الكاتبة المغربية لطيفة لبصير لـ"العرب": أوضاع النساء مختلفة رغم تشابهها
وسائل التواصل الاجتماعي تعوض أدب السيرة الذاتية.
الخميس 2023/12/21
أنا منشغلة بما تسرده النساء عن حيواتهن
يعتبر أدب السيرة الذاتية كشفا هاما لجوانب خفية من حيوات كتّابها سواء كانوا أدباء أو شخصيات عامة؛ إذ تجتذب القراء تلك التفاصيل المثيرة المسكوت عنها. لكن هل مازالت السيرة اليوم تحافظ على مكانتها في عالم افتراضي كشف الحياة الخاصة؟ "العرب" كان لها هذا الحوار حول السيرة والأدب عموما مع الأكاديمية والأديبة المغربية لطيفة لبصير.
عقدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك في الدار البيضاء ندوة وطنية في مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية تحت عنوان "الأدب الشخصي"، يوم الخميس الرابع عشر من ديسمبر الجاري. وتولت الأكاديمية لطيفة لبصير، المتخصصة في الأدب الشخصي، قيادة الجلسة بحضور عدد من الأساتذة، بمن في ذلك الأكاديمي رشيد الحضري، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، وقدم الحضري إشادته بأهمية تنظيم هذه الندوات العلمية، مؤكدًا على دورها البارز في توسيع آفاق الباحثين.
وفيما يلي تتحدث الأستاذة الجامعية والأديبة لطيفة لبصير لـ”العرب” عن موضوع الأدب الشخصي، الذي تناول تفاصيل وجوانب مختلفة تتعلق بهذا الموضوع الفني والأدبي، إضافة إلى تسليط الضوء على رؤية القاصة لطيفة لبصير في هذا السياق.
تعرف لبصير الأدب الشخصي بأنه “كل ما يكتب من سيرة ذاتية واعترافات ويوميات وسير روائية ومدونات شخصية إلى غيرها، وهو كل ما له علاقة بالذات الإنسانية، ويمكن أن يتراوح بين فصول خاصة من حياة شخص معين وسرد حياة بأكملها، إذ أن كثيرين من كتاب هذا الجنس الأدبي يختارون غالبا انتقاء مرحلة من مراحل أعمارهم". وتضيف "أما عن أسباب اختيار هذا المجال، فهو ليس مجال اشتغالي الوحيد، هناك اهتمامات أخرى، لكن انشغالي بهذا الجنس الأدبي مرده أنني منشغلة كثيرا بالعديد مما يسرده الناس عن حيواتهم، وأعتبره من قبيل تأريخ لأفكار ومجتمعات مرت في ما سبق عن طريق ذوات عاشت حياة أخرى، ونحن نقرأها من زاوية نظر خاصة جدا".
وتوضح الهدف الرئيسي من الندوة التي تم تقديمها في مختبر السيميائيات قائلة "إن الندوة التي قمت بتنسيقها وتحمل عنوان ‘الأدب الشخصي، قضايا وإشكالات’، شارك فيها أساتذة وطلبة مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، وهي تخوض غمار تجارب نقدية، ثم تطرح قضايا من وجهة نظرهم الشخصية كباحثين من خلال الاطلاع على نظريات السيرة الذاتية وتحولها على مدى العصور. فمثلا نحن نبدأ من التعاقد السير الذاتي الذي وضعه فيليب لوجون كميثاق أساسي لقراءة السير الذاتية، غير أنه لم يعد المعيار الأساس لهذه القراءة، ففي البداية كان الكاتب هو الشخص الوحيد الذي يمكن القول عنه إنه هو نفسه السارد، الآن بدأنا نضع مراتب بينه وبين السارد وهذا في حد ذاته بداية للتخييل وتغييب للشخص الواقعي".
كتابة السيرة
◙ لبصير تبيّن السيميائيات منهج من المناهج الأدبية التي تمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية
وتبين لبصير أن السيميائيات منهج من المناهج الأدبية التي تمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية، بحيث أن هذا المنهج يفتح إمكانات للتأويل انطلاقا من العلامات التي يبنيها النص الأدبي، وهنا يمكن أن نتحدث عن الاستدلالات التي يخلقها مثلا محكي الطفولة الذي يشكل أساسا لكل سيرة ذاتية، والذي من بين تأويلاته مثلا العودة إلى الطفولة وإلى التركيز على شيء معين من قبيل رهاب حدث في تلك المرحلة، وتكرار هذه العلامة التي يعود إليها الكاتب في كل حين كأن تصبح علامة قابلة لتآويل عدة تحكم العمر كله، ولو أن هذه العلامة ذاتها كما يقول السيميائي إمبرتو إيكو يمكن أن تكون علامة تقول الخطأ نفسه الذي يصبح قابلا لتأويل آخر.
