**إفريست (2015): إبهار بصري في قمة سينمائية تضاهي القمة الثلجية:
*مهند النابلسي
*تتلخص أحداث هذا الشريط الشيق بقيام خمسة متسلقين بمن فيهم قادة الرحلة روب هول وسكوت فيشر برحلة التسلق الخطرة بالعام 1996، وذلك في ظل ظروف صعبة وقاهرة من قلة الاكسجين والهواء على المرتفعات الجليدية، ازدحم هذا الفيلم بمجموعة لافتة من النجوم المرموقين مثل “جاك جالينهال وجوش بولين وكايرا نايتلي وايماواتسون” (بدور زوجتين تنتظران بلهفة تحقيق معجزةالتسلق وعودة زوجيهما سالمين للمنزل والعائلة)، ساعدت المؤثرات الخاصة الفريدة باظهار حالات البرد والانجماد والانهيارات الثلجية العارمة.بصبيحة يوم 15 ماي 1996، يقوم متسلقان شهيران هما جيمس كلارك وجوش برولين وهما من مجموعتي اكتشاف مختلفتين برحلتهما الأخيرة لقمة جبل إفريست (أعلى جبل بالعالم)، بالرغم من وجود تحذير من خطر حدوث عواصف ثلجية عاتية ستضرب المرتفع، يخاطر هذان المغامران مع فريقهما بالصعود للقمة… حيث يواجهون جميعا تحديات قاسية غير مسبوقة تتمثل بالرياح الثلجية العاتية وحرارات الانجماد المتدنية، ليواجهوا جميعا مصيرا بطوليا فريدا، وينجو بعضهم فيما يفقد الآخرين حياتهم:يقدم المخرج الأيسلندي هنا سينما مشهدية تستحوذ عل انتباه المشاهدين وتجعلهم يندمجون بالأحداث وكأنهم شهود عيان، مع تصوير استحواذي فريد، وسيناريو تصعيدي مشوق.ينغمس “كالتيسار كورماكور” بإدارة متوازنة لعدد من الممثلين الكبار مثل: “جاك جالينهال وجوش برولين وجيسون كلارك وجون هوكس” في ملحمة “شبه وثائقية” درامية وتشويقية انتهت بموت ثمانية متسلقين!القمة الجليدية ذاتها تلعب دورا محوريا وتدير الأحداث “كجغرافيا مهيمنة وبالغة الخطر” وبالفعل فقد أدى انهيار ثلجي كبير بالعام 2014 لمقتل 16 عاملا نيباليا بمنطقة “كومبو”، ويتطابق الفيلم لحد ما مجازيا مع أسلوبية فيلم الجاذبية للمكسيكي “ألفونسو كوارن”، حيث تبدو مشاهد ايفرست وتداعيات التسلق كمحاولات “بولاك وكلوني” بالفضاء الخارجي، مع اختلاف التفاصيل وتشعر كمشاهد بأنك تخوض مع المتسلقين المغامرين تجربة التسلق الفريدة، وخاصة مع انبثاق العواصف الرعدية الكاسحة…فقد حول كورماكور ومصور الفيلم العبقري مغامرة التسلق لملحمة مشهدية مدهشة، وربما يعزى الفضل أيضا لأسلوب التصوير الفريد بنظام “الثري دي مع الآي ماكس”، ولمهارة دمج المؤثرات الخاصة كصوت وصورة وموسيقى تصويرية.يتميز النصف الثاني من الفيلم بدرجة عالية من التشويق، وخاصة بعد وصولهم للقمة واحتفالهم ومن ثم تحول طريق الرجوع “لكابوس مرعب”.لم أقرأ الكتاب (بيست سيلر) الذي استند إليه الفيلم وثائقيا “في الطريق للهواء الخفيف”، ولكني اراهن أن هذه أن الشريط قد تجاوز الحدث السردي الوثائقي وأطلق جيلا جديدا من السينما المشهدية، ولا اوافق الرأي الذي يقول بان الفيلم هونسخة سينمائية لرواية وثائقية…”كأنك ستهبط على سطح المريخ!” هكذا تعلق زوجة أحدهم على حدث التسلق المثير أثناء مخاطبة زوجها.تكلف هذا الفيلم 55 مليون دولار، وكما أسلفت فقد نجح في أنسنة القصة الوثائقية وجعلها حقيقة، وتم التغلب على القمم السبعة لأيفريست، وشعرنا بالمعاناة الحقيقية على ارتفاع 16 ألف قدم، وقد تم وضع طاقم التمثيل بظروف صعبة قاهرة، وأشعرهم المخرج بالإجهاد وعانوا جميعا من الصداع والغثيان والأرق، وتعلموا كيفية التضحية بكل سبل الراحة لتقديم محاكاة واقعية لما حدث… تم تصوير مشاهد عديدة في النيبال، وساعدت أصوات الرياح الجليدية مع موسيقى “داريو ماريانيلي” بالدخول لحواس المتفرجين واحداث التأثير التفاعلي المطلوب وكأنا قد صاحبنا الأبطال في محنتهم الثلجية القاهرة… فقد تم دمج الضجيج بالعثرات في “نشاز” متواصل من صوت الأعاصير والصراخ الزاعق والتهافت والقصف الرعدي بلا هوادة… هكذا يترنح الفيلم (بقصد) بأوضاع متفاوتة من الصمت والتعثر والتخبط من حالة إلى أخرى! قدم “بالتسار كورماكور” سينما هوليوودية استعراضية بأسلوب جديد غير معهود، فوضع بصمات إنسانية حافلة بالحنين والحزن والمعاناة وفرحة العودة للديار وبدون أن يسقط في “الميلودراما”: فأسمعنا الحوار الأخير بالراديو ما بين الزوجة الحامل جان أرنولد وبين المتسلق المحتضر تجمدا “روبن هول”، ثم استطرد بتوضيح حالة المتسلق الآخر “بيك” ومعجزة إنقاذه ومن ثم نجاته وتحسن معنوياته ولقائه لعائلته على الرغم من فقدانه ليديه وأنفه من “قرصة الجليد التي لا ترحم”!أما منطقة الموت التي يتحدث عنها الفيلم فتسمى لسبب وجيه يعزى لبدء جسم الإنسان بالموت تدريجيا على ارتفاع 26 ألف قدم، كما تتدهور العضلات مع ارتفاع التسلق، ثم تضمحل كافة القوى الحيوية مع نقص الأكسجين وانخفاض ملموس بدرجات الحرارة، ثم تنعدم الرؤية البصرية تدريجيا مع هبوب الرياح الجليدية العاتية، ثم تتجمد الأطراف والجلد…وتعزى تسمية الرواية لأن الهواء يصبح بالفعل عند القمة “رقيق جدا”ويمثل تحديا كبيرا لقدرة الطائرة المروحية على الطيران والمناورة، وتصبح وكأنها لعبة صغيرة متعثرة تلوح بها الريح العاتية صعودا وهبوطا… وهذا بالفعل ما لاحظناه بالمشاهد ما قبل الأخيرة عند إرسال السفارة الأمريكية “هليوكبتر” لإنقاذ “بيك”!
تلخيص الفيلم بأسلوبية “تويتر” المختصرة
الوصول لمنطقة الموت/ خطة الوصول للقمة/ لا يوجد خط ثابت، بل تعرجات/ مشاركة اليابانية ياسوكو لزرع علم اليابان فوق القمة/ يبدأ الطقس بالتدهور فجأة مع هبوب عاصفة ثلجية على الجانب الجنوبي من الجبل/ “دوغ” يسقط فاقد الوعي من نقص الأكسجين/ “بيك” يفقد القدرة على الرؤية/ يشقون طريقهم على الجبل مع أسطوانات الأكسجين لمساعدة كل من “روب ودوغ”/ نقص الأكسجين يؤدي لهلوسات وسقوط/ “هيلين” تنهار بالبكاء/ يحاولون إنقاذ “روب” الذي تجمدت يديه وقدميه/ يلقى اثنان من أفضل المتسلقين حتفهم في العاصفة/ الخبرة لا تفيد هنا مع الانهيارات والعواصف الثلجية وانقطاع التنفس لنقص الأكسجين/ يتحاور “روب” بلحظاته الأخيرة مع زوجته ويطلب منها النوم بعد أن يطمئن على حملها/ تقترح عبر الفاكس “سارة” كاسم للابنة/ ترسل السفارة الأمريكية طائرة هليوكبتر على وجه العجلة لإنقاذ “بيك”…قصدت أن أكتب الفقرة الأخيرة بهذا الأسلوب لأضع القراء داخل الأحداث التي استنفدت طاقة المتسلقين بالكامل، ولكن مشاهدة هذا الشريط بتركيز قد يؤدي لاستنفاد “بطاريات” المتفرجين أيضا!