محمد بن عبد الله بن علي بن أبي طالب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد بن عبد الله بن علي بن أبي طالب

    محمد عبد الله (نفس زكيه)

    Mohammad ibn Abdullah (Al-Nafs al-Zakiyya) - Mohammad ibn Abdullah (Al-Nafs al-Zakiyya)

    محمد بن عبد الله (النفس الزكية ـ)
    (93 ـ 145هـ/712 ـ762م)

    محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبt، ويُكنى أبا عبد الله، ويُلقّب بالنفس الزكية، وأمه هند بنت أبي عبيدة… بن عبد العزى بن قصي، وكان يُقال: له صريح قريش لأنه لم يكن في جميع آبائه وأمهاته وجداته أم ولد.
    وكان أهل بيته يسمونه المهدي؛ وكذلك عُرِف عند العامة، ولم يزل محمد بن عبد الله منذ كان صبياً يتوارى، ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه، ويتسمى بالمهدي، وتشير بعض الروايات إلى أن مبدأ الأمر أن بني هاشم وبني العباس اجتمعوا في المدينة المنورة حين اضطرب أمر بني أمية، واختلفت كلمتهم عند مقتل الخليفة الوليد بن يزيد (126هـ) ووقوع الفتنة، وتشاوروا فيمن يقدمونه للخلافة، فوقع اختيارهم على محمد بن عبد الله النفس الزكية، وبايعوا له بالخلافة، وسلّموا له الأمر بأجمعهم، ذلك أنه كان من أفضل أهل بيته ومن أكبر أهل زمانه لعلمه بكتاب الله وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه وكل أمر يَجمُل بمثله حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وحضر هذا العقد أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس وأخوه أبو العباس السفاح؛ وذلك قبل أن تنتقل الخلافة إلى بني العباس، وبايعا، وأجمعا مع من أجمع بتقدم محمد بن عبد الله وبفضله.
    ومنذئذٍ خرج الدعاة إلى النواحي يظهرون فضل آل علي والظلم الذي لحقهم ويدعو كل فريق منهم لمرجعه، ولما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا، حرص السفاح والمنصور بعد توليهما على الظفر بمحمد، وأخيه إبراهيم؛ لأنهما رفضا البيعة لأبي العباس ومن بعده للمنصور.
    فتوارى محمد وأخوه، وصارا يتنقلان في الاستتار، والطلب يلاحقهما، ويزعجهما، ولما صار الأمر إلى أبي جعفر المنصور سُعي عنده بآل البيت وبأن محمد بن عبد الله يروم الخروج عليه وبأن دعاته ظهروا في خراسان، فأرسل المنصور سنة 144هـ رياحَ بن عثمان المرّيّ عاملاً على المدينة خلفاً لمحمد بن خالد بن عبد الله القسري الذي عُزل لإخفاقه في تعقّب محمد بن عبد الله، وأمره بحبس عبد الله بن الحسن والد محمد ومن إليه من آل الحسن بن علي بن أبي طالب، فحبسه وجماعة من بنيه وإخوته وبني عمه بلغوا (45) فرداً، وساقهم إلى المنصور مكبّلين بالسلاسل، فحبسهم المنصور في الكوفة حتى هلك معظمهم في الحبس، وجدّ المنصور في طلب محمد بن عبد الله وأخيه إبراهيم المتغيبين، ولما أرهقه طلب محمد، وأعيته مذاهبه بعد حبس أهله وموت ابنه؛ ظهر في المدينة سنة 145هـ/762م ودعا الناس إلى بيعته، وكان خروجه قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم، أو لأن أخاه تأخر في الخروج بالبصرة لمرض أصابه، وكان إلحاح بعض أصحاب محمد عليه بالخروج من أسباب ذلك، في حين أن دسائس أبي جعفر المنصور مستمرة، فهو يكتب إلى محمد على ألسنة قواده أو ألسنة أتباعه بخراسان يستحثونه على الخروج، وقصده أن يستدرجه للتمرد قبل أن يكتمل له الأمر، ولما خرج محمد استفتى أهلُ المدينة الإمامَ مالك بن أنس في الخروج معه، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر قال: إنما بايعتم مكرهين؛ وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته، وخرج محمد ومعه (250) رجلاً، فقصد السجن، وكسر بابه، وأخرج من فيه، ووضع يده على بيت المال، وحبس رياحاً عامل المدينة وأخاه عباس بن عثمان وابن مسلم بن عقبة المرّيّ.
    وصعد المنبر، وقال: «أما بعد، أيّها الناس: فإنه كان من أمر هذا الطاغية عدّو الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم… اللّهمّ إنهم قد أحلّوا حرامك، وحرّموا حلالك، وآمنوا من أخفت، وأخافوا من آمنت، اللّهمّ فاحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً… والله ما جئت هذه وفي الأرض مصر يُعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي فيه بيعة». واستعمل محمد على المدينة - لما أخذها- عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير؛ وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المخزومي وعلى الشرط أبا القلمّس عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطابt، وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المِسْوَر بن مخرمة، ولم يتخلّف عنه من وجوه الناس إلا نفر قليل.
    كما استعمل محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالبt على مكة، ووجه معه القاسم ابن إسحاق بن جعفر بن أبي طالبt ليكون عاملاً على اليمن، وأشفق أبو جعفر من خروج محمد، فاستشار أهله وأصحابه، وبدأ بالتخطيط للظفر به بطرق متنوعة؛ فمن التجسس إلى تبديل الولاة المتكرر؛ ليظفر بوالٍ كفء يعمل بجدّ على الفوز به، وأمر ابن أخيه عيسى بن موسى بالمسير إلى المدينة لقتال محمد، وأرسل معه ابن أخيه الآخر محمد بن أبي العباس السفّاح وكثير بن حصين العبديّ وحميد بن قحطبة وغيرهم، وقال لعيسى: إن ظفرت بمحمد؛ فأغمد سيفك، وابذل الأمان. وإن تغيب فضمنهم إياه، فإنهم يعرفون مذاهبه، ومن لقيك من آل أبي طالب فاكتب لي باسمه، ومن لم يلقك فاقبض ماله، وكان جعفر الصادق ممن قبض ماله، وعقّب أبو جعفر المنصور على خروج محمد؛ فقال: «قد أخرجت الثعلب من جحره»، وقال عند إنفاذ عيسى بن موسى: «لا أبالي أيهما قتل الآخر»، وكان عيسى ولياً للعهد، وطمأنه أصحابه بأن محمداً هلك، وأهلك، وخرج في غير عدد ولا رجال.
    وكتب المنصور كتاباً إلى محمد بالأمان له ولأنصاره والرعاية والبذل وإطلاق أهله من الحبس، وردّ محمد يعرض أماناً مضاداً، ويفخر بنسبه الطالبي وحقه، ويسخر من الأمان الذي أعطي لابن هبيرة وعمّ المنصور عبد الله بن علي وأبي مسلم ثم الغدر بهم، وأجاب أبو جعفر مفاخراً ومجادلاً بأحقية نسبه وعصبيته من الرسولr، وأخفقت المراسلات بين الجانبين، وتوجّه عيسى بن موسى على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل إلى المدينة، ولما أشرف عليها كتب إلى بعض ناس المدينة يطلب إليهم مغادرتها، واستشار محمد بن عبد الله أصحابه فأشار بعضهم بالخروج من المدينة، وبعضهم بالمقام، فأقام وأمر فحُفر الخندق الذي حُفر بأمر الرسولr إبّان غزوة الأحزاب، وأُذِنَ لمن أراد الخروج، فخرج ناس كثيرون إلى الجبال، وبقي في فئة قليلة.
    وجدّد عيسى أمان المنصور لمحمّد ومن معه إن رجع، وأجاب محمد بالرفض، وحاصر عيسى المدينة إلا من منفذ واحد تُرك للهروب، ونادى مناديه أهل المدينة بالخروج أو لزوم المسجد أو لزوم الدور.
    واستعر القتال، وبقي مع محمد بن عبد الله ثلاثمئة من أتباعه المخلصين، ونُصح بالذهاب إلى مصر حيث المال والعدة والرجال، فلم يفعل، وقال أصحابه: نحن اليوم على عدة أهل بدر يوم لقوا المشركين، وكان شعارهم «أحد أحد» وهو شعار النبيr يوم حنين، وخاض محمد وأصحابه قتالاً باسلاً، وصبر نفر من جهينة يقال لهم: بنو شجاع مع محمد حتى قتلوا، واستبسل محمد بن عبد الله حتى ضرب على رأسه، فسقط على ركبتيه، وجاء ابن قحطبة فطعنه في صدره، وقتله، واحتز رأسه، وأرسل الرأس إلى عيسى ابن موسى، فقال عيسى لأصحابه: ما تقولون فيه، فوقعوا فيه إلا قائداً منهم قال: كذبتم، وقلتم باطلاً، ما على هذا قاتلناه، ولكنه خالف أمير المؤمنين، وشق عصا المسلمين وإن كان لصوّاماً قوّاماً.
    وقد رثى شاعر محمداً؛ فقال:
    قبرٌ تضمَّنَ خيرَ أهلِ زمانِهِ
    حسباً وطيبَ سجيَّةٍ وتكرُّما
    رجلٌ نفَى بالعدلِ جورَ بلادِنا
    وعفا عظماتِ الأمورِ وأنعما
    لمْ يجتنبْ قصدَ السَّبيلِ ولمْ يجرْ
    عنْهُ ولمْ يفتحْ بفاحشةٍ فما
    مات محمد بن عبد الله وله (52) سنة، وكان قد روى قليلاً عن أهله.
    قال سفيان الثوري: «إن يرد الله بهذه الأمة خيراً يجمع أمرها على هذا الرجل»، وقال واصل بن عطاء: «يقوم بهذا الأمر خير هذه الأمة محمد بن عبد الله»، وقد بايعه واصل وعمرو بن عبيد من المعتزلة وغيرهما، ودعا إليه الإمامان أبو حنيفة ومالك، وأصابهما من ذلك غضب وأذى.
    وتنسب إلى محمد الفرقة (المغيرية) نسبة إلى المغيرة بن سعد العجلي، وكان يقول: إن المهدي المنتظر هو محمد بن عبد الله، ويستدلّ على ذلك بأن اسمه واسم أبيه كاسم النبيr، وافترقت المغيرية فرقتين:
    فرقة أقرّت بمقتل محمد، تبرؤوا من المغيرة، وفرقة ثبتت على موالاة المغيرة؛ وقالوا: إن محمداً لم يقتل، وإنما تغيب عن عيون الناس وهو في جبل حاجر (نواحي نجد) مقيم إلى أن يُؤمر بالخروج، فيملك الأرض، وتعقد له البيعة بين الركن والمقام، ويجيء له من الأموات سبعة عشر رجلاً، فيهزمون الجيوش، وزعموا أن محمداً لم يقتل، وإنما الذي قُتل شيطان تصور بصورته.
    يوسف الأمير علي
يعمل...
X