وفي حديثها لـ”العرب” عن دور التاريخ والسياق الثقافي في فهم الخطابات الأدبية تقول "إن التاريخ يساعد في فهم الخطابات الثقافية وكذلك السياق الثقافي، مثلا حين يكتب كاتب أجنبي سيرة ذاتية عن السيدا فإن تلقيها سيختلف عنده مقارنة بتلقيها في العالم العربي، والأمثلة هنا كثيرة، فحين كتب مثلا محمد شكري سيرته الذاتية ‘الخبز الحافي’ أصبح النص ظاهرة لأن قارئه يبدأ من فضول ما تركه العمل من تأثير وإشارات وهمسات. أتذكر أنني بحثت عن هذا الكتاب أيام كنت صغيرة السن وقرأته وسط كتاب آخر وكأنني أحميه من العيون وحتى لا يكتشف أبي ما أقرأ وكأنه من الكتب المحرمة".
وتضيف "التاريخ أيضا يمكن أن يساعدنا في قراءة الكثير من النصوص التي كتبت عن السجون، وحده التاريخ يمكن أن يساعدنا على معرفة السياق الذي كتبت فيه الكثير من النصوص التي تعتبر إشارة إلى حقبة تاريخية مرت بها المجتمعات العربية، وهي نصوص تقرأ ضمن ثنائية الضحية والجلاد، التي نجدها ثابتة في هذا النوع من النصوص والتي هي بالرغم من أنها سير ذاتية محضة فقد كتبت تحت تصنيف جنس أدبي آخر ألا وهو الرواية".
◙ السيميائيات منهج أدبي يمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية بحيث يفتح إمكانات للتأويل انطلاقا من علامات النص
وتبرز لبصير أوجه التحديات التي تواجه الأديبة والقاصة عند كتابة الأدب الشخصي موضحة "لم يسبق لي أن كتبت سيرتي ولا أظنني سأفعل، ولكنني كتبت الكثير من السير الغيرية لسيدات من المغرب، عشن حيوات غريبة وأصدرتها في كتاب ‘محكيات نسائية، لها طعم النارنج’، وكل النساء لم يتم الإفصاح عن أسمائهن الحقيقية لأنها لا تهم في هذا النوع من الكتابة، لأن الغرض الأساسي يكمن في معرفة الكثير من المسارات التي عاشتها نساء معاصرات في المجتمع الحديث بمختلف أنواعهن، وهذا مؤشر حقيقي على ما تعيشه المرأة من ارتباك في ظل تطورات العصر".
وتؤكد أيضا أن للفنون البصرية كيفما كان نوعها أن تكون علامة أخرى في كتابة السير، فقد اشتغل رولان بارت في كتابيه "الغرفة المضيئة" و"رولان بارت بواسطة رولان بارت" على صورة العائلة رغم أنه في العديد من المرات اعتبر أن صورة العائلة تعيده إلى التقليد العائلي، إلا أن صورة العائلة تؤرخ لمرحلة هامة في حياته، إضافة إلى معرفة العديد من التقاليد العائلية في اللباس والعادات وغير ذلك.
ويمكن، حسب رأي الأكاديمية المغربية، العودة بقوة إلى لوحات فان جوخ الذي كان يرسم وجهه في العديد من اللوحات وينقل المكان الذي يعيش فيه، بحيث نعرف مكان عيشه عن طريق الرسم، وهذا ساعد في معرفة الكثير من أسرار حياته الشخصية. ففان جوخ كان قد أخذ اسم أخيه المتوفى، والأم لم تكن ترى فيه سوى الأخ الغائب، لذا كان رسمه لوجهه بمثابة هوية جديدة له شخصيا، والأمثلة كثيرة جدا في هذا الباب، فالفنانة فريدا كاهلو كانت مريضة لفترات طويلة ومقعدة وكانت ترسم نفسها في العديد من الأوضاع التي تبرز فيها بصحة جيدة كأن تكون في جسم حيوان أو في شكل متعدد الوجوه وكأنها تخاف أن تصير إلى العدم.
