القرامطة Qarmatians فئة عُرفت بهذا الاسم، ومبدأ أمرها في القرن الثالث الهجري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القرامطة Qarmatians فئة عُرفت بهذا الاسم، ومبدأ أمرها في القرن الثالث الهجري

    القرامطة
    (270 ـ 467هـ/883 ـ 1074م)

    القرامطة فئة عُرفت بهذا الاسم، ومبدأ أمرها في القرن الثالث الهجري، وسبب التسمية محل خلاف، ولا رأي حاسم فيها، وهي إما نسبة إلى حمدان ابن الأشعث الملقب بقرمط من أهل سواد الكوفة، وسمي قرمطاً لأنه كان قصير القامة قصير الرجلين متقارب الخطو، وإما نسبة إلى مذهب باطل لا إلى رجل، ويبعد باحثون آخرون فيرجعون النسبة إلى كلمة (قرمطة) الآرامية وتعني العِلْم السري والحركة القرمطية حركة بدأت ونشأت في ثلاث مناطق رئيسية من المشرق العربي وهي منطقة السواد من جنوبي العراق وبادية الشام، والبحرين وشرقي الجزيرة العربية.
    قرامطة السواد
    بدأت دعوة القرامطة في بلاد الكوفة منذ أواسط القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي (261هـ/874م) ولكن أول تحرك لهم في السواد حدث سنة 278هـ/891م، وكان مبدأ أمرهم بقدوم الحسين الأهوازي من خوزستان إلى موقع النهرين من السواد، ويُقال إنه صار إلى سلمِية مركز الدعوة الإسماعيلية آنذاك فالتف حوله فئة منهم واستجاب لداعيهم في السواد حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط، وكان ممن استجاب له أيضاً، مهرويه بن زكرويه السلماني الصواني الدنداني وجلندي الرازي وعكرمة البابلي وإسحق البوراني وعطيف النيلي وغيرهم.
    وغدا حمدان مقدماً عند الأهوازي (ت264هـ/877م)، وبعد موته تولى حمدان أمر الدعوة التي قُيض لها أن تُنسب إليه، وعيَّن 12 نقيباً يمثلونه في أماكن مختلفة من السواد، وفرض إجراءات مالية ودينية، وتصاعد بالفروض المالية فبدأها بضريبة الفطر بمبلغ زهيد على كل فرد ثم رفعها إلى ضريبة الهجرة الأكبر ثم فرض ضريبة البُلغة ثم ضريبة الخمس مما يملكون وأخيراً فرض الألفة وهي جمع أموال الأتباع كافة في موضع واحد يُختار لها رجل ثقة من القرية لإدارتها وتوزيعها.
    وأُغري بالدعوة جماعات من الناس انضموا إليها، وتذكر المصادر أن حمدان أباح بعدئذٍ النهب وأسقط الفرائض، وأباح النساء على خلاف ما كانت تذكره تلك المصادر عن إصراره على التقوى والزهد والحماسة الدينية في البداية، وكان عبدان صهر حمدان أداته الرئيسية، وكاتم أسراره، ومؤلف بعض كتب القرامطة، الملقب بالكاتب، وهو الذي عين زكرويه بن مهرويه الدنداني داعية العراق الغربي، وأبا سعيد الجنابي داعية فارس الجنوبية، بيد أن حمدان وعبدان انقلبا على الحركة الإسماعيلية التي انضما إليها في البدء وصارا يعملان لمصلحتهما، وبعد ذلك انشق زكرويه بن مهرويه عن حمدان وعبدان ودبر اغتيال عبدان صهر حمدان داعي دعاة السواد فطلبه حمدان، فتوارى سنوات خشية ملاحقة حمدان له، وكان زكرويه نفسه من المنشقين أصلاً عن الحركة الإسماعيلية وقام بقيادة حركة قرامطة الشام.
    كانت منطقة السواد زراعية خصبة، وكان الفلاحون أخلاطاً، والحرفيون والصنَّاع قلة، وحالة الكوفة سيئة مضطربة مما أدى إلى قوة أمر قرامطة السواد وانضمام كثير من العرب إليهم.
    وعلى هذا تتجلى قوة العامل الاقتصادي الاجتماعي في نشوء الحركة فضلاً عن تأثيرات فكرية ودينية وسياسية أخرى.
    وقد هيأت ثورة الزنج التي أزعجت الدولة في منطقة البصرة (257ـ270هـ/870ـ883م) المجال لانتشار حركة القرامطة ولاسيما أن أوضاع منطقة السواد كانت بائسة يسودها الفقر والقلق والاضطراب، فصارت المنطقة مؤاتية لنمو الدعوات المختلفة، وبدأت بمناهضة الخلافة في مناطق ووقعات متعددة، كانت تقمع في حينها، وقد حدث اتصال بين حمدان وزعيم ثورة الزنج ولكن لم يصلا إلى اتفاق لتضارب أهوائهما وغاياتهما.
    وبعد ثورة الزنج لم تفكر الدولة باتخاذ تدابير جدية ضد القرامطة، بل إن والي العراق الغربي أحمد بن محمد الطائي عام 269هـ/882م فرض جزية قدرها دينار واحد على كل منتمٍ إلى القرامطة، ثم إن القرامطة، تجرؤوا على الظهور منذ 270هـ/883م وخرجت حركتهم من خفائها في 278هـ وتناهت إلى بغداد أولى أنباء تحركاتهم وأول انتفاضة صغيرة لهم تعود إلى 284هـ تلتها انتفاضات الأعوام 287هـ و288هـ و289هـ وجميعها قُمعت من قبل الخليفة العباسي المعتضد (279ـ289هـ/892ـ902م) وكان سقوطها النهائي سنة 316هـ/928م.
    قرامطة بادية الشام
    وبعد وفاة الخليفة المعتضد 289هـ/902م خرج زكرويه من مخبئه وشرع القرامطة في الشام بزعامته يعملون بالغزو والنهب وقطع الطرق وهو طابع تكوينهم الاجتماعي، وعزم زكرويه على المجازفة بغزو الشام الخاضعة لحكم أميرها طُغْج بن جُف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون حاكم مصر والشام، فوجه ابنه يحيى المكنى أبا القاسم والملقب بـ (الشيخ) مع جموع غفيرة من الأعراب بناحية السماوة وما وراءها غازياً إلى الشام، واجتاز بمن معه الرصافة بعدما أحرقوا مسجدها، واستمروا بتخريب القرى حتى لقيهم طُغْج فهزموه مرات، ثم حاصروا دمشق وضيقوا عليها وأشرف أهلها على الهلاك، فأمدَّ المصريون أهل دمشق وقاتلوا القرامطة وقتلوا مقدمهم على أبواب دمشق مع جمع كثير من أصحابه، ولما قُتِل يحيى الشيخ اجتمع من بقي من أصحابه على أخيه أبي العباس الحسين بن زكرويه، وكان أديباً شاعراً دعا الناس فأجابه أهل البادية وقوي وأظهر شامة في وجهه زعم أنها آيته، وسار إلى دمشق، فصالحه أهلها على خراج فانصرف عنهم إلى أطراف حمص، فغلب عليها وخُطب له على منابرها وتسمى المهدي أمير المؤمنين، وقرب ابن عمه عيسى بن المهدي، ثم أوكل إلى غلام له اسمه المطوّق قتل أسرى المسلمين، وسار بعد تمكنه من حمص إلى حماة ومعرة النعمان فقتل وسبى ثم سار إلى بعلبك فعاث فيها فساداً، ثم سار إلى سلمية فمنعه أهلها فصالحهم بالأمان، ولكنه غدر بهم وقتلهم أجمعين كباراً وصغاراً حتى البهائم قتلها، وكانت حركة قرامطة بادية الشام لا تهدف إلى إقامة كيان سياسي ثابت في مناطق سيطرتهم ولايسعون إلى نشر دعوة أو كسب أنصار بل كانت حركة هائجة تقوم على الغزو والنهب ثم العودة إلى البادية.
    وكتب أهل الشام ومصر إلى الخليفة العباسي المكتفي (289ـ295هـ/902ـ908م) يستصرخونه ويشكون ما يلقون من القرمطي، فخرج مع جيش من بغداد سنة 290هـ/903م متجهاً إلى الشام، ونزلوا قرب حلب، فكبسهم القرمطي صاحب الشامة ولم ينجُ منهم إلا ألف رجل، وسار المكتفي إلى الرقة، ووجه الجيش بقيادة الكاتب محمد بن سليمان لمحاربة القرامطة بالتعاون مع بدر مولى ابن طولون، فانهزم القرامطة في 291هـ/903م هزيمة منكرة قرب حماة، وقُتل منهم خلق كثير ومضى من سَلُم إلى البادية فوجه المكتفي في أثرهم الحسين بن حمدان وغيره، وفي دالية ابن طوق على الفرات قبض عسكر الخليفة على صاحب الشامة وصحبه الفارين وسيقوا إلى الخليفة في الرقة، ثم سيقوا في موكب الخليفة إلى بغداد فجرى فيها احتفال كبير أمام الخليفة بقتل صاحب الشامة وما يزيد على ثلاثمئة وستين من أنصاره، وبعد مقتل أبي شامة أنفذ زكرويه رجلاً يعلّم الصبيان في قرية الزابوقة قرب الفلوجة اسمه عبد الله بن سعيد المكنى أبا غانم، وتسمى نصراً ليعلن أمره على الناس والتف حوله بعض الناس وقصد الشام، فحوران فطبريا التي اجتاحوها وقتلوا عاملها يوسف ابن إبراهيم، وأغار القرامطة في 293هـ/906م على هيت ورحلوا عنها إلى البرية بعد نهب وسلب دون دخولها، وجاء جيش السلطان بقيادة محمد بن إسحق بن كنداج إلى هيت وتبعه مؤنس الخادم فهرب القرامطة إلى منطقة المائين ونهض ابن كنداج إليهم وكتب إلى الحسين بن حمدان للمجيء من جهة الرحبة فاختلف القرامطة فيما بينهم وتشتتوا وقتل عبد الله بن سعيد.
    حينئذٍ أظهر زكرويه نفسه من مخبئه وكان يلقب بالسيد ويحتجب بشخصه عن أتباعه ويتولى داعيته القاسم بن أحمد الأمور، واستفحل أمره في البادية. وفي عام 293هـ كمن زكرويه للحاج في الهبير وأوقع بقافلتين غنيتين وقتل كثيراً وحاز أموالهم، وتنقل في مواضع عدة ينتظر القافلة الثالثة وفيها وجوه قوم ونفائس، وأنهض الخليفة المكتفي وصيف بن صوارتكين سنة 294هـ بجيش، وجرى قتال شديد مع زكرويه وجيشه المتمركز في حفير أبي موسى (الباطن)، ومُزِّق جيش القرامطة وجرح زكرويه جرحاً خطيراً وأُسِر مع خليفته وجماعة من خواصه، ومات زكرويه بعد خمسة أيام وحمل إلى بغداد فصلب وقُتل أصحابه، وانحسر بذلك تهديد قرامطة بادية الشام وسواد الكوفة، وتمكن العباسيون من القضاء على حركة القرامطة في هاتين المنطقتين ولكنهم لم يستطيعوا القضاء على دولة القرامطة في البحرين التي ظلت قائمة حتى 467هـ/1074م.
    قرامطة البحرين
    كان أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي بائعُ الطحين من قرية جنابة في جنوبي بلاد العجم مطلوباً من شرطة منطقته ففر إلى سواد الكوفة، واتصل بحمدان قرمط، وتعلق بدعوته، وتوسّم فيه حمدان القدرة والكفاية، فأرسله وصهره عبدان داعية إلى البحرين وجنوبي فارس، واستقر أبو سعيد تاجراً في القطيف سنة 286هـ/899م وكان قد سبقه إليها داعية مُرسَل من قبل عبدان اسمه يحيى بن المهدي (وربما كان اسمه أبو زكريا الصمامي) ليبشر بالمذهب القرمطي منذ 281هـ/894م.
    وتمكن الرجلان من كسب الأتباع، وما لبث أبو سعيد أن قتل زميله لينفرد بالزعامة، وادّعى أنه ممثل الإمام المهدي الذي وعد بظهوره سنة 300هـ/912م، وكان أهل المنطقة يكرهون الخلافة العباسية ويضيقون ذرعاً بفروض الإسلام وشعائره الدينية، وكان فيهم أيام ثورة الزنج كثير من أنصارها، وكان اقتصاد المنطقة مزيج من التجارة والرعي وزراعة الواحات.
    وكانت المنطقة قد فقدت أهميتها التجارية وتدهور اقتصادها وأثقلتها الضرائب مع انعدام الأمن، وشملها إهمال الدولة حتى إن ولاتها كانوا يديرونها وكالة ولا ينزلون هجر عاصمة البحرين.
    وتزوج أبو سعيد من ابنة رجل مرموق هو الحسن بن سنبر الذي صار من أوائل المستجيبين له، وبث المبشرين وتمكن في 286هـ/899م من أخذ القطيف وفتح هجر سنة 287هـ/900م، واتخذ الأحساء عاصمة له، وعمل على النهوض باقتصاد الأحساء باستغلال موارد البلاد والتوسع في استخدام العبيد واستثمار أموال الغزو والغنائم، وتعهد الفقراء وقام بإصلاحات عامة مثل إصلاح البيوت وتشغيل الطواحين مجاناً، وعمد أبو سعيد إلى جمع الخيل وإعداد السلاح وجمع الصبيان وتعليمهم الفروسية، وأعد المقاتلة بطريقة منظمة وتكونت في الدولة طبقات ذات مصالح، وتحولت القيادة إلى أرستقراطية تملك العبيد والأراضي والمطاحن، والقاعدة لأعمال الحرب والحراسة، ولم تكن الاستجابة لدعوة دينية بقدر ما هي استجابة دنيوية تلبي نزعات النهب والسلب، واقترب القرامطة من البصرة فأخرج العباسيون إليهم سنة 289هـ/902م القائد العباس بن عمرو الغنوي والي اليمامة والبحرين، فهُزِمت قواته وأُسِر مع قسم من رجاله، وذُعِر أهل البصرة وثبتهم واليها أحمد بن محمد الواثقي، وأطلق أبو سعيد العباس الغنوي وحمّله رسالة إلى الخليفة المعتضد يهدده فيها؛ فمال العباسيون إلى الملاينة بمشورة الوزير علي بن عيسى، وكتب الخليفة المقتدر (295ـ320هـ/908ـ932م) كتاباً إلى أبي سعيد يطالبه بإطلاق سراح الأسرى وغير ذلك، ووصلت رسالة المقتدر بعد مقتل أبي سعيد 301هـ/913م إلى ابنه أبي طاهر فأطلق أبو طاهر الأسرى وبعث رسولاً طالب بالبصرة والأهواز ونواحٍ أخرى ولم يُجَب إلى طلبه.
    وقال القرامطة إن أبا سعيد كان شريفاً أعفاهم من الصلاة والصوم ودعاهم إلى أن مرجعهم إليه، ويقولون عن مذهبهم (إنا بوسعيديون) وزعم أبو سعيد أنه سيرجع إليهم بعد الوفاة.
    وأوصى أبو سعيد بأن يخلفه ابنه سعيد ريثما يكبر أبو طاهر وهو أصغر من أخيه فإذا كبر صار هو المدبر، وكذلك جرى الأمر، وفي 305هـ/917م سلم سعيد الأمر إلى أبي طاهر الذي عظم أمره.
    وكان عهد أبي طاهر بداية لحكم جماعي مؤلف من مجلس حاكم هو مجلس العقدانية أو مجلس أهل الحل والعقد والعقيدة، إضافة إلى الوزراء.
    وجنح أبو طاهر جنوحاً شديداً إلى الغزو والعنف مستغلاً حالة ضعف الخلافة العباسية فاحتل القرامطة البصرة في 310هـ/922م ونهبوا وقتلوا ورحلوا إلى الأحساء فتولى أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ملاحقتهم من دون جدوى، ولكن القرامطة عادوا إلى مهاجمة قوافل الحج وهزموا جيش ابن حمدان وأسروه ونهبوا القوافل، وأطلقوا بعد أشهر ابن حمدان فعاد إلى بغداد، وأخذ القرامطة البصرة في 311هـ/923م، ثم أخذوا الكوفة في 312هـ/924م وفي 315هـ/927م ساروا يريدون بغداد ونزلوا الكوفة وقاتلوا جيش الخليفة فدمّروه وأسروا قائده، وعدل القرامطة عن بغداد واتجهوا إلى الجزيرة وخربوا ما وجدوه أمامهم، ثم عادوا إلى الأحساء.
    وفي 317هـ/929م أغار أبو طاهر وجيشه على مكة فردم فيها زمزم ونهب الكعبة وانتهكها وأعمل القتل واقتلع الحجر الأسود وعاث في المدينة فساداً، ثم عاد إلى بلاده في 318هـ/930م، وفي هذا العام احتل القرامطة عُمان، وتكرر هجوم القرامطة على الكوفة سنوات عدة 319ـ323ـ325 هـ.
    وحينما ساد البويهيون في بغداد وفارس انقلبت الأحوال السياسية واتجه القرامطة نحو تفاهم مع العباسيين، وحدث في 339هـ/950م اتفاق الخليفة العباسي المطيع مع القرامطة مقابل مبلغ من المال وضرائب على أن يردوا الحجر الأسود وعلى أمور أخرى، وقام بعد أبي طاهر أخواه أبو قاسم سعيد وأبو العباس أحمد بالأمر على أن يكون الرأي والتدبير في ستة أشخاص من آل أبي سعيد يؤازرهم ستة وزراء من آل سنبر، وأراد القادة الجدد أن يستميلوا الناس ويحسّنوا الصورة؛ فقاموا في 339هـ/950م برد الحجر الأسود إلى موضعه بعد اثنتين وعشرين سنة من أخذه.
    ودخل القرامطة في مرحلة انكفاء وصراعات سياسية داخلية بين أبناء أبي طاهر وأعمامهم انتهت أخيراً بتغلب الحسن بن أبي منصور أحمد والملقب بالأعصم، فطالت مدته ومع الأعصم عادت القوة المركزية إلى السلطة وسادت فترة استقرار مع اندفاع إلى الحرب والغزو ومعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم.
    كان القرامطة يحصلون من الإخشيدية في مصر على ضريبة سنوية تبلغ ثلاثمئة ألف دينار فلما قطعها الفاطميون بعد دخول قواتهم إلى دمشق، لم يتحمل اقتصاد القرامطة هذه الخسارة، فانقلبت سياستهم رأساً على عقب واندفع الحسن الأعصم في بناء علاقة جيدة ثابتة مع العباسيين أعداء الأمس، وفي قتال لا هوادة فيه ضد الفاطميين. وسار الأعصم مع ما تجمع لديه من العرب إلى دمشق في 360هـ/971م وغفل جعفر بن فلاح القائد الفاطمي لدمشق عن الخطر؛ فُهزِم وقُتل وسار القرمطي إلى الرملة وعليها عاملها الفاطمي سعادة بن حيان الذي لجأ إلى يافا وحوصر فيها من قبل أحد أصحاب الأعصم عبد الله بن علي بن المنجا الأثير عند الأعصم، وحليفه ظالم بن موهوب العقيلي، ونزل الأعصم إلى مصر فقاتله جوهر الصقلي القائد الفاطمي وهزمه، فعاد الأعصم إلى الأحساء واستعاد جوهر يافا، ورجع الأعصم من الأحساء ونزل الرملة وتأهب للمسير إلى مصر، ونزل الأعصم بلبيس من مصر وأوغل بسراياه إلى الداخل، واستعد المعز في 363هـ/973م وحصلت المواجهة بين الحسن وأخيه النعمان من جهة وبين الجيش الفاطمي وعليه عبد الله بن المعز من جهة ثانية، وهُزِم القرامطة وهرب الحسن الأعصم وأُسِر كثيرون، وكان المعز قد استمال بالمال زعيم العرب المحالف للأعصم وهو حسان بن الجراح الطائي قبل المعركة الذي تخلى عن الأعصم وفر من المعركة مع قومه؛ فكان ذلك من أسباب الهزيمة، وأنفذ المعز أبا محمود إبراهيم بن جعفر إلى الشام خلف القرامطة فاستعاد الشام منهم.
    توفي الحسن الأعصم في 366هـ وتوفي أبو يعقوب يوسف آخر أولاد أبي سعيد 367هـ/977م فانتهى حكمهم وبدأ حكم القرامطة يميل إلى الانتهاء، وجنح القرامطة في هذه المرحلة إلى التعاون مع الخلافة العباسية ومع البويهيين الحاكمين فيها فعلياً.
    وفي سنة 375هـ/985م انفصلت عمان، وفي 378هـ/988م نهض الأصفر شيخ بني المنتفق في جنوبي العراق بجمع كبير وهزم القرامطة وحاصرهم في الأحساء، ثم عاد منها إلى القطيف وتضعضع أمرهم، ثم مالوا إلى المسالمة وسموا أنفسهم (البوسعيديين)، وعملوا على تنمية التجارة، وحاولوا الانقضاض على البصرة وحملات الحج فأخفقوا.
    وبعد عام 467هـ/1074م ثار عليهم علي بن محمد بن إبراهيم من قبيلة عبد القيس واستولى بعد معارك متعددة على الأحساء العاصمة ثم استولى من يد يحيى بن العباس على القطيف وأوال (البحرين اليوم)، واستقر السلطان له في منطقة البحرين وزالت دولة القرامطة نهائياً.
    أما عقائد القرامطة فإنهم بدؤوا في السواد بالعقيدة الكيسانية[ر] الحنفية أتباع محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، ثم تحولوا إلى الإسماعيلية[ر] غير أنهم انقلبوا عليها وخالفوها مخالفة تامة سواء في تسلسل الإمامة أم في معناها أم في تأويل آيات القرآن وغيرها، واستحلوا أعراض الناس وأَخْذ أموالهم والشهادة عليهم بالكفر والكذب على مثال مذهب البيهسية والأزارقة من الخوارج، واعتلوا في ذلك بالآية الكريمة ]فَاقْتلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم[ (التوبة 5)، وأن هذا القتل بمنزلة نحر الهدي والشعائر، ورأوا سبي النساء والأطفال، ولكنهم آمنوا بإمامة واحد غائب من أحفاد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق من دون تحديد، وهو عندهم من الأنبياء ذوي العزم يأتي ليلغي كل الشرائع السابقة ويعلن الجهاد على معانديه.
    وقد أحلوا أنفسهم من العبادات فلم يكن لديهم صلاة ولاصيام وإن كانوا لا يمنعون أحداً من القيام بهما وليس لديهم مساجد بيد أنهم سمحوا لمن أراد بناء المساجد، وانتحلوا أسماء الأئمة وكانوا رافضين للمهدي الفاطمي ومنشقين مطلقاً عن الحركة الإسماعيلية، وادعوا أن سبب انشقاقهم أنهم تشككوا حين ظهور المهدي مؤسس الخلافة الفاطمية بشخصية الإمام فلم يعترفوا به وبمن خلفه، وربما كان مرد ذلك أنهم لم يدركوا ـ شأنهم شأن معظم المؤرخين والكتاب القدامى والمحدثين ـ قضية التفويض في العقيدة الإسماعيلية التي يمكن فيها لوارث مؤقت روحي أن يكون تلميذ الإمام فيكون ثمة إمام مستودع معروف وإمام مستقر حقيقي مستتر، ثم تعود إلى مسارها الأصيل، أو أن يتسمى الأئمة بأسماء وهمية وفق مبدأ التقية؛ فالتبس لذلك أمر تتابع الأئمة والتبست كذلك هوية ميمون القداح وابنه عبد الله لدى من بحث في هذا الموضوع.
    وقد نقل معظم الكتاب القدماء الوصوفات والاتهامات عن مصدرين من مصادر السنة هما الغزالي في كتابه «فضائح الباطنية» والشهرستاني في »الملل والنحل« وكلاهما كان ناقلاً عن عبد القاهر البغدادي في «الفرق بين الفرق» أو عن عبد الله بن رزّام الشيعي المعادي، ويلاحظ أن الاتهامات كانت خفيفة في أول الأمر مع ظهور القرامطة ثم أخذت تتصاعد حدتها خاصة بعد قيام الخلافة الفاطمية متحدية ومنافسة سياسياً وعسكرياً وعقائدياً للخلافة العباسية، كما يلاحظ على الباحثين الآنف ذكرهم اختلاط أمر الفرق عليهم فأطلقوا على الواحدة أسماء الفرق الأخرى من دون تمييز، ومن هذه الأسماء الإسماعيلية والباطنية والقرامطة والخرمية والبابكية والمحمّرة والسبعية والتعليمية، وهذا يرجع إما إلى عدم معرفة مقولات هذه الفرق واختلاف كل منها عن غيرها، وإما عمداً بقصد التشهير والإساءة لأنها جميعها في نظرهم مناهضة لسلطانهم مما يستوجب التقريع والتهجم والتشويه.
    أما في اليمن فإن من أطلق عليهم الكتاب التقليديون اسمَ القرامطة من دون تبصر يختلفون عن سائر القرامطة في سيرورتهم ودعوتهم ولم تكن لهم بهم أي صلة ولا تنطبق عليهم هذه التسمية. وإنما كان من وصل إلى اليمن هم دعاة من الإسماعيليين.
    يوسف الأمير علي
يعمل...
X