عبد اللطيف اللعبي يسرد شهادته عن مرحلة الوباء
«الهروب إلى سمرقند» تنفتح على السيرة الذاتية دون الانتساب إليها
نُشر: 15:43-13 ديسمبر 2023 م ـ 29 جمادي الأول 1445 هـ
TT
20تنتسب سردية «الهروب إلى سمرقند» (دار «الرافدين»/ 2023، بيروت/ ترجمة: أنطوان جوكي) وفق تحديد كاتبها الشاعر عبد اللطيف اللعبي (فاس/ 1942)، إلى أدب مرحلة الوباء. والقصد منه، حصيلة الإبداعات الأدبية كما تمثلت عبر أجناس مختلفة تحقق تدوينها في فترة الحجر الصحي، حيث قيض لكتابها الخضوع لعزلة قسرية جسدت فيها الكتابة الملاذ، والقراءة المتنفَّس. ويحق التمثيل عن تجارب المرحلة برواية التركي أورهان باموق «ليالي الوباء» (2023)، و«يوميات نزيل الوباء» لليبي إبراهيم الكوني، وأيضاً يوميات الكاتب المغربي كمال عبد اللطيف «عيون الموناليزا» (2022)؛ فهذه التجارب عملت على ترجمة واقع المرحلة، لتصدر بعد نهايتها. إنها تأريخ دقيق لحياة الإنسانية ككل.
انبثقت فكرة سردية «الهروب إلى سمرقند»، من حكاية «الوزير وملك الموت» التي اعتقد السارد بوجودها في كتاب «ألف ليلة وليلة». على أنه وهو يبحث، سيجدها منسوبة لفريد الدين العطار في كتابه «منطق الطير». تقول الحكاية:
«في أحد الأيام، حضر وزير الخليفة هارون الرشيد أمامه وقال له، وهو يرتجف من الخوف:
- أتوسل إليك، دعني أغادر بغداد.
- لماذا؟
- في السوق الكبيرة قابلت الموت. كشف وجهه وحدق فيَّ. من المؤكد أنه يريد خطف روحي. عليَّ أن أهرب منه.
فور حصوله على موافقة الخليفة، امتطى الوزير حصانه وتوجه إلى سمرقند. أما هارون الرشيد، فتنكر كعادته في زي متسوِّل وقصد السوق، حيث رأى الموت يحوم. ورغم تنكره، تعرف الموت إليه وانحنى أمامه، فسأله الخليفة:
- ماذا تريد من وزيري؟ لماذا سعيت إلى خطف روحه؟
- لم تكن لديَّ هذه النية. في الحقيقة، فوجئتُ برؤيته آنذاك في بغداد، في حين أن موعدي معه هو هذا المساء، في سمرقند». (ص68 - 69)
إن استحضار الحكاية، وجعلها عنواناً لهذه السردية، هو تمثل لسؤال الموت. وبالضبط في مرحلة الوباء التي يعدها السارد «النشاط الاستثنائي لآلة الموت». من ثم يستعيد القلق الذي راوده ما قبل الوباء وفي أثنائه: كيف سأموت؟ ومتى؟ وماذا سيكون أثر غيابي على الوسط الذي عشت فيه وانتميت إليه؟ فالحكاية توظف لخدمة المعنى الذي تسهم في إنتاجه هذه السردية. إلا أن ما يثير: لماذا فضاء سمرقند بالضبط؟ يقول السارد:
«كم هو جميل اسم سمرقند. القارئ المتنبِّه سيكون قد فهم أن السيد (ناظم) اختاره أولاً لموسيقاه، وهالة الأسطورة التي تتوجه». (ص39)
إن سمرقند في هذه السردية فضاء افتراضي لم يحدث للسارد أن عرفه أو تردد عليه. وبالتالي فهو يوحي بأسفار أقدم عليها لبلدان ودول دون أن يتكهَّن بأي منها سيموت؛ فسمرقند جماع وخلاصة للفضاءات والأمكنة. إنها الخيالي الذي يوحي بالواقعي.
مسألة التجنيس
لا يمكن الذهاب في القول إلى أن «الهروب إلى سمرقند» رواية، ولئن كان الناشر حددها كذلك. إذ لا يتعلق الأمر بحكاية تُحكى، أو تداخل بين الخيالي والواقعي، علماً بأن المؤلف عبد اللطيف اللعبي يعدّ المكتوب «سردية» تهدف إلى إنجاز تدوين يومياتي لوقائع وحالات الوباء كما عاشها السارد «السيد ناظم»؛ فـ«الهروب إلى سمرقند» تنفتح على أدب اليوميات دون أن تكون، وأيضاً على السيرة الذاتية دون الانتساب إليها. من ثم تبقى نموذجاً لسرد مفتوح على مرحلة زمنية من الحياة؛ مرحلة شيوع وباء «كوفيد 19».
«سرديات يتوارى فيها الصوت الحي للكاتب ونفَسه الحارق، ويتوارى أيضاً حضوره الجسدي خلف السطور. ما ينبعث منها غالباً هو صوت مبتذل، كما لو أنه مسجل». (ص 39).
«نحن في آذار (مارس) 2020، ولم يعد هناك بلد أو ركن بعيد عن العالم لم يطله وباء (كوفيد19)» (ص 42).
« كان السرد في طور صياغة شكل فريد جدا». (ص 42)
الشخصية والهوية
كتبت سردية «الهروب إلى سمرقند» باللغة الفرنسية. وتكمن المفارقة في الاسم العلم الذي تفردت به الشخصية؛ فهي في النص الفرنسي «بارد» Barde ومعناه المنشد. وأما في الترجمة العربية فالحديث يتعلق بشخصية «السيد ناظم» التي تعود في الجوهر إلى الانضباط شبه الصارم الذي تخضع له حياة المؤلف والكاتب عبد اللطيف اللعبي الذي برر المفارقة بالقول:
«قصة الاسم هذه لم تحضر صدفة، بلا سبب. لقد حلَّت في الوقت الذي شعر فيه (السيد ناظم) أنه ترك خلفه عذابات كان عليه مواجهتها خلال جزء كبير من حياته. يدل خيار اسم (Barde) بوضوح على أن (جرح اسم العلم)، الذي روج له عبد الكبير الخطيبي، لم يعد أكثر من ذكرى، مثله مثل التمزقات المرتبطة بالمنفى والهوية والإحباط من عدم الكتابة بما يسمى اللغة الأم». (ص119).
يتضح أن هنالك اتفاقاً بين المؤلف والمترجم؛ الاتفاق الذي يستشعر من خلاله القارئ، وكأن الأمر يتعلق بشخصيتين، بينما يرتبط الأمر بواحدة تنزع إلى الحرية والتجرد من الماضي المحيل على إرث آيديولوجي يجسده معجم يتضمن: المنفى، الهوية واللغة الأم. وهو المعجم الذي لازم الكتاب المغاربة الذين كتبوا باللغة الفرنسية، حيث طرح السؤال حول إبداعاتهم: هل ما يكتبونه ينتمي إلى الأدب المغربي، وبالتالي العربي، أم أنه يندرج في الأدب الفرنسي؟
تستعيد شخصية «ناظم»، ما دمنا بصدد النص المترجم، 8 سنوات أمضتها في السجن نظير كفاحاتها، ليثبت ضمن النص رقم السجين (18611)، ويقارن السجن الانفرادي السابق كعقاب، بالجماعي الذي تخضع له الإنسانية وقد تمكن منها الوباء.
