكلام في قوانين هذه الظواهر .
آ - قانون البدء بالعمل . - الإشارات الظاهرة حركات ابتدائية غايتها تحقيق بعض الأعمال . فكل حركة بدء عمل ، حق لقد ظن ( دوشن دو بولوني Duchenne de Boulogne ) أن لكل هيجان عضلة خاصة به ، فعضلة الجبهة للأنتباه ، وعضلة الحاجبين للتهديد ، ومدار الشفتين للاشمئزاز . ) و دوشن دوبولوني ) ( ١٨٠٦ – ١٨٧٥ ) أول الأطباء الفرنسيين الذين درسوا ظواهر التعبير عن الهيجان بالتأثير في أعصاب الوجه تأثيراً كهربائياً ،
إلا أن النتائج التي توصل إليها بسيطة جداً ، وهي لا تنطبق على الواقع تماماً . أضف إلى ذلك أن ( دوشن دوبولوني ( نفسه يعترف بأن حدوث بعض الهيجانات يقتضي إشتراك عدة عضلات معاً .
وقد أثبت ( جورج دوماس ) ( ١ ) بالطريقة التي اتبعها ( دوشن دوبولوني ) أن العضلات تؤلف جملاً مختلفة ، فاذا حركت عضلة منها تحركت عضلات الجملة كلها . مثال ذلك : إن عضلات الضحك تؤلف جملة واحدة مباينة لغيرها ، فاذا تحرك العصب الوجهي تحركت على أثره عضلات الجملة كلها .
دع أن التبدلات الفيسيولوجية لا تنحصر في الظواهر الوجهية ، ولذلك قال ( شارل بل ) ( ٢ ) . إن هذه الظواهر حركات من شأنها الإبتداء بالعمل المناسب للهيجان الذي يراد التعبير عنه . قال : ( شارل بل ) :
إن الحركة التي نعبر بها عن الهيجان هي بداية عمل ، لا بل هي بداية العمل الضروري لإدامة الهيجان أو إزالته بحسب ملاءمته أو منافاته للنفس ، لأن اعضاء الجسد الصالحة للتعبير والإشارة تصلح قبل كل شيء لبعض الوظائف والأعمال .
( شكل - ٢٥ )
ظاهرة التحدي
فالحيوانات اللاحمة مثلا تعبر عن غضبها بتقليص ، شفاهها ، والتكشير عن أنيابها ، فتستعد بهذه الحركة لفعل العض » .
مثال ذلك الكلب الذي يترقب فريسته ، فهو يرصدها ويتهيأ في الوقت نفسه الموثوب عليها ، وكمثل من يغضب فتبدو عليه علائم الهجوم على عدوه ، وكمثل من يخاف فيتهيأ بحركاته للهرب .
ب - قانون الجمع بين العادات النافعة : - هذا القانون هو قانون داروين ، ويعتبر مكملا لقانون ( شارل بل قال داروين ( ١ ) : ( إن الحركات الصالحة لانجاز رغبة ، أو لتسكين احساس مناف تصبح بالتكرار عادة ، فإذا ظهرت تلك الرغبة أو ذلك الاحساس ، مهما يكن .. . لقد كانت هذه ضعيفاً ، تبعته تلك الحركات على الرغم من أنها لم تعد صالحة لشيء . الحركات ضرورية لانجاز الرغائب ، فزال الآن نفعها ، ولكن قوة العادة والتداعي لا تنفك تبعث على حدوثها ، لأنها لا تزال مقارنة لها . مثال ذلك ان الإنسان يقبض جمع يده ، و يضيق عليها في أثناء الغضب ، كأنه يتهيأ للهجوم على عدوه ، ومع أن العدو قد يكون بعيداً ، فإن الهائج يحرق الارم ، ويرفع يديه متوعداً ، كأنه يريد أن يضرب ويفتك ، لأن مراجل العداوة تغلي في قلبه ، فتبعثه على اظهار هذه الحركات التي تطفىء نار غضبه ، وسبب ذلك أن الإنسان القديم كان لا يغضب إلا إذا حمل نفسه على الخطر ، وركب الهول ، وتورط في منازلة عدوه ، ومكافحته ، فكانت اذن بوادر غضبه أول ما يشرع به من أفعال الكفاح . وهناك أمثلة كثيرة تؤيد ذلك :
كانه يريد الكلب ينظر إلى قطعة اللحم التي بيد صاحبه نظر متحمس ، فيحول أذنيه إلى الإمام أن يسمع صوتها . والسبب في ذلك أنه تعود أن لا ينتبه إلا إذا حرك اذنيه إلى الامام ، وأحاط بجميع الأصوات التي أمامه والغضب لا يبدو على الحيوان إلا عند توتر العضلات ، وصرير الأسنان وبروز المخالب ، وانتفاخ المنخرين ، وهي شبيهة بالحركات الضرورية لتمزيق الفريسة .
