القديم (الفن الفلسطيني ـ)
يعد الفن الفلسطيني القديم أحد فنون بلاد الشام وأقطار الشرق الأدنى القديم، وقد تميز بقدم نشوء الفن في بلاد فلسطين، وتفاعله مع فنون أقطار الشرق القديم، وتجسيده المعتقدات الدينية، وتلبيته متطلبات الحياة اليومية؛ ما جعل الفن في بلاد فلسطين مرآة المجتمع يعبر عن معتقداته الروحية، ويلبي متطلبات الإنسان الحياتية.
في عصور ما قبل التاريخ
اتسم تاريخ الفن في بلاد فلسطين في عصور ما قبل التاريخ بالغموض، وباعتماده على الآثار المادية كالأدوات الحجرية المختلفة والأواني الفخارية المحلية.
في العصر الحجري القديم
كان إنسان العصر الحجري القديم يعيش في الكهوف، وتعتمد صناعته وفنونه على صنع أدوات حجرية كان يستخدمها كبلطات يدوية ومكاشط وسواطير ومطارق وفؤوس. وتشكلت جماعات بشرية بدائية كانت تعيش مما تنتجه الطبيعة. وتعود أقدم الهياكل البشرية المكتشفة في أراضي فلسطين إلى منتصف العصر الحجري القديم، فقد عُثر على معظم هذه الهياكل العظمية البشرية في كهوف جبل الكرمل ولاسيما في مغارة الطابون ومغارة السخول. إضافة إلى كهف في جنوبي الناصرة في جبل القفزة، وكهف مغارة الزطية شمال غربي بحيرة طبريا ومغارة الأميرة قرب بحيرة طبريا، وتتراوح هذه الهياكل العظمية بين إنسان نياندرتال وإنسان العصر الحديث.
وقد أسهمت الحياة الاجتماعية البدائية في تطوير لغة الناس البدائية. وأسهم التأمل في هذا الكون الجميل الغامض في ظهور معتقدات دينية بدائية تتعلق بأرباب الحقول والزراعة والخصب وضوء القمر الذي يبدد الظلام والخوف والوحشة.
في العصر الحجري الوسيط
تابع الإنسان الفلسطيني صنع أدواته الحجرية المختلفة، مع ميله إلى الإقلال من الحجم، وظهرت الحضارة النطوفية في أوائل العصر الحجري الوسيط حتى نحو الألف السادس قبل الميلاد في وادي النطوف شمال غربي القدس في كهف الشقبة. وكان من منجزات ذلك الإنسان صنع أدوات حجرية مختلفة صغيرة الحجم، ورؤوس سهام مختلفة، وتدجين الحيوانات، وممارسة الزراعة في أواخر العصر الحجري الوسيط وبداية العصر الحجري الحديث. وهكذا تدرج الإنسان حضارياً وفق المراحل الآتية:
ـ مرحلة جمع الطعام
ـ مرحلة إنتاج الطعام
ـ مرحلة حفظ الطعام في الأواني الحجرية والنباتية المختلفة.
ـ وفي نحو الألف السابع قبل الميلاد بدأ الإنسان يصنع أوانيه من الطين ثم من الفخار. ثم بدأ يبدع من الطين والفخار تماثيل الحيوانات المختلفة كالبقر والماعز والغنم والخنازير ويقدمها نذوراً للآلهة.
في العصر الحجري الحديث
العصر الحجري الحديث من نحو الألف السادس قبل الميلاد حتى ظهور الكتابة بأشكالها البدائية الأولى. واستمر ذلك الإنسان على إبداع أدواته الحجرية الصغيرة بدقة وإتقان مستقراً في أرضه الخصبة ومراعيه الخضراء يمارس الزراعة وتربية الحيوانات. ويبدع في صنع أوانيه الفخارية المحلية المختلفة التي حلت محل الأواني من اليقطين والجلود والحجر والخشب المجوّف. وكان لاكتشاف النار أثره الكبير في إعداد الطعام والإضاءة وطرد الحيوانات. وقد ازدادت قدرات الإنسان العقلية وظهرت مدن تزايدت أهميتها ولاسيما المدن الآتية:
ـ مجدو (تل المتسلم): تعاقبت عليها المباني انطلاقاً من الأكواخ إلى المباني المعقدة ومروراً بالمباني المستطيلة المختلفة التي استخدمت في عمارتها الأحجار الخام والآجر على أساسات من الحجر.
ـ جيريكو (أريحا): قرب الضفة الشمالية للبحر الميت على طريق يجتاز البلاد الفلسطينية من الشرق إلى الغرب: أظهرت التنقيبات الأثرية فيها تجمعاً عمرانياً كبيراً ومهماً يحيط به سور بقي منه برج ضخم من الحجر استمرت فترة دوامه حتى نهاية ما عُرف باسم فترة ما قبل الفخار.
في هذه الفترة، كانت المساكن مبنية من الآجر المجفّف، وعلى سطحه طبعات عميقة من ضغط الإصبع مما يساعد طبقة الكلس على البقاء والالتصاق بالجدار.
والجدير بالذكر أن هناك مساحات مشيدة خصصت للعبادة، وفيها مدافن عثر فيها على جماجم بشرية يعلوها الطين، وقد حل محل العيون أصداف، وهناك صور جصّية.
ومن الآثار الفنية الفلسطينية تمثال عثر عليه في موقع (عين الغزال).
في العصر الحجري النحاسي:
اكتشف النحاس في شبه جزيرة سيناء للمرة الأولى، وأدرك الإنسان أهمية هذا الاكتشاف في حياته الحربية والعادية في عصر اتسم بقوة مصر السياسية ونفوذها الثقافي وكثرة الاستيراد منها.
وظهرت الحضارة الغسولية في الألف الرابع قبل الميلاد في تليلات الغسول قرب أريحا وقد اتسمت ببداية ظهور المعدن.
وظهرت عادات جنائزية جديدة مثل الاحتفاظ بعظام الموتى في جرار اتخذت توابيت، وتطورت الحضارة الغسولية في منطقة البحر الميت والنقب.
وفي عام 1929ـ1932 عثر على أقدم الأدوات المعدنية، وقام جان بيرو Jean Perrot بالتنقيب في منطقة بئر السبع عام 1958 في موقع أبو مطر وصفدي، فأظهرت هذه التنقيبات مسكناً تحت الأرض جزئياً، ينسجم مع الظروف المناخية والإقليمية، إضافة إلى المصنوعات المعدنية المتميزة بمستواها. وهناك مصنوعات من النحاس المستخرج من مناجم النقب، والأواني المصنوعة من البازلت والفخار المدهون أو الملون، وروائع المصنوعات من العاج أو عظام فرس النهر. وتجدر الإشارة إلى تمثال من عظام فرس النهر ارتفاعه 25سم، يمثل شخصاً واقفاً يضم يديه إلى جانبيه، وقد تدثر بثوب شفاف يصل إلى ركبتيه، وأظهرت شفافية الثوب نوع الجنس. عثر على هذا التمثال في موقع صفدي في النقب.
وقامت المدرسة التوراتية في القدس بتنقيباتها الأثرية في تل فارة قرب نابلس عام 1946ـ1960 فأظهرت سويات العصر الحجري النحاسي، والعصر البرونزي القديم، ومرحلة الانتقال من مسكن ريفي بدائي إلى منشأة معمارية. وإنتاج الفخار بنمط واحد.
وفي موقع (التل/آي) أجرت بعثة جيمس روتشيلد James Rotschild تنقيباتها الأثرية عام 1933ـ1935 برئاسة ماركيت كراوس Marquet-Krause وتبين أن هذا الموقع منيع وحصين، ويتضمن معبداً له قاعة عرضانية ذات خمس دعائم. وهناك قبور غنية بأثاثها الجنائزي الذي يدل على أنواع المنتجات المحلية الفخارية في العصر البرونزي القديم مثل:
ـ الفخار الأحمر اللامع.
ـ الفخار المدهون بلون أحمر على أرضية بيضاء.
ـ الفخار الرمادي اللامع.
وفي العصر البرونزي الوسيط في بداية الألف الثاني قبل الميلاد هناك مكتشفات موقع فارة و(جيركو/أريحا) المهمة التي دلت على أن التغيرات الكبيرة تركت أثرها الكبير، وأن النصوص المسمارية دلت على هوية تلك الممالك الصغيرة التي تتقاسم حكم البلاد. وكان الصناع يقلدون المصنوعات المصرية ومن هذه المكتشفات:
ـ وعاء عثر عليه في أريحا.
ـ مطرة من الخزف الأزرق اكتشفت في موقع فارة.
ـ تمائم إيزيس جالسة، اكتشفت في موقع فارة.
ـ جعل مختلفة عثر عليها في أريحا تدل على النفوذ المصري في فلسطين في عصر فراعنة مصر الأقوياء من السلالة الثانية عشرة.
وفي العصر البرونزي الحديث 1500ـ1150 قبل الميلاد جرت مراسلات الملوك المحليين مع فرعون مصر أخناتون تتحدث عن الأخطار التي تتهددهم. ومن هذه الرسائل:
ـ رسالة بيريديا المرسلة من (مجدو).
ـ رسالة شواردات تذكر العربات المرسلة من سلالة عكا.
ـ رسالة آياب تتضمن اسم (هازور).
وشهدت مواقع ساحلية فلسطينية بعض الازدهار لعلاقتها بالإيجيين.
وقام البريطاني فليندرز بيتري Flinders Petrie بتنقيباته الأثرية في تل الدوير وغيره، وقدم إلى متحف اللوڤر عام 1891 بعض الآثار الفخارية ولاسيما القطع الفخارية القبرصية المستوردة.
وفي مدينة جزر نقّب مكاليستر Macalister عام 1902ـ1909م في قطاع غزة. وفي هذا الموقع حقق فرعون مصر تحتمس الثالث 1490ـ 1436ق.م انتصاره الحاسم على جيوش الآسيويين فخلد هذا الانتصار على جدران معبد آمون في الكرنك.
وتُظهر المواقع الأثرية الداخلية مثل: فارة، وأريحا تقليداً محلياً للفخار القبرصي أو الميسيني. ومن هذه الآثار الفخارية: جرة قبرصية عثر عليها في أريحا، وكان ريمون فايل قد قدّم عام 1914 إلى متحف اللوڤر نموذجاً من هذا الفخار القبرصي المستورد أو المقلَّد محلياً.
العمران عند قدماء الفلسطينيين: كان الفلسطينيون يحرصون على حسن اختيار موقع مدنهم في أماكن مرتفعة يسهل الدفاع عنها، وقرب مصادر المياه.
وكان من أهم مدنهم:
ـ غزة التي اشتهر تاريخها بصمودها أمام زحف جيوش إسكندر المقدوني الذي أوقعه أميرها (باطيس) برمحه على الأرض.
ـ عسقلان مدينة (أنطيوخس العسقلاني) الذي حاول توحيد آراء الأفلاطونيين والرواقيين وأسس أكاديمية في الاسكندرية وأخرى في أثينا.
ـ اشدود سيدة اتحاد المدن الفلسطينية.
ـ عقرون.
ـ جت: أبعد المدن الفلسطينية في داخل البلاد (تل عرق المنشية) تبعد نحو ستة أميال عن بيت جبرين غرباً.
وكان جبل الكرمل بمنزلة الحد الفاصل بين بلادهم الفلسطينية وبلاد الفينيقيين في الشمال.
وامتاز الفلسطينيون بخبرتهم في حسن استخدام الحديد. وتدرجوا بالحضارة من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي.
ومن أهم الآثار المكتشفة:
ـ مجسم معبد من الفخار الأحمر الجميل له باب كبير، في كل من جانبيه عمود يعلوه تاج عمود مؤلف من حلزونين كبيرين متقابلين. عثر عليه في موقع فارة ويبلغ ارتفاعه نحو 21سم.
ـ أوانٍ من الفخار الأحمر المصقول الذي أصبح من خصائص فن الفخار الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى كسرات فخارية عثر عليها في (آراد) تبدو عليها كتابات بالحبر، وتعطي هذه الكتابات فكرة عن نماذج النصوص الإدارية والاقتصادية المختلفة على هذا النوع من مادة الفخار المستخدمة بكثرة عصرئذٍ في أقطار الشرق الأدنى القديم.
والجدير بالذكر أن الفنان الفلسطيني القديم زيَّن أوانيه الفخارية بزخارف مختلفة، تتدرج من الخطوط البسيطة أو المتوازية إلى الزخارف المستوحاة من الخيال أو من الطبيعة.
وفي تليلات الغسول اكتشف مالون في جنوب فلسطين رسماً جدارياً في مبنى يعود إلى نحو 2000 قبل الميلاد، وقد بقي من هذا الرسم الجداري رسم كوكب له ثمانية إشعاعات...له قيمة فنية وجمالية من جهة، وقيمة رمزية وسحرية من جهة أخرى.
إن أقراص المغازل الحجرية والفخارية والعظمية وغيرها تدل على مدى انتشار صناعة الغزل والنسيج في المجتمع الفلسطيني القديم.
إن أهمية الآثار الفنية الفلسطينية تطلبت تأسيس متحف لها في القدس.
وهكذا، أسس أبناء فلسطين الكنعانيون المدن المنيعة بأسوارها وأبراجها، وأبدعوا المنحوتات الفخارية والعاجية المختلفة، وتفوقوا في ميادين استخدام المعادن، وإبداع الأواني الفخارية المختلفة التي يحتفظ بها عدد من متاحف العالم. وإذا تسرب كثير من الآثار الفلسطينية وسُرق وزوِّر، فإن الآثاريين ومؤرخي الفن يتحدثون بكثير من الاهتمام والإعجاب عن روائع الفن الفلسطيني، ويسهل عليهم ردّ فرية الإسرائيليين بأن هذا الفن بألوانه هو في غالبه من صنع بني إسرائيل.
بشير زهدي
يعد الفن الفلسطيني القديم أحد فنون بلاد الشام وأقطار الشرق الأدنى القديم، وقد تميز بقدم نشوء الفن في بلاد فلسطين، وتفاعله مع فنون أقطار الشرق القديم، وتجسيده المعتقدات الدينية، وتلبيته متطلبات الحياة اليومية؛ ما جعل الفن في بلاد فلسطين مرآة المجتمع يعبر عن معتقداته الروحية، ويلبي متطلبات الإنسان الحياتية.
في عصور ما قبل التاريخ
مشابك متنوعة من العصر البرونزي القديم (الألف الثالث ـ الألف الثاني قبل الميلاد) |
قارورة ضيقة العنق من العصر البرونزي القديم (3200ـ3100 قبل الميلاد) |
في العصر الحجري القديم
كان إنسان العصر الحجري القديم يعيش في الكهوف، وتعتمد صناعته وفنونه على صنع أدوات حجرية كان يستخدمها كبلطات يدوية ومكاشط وسواطير ومطارق وفؤوس. وتشكلت جماعات بشرية بدائية كانت تعيش مما تنتجه الطبيعة. وتعود أقدم الهياكل البشرية المكتشفة في أراضي فلسطين إلى منتصف العصر الحجري القديم، فقد عُثر على معظم هذه الهياكل العظمية البشرية في كهوف جبل الكرمل ولاسيما في مغارة الطابون ومغارة السخول. إضافة إلى كهف في جنوبي الناصرة في جبل القفزة، وكهف مغارة الزطية شمال غربي بحيرة طبريا ومغارة الأميرة قرب بحيرة طبريا، وتتراوح هذه الهياكل العظمية بين إنسان نياندرتال وإنسان العصر الحديث.
وقد أسهمت الحياة الاجتماعية البدائية في تطوير لغة الناس البدائية. وأسهم التأمل في هذا الكون الجميل الغامض في ظهور معتقدات دينية بدائية تتعلق بأرباب الحقول والزراعة والخصب وضوء القمر الذي يبدد الظلام والخوف والوحشة.
في العصر الحجري الوسيط
تابع الإنسان الفلسطيني صنع أدواته الحجرية المختلفة، مع ميله إلى الإقلال من الحجم، وظهرت الحضارة النطوفية في أوائل العصر الحجري الوسيط حتى نحو الألف السادس قبل الميلاد في وادي النطوف شمال غربي القدس في كهف الشقبة. وكان من منجزات ذلك الإنسان صنع أدوات حجرية مختلفة صغيرة الحجم، ورؤوس سهام مختلفة، وتدجين الحيوانات، وممارسة الزراعة في أواخر العصر الحجري الوسيط وبداية العصر الحجري الحديث. وهكذا تدرج الإنسان حضارياً وفق المراحل الآتية:
ـ مرحلة جمع الطعام
ـ مرحلة إنتاج الطعام
ـ مرحلة حفظ الطعام في الأواني الحجرية والنباتية المختلفة.
ـ وفي نحو الألف السابع قبل الميلاد بدأ الإنسان يصنع أوانيه من الطين ثم من الفخار. ثم بدأ يبدع من الطين والفخار تماثيل الحيوانات المختلفة كالبقر والماعز والغنم والخنازير ويقدمها نذوراً للآلهة.
في العصر الحجري الحديث
العصر الحجري الحديث من نحو الألف السادس قبل الميلاد حتى ظهور الكتابة بأشكالها البدائية الأولى. واستمر ذلك الإنسان على إبداع أدواته الحجرية الصغيرة بدقة وإتقان مستقراً في أرضه الخصبة ومراعيه الخضراء يمارس الزراعة وتربية الحيوانات. ويبدع في صنع أوانيه الفخارية المحلية المختلفة التي حلت محل الأواني من اليقطين والجلود والحجر والخشب المجوّف. وكان لاكتشاف النار أثره الكبير في إعداد الطعام والإضاءة وطرد الحيوانات. وقد ازدادت قدرات الإنسان العقلية وظهرت مدن تزايدت أهميتها ولاسيما المدن الآتية:
ـ مجدو (تل المتسلم): تعاقبت عليها المباني انطلاقاً من الأكواخ إلى المباني المعقدة ومروراً بالمباني المستطيلة المختلفة التي استخدمت في عمارتها الأحجار الخام والآجر على أساسات من الحجر.
ـ جيريكو (أريحا): قرب الضفة الشمالية للبحر الميت على طريق يجتاز البلاد الفلسطينية من الشرق إلى الغرب: أظهرت التنقيبات الأثرية فيها تجمعاً عمرانياً كبيراً ومهماً يحيط به سور بقي منه برج ضخم من الحجر استمرت فترة دوامه حتى نهاية ما عُرف باسم فترة ما قبل الفخار.
في هذه الفترة، كانت المساكن مبنية من الآجر المجفّف، وعلى سطحه طبعات عميقة من ضغط الإصبع مما يساعد طبقة الكلس على البقاء والالتصاق بالجدار.
والجدير بالذكر أن هناك مساحات مشيدة خصصت للعبادة، وفيها مدافن عثر فيها على جماجم بشرية يعلوها الطين، وقد حل محل العيون أصداف، وهناك صور جصّية.
ومن الآثار الفنية الفلسطينية تمثال عثر عليه في موقع (عين الغزال).
في العصر الحجري النحاسي:
اكتشف النحاس في شبه جزيرة سيناء للمرة الأولى، وأدرك الإنسان أهمية هذا الاكتشاف في حياته الحربية والعادية في عصر اتسم بقوة مصر السياسية ونفوذها الثقافي وكثرة الاستيراد منها.
وظهرت الحضارة الغسولية في الألف الرابع قبل الميلاد في تليلات الغسول قرب أريحا وقد اتسمت ببداية ظهور المعدن.
وظهرت عادات جنائزية جديدة مثل الاحتفاظ بعظام الموتى في جرار اتخذت توابيت، وتطورت الحضارة الغسولية في منطقة البحر الميت والنقب.
وفي عام 1929ـ1932 عثر على أقدم الأدوات المعدنية، وقام جان بيرو Jean Perrot بالتنقيب في منطقة بئر السبع عام 1958 في موقع أبو مطر وصفدي، فأظهرت هذه التنقيبات مسكناً تحت الأرض جزئياً، ينسجم مع الظروف المناخية والإقليمية، إضافة إلى المصنوعات المعدنية المتميزة بمستواها. وهناك مصنوعات من النحاس المستخرج من مناجم النقب، والأواني المصنوعة من البازلت والفخار المدهون أو الملون، وروائع المصنوعات من العاج أو عظام فرس النهر. وتجدر الإشارة إلى تمثال من عظام فرس النهر ارتفاعه 25سم، يمثل شخصاً واقفاً يضم يديه إلى جانبيه، وقد تدثر بثوب شفاف يصل إلى ركبتيه، وأظهرت شفافية الثوب نوع الجنس. عثر على هذا التمثال في موقع صفدي في النقب.
فنجان فخاري من العصر البرونزي القديم (3100ـ2900قبل الميلاد) |
وفي موقع (التل/آي) أجرت بعثة جيمس روتشيلد James Rotschild تنقيباتها الأثرية عام 1933ـ1935 برئاسة ماركيت كراوس Marquet-Krause وتبين أن هذا الموقع منيع وحصين، ويتضمن معبداً له قاعة عرضانية ذات خمس دعائم. وهناك قبور غنية بأثاثها الجنائزي الذي يدل على أنواع المنتجات المحلية الفخارية في العصر البرونزي القديم مثل:
ـ الفخار الأحمر اللامع.
ـ الفخار المدهون بلون أحمر على أرضية بيضاء.
ـ الفخار الرمادي اللامع.
وفي العصر البرونزي الوسيط في بداية الألف الثاني قبل الميلاد هناك مكتشفات موقع فارة و(جيركو/أريحا) المهمة التي دلت على أن التغيرات الكبيرة تركت أثرها الكبير، وأن النصوص المسمارية دلت على هوية تلك الممالك الصغيرة التي تتقاسم حكم البلاد. وكان الصناع يقلدون المصنوعات المصرية ومن هذه المكتشفات:
قارورة ضيقة العنق من العصر البرونزي الوسيط (1730ـ 1550قبل الميلاد) |
ـ مطرة من الخزف الأزرق اكتشفت في موقع فارة.
ـ تمائم إيزيس جالسة، اكتشفت في موقع فارة.
ـ جعل مختلفة عثر عليها في أريحا تدل على النفوذ المصري في فلسطين في عصر فراعنة مصر الأقوياء من السلالة الثانية عشرة.
وفي العصر البرونزي الحديث 1500ـ1150 قبل الميلاد جرت مراسلات الملوك المحليين مع فرعون مصر أخناتون تتحدث عن الأخطار التي تتهددهم. ومن هذه الرسائل:
ـ رسالة بيريديا المرسلة من (مجدو).
ـ رسالة شواردات تذكر العربات المرسلة من سلالة عكا.
ـ رسالة آياب تتضمن اسم (هازور).
وشهدت مواقع ساحلية فلسطينية بعض الازدهار لعلاقتها بالإيجيين.
إبريق فخاري من العصر البرونزي الحديث (1500ـ 1200قبل الميلاد) |
وفي مدينة جزر نقّب مكاليستر Macalister عام 1902ـ1909م في قطاع غزة. وفي هذا الموقع حقق فرعون مصر تحتمس الثالث 1490ـ 1436ق.م انتصاره الحاسم على جيوش الآسيويين فخلد هذا الانتصار على جدران معبد آمون في الكرنك.
وتُظهر المواقع الأثرية الداخلية مثل: فارة، وأريحا تقليداً محلياً للفخار القبرصي أو الميسيني. ومن هذه الآثار الفخارية: جرة قبرصية عثر عليها في أريحا، وكان ريمون فايل قد قدّم عام 1914 إلى متحف اللوڤر نموذجاً من هذا الفخار القبرصي المستورد أو المقلَّد محلياً.
العمران عند قدماء الفلسطينيين: كان الفلسطينيون يحرصون على حسن اختيار موقع مدنهم في أماكن مرتفعة يسهل الدفاع عنها، وقرب مصادر المياه.
وكان من أهم مدنهم:
ـ غزة التي اشتهر تاريخها بصمودها أمام زحف جيوش إسكندر المقدوني الذي أوقعه أميرها (باطيس) برمحه على الأرض.
ـ عسقلان مدينة (أنطيوخس العسقلاني) الذي حاول توحيد آراء الأفلاطونيين والرواقيين وأسس أكاديمية في الاسكندرية وأخرى في أثينا.
ـ اشدود سيدة اتحاد المدن الفلسطينية.
ـ عقرون.
ـ جت: أبعد المدن الفلسطينية في داخل البلاد (تل عرق المنشية) تبعد نحو ستة أميال عن بيت جبرين غرباً.
وكان جبل الكرمل بمنزلة الحد الفاصل بين بلادهم الفلسطينية وبلاد الفينيقيين في الشمال.
وامتاز الفلسطينيون بخبرتهم في حسن استخدام الحديد. وتدرجوا بالحضارة من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي.
ومن أهم الآثار المكتشفة:
ـ مجسم معبد من الفخار الأحمر الجميل له باب كبير، في كل من جانبيه عمود يعلوه تاج عمود مؤلف من حلزونين كبيرين متقابلين. عثر عليه في موقع فارة ويبلغ ارتفاعه نحو 21سم.
ـ أوانٍ من الفخار الأحمر المصقول الذي أصبح من خصائص فن الفخار الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى كسرات فخارية عثر عليها في (آراد) تبدو عليها كتابات بالحبر، وتعطي هذه الكتابات فكرة عن نماذج النصوص الإدارية والاقتصادية المختلفة على هذا النوع من مادة الفخار المستخدمة بكثرة عصرئذٍ في أقطار الشرق الأدنى القديم.
والجدير بالذكر أن الفنان الفلسطيني القديم زيَّن أوانيه الفخارية بزخارف مختلفة، تتدرج من الخطوط البسيطة أو المتوازية إلى الزخارف المستوحاة من الخيال أو من الطبيعة.
وفي تليلات الغسول اكتشف مالون في جنوب فلسطين رسماً جدارياً في مبنى يعود إلى نحو 2000 قبل الميلاد، وقد بقي من هذا الرسم الجداري رسم كوكب له ثمانية إشعاعات...له قيمة فنية وجمالية من جهة، وقيمة رمزية وسحرية من جهة أخرى.
إن أقراص المغازل الحجرية والفخارية والعظمية وغيرها تدل على مدى انتشار صناعة الغزل والنسيج في المجتمع الفلسطيني القديم.
إن أهمية الآثار الفنية الفلسطينية تطلبت تأسيس متحف لها في القدس.
وهكذا، أسس أبناء فلسطين الكنعانيون المدن المنيعة بأسوارها وأبراجها، وأبدعوا المنحوتات الفخارية والعاجية المختلفة، وتفوقوا في ميادين استخدام المعادن، وإبداع الأواني الفخارية المختلفة التي يحتفظ بها عدد من متاحف العالم. وإذا تسرب كثير من الآثار الفلسطينية وسُرق وزوِّر، فإن الآثاريين ومؤرخي الفن يتحدثون بكثير من الاهتمام والإعجاب عن روائع الفن الفلسطيني، ويسهل عليهم ردّ فرية الإسرائيليين بأن هذا الفن بألوانه هو في غالبه من صنع بني إسرائيل.
بشير زهدي