صندوق تروس الحركة في الحشرات
يعتبر الكثير من الحشرات صغيرة الأحجام كائنات قفازة بدرجة تثير الدهشة، ولكن القفزات الواسعة تمثل تحديات ميكانوحيوية لهذه الأجسام الصغيرة. وأما نطاطات النباتات (التي تم تصنيف أكثر من 12 ألف نوع فيها) فهى أول الحشرات التي وجد لديها نظام بيولوجي يشبه صندوق التروس الميكانيكية، المستخدم في الحركة الانتقالية، وهو يشبه نظام التروس الميكانيكية التي نستعملها في حياتنا اليومية في الماكينات والساعات، ويشبه أيضا أنظمة الحركة والتسيير في السيارات.
ولقد تم التعرّف على أول وصف رسمي لهذه الآلية (الميكانيكية) في نطاط النباتات المسمى إيسوس كليوبتراتوس Issus coleoptratus ، وهو حشرة غير قادرة على الطيران. ويسمح نظام التروس في منطقة (او وصلة) "المدور" بكل من الرجلين الخلفيتين بضبط تزامن القفزة بالرجلين معا بدقة وفي خط مستقيم إلى الأمام، وبتسارع يقدر بنحو 250 جرام في كل ميللي ثانية، بينما يبلغ متوسط تسارع الإنسان 5 جرام في الميللي ثانية ... ولكل رجل من الرجلين الخلفيتين لحورية النطاط شريط أو حزام على شكل سن مستدق طوله 400 ميكروميتر، وعرضه 80 ميكروميتر، وذراع رمي طوله 200 ميكروميتر، ويعملان عمل 10- 12 سن ترسي مهمازي متشابك (أو متعاشق).
ولا تتصل مجموعتا التروس ببعضها البعض طوال الوقت، ولكنهما تتعاشقان في الرجلين الخلفيتين لصغار (حوريات) النطاط فقط حين تبدأ الحورية في عملية القفز، وعندها تتشابك أو تتعشق المجموعتان معا على إثر رسالة قادمة من مراكز الحركة بالدماغ إلى عضلات الرجل... تتحرك الرجلان بتناغم دقيق لتنفيذ قفزة واسعة إلى الأمام، مانحة الحشرة قوة أكثر لتدوير التروس مع بعضها، وبعد التوقف تنفك مجموعتا التروس من بعضهما.
وإن كان وجود نظام التروس الميكانيكي في نطاطات النباتات معروفا منذ عقود، إلا أن عالم الحيوان "جريجوري سوتون" (Gregory Sutton)وزملاؤه، ومنهم زوجته عالمة الأعصاب "مالكولم بوروز" (Malcolm Burrows) قد توصلوا إلى المعنى الوظيفي له حديثا فقط، وذلك باستعمال كاميرا تصوير عالية السرعة لتصوير النطاط المسمى "إيسوس كليوبتراتوس" أثناء القفز، في بحث مشترك بين جامعة بريستول وجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة. وقد تم نشر هذا الاكتشاف في طبعة الجمعة من مجلة العلوم Science))- سبتمبر 2013م. ووجدوا أن نظام التروس الميكانيكي هذا غير موجود سوى في حوريات (الصغار) النطاط ، لأنه يفقد أثناء الانسلاخ إلى الطور اليافع في دورة حياته. وأما الحوريات، فكلما انسلخت من دور إلى آخر، فإن نظام التروس يتجدد، أو يتم إصلاح وترميم أي سن متهالك فيه، مع كل انسلاخ، ولكنه يفقد أثناء الانسلاخ الأخير إلى النطاط اليافع- كما ذكرنا.
ويفترض العلماء أن فقدان هذا النظام في آخر انسلاخ للحوريات مهم، لأنه إذا تم تجديده في الطور اليافع سيكون ضعيفا متهالكا وغير قابل للإصلاح أو الترميم وربما عطل الحشرة عن مواصلة حياتها لأنه يولّد احتكاكا كبيرا فيما بين الأرجل القوية الصلبة. وعموما، فإن أرجل النطاط اليافع تعمل بالتزامن مع بعضها بآلية (ميكانيكية) مختلفة، تتضمن وجود سلسلة من النتوءات الممتدة من كل من الرجلين الخلفيتين، تدفع كل منهما الأخرى إلى الحركة...
لقد كان هذا الاكتشاف مدهشا لمن أنجزوه، فالباحثة "مالكولم بوروز" طالما درست الحشرات القفازة، كالنطاطات والجراد والبراغيث والجداجد وغيرها، ولكنها لم تر مثل هذا النظام من تروس الحركة والقفز إلا في حوريات نطاط النباتات المذكور...
هذا، وقد كتب أصحاب هذا الاكتشاف في مقالتهم المنشورة بمجلة العلوم: هناك "تروس زخرفية" في الطبيعة، مثل تلك الموجودة على درقة سلحفاة دولاب التروس. كما أن القلب في التمساح لديه صمام به تروس مسننة، ربما لمساعدته للبقاء تحت سطح الماء لفترات أطول، بواسطة إعادة توجيه تيار الدم إلى معظم الأعضاء الحيوية بالجسم.
وهكذا، فإن قبل اكتشاف نظام ميكانيكا هندسة (صندوق) التروس في الرجلين الخلفيتين لهذا النطاط، كان الناس يظنون أنه فقط من "هندسة وتصميم وإبداع" الإنسان، أو هو اختراع بشري صرف..!! وإضافة إلى هذا، فإن الدراسة الدقيقة لهذا النظام الميكانيكي يمكن أن تمنح مهندسي السيارات تبصرا بطريقة إصلاح أو ترميم أي ترس في صندوق التروس يصيبه العطب أو التلف.
هذه المقالة مستخلصة- بتنقيح وتلخيص- من ثلاث مقالات، إحداهما كتبتها أمينة خان في جريدة "لوس أنجلوس تايمز" بتاريخ 13 سبتمبر 2013م، والثانية كتبها مين رياض في مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" بتاريخ 12 سبتمبر 2013م، والثالثة كتبها جوزيف سترومبرج في مجلة "سميثونيون" بتاريخ 12 سبتمبر 2013م...
***
يعتبر الكثير من الحشرات صغيرة الأحجام كائنات قفازة بدرجة تثير الدهشة، ولكن القفزات الواسعة تمثل تحديات ميكانوحيوية لهذه الأجسام الصغيرة. وأما نطاطات النباتات (التي تم تصنيف أكثر من 12 ألف نوع فيها) فهى أول الحشرات التي وجد لديها نظام بيولوجي يشبه صندوق التروس الميكانيكية، المستخدم في الحركة الانتقالية، وهو يشبه نظام التروس الميكانيكية التي نستعملها في حياتنا اليومية في الماكينات والساعات، ويشبه أيضا أنظمة الحركة والتسيير في السيارات.
ولقد تم التعرّف على أول وصف رسمي لهذه الآلية (الميكانيكية) في نطاط النباتات المسمى إيسوس كليوبتراتوس Issus coleoptratus ، وهو حشرة غير قادرة على الطيران. ويسمح نظام التروس في منطقة (او وصلة) "المدور" بكل من الرجلين الخلفيتين بضبط تزامن القفزة بالرجلين معا بدقة وفي خط مستقيم إلى الأمام، وبتسارع يقدر بنحو 250 جرام في كل ميللي ثانية، بينما يبلغ متوسط تسارع الإنسان 5 جرام في الميللي ثانية ... ولكل رجل من الرجلين الخلفيتين لحورية النطاط شريط أو حزام على شكل سن مستدق طوله 400 ميكروميتر، وعرضه 80 ميكروميتر، وذراع رمي طوله 200 ميكروميتر، ويعملان عمل 10- 12 سن ترسي مهمازي متشابك (أو متعاشق).
ولا تتصل مجموعتا التروس ببعضها البعض طوال الوقت، ولكنهما تتعاشقان في الرجلين الخلفيتين لصغار (حوريات) النطاط فقط حين تبدأ الحورية في عملية القفز، وعندها تتشابك أو تتعشق المجموعتان معا على إثر رسالة قادمة من مراكز الحركة بالدماغ إلى عضلات الرجل... تتحرك الرجلان بتناغم دقيق لتنفيذ قفزة واسعة إلى الأمام، مانحة الحشرة قوة أكثر لتدوير التروس مع بعضها، وبعد التوقف تنفك مجموعتا التروس من بعضهما.
وإن كان وجود نظام التروس الميكانيكي في نطاطات النباتات معروفا منذ عقود، إلا أن عالم الحيوان "جريجوري سوتون" (Gregory Sutton)وزملاؤه، ومنهم زوجته عالمة الأعصاب "مالكولم بوروز" (Malcolm Burrows) قد توصلوا إلى المعنى الوظيفي له حديثا فقط، وذلك باستعمال كاميرا تصوير عالية السرعة لتصوير النطاط المسمى "إيسوس كليوبتراتوس" أثناء القفز، في بحث مشترك بين جامعة بريستول وجامعة كمبردج بالمملكة المتحدة. وقد تم نشر هذا الاكتشاف في طبعة الجمعة من مجلة العلوم Science))- سبتمبر 2013م. ووجدوا أن نظام التروس الميكانيكي هذا غير موجود سوى في حوريات (الصغار) النطاط ، لأنه يفقد أثناء الانسلاخ إلى الطور اليافع في دورة حياته. وأما الحوريات، فكلما انسلخت من دور إلى آخر، فإن نظام التروس يتجدد، أو يتم إصلاح وترميم أي سن متهالك فيه، مع كل انسلاخ، ولكنه يفقد أثناء الانسلاخ الأخير إلى النطاط اليافع- كما ذكرنا.
ويفترض العلماء أن فقدان هذا النظام في آخر انسلاخ للحوريات مهم، لأنه إذا تم تجديده في الطور اليافع سيكون ضعيفا متهالكا وغير قابل للإصلاح أو الترميم وربما عطل الحشرة عن مواصلة حياتها لأنه يولّد احتكاكا كبيرا فيما بين الأرجل القوية الصلبة. وعموما، فإن أرجل النطاط اليافع تعمل بالتزامن مع بعضها بآلية (ميكانيكية) مختلفة، تتضمن وجود سلسلة من النتوءات الممتدة من كل من الرجلين الخلفيتين، تدفع كل منهما الأخرى إلى الحركة...
لقد كان هذا الاكتشاف مدهشا لمن أنجزوه، فالباحثة "مالكولم بوروز" طالما درست الحشرات القفازة، كالنطاطات والجراد والبراغيث والجداجد وغيرها، ولكنها لم تر مثل هذا النظام من تروس الحركة والقفز إلا في حوريات نطاط النباتات المذكور...
هذا، وقد كتب أصحاب هذا الاكتشاف في مقالتهم المنشورة بمجلة العلوم: هناك "تروس زخرفية" في الطبيعة، مثل تلك الموجودة على درقة سلحفاة دولاب التروس. كما أن القلب في التمساح لديه صمام به تروس مسننة، ربما لمساعدته للبقاء تحت سطح الماء لفترات أطول، بواسطة إعادة توجيه تيار الدم إلى معظم الأعضاء الحيوية بالجسم.
وهكذا، فإن قبل اكتشاف نظام ميكانيكا هندسة (صندوق) التروس في الرجلين الخلفيتين لهذا النطاط، كان الناس يظنون أنه فقط من "هندسة وتصميم وإبداع" الإنسان، أو هو اختراع بشري صرف..!! وإضافة إلى هذا، فإن الدراسة الدقيقة لهذا النظام الميكانيكي يمكن أن تمنح مهندسي السيارات تبصرا بطريقة إصلاح أو ترميم أي ترس في صندوق التروس يصيبه العطب أو التلف.
هذه المقالة مستخلصة- بتنقيح وتلخيص- من ثلاث مقالات، إحداهما كتبتها أمينة خان في جريدة "لوس أنجلوس تايمز" بتاريخ 13 سبتمبر 2013م، والثانية كتبها مين رياض في مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" بتاريخ 12 سبتمبر 2013م، والثالثة كتبها جوزيف سترومبرج في مجلة "سميثونيون" بتاريخ 12 سبتمبر 2013م...
***