ويمكن على هذه الصورة أيضاً تعليل اشارات الرضا والسخط ، فإذا أراد الإنسان أن يظهر سخطه على أمر عرض عليه لفت رأسه عنه ، كمن لا يريد رؤيته ، وإذا رضي به أطرق رأسه ، وفتح عينيه كأنه بری ذلك جيداً . وإذا أراد أن يتذكر شيئأرفع حاجبيه .
كمن يرى الشيء الذي يبحث عنه ، فيتبع ذكرياته بعينيه . وإذا أراد أظهار الإشمئزاز حرك شفتيه كمن يريد أن يتقياً . وأدق طريقة للتعبير عن احتقارك أن تعرض عن الشخص بوجهك وعينيك مطبقاً جفنيك ، كأن الشخص الذي تحتقره لا أن يقع ناظرك عليه ( ١ ) يستحق وكثيراً ما يظهر الإنسان عند آلة الهاتف جميع الحركات التي يظهرها أمام المخاطب ، كأن محدثه قريب منه ، يرى حركاته ، ويدقق فيها .
لقد كانت هذه الحركات نافعة اذن لاظهار بعض الأحوال النفسية . ومع لم يبق لها الآن ضرورة فإن الجسد قد احتفظ بها عملا بمبدأ الجمع بين أنه العادات النافعة .
، الا أنه إن هذا القانون صحيح لا ينطبق على جميع الظواهر التي ذكرها ) داروین ) . مثال ذلك : البكاء ، فقد زعم ( داروين ) أن الإنسان الأول كان إذا آلمه شيء يصرخ مستغيثاً ، فيفتح فاه ، وتتقلص عضلات عينيه ، فتضغط الغدد الدمعية ، ومعنى ذلك أن الإنسان الأول كان لا يبكي إلا إذا صرخ ، أما اليوم فصرنا نبكي من غير أن نرفع أصواتنا ، لأن العادة جمعت بين الألم وتأثر الغدد الدمعية ، وهذا التعليل ليس شافياً ، لأننا كثيراً ما نبكي من الفرح ، كما نبكي من الألم ، وكثيراً ما يصرخ الطفل ولا تنهمر دموعه .
شکل ( ٢٦ )
تحليل امارات الوجه - نقلا عن ( فرابا ) A - الحيرة B . - السرور C . - الحزن D . - الاعجاب E . - الغضب F . - الذعر
ج - مبدأ المماثلة المماثلة : - يضاف إلى مبدأ ( داروين ) هذا قانون آخر وهو قانون الماثلة الذي وضعه ( وندت ) وسماه : ( مبدأ الجمع بين الاحساسات المتماثله ( ۱ ) ( - Principe de las sociation des sensations analogues ) . مثال ذلك : إن الحالات المتماثلة تتألف و تجتمع ، فإذا كانت الظاهرة الفيسيولوجية نافعة للتعبير عن إحداها ، انتقلت إلى الأحوال الأخرى المماثلة لها ( ۲ ) ، وصار الانسان يعبر عنها كلها بظاهرة واحدة . وهذا ينطبق بخاصة على الأحوال المعنوية ، فالإنسان يعبر عنها بما يقابلها من ظواهر الإحساسات الجسمانية المماثلة لها ، ومعنى ذلك اننا كلما شعرنا بعاطفة عبرنا عنها بظاهرة فيسيولوجية مناسبة .
كمثل من يستعذب الجمال فتبدو على شفتيه ظواهر من يتلذذ بطعم الحلو ، وكمن يستفظع أمراً فيظهر عاطفته بإشارات تشبه حركات من ذاق شيئاً مراً . فظاهرة الاحتقار عين ظاهرة الاستقذار ، أو الاشمئزاز ، أو التقزز . ولولا تماثل هذه الحالات لما اتحدت في هذه الظاهرة .