كما توضح لبصير أوجه التكامل بين التحليل السيميائي للصور وتحليل الخطابات الأدبية، تقول "ليست كل السير الذاتية تتضمن صورا أو لوحات تشكيلية مثلا، لكن هناك بعض التجارب الكتابية التي تعتمد الصور كشكل إضافي يضيء السيرة. نحن نعرف أن كتابة السيرة الذاتية في معظمها تتضمن نوعا من النرجسية العليا، فغالبا ما نقرأ ضمن سيرة معينة تلك الأنا التي نجحت في اجتياز الكثير من العقبات كي تصبح في وضعية أفضل".
الأدب المغربي
لطيفة لبصير: السيرة الذاتية أصبحت تكتب كل يوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي
وتستشهد بسيرة ذاتية حملت عنوان "الجلادون" للكاتبة المغربية ربيعة السالمي، كان لهذه الشخصية حضور سياسي، فجاء عملها معززا بالصور التي تثبت فيها حضورها ضمن محافل سياسية كبرى. فالصور هنا تأتي كعلامة تنضاف إلى أهمية الأنا من خلال صور تدعم كلامها الذي يتحدث عن قيمتها كشخصية لها وضع اعتباري معين، إذ لم تكتف بالسرد فقط بل أضافت إليه الصور التي تعزز خطابها، إذ تصبح الصور دليلا آخر على الأنا.
وتشير إلى أن الموضوع موجه إلى المتخصصين في الدراسة الأكاديمية أولا، لأنه يتحدث عن الأبعاد النظرية للسيرة الذاتية وكيف تم تطبيقها في النصوص الأدبية، كما يتناول الكتب التي تطرقت إلى موضوع السيرة الذاتية في العالم العربي. أنا أعتبره موضوعا للباحث المتخصص والذي يفيده في تطوير أدواته النقدية.
تكشف لطيفة لبصير عن خططها لأبحاث وأعمال مستقبلية تتعلق بالأدب الشخصي وتحليل الخطابات قائلة "أظن أن السيرة الذاتية أصبحت تكتب كل يوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث إننا نقرأ الكثير من سير الأشخاص عن طريق تدويناتهم وصورهم اليومية والأمكنة التي يذهبون إليها، كذلك أنواع عطورهم وكلابهم ومنازلهم، وهو أمر أصبح غريبا الآن في هذا العصر، وهذا في حد ذاته يشبه الأبعاد النرجسية التي يعيشها كاتب السيرة، وهو بعد يمكن أن يكون محور دراسات قادمة".
كما ترى الأديبة حول اهتمام الباحثين والأكاديميين بالأدب المغربي أن هناك بحوثا تُوَجه إلى الكتاب المغربي كي يكون محورا أساسيا في الدراسة، وهناك أيضا نصوص تدرس للطلبة كي يتعرفوا على الكثير من الكتاب في الأدب المغربي، غير أنه يصعب مواكبة كل ما يصدر، لأن الإصدارات الآن كثيرة، لكن هناك أيضا دراسات نقدية يقوم بها النقاد وهي تتابع الأدب المغربي، والكثير من الأسماء تحظى بالمتابعة ولكن ليست كلها بنفس القدر.
وفي حديثها عن أعمالها الأدبية الجديدة تكشف قائلة "آخر كتاب صدر لي هو كتاب 'لكل امرأة كتاب' سنة 2023، وهو كتاب يتحدث عن أن لكل امرأة كتابها الخاص أو سيرتها الخاصة، كأن أوضاع النساء مختلفة رغم تشابهها، وفيه نجد الكثير من الأنماط النسائية سواء العاملة أو الكاتبة أو الطبيبة أو الفنانة أو العاشقة أو الخائنة إلى غيرها من الأنواع. فلكل امرأة سيرة خاصة تعكس فيها هواجسها كأن نجد امرأة بسيطة تحكي أحلامها في ظل مجتمع يكبر ويأخذ كل شيء معه".
وتتابع "صدرت لي قبله مجموعتي القصصية 'كوفيد الصغير' الذي وثقت فيه تجربة مهمة عاشها العالم بأسره عن الوباء ومدى أثره النفسي والاجتماعي في حيوات الأفراد، وهناك أعمال قادمة تنتظر دورها".