«نفهم إذن لماذا يستحوذ الرقم 18611 هذه الأيام على السيد (ناظم)». (ص56)
«هل ساعد حضور سجون الرقم 18611 السيد ناظم على تقبل وتحمل بشكل أفضل قسوة حالة الحصر الراهنة؟ قليلاً». (ص60)
سمرقند في سردية اللعبي فضاء افتراضي لم يحدث للسارد أن عرفه أو تردد عليه. إنها جماع وخلاصة للفضاءات والأمكنة. إنها الخيالي الذي يوحي بالواقعي
الوعي بالتأليف
تمتد سردية «الهروب إلى سمرقند» على إيقاع (48 رقماً). واللافت أن التوزيع جاء مقسَّماً بنوع من التساوي بين الأرقام التي تُعد فصولاً موجزة ومكثفة تنتظمها الدعوة لإشراك القارئ في العملية السردية؛ فشخصية ناظم، توازي كونها تخاطب ذاتها، والمتلقي الذي يتعقب المعنى مجسداً في تفاصيل تشمل حياة الكاتب وأسرته، كما عاداته اليومية وطقوسه في مرحلة الوباء؛ فالتماهي صورة عن المطابقة بين السارد والسيد ناظم والمؤلف. وهو بالتالي التكسير للعزلة والحلم بأن أطرافاً أخرى تشارك اللحظة ذاتها، وتعاني المعاناة نفسها. ولكأني بها تسهم في كتابة ما يكتب، أو أن عملية التأليف ينخرط فيها أكثر من واحد. فالمؤلف يرى نفسه في مرآة الآخرين، ويتخيل الآخرين يبادلونه الرأي والإحساس.
«يعرف قرَّاء كتبه الضرورة المعلنة لديه لإشراكهم في تجربة الكتاب الذي يكون في طور الإعداد، وأمله في كسب تواطئهم على هذا الصعيد؛ فهذه المشاركة، بالنسبة إليه، هي أحد مصادر المتعة التي يشعر بها أثناء الكتابة، وأكثر ما يمنح كتابته، هو معناها الحقيقي». (ص98)
ويحق أن نضيف على مستوى الوعي بالتأليف، التماسك الذي يسم الفصول القصيرة، خصوصاً أن كل فصل يعلق بالذي يليه من ناحية لتوسيع الأفق السردي، ومن أخرى لمتابعة سفر القراءة ومتعتها.
تبقى هذه التجربة الأدبية والإبداعية شهادة على مرحلة ساد وهيمن فيها الخوف من الوباء الذي أجبر الجميع على العزلة والاحتراز. وقد صيغت في قالب سردي يصعب تحديد هويته، بل إن المؤلف الشاعر عبد اللطيف اللعبي ترك النص مفتوحاً على تعدد القراءات والتأويلات.
* كاتب مغربي
«الهروب إلى سمرقند» تنفتح على السيرة الذاتية دون الانتساب إليها
نُشر: 15:43-13 ديسمبر 2023 م ـ 29 جمادي الأول 1445 هـ
TT
20تنتسب سردية «الهروب إلى سمرقند» (دار «الرافدين»/ 2023، بيروت/ ترجمة: أنطوان جوكي) وفق تحديد كاتبها الشاعر عبد اللطيف اللعبي (فاس/ 1942)، إلى أدب مرحلة الوباء. والقصد منه، حصيلة الإبداعات الأدبية كما تمثلت عبر أجناس مختلفة تحقق تدوينها في فترة الحجر الصحي، حيث قيض لكتابها الخضوع لعزلة قسرية جسدت فيها الكتابة الملاذ، والقراءة المتنفَّس. ويحق التمثيل عن تجارب المرحلة برواية التركي أورهان باموق «ليالي الوباء» (2023)، و«يوميات نزيل الوباء» لليبي إبراهيم الكوني، وأيضاً يوميات الكاتب المغربي كمال عبد اللطيف «عيون الموناليزا» (2022)؛ فهذه التجارب عملت على ترجمة واقع المرحلة، لتصدر بعد نهايتها. إنها تأريخ دقيق لحياة الإنسانية ككل.
انبثقت فكرة سردية «الهروب إلى سمرقند»، من حكاية «الوزير وملك الموت» التي اعتقد السارد بوجودها في كتاب «ألف ليلة وليلة». على أنه وهو يبحث، سيجدها منسوبة لفريد الدين العطار في كتابه «منطق الطير». تقول الحكاية:
«في أحد الأيام، حضر وزير الخليفة هارون الرشيد أمامه وقال له، وهو يرتجف من الخوف:
- أتوسل إليك، دعني أغادر بغداد.
- لماذا؟
- في السوق الكبيرة قابلت الموت. كشف وجهه وحدق فيَّ. من المؤكد أنه يريد خطف روحي. عليَّ أن أهرب منه.
فور حصوله على موافقة الخليفة، امتطى الوزير حصانه وتوجه إلى سمرقند. أما هارون الرشيد، فتنكر كعادته في زي متسوِّل وقصد السوق، حيث رأى الموت يحوم. ورغم تنكره، تعرف الموت إليه وانحنى أمامه، فسأله الخليفة:
- ماذا تريد من وزيري؟ لماذا سعيت إلى خطف روحه؟
- لم تكن لديَّ هذه النية. في الحقيقة، فوجئتُ برؤيته آنذاك في بغداد، في حين أن موعدي معه هو هذا المساء، في سمرقند». (ص68 - 69)
إن استحضار الحكاية، وجعلها عنواناً لهذه السردية، هو تمثل لسؤال الموت. وبالضبط في مرحلة الوباء التي يعدها السارد «النشاط الاستثنائي لآلة الموت». من ثم يستعيد القلق الذي راوده ما قبل الوباء وفي أثنائه: كيف سأموت؟ ومتى؟ وماذا سيكون أثر غيابي على الوسط الذي عشت فيه وانتميت إليه؟ فالحكاية توظف لخدمة المعنى الذي تسهم في إنتاجه هذه السردية. إلا أن ما يثير: لماذا فضاء سمرقند بالضبط؟ يقول السارد:
«كم هو جميل اسم سمرقند. القارئ المتنبِّه سيكون قد فهم أن السيد (ناظم) اختاره أولاً لموسيقاه، وهالة الأسطورة التي تتوجه». (ص39)
إن سمرقند في هذه السردية فضاء افتراضي لم يحدث للسارد أن عرفه أو تردد عليه. وبالتالي فهو يوحي بأسفار أقدم عليها لبلدان ودول دون أن يتكهَّن بأي منها سيموت؛ فسمرقند جماع وخلاصة للفضاءات والأمكنة. إنها الخيالي الذي يوحي بالواقعي.
مسألة التجنيس
لا يمكن الذهاب في القول إلى أن «الهروب إلى سمرقند» رواية، ولئن كان الناشر حددها كذلك. إذ لا يتعلق الأمر بحكاية تُحكى، أو تداخل بين الخيالي والواقعي، علماً بأن المؤلف عبد اللطيف اللعبي يعدّ المكتوب «سردية» تهدف إلى إنجاز تدوين يومياتي لوقائع وحالات الوباء كما عاشها السارد «السيد ناظم»؛ فـ«الهروب إلى سمرقند» تنفتح على أدب اليوميات دون أن تكون، وأيضاً على السيرة الذاتية دون الانتساب إليها. من ثم تبقى نموذجاً لسرد مفتوح على مرحلة زمنية من الحياة؛ مرحلة شيوع وباء «كوفيد 19».
«سرديات يتوارى فيها الصوت الحي للكاتب ونفَسه الحارق، ويتوارى أيضاً حضوره الجسدي خلف السطور. ما ينبعث منها غالباً هو صوت مبتذل، كما لو أنه مسجل». (ص 39).
«نحن في آذار (مارس) 2020، ولم يعد هناك بلد أو ركن بعيد عن العالم لم يطله وباء (كوفيد19)» (ص 42).
« كان السرد في طور صياغة شكل فريد جدا». (ص 42)
الشخصية والهوية
كتبت سردية «الهروب إلى سمرقند» باللغة الفرنسية. وتكمن المفارقة في الاسم العلم الذي تفردت به الشخصية؛ فهي في النص الفرنسي «بارد» Barde ومعناه المنشد. وأما في الترجمة العربية فالحديث يتعلق بشخصية «السيد ناظم» التي تعود في الجوهر إلى الانضباط شبه الصارم الذي تخضع له حياة المؤلف والكاتب عبد اللطيف اللعبي الذي برر المفارقة بالقول:
«قصة الاسم هذه لم تحضر صدفة، بلا سبب. لقد حلَّت في الوقت الذي شعر فيه (السيد ناظم) أنه ترك خلفه عذابات كان عليه مواجهتها خلال جزء كبير من حياته. يدل خيار اسم (Barde) بوضوح على أن (جرح اسم العلم)، الذي روج له عبد الكبير الخطيبي، لم يعد أكثر من ذكرى، مثله مثل التمزقات المرتبطة بالمنفى والهوية والإحباط من عدم الكتابة بما يسمى اللغة الأم». (ص119).
يتضح أن هنالك اتفاقاً بين المؤلف والمترجم؛ الاتفاق الذي يستشعر من خلاله القارئ، وكأن الأمر يتعلق بشخصيتين، بينما يرتبط الأمر بواحدة تنزع إلى الحرية والتجرد من الماضي المحيل على إرث آيديولوجي يجسده معجم يتضمن: المنفى، الهوية واللغة الأم. وهو المعجم الذي لازم الكتاب المغاربة الذين كتبوا باللغة الفرنسية، حيث طرح السؤال حول إبداعاتهم: هل ما يكتبونه ينتمي إلى الأدب المغربي، وبالتالي العربي، أم أنه يندرج في الأدب الفرنسي؟
تستعيد شخصية «ناظم»، ما دمنا بصدد النص المترجم، 8 سنوات أمضتها في السجن نظير كفاحاتها، ليثبت ضمن النص رقم السجين (18611)، ويقارن السجن الانفرادي السابق كعقاب، بالجماعي الذي تخضع له الإنسانية وقد تمكن منها الوباء.
«نفهم إذن لماذا يستحوذ الرقم 18611 هذه الأيام على السيد (ناظم)». (ص56)
«هل ساعد حضور سجون الرقم 18611 السيد ناظم على تقبل وتحمل بشكل أفضل قسوة حالة الحصر الراهنة؟ قليلاً». (ص60)
سمرقند في سردية اللعبي فضاء افتراضي لم يحدث للسارد أن عرفه أو تردد عليه. إنها جماع وخلاصة للفضاءات والأمكنة. إنها الخيالي الذي يوحي بالواقعي
الوعي بالتأليف
تمتد سردية «الهروب إلى سمرقند» على إيقاع (48 رقماً). واللافت أن التوزيع جاء مقسَّماً بنوع من التساوي بين الأرقام التي تُعد فصولاً موجزة ومكثفة تنتظمها الدعوة لإشراك القارئ في العملية السردية؛ فشخصية ناظم، توازي كونها تخاطب ذاتها، والمتلقي الذي يتعقب المعنى مجسداً في تفاصيل تشمل حياة الكاتب وأسرته، كما عاداته اليومية وطقوسه في مرحلة الوباء؛ فالتماهي صورة عن المطابقة بين السارد والسيد ناظم والمؤلف. وهو بالتالي التكسير للعزلة والحلم بأن أطرافاً أخرى تشارك اللحظة ذاتها، وتعاني المعاناة نفسها. ولكأني بها تسهم في كتابة ما يكتب، أو أن عملية التأليف ينخرط فيها أكثر من واحد. فالمؤلف يرى نفسه في مرآة الآخرين، ويتخيل الآخرين يبادلونه الرأي والإحساس.
«يعرف قرَّاء كتبه الضرورة المعلنة لديه لإشراكهم في تجربة الكتاب الذي يكون في طور الإعداد، وأمله في كسب تواطئهم على هذا الصعيد؛ فهذه المشاركة، بالنسبة إليه، هي أحد مصادر المتعة التي يشعر بها أثناء الكتابة، وأكثر ما يمنح كتابته، هو معناها الحقيقي». (ص98)
ويحق أن نضيف على مستوى الوعي بالتأليف، التماسك الذي يسم الفصول القصيرة، خصوصاً أن كل فصل يعلق بالذي يليه من ناحية لتوسيع الأفق السردي، ومن أخرى لمتابعة سفر القراءة ومتعتها.
تبقى هذه التجربة الأدبية والإبداعية شهادة على مرحلة ساد وهيمن فيها الخوف من الوباء الذي أجبر الجميع على العزلة والاحتراز. وقد صيغت في قالب سردي يصعب تحديد هويته، بل إن المؤلف الشاعر عبد اللطيف اللعبي ترك النص مفتوحاً على تعدد القراءات والتأويلات.
* كاتب مغربي