وقصارى القول أن لظواهر الهيجان المنظمة ثلاثة قوانين : أولها قانون البدء بالعمل وثانيها قانون الجمع بين العادات النافعة ، وثالثها قانون المماثلة . وكل هيجان كما رأيت لا يخلو من الظواهر الفيسيولوجية ، فإن وجدت وجد ، وان ارتفعت ارتفع . لذلك زعم الفيسيولوجيون انها علته الحقيقية ، وسببه الكافي ، ولنتكلم الآن على نظريتهم .
۲ - العنصر الفيسيولوجي
ما زال الفيسيولوجيون يبينون خطورة العوامل الفيسيولوجية ، حتى جعلوها أساس الهيجان ، وعلته الأولى . ولنذكر الآن بعض هذه العوامل .
آ - ظواهر التعبير عن الهيجان
تقسم ظواهر التعبير عن الهيجان إلى قسمين : ( ۱ ) الظواهر المبعثرة ، ( ۲ ) الظواهر المنظمة .
١ . الظواهر المبعثرة : - بعض هذه الظواهر ينتشر في الجسد على غير نظام ظاهر كتبدلات التنفس ، والدورة الدموية ، والأعصاب ، والافراز ، والإرتجاف ، والضحك العصبي . وهي مقارنة لكل تهيج خفيفاً كان أو شديداً . فقد يبكي الإنسان من الحزن ، كما يبكي من السرور ، وقد يرتجف من الخوف كما يرتجف من الغضب .
( شکل - ۲۰ ) ( نقلا عن غليوم )
( Sphygmographe )
السفيغموغراف ، وهو يسجل ضربات الشرايين كما يسجل الكارديوغراف دقات القلب .
وذلك أن الساق T تضغط الشريان ، فتنقل ضرباته إلى القراب A .
شکل ( ۲۱ )
( Plethysmographe )
البلتيسموغراف ، و هو يسجل تغيرات حجم الأعضاء . تدخل اليدمن فوهة 0 وتقبض على مقبض P ، فإذا تغير حجم الساعد تغير استواء السائل في الأنبوب T
شکل ( ۲۲ )
( Pneumographe )
حجم البنو موغراف ، وهو يسجل تغيرات الصدر خلال التنفس . تعلق هذه الآلة بالعنق ، ويوضع الزناري على الصدر فإذا اتسع الصدر تمدد المطاط R وانتقل انبساطه إلى محل التسجيل A
شکل ( ۲۳ )
( ١ ) التنفس في حالة الخوف ،
( ۲ ) التنفس في حالة الغضب ( نقلا . عن دوماس )
وليست علاقة هذه التبدلات بالهيجان كعلاقة الوسيلة بالغاية ، لأنها كثيراً ما تكون على خلاف ما تقتضيه الغاية . فالخوف يقتضي الحرب ، إلا أن الجبان كثيراً ما يخور عوده ، وتصطك ركبتاه ، فيسقط إلى الأرض من شدة الرعب .
( شكل - ٢٤ الرعب )
وقد وضع ( سبنسر ) قانوناً لانتشار التفريغ العصبي ، قال فيه أن كل هيجان مصحوب بتفريغ عصبي ينتشر في الجسد كله متبعا خطوط المقاومة الضعيفة . فالصدمة العصبية تنتشر قبل كل شيء في عضلات الوجه ، والصوت ، والأطراف ، لأن هذه العضلات صغيرة الحجم ، قليلة المقاومة ، سهلة الحركة والحيوان يحرك أولاً ذنبه ، وأذنيه ، وقوادمه ، لأنها أخف من غيرها . ولكن العلماء يقولون أن التهيج ، وإن بعث على ترخيص الجسد للقدرة المحبوسة وإنتشارها ، إلا أن هذه القدرة تتبع في تبددها قنوات مختلفة ، فلا يمكن ضبط مجاريها على الوجه الذي ذكره ) سبنسر ) ، لأن هنالك في العضلات ، والدورة الدموية ، والتنفس ، والأعصاب تبدلات خاصة لا ينطبق مبدأ ( سبنسر ) عليها .
٢ - الظواهر المنظمة . - كل ظاهرة من الظواهر المنظمة وسيلة لغاية ، فكأنها اشارات طبيعية يعبر بها الحيوان عن الحاجة التي يشعر بها . ونريد الآن أن نجمل الكلام في قوانين هذه الظواهر .
آ - قانون البدء بالعمل . - الإشارات الظاهرة حركات ابتدائية غايتها تحقيق بعض الأعمال . فكل حركة بدء عمل ، حق لقد ظن ( دوشن دو بولوني Duchenne de Boulogne ) أن لكل هيجان عضلة خاصة به ، فعضلة الجبهة للأنتباه ، وعضلة الحاجبين للتهديد ، ومدار الشفتين للاشمئزاز . ) و دوشن دوبولوني ) ( ١٨٠٦ – ١٨٧٥ ) أول الأطباء الفرنسيين الذين درسوا ظواهر التعبير عن الهيجان بالتأثير في أعصاب الوجه تأثيراً كهربائياً ،
إلا أن النتائج التي توصل إليها بسيطة جداً ، وهي لا تنطبق على الواقع تماماً . أضف إلى ذلك أن ( دوشن دوبولوني ( نفسه يعترف بأن حدوث بعض الهيجانات يقتضي إشتراك عدة عضلات معاً .
وقد أثبت ( جورج دوماس ) ( ١ ) بالطريقة التي اتبعها ( دوشن دوبولوني ) أن العضلات تؤلف جملاً مختلفة ، فاذا حركت عضلة منها تحركت عضلات الجملة كلها . مثال ذلك : إن عضلات الضحك تؤلف جملة واحدة مباينة لغيرها ، فاذا تحرك العصب الوجهي تحركت على أثره عضلات الجملة كلها .
دع أن التبدلات الفيسيولوجية لا تنحصر في الظواهر الوجهية ، ولذلك قال ( شارل بل ) ( ٢ ) . إن هذه الظواهر حركات من شأنها الإبتداء بالعمل المناسب للهيجان الذي يراد التعبير عنه . قال : ( شارل بل ) :
إن الحركة التي نعبر بها عن الهيجان هي بداية عمل ، لا بل هي بداية العمل الضروري لإدامة الهيجان أو إزالته بحسب ملاءمته أو منافاته للنفس ، لأن اعضاء الجسد الصالحة للتعبير والإشارة تصلح قبل كل شيء لبعض الوظائف والأعمال .
( شكل - ٢٥ )
ظاهرة التحدي
فالحيوانات اللاحمة مثلا تعبر عن غضبها بتقليص ، شفاهها ، والتكشير عن أنيابها ، فتستعد بهذه الحركة لفعل العض » .
مثال ذلك الكلب الذي يترقب فريسته ، فهو يرصدها ويتهيأ في الوقت نفسه الموثوب عليها ، وكمثل من يغضب فتبدو عليه علائم الهجوم على عدوه ، وكمثل من يخاف فيتهيأ بحركاته للهرب .
ب - قانون الجمع بين العادات النافعة : - هذا القانون هو قانون داروين ، ويعتبر مكملا لقانون ( شارل بل قال داروين ( ١ ) : ( إن الحركات الصالحة لانجاز رغبة ، أو لتسكين احساس مناف تصبح بالتكرار عادة ، فإذا ظهرت تلك الرغبة أو ذلك الاحساس ، مهما يكن .. . لقد كانت هذه ضعيفاً ، تبعته تلك الحركات على الرغم من أنها لم تعد صالحة لشيء . الحركات ضرورية لانجاز الرغائب ، فزال الآن نفعها ، ولكن قوة العادة والتداعي لا تنفك تبعث على حدوثها ، لأنها لا تزال مقارنة لها . مثال ذلك ان الإنسان يقبض جمع يده ، و يضيق عليها في أثناء الغضب ، كأنه يتهيأ للهجوم على عدوه ، ومع أن العدو قد يكون بعيداً ، فإن الهائج يحرق الارم ، ويرفع يديه متوعداً ، كأنه يريد أن يضرب ويفتك ، لأن مراجل العداوة تغلي في قلبه ، فتبعثه على اظهار هذه الحركات التي تطفىء نار غضبه ، وسبب ذلك أن الإنسان القديم كان لا يغضب إلا إذا حمل نفسه على الخطر ، وركب الهول ، وتورط في منازلة عدوه ، ومكافحته ، فكانت اذن بوادر غضبه أول ما يشرع به من أفعال الكفاح . وهناك أمثلة كثيرة تؤيد ذلك :
كانه يريد الكلب ينظر إلى قطعة اللحم التي بيد صاحبه نظر متحمس ، فيحول أذنيه إلى الإمام أن يسمع صوتها . والسبب في ذلك أنه تعود أن لا ينتبه إلا إذا حرك اذنيه إلى الامام ، وأحاط بجميع الأصوات التي أمامه والغضب لا يبدو على الحيوان إلا عند توتر العضلات ، وصرير الأسنان وبروز المخالب ، وانتفاخ المنخرين ، وهي شبيهة بالحركات الضرورية لتمزيق الفريسة .
ويمكن على هذه الصورة أيضاً تعليل اشارات الرضا والسخط ، فإذا أراد الإنسان أن يظهر سخطه على أمر عرض عليه لفت رأسه عنه ، كمن لا يريد رؤيته ، وإذا رضي به أطرق رأسه ، وفتح عينيه كأنه بری ذلك جيداً . وإذا أراد أن يتذكر شيئأرفع حاجبيه .
كمن يرى الشيء الذي يبحث عنه ، فيتبع ذكرياته بعينيه . وإذا أراد أظهار الإشمئزاز حرك شفتيه كمن يريد أن يتقياً . وأدق طريقة للتعبير عن احتقارك أن تعرض عن الشخص بوجهك وعينيك مطبقاً جفنيك ، كأن الشخص الذي تحتقره لا أن يقع ناظرك عليه ( ١ ) يستحق وكثيراً ما يظهر الإنسان عند آلة الهاتف جميع الحركات التي يظهرها أمام المخاطب ، كأن محدثه قريب منه ، يرى حركاته ، ويدقق فيها .
لقد كانت هذه الحركات نافعة اذن لاظهار بعض الأحوال النفسية . ومع لم يبق لها الآن ضرورة فإن الجسد قد احتفظ بها عملا بمبدأ الجمع بين أنه العادات النافعة .
، الا أنه إن هذا القانون صحيح لا ينطبق على جميع الظواهر التي ذكرها ) داروین ) . مثال ذلك : البكاء ، فقد زعم ( داروين ) أن الإنسان الأول كان إذا آلمه شيء يصرخ مستغيثاً ، فيفتح فاه ، وتتقلص عضلات عينيه ، فتضغط الغدد الدمعية ، ومعنى ذلك أن الإنسان الأول كان لا يبكي إلا إذا صرخ ، أما اليوم فصرنا نبكي من غير أن نرفع أصواتنا ، لأن العادة جمعت بين الألم وتأثر الغدد الدمعية ، وهذا التعليل ليس شافياً ، لأننا كثيراً ما نبكي من الفرح ، كما نبكي من الألم ، وكثيراً ما يصرخ الطفل ولا تنهمر دموعه .
شکل ( ٢٦ )
تحليل امارات الوجه - نقلا عن ( فرابا ) A - الحيرة B . - السرور C . - الحزن D . - الاعجاب E . - الغضب F . - الذعر
ج - مبدأ المماثلة المماثلة : - يضاف إلى مبدأ ( داروين ) هذا قانون آخر وهو قانون الماثلة الذي وضعه ( وندت ) وسماه : ( مبدأ الجمع بين الاحساسات المتماثله ( ۱ ) ( - Principe de las sociation des sensations analogues ) . مثال ذلك : إن الحالات المتماثلة تتألف و تجتمع ، فإذا كانت الظاهرة الفيسيولوجية نافعة للتعبير عن إحداها ، انتقلت إلى الأحوال الأخرى المماثلة لها ( ۲ ) ، وصار الانسان يعبر عنها كلها بظاهرة واحدة . وهذا ينطبق بخاصة على الأحوال المعنوية ، فالإنسان يعبر عنها بما يقابلها من ظواهر الإحساسات الجسمانية المماثلة لها ، ومعنى ذلك اننا كلما شعرنا بعاطفة عبرنا عنها بظاهرة فيسيولوجية مناسبة .
كمثل من يستعذب الجمال فتبدو على شفتيه ظواهر من يتلذذ بطعم الحلو ، وكمن يستفظع أمراً فيظهر عاطفته بإشارات تشبه حركات من ذاق شيئاً مراً . فظاهرة الاحتقار عين ظاهرة الاستقذار ، أو الاشمئزاز ، أو التقزز . ولولا تماثل هذه الحالات لما اتحدت في هذه الظاهرة .
وقصارى القول أن لظواهر الهيجان المنظمة ثلاثة قوانين : أولها قانون البدء بالعمل وثانيها قانون الجمع بين العادات النافعة ، وثالثها قانون المماثلة . وكل هيجان كما رأيت لا يخلو من الظواهر الفيسيولوجية ، فإن وجدت وجد ، وان ارتفعت ارتفع . لذلك زعم الفيسيولوجيون انها علته الحقيقية ، وسببه الكافي ، ولنتكلم الآن على نظريتهم .
تعليق