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
وسائل التواصل الاجتماعي تعوض أدب السيرة الذاتية.
الخميس 2023/12/21
أنا منشغلة بما تسرده النساء عن حيواتهن
يعتبر أدب السيرة الذاتية كشفا هاما لجوانب خفية من حيوات كتّابها سواء كانوا أدباء أو شخصيات عامة؛ إذ تجتذب القراء تلك التفاصيل المثيرة المسكوت عنها. لكن هل مازالت السيرة اليوم تحافظ على مكانتها في عالم افتراضي كشف الحياة الخاصة؟ "العرب" كان لها هذا الحوار حول السيرة والأدب عموما مع الأكاديمية والأديبة المغربية لطيفة لبصير.
عقدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك في الدار البيضاء ندوة وطنية في مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية تحت عنوان "الأدب الشخصي"، يوم الخميس الرابع عشر من ديسمبر الجاري. وتولت الأكاديمية لطيفة لبصير، المتخصصة في الأدب الشخصي، قيادة الجلسة بحضور عدد من الأساتذة، بمن في ذلك الأكاديمي رشيد الحضري، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، وقدم الحضري إشادته بأهمية تنظيم هذه الندوات العلمية، مؤكدًا على دورها البارز في توسيع آفاق الباحثين.
وفيما يلي تتحدث الأستاذة الجامعية والأديبة لطيفة لبصير لـ”العرب” عن موضوع الأدب الشخصي، الذي تناول تفاصيل وجوانب مختلفة تتعلق بهذا الموضوع الفني والأدبي، إضافة إلى تسليط الضوء على رؤية القاصة لطيفة لبصير في هذا السياق.
تعرف لبصير الأدب الشخصي بأنه “كل ما يكتب من سيرة ذاتية واعترافات ويوميات وسير روائية ومدونات شخصية إلى غيرها، وهو كل ما له علاقة بالذات الإنسانية، ويمكن أن يتراوح بين فصول خاصة من حياة شخص معين وسرد حياة بأكملها، إذ أن كثيرين من كتاب هذا الجنس الأدبي يختارون غالبا انتقاء مرحلة من مراحل أعمارهم". وتضيف "أما عن أسباب اختيار هذا المجال، فهو ليس مجال اشتغالي الوحيد، هناك اهتمامات أخرى، لكن انشغالي بهذا الجنس الأدبي مرده أنني منشغلة كثيرا بالعديد مما يسرده الناس عن حيواتهم، وأعتبره من قبيل تأريخ لأفكار ومجتمعات مرت في ما سبق عن طريق ذوات عاشت حياة أخرى، ونحن نقرأها من زاوية نظر خاصة جدا".
وتوضح الهدف الرئيسي من الندوة التي تم تقديمها في مختبر السيميائيات قائلة "إن الندوة التي قمت بتنسيقها وتحمل عنوان ‘الأدب الشخصي، قضايا وإشكالات’، شارك فيها أساتذة وطلبة مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، وهي تخوض غمار تجارب نقدية، ثم تطرح قضايا من وجهة نظرهم الشخصية كباحثين من خلال الاطلاع على نظريات السيرة الذاتية وتحولها على مدى العصور. فمثلا نحن نبدأ من التعاقد السير الذاتي الذي وضعه فيليب لوجون كميثاق أساسي لقراءة السير الذاتية، غير أنه لم يعد المعيار الأساس لهذه القراءة، ففي البداية كان الكاتب هو الشخص الوحيد الذي يمكن القول عنه إنه هو نفسه السارد، الآن بدأنا نضع مراتب بينه وبين السارد وهذا في حد ذاته بداية للتخييل وتغييب للشخص الواقعي".
كتابة السيرة
◙ لبصير تبيّن السيميائيات منهج من المناهج الأدبية التي تمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية
وتبين لبصير أن السيميائيات منهج من المناهج الأدبية التي تمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية، بحيث أن هذا المنهج يفتح إمكانات للتأويل انطلاقا من العلامات التي يبنيها النص الأدبي، وهنا يمكن أن نتحدث عن الاستدلالات التي يخلقها مثلا محكي الطفولة الذي يشكل أساسا لكل سيرة ذاتية، والذي من بين تأويلاته مثلا العودة إلى الطفولة وإلى التركيز على شيء معين من قبيل رهاب حدث في تلك المرحلة، وتكرار هذه العلامة التي يعود إليها الكاتب في كل حين كأن تصبح علامة قابلة لتآويل عدة تحكم العمر كله، ولو أن هذه العلامة ذاتها كما يقول السيميائي إمبرتو إيكو يمكن أن تكون علامة تقول الخطأ نفسه الذي يصبح قابلا لتأويل آخر.
وفي حديثها لـ”العرب” عن دور التاريخ والسياق الثقافي في فهم الخطابات الأدبية تقول "إن التاريخ يساعد في فهم الخطابات الثقافية وكذلك السياق الثقافي، مثلا حين يكتب كاتب أجنبي سيرة ذاتية عن السيدا فإن تلقيها سيختلف عنده مقارنة بتلقيها في العالم العربي، والأمثلة هنا كثيرة، فحين كتب مثلا محمد شكري سيرته الذاتية ‘الخبز الحافي’ أصبح النص ظاهرة لأن قارئه يبدأ من فضول ما تركه العمل من تأثير وإشارات وهمسات. أتذكر أنني بحثت عن هذا الكتاب أيام كنت صغيرة السن وقرأته وسط كتاب آخر وكأنني أحميه من العيون وحتى لا يكتشف أبي ما أقرأ وكأنه من الكتب المحرمة".
وتضيف "التاريخ أيضا يمكن أن يساعدنا في قراءة الكثير من النصوص التي كتبت عن السجون، وحده التاريخ يمكن أن يساعدنا على معرفة السياق الذي كتبت فيه الكثير من النصوص التي تعتبر إشارة إلى حقبة تاريخية مرت بها المجتمعات العربية، وهي نصوص تقرأ ضمن ثنائية الضحية والجلاد، التي نجدها ثابتة في هذا النوع من النصوص والتي هي بالرغم من أنها سير ذاتية محضة فقد كتبت تحت تصنيف جنس أدبي آخر ألا وهو الرواية".
◙ السيميائيات منهج أدبي يمتلك عدة مفاهيم لقراءة النصوص الأدبية بحيث يفتح إمكانات للتأويل انطلاقا من علامات النص
وتبرز لبصير أوجه التحديات التي تواجه الأديبة والقاصة عند كتابة الأدب الشخصي موضحة "لم يسبق لي أن كتبت سيرتي ولا أظنني سأفعل، ولكنني كتبت الكثير من السير الغيرية لسيدات من المغرب، عشن حيوات غريبة وأصدرتها في كتاب ‘محكيات نسائية، لها طعم النارنج’، وكل النساء لم يتم الإفصاح عن أسمائهن الحقيقية لأنها لا تهم في هذا النوع من الكتابة، لأن الغرض الأساسي يكمن في معرفة الكثير من المسارات التي عاشتها نساء معاصرات في المجتمع الحديث بمختلف أنواعهن، وهذا مؤشر حقيقي على ما تعيشه المرأة من ارتباك في ظل تطورات العصر".
وتؤكد أيضا أن للفنون البصرية كيفما كان نوعها أن تكون علامة أخرى في كتابة السير، فقد اشتغل رولان بارت في كتابيه "الغرفة المضيئة" و"رولان بارت بواسطة رولان بارت" على صورة العائلة رغم أنه في العديد من المرات اعتبر أن صورة العائلة تعيده إلى التقليد العائلي، إلا أن صورة العائلة تؤرخ لمرحلة هامة في حياته، إضافة إلى معرفة العديد من التقاليد العائلية في اللباس والعادات وغير ذلك.
ويمكن، حسب رأي الأكاديمية المغربية، العودة بقوة إلى لوحات فان جوخ الذي كان يرسم وجهه في العديد من اللوحات وينقل المكان الذي يعيش فيه، بحيث نعرف مكان عيشه عن طريق الرسم، وهذا ساعد في معرفة الكثير من أسرار حياته الشخصية. ففان جوخ كان قد أخذ اسم أخيه المتوفى، والأم لم تكن ترى فيه سوى الأخ الغائب، لذا كان رسمه لوجهه بمثابة هوية جديدة له شخصيا، والأمثلة كثيرة جدا في هذا الباب، فالفنانة فريدا كاهلو كانت مريضة لفترات طويلة ومقعدة وكانت ترسم نفسها في العديد من الأوضاع التي تبرز فيها بصحة جيدة كأن تكون في جسم حيوان أو في شكل متعدد الوجوه وكأنها تخاف أن تصير إلى العدم.
كما توضح لبصير أوجه التكامل بين التحليل السيميائي للصور وتحليل الخطابات الأدبية، تقول "ليست كل السير الذاتية تتضمن صورا أو لوحات تشكيلية مثلا، لكن هناك بعض التجارب الكتابية التي تعتمد الصور كشكل إضافي يضيء السيرة. نحن نعرف أن كتابة السيرة الذاتية في معظمها تتضمن نوعا من النرجسية العليا، فغالبا ما نقرأ ضمن سيرة معينة تلك الأنا التي نجحت في اجتياز الكثير من العقبات كي تصبح في وضعية أفضل".
الأدب المغربي
لطيفة لبصير: السيرة الذاتية أصبحت تكتب كل يوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي
وتستشهد بسيرة ذاتية حملت عنوان "الجلادون" للكاتبة المغربية ربيعة السالمي، كان لهذه الشخصية حضور سياسي، فجاء عملها معززا بالصور التي تثبت فيها حضورها ضمن محافل سياسية كبرى. فالصور هنا تأتي كعلامة تنضاف إلى أهمية الأنا من خلال صور تدعم كلامها الذي يتحدث عن قيمتها كشخصية لها وضع اعتباري معين، إذ لم تكتف بالسرد فقط بل أضافت إليه الصور التي تعزز خطابها، إذ تصبح الصور دليلا آخر على الأنا.
وتشير إلى أن الموضوع موجه إلى المتخصصين في الدراسة الأكاديمية أولا، لأنه يتحدث عن الأبعاد النظرية للسيرة الذاتية وكيف تم تطبيقها في النصوص الأدبية، كما يتناول الكتب التي تطرقت إلى موضوع السيرة الذاتية في العالم العربي. أنا أعتبره موضوعا للباحث المتخصص والذي يفيده في تطوير أدواته النقدية.
تكشف لطيفة لبصير عن خططها لأبحاث وأعمال مستقبلية تتعلق بالأدب الشخصي وتحليل الخطابات قائلة "أظن أن السيرة الذاتية أصبحت تكتب كل يوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث إننا نقرأ الكثير من سير الأشخاص عن طريق تدويناتهم وصورهم اليومية والأمكنة التي يذهبون إليها، كذلك أنواع عطورهم وكلابهم ومنازلهم، وهو أمر أصبح غريبا الآن في هذا العصر، وهذا في حد ذاته يشبه الأبعاد النرجسية التي يعيشها كاتب السيرة، وهو بعد يمكن أن يكون محور دراسات قادمة".
كما ترى الأديبة حول اهتمام الباحثين والأكاديميين بالأدب المغربي أن هناك بحوثا تُوَجه إلى الكتاب المغربي كي يكون محورا أساسيا في الدراسة، وهناك أيضا نصوص تدرس للطلبة كي يتعرفوا على الكثير من الكتاب في الأدب المغربي، غير أنه يصعب مواكبة كل ما يصدر، لأن الإصدارات الآن كثيرة، لكن هناك أيضا دراسات نقدية يقوم بها النقاد وهي تتابع الأدب المغربي، والكثير من الأسماء تحظى بالمتابعة ولكن ليست كلها بنفس القدر.
وفي حديثها عن أعمالها الأدبية الجديدة تكشف قائلة "آخر كتاب صدر لي هو كتاب 'لكل امرأة كتاب' سنة 2023، وهو كتاب يتحدث عن أن لكل امرأة كتابها الخاص أو سيرتها الخاصة، كأن أوضاع النساء مختلفة رغم تشابهها، وفيه نجد الكثير من الأنماط النسائية سواء العاملة أو الكاتبة أو الطبيبة أو الفنانة أو العاشقة أو الخائنة إلى غيرها من الأنواع. فلكل امرأة سيرة خاصة تعكس فيها هواجسها كأن نجد امرأة بسيطة تحكي أحلامها في ظل مجتمع يكبر ويأخذ كل شيء معه".
وتتابع "صدرت لي قبله مجموعتي القصصية 'كوفيد الصغير' الذي وثقت فيه تجربة مهمة عاشها العالم بأسره عن الوباء ومدى أثره النفسي والاجتماعي في حيوات الأفراد، وهناك أعمال قادمة تنتظر دورها